اليوم (4/5) تكون قد مرت تسع سنوات على التوقيع على اتفاقية القاهرة، التي تمخضت عنها اقامة السلطة الفلسطينية في غزة واريحا، أولا، ثم اربع سنوات حتى تاريخ الهدف الأصلي للتوصل الى الاتفاق النهائي، الذي كان مفترضاً ان ينهي النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. لكن الهدف لم يتحقق، وعلى خلفية خيبات الأمل السابقة والقتال المستمر في الحاضر، تطلق الولايات المتحدة جهوداً جديدة لاحياء العملية السياسية، تأسيسًا على خطة "خارطة الطريق".في واشنطن استخلصوا العبر من الفشل المتكرر في السنتين الماضيتين، حيث وضعت موضع التنفيذ بضع خطط وبرامج للتخفيف من حدة المواجهة الاسرائيلية - الفلسطينية، غير انها فشلت وانهارت جميعها. قبل ان ينطلقوا في تجربة أخرى ويضعوا مكانة رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، وهيبته في امتحان خطوة سياسية كثيرة المخاطر، يريد مسؤولو البيت الأبيض معرفة مواقف رئيس الحكومة، ارئيل شارون، من مصدرها الأول، وفحص مدى استعداده للمضي قدمًا في المسار السياسي.
من وجه النظر الأسرائيلية، يعتبر شل قدرة سلاح الجو العراقي، الذي توقفت طائراته كليًا عن الاقلاع، من اهم الانجازات التي حققتها القوات الاميركية والبريطانية، اذ تراجع جراء ذلك التهديد الجوي لها (اي لإسرائيل) بدرجة كبيرة. غير ان هذا الامر لا ينسحب على تهديد او خطر اطلاق الصواريخ العراقية، الذي لا يزال مشوباً بالغموض، نظرًا لان المنطقة الوحيدة التي تمت السيطرة عليها بشكل كامل في غرب العراق هي منطقة H3 فقط.كانت اسرائيل قلقة من امكانية قيام العراقيين باطلاق او توجيه احدى طائراتهم باتجاهها، او اطلاق طائرة بدون طيار، محملة بسلاح او قنابل كيمائية او بيولوجية. وقد كـُلِّف سلاح الجو الاسرائيلي، لهذا السبب، بمهمة القيام بدوريات مكثفة جدًا في اجواء البلاد. الان، وبعد شل سلاح الجو العراقي، هناك ضرورة لاتخاذ قرار بشأن كيفية مواصلة حالة الاستنفار ومتى سيحين الوقت لخفض درجة هذا الاستنفار.
الاتصال الهاتفي من الرئيس جورج بوش مساء يوم الاثنين، بشر شارون بانتهاء "فترة الانتظار" الطويلة للحرب في العراق، وبداية فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط. حدثان اثنان شكَّلا دليلاً على العلاقة الوثيقة بين الأزمتين في المنطقة، في العراق وفي المناطق الفلسطينية: تعيين ابي مازن رئيسا للحكومة الفلسطينية، في ظل الانذار الأمريكي لصدام حسين؛ وتصريح بوش حول الالتزام بتطبيق "خارطة الطرق" التي يفترض ان تؤدي، بعد الحرب، الى اقامة دولة فلسطينية.من جهة شارون، فترة الانتظار بدأت في تموز الماضي، عقب خطاب بوش ودعوته الى تغيير القيادة الفلسطينية. رئيس الحكومة تبنى آنذاك توصية الجيش باعتماد سياسة "ادارة المخاطر" التي من شأنها خفض "الارهاب الفلسطيني" الى درجة معقولة، من خلال الامتناع عن التصعيد في المناطق (الفلسطينية) وفي الحدود الشمالية، وتوثيق التنسيق بين اسرائيل والولايات المتحدة. الجنرالات عرضوا امام شارون ثلاثة سيناريوهات قد تساعد اسرائيل ان هي حافظت على الانضباط: الحرب المتوقعة في العراق؛ تراجع قوة ومكانة (الرئيس ياسر) عرفات وصعود قيادة بديلة في الجانب الفلسطيني؛ وبناء الجدار الفاصل. رئيس الحكومة، من جهته، لم يقتنع تماماً بالأبعاد السياسية للجدار الفاصل واستغرب كون الموانع في الضفة الغربية اكثر اهمية من الجدران في الجليل وفي غزة. لكنه عاد في النهاية واقتنع. ولاحظ وزراء رافقوه هذا الاسبوع في جولة على طول "خط التماس" ان شارون "ذوَّت" الجدار، الذي هو المشروع المركزي في فترة رئاسته للحكومة.
حظي ابو مازن امس بترقية غير متوقعة. من رتبة رجل الجهاز في م.ت.ف. رقي الموظف الحزبي الفلسطيني الى صدارة أزمة دولية كبرى.
تعيينه رئيسا للحكومة في السلطة الفلسطينية لم ينجز بعد، لكنه حظي بالمدائح والاطراءات في المؤتمر الصحفي الذي اعقب قمة جزر الازور وبشر بانتهاء الفصل الدبلوماسي في المواجهة بين الولايات المتحدة وبين العراق.
الصفحة 50 من 56