المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اليوم (4/5) تكون قد مرت تسع سنوات على التوقيع على اتفاقية القاهرة، التي تمخضت عنها اقامة السلطة الفلسطينية في غزة واريحا، أولا، ثم اربع سنوات حتى تاريخ الهدف الأصلي للتوصل الى الاتفاق النهائي، الذي كان مفترضاً ان ينهي النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. لكن الهدف لم يتحقق، وعلى خلفية خيبات الأمل السابقة والقتال المستمر في الحاضر، تطلق الولايات المتحدة جهوداً جديدة لاحياء العملية السياسية، تأسيسًا على خطة "خارطة الطريق".في واشنطن استخلصوا العبر من الفشل المتكرر في السنتين الماضيتين، حيث وضعت موضع التنفيذ بضع خطط وبرامج للتخفيف من حدة المواجهة الاسرائيلية - الفلسطينية، غير انها فشلت وانهارت جميعها. قبل ان ينطلقوا في تجربة أخرى ويضعوا مكانة رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، وهيبته في امتحان خطوة سياسية كثيرة المخاطر، يريد مسؤولو البيت الأبيض معرفة مواقف رئيس الحكومة، ارئيل شارون، من مصدرها الأول، وفحص مدى استعداده للمضي قدمًا في المسار السياسي.

يوم الاربعاء الماضي حضر الى مقر اقامة رئيس الحكومة في القدس (الغربية)، مبعوثان من البيت الأبيض: ستيف هدلي، نائب مستشارة الرئيس لشؤون الأمن القومي، وإليوت ابرامس، المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي. زيارتهما تمت بسرية تامة، حتى ان شارون حاول إخفاءها ايضًا عن أعين مسؤولين كبار آخرين في القيادتين السياسية والعسكرية في اسرائيل. من ذلك يمكن ان نفهم ان البيت الأبيض يأخذ موضوع معالجة النزاع الشرق أوسطي على محمل الجد، وهو معني بالتوصل الى تفاهمات هادئة مع شارون، حتى قبل زيارة وزير الخارجية، كولن باول، ومساعديه الى البلاد، خصوصا وانها ستحظى بتغطية اعلامية واسعة.

في القدس (الغربية) يشككون في وزن وزارة الخارجية الأمريكية وقوة تأثيرها، لكن من الصعب الاستهتار بالموظفَين اللذيَن يقدمان التقارير الى مستشارة الأمن القومي، كوندوليسا رايس، مباشرة.

كان مؤدى الرسالة الأمريكية ان بوش يعتزم التفرغ للعمل، بكل قوة، من اجل تهدئة الوضع في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين. ثارت الشهية الدبلوماسية في واشنطن: يؤمن الأمريكان بأن الحرب في العراق خلقت رافعة لاستئناف العملية السياسية. من اجل التخفيف من التخوفات الاسرائيلية من تسوية يتم فرضها على الطرفين، أعلن ان خارطة الطريق ستشكل خطاً موجِّهاً للعملية، وأداة مساعدة تقود الطرفين الى التفاوض، وليست اوامر غير منقوضة. الادارة الأمريكية نشرت "خارطة الطريق" بتحرك متواضع نسبيًا، ووافقت على مواصلة المحادثات مع اسرائيل حول ملاحظاتها وتحفظاتها على الوثيقة، وهي تشجعها على التوصل الى تفاهمات مباشرة مع رئيس الحكومة الفلسطيني، محمود عباس(ابو مازن)، بدلا من الاملاءات الخارجية.

كانت لدى شارون تخوفاته الخاصة. فقد طلب التأكد من ان النشاط السياسي المكثف، الآن، لن يُنسي الادارة الامريكية تفاهماتها السابقة مع اسرائيل: العملية السياسية تجري على مراحل، بحيث يكون التقدم فيها وبينها مشروطًا بالتنفيذ وليس بجدول زمني؛ وقف الارهاب يكون المرحلة الأولى، ولا تجرى اية مفاوضات سياسية وسط اطلاق النيران؛ اسرائيل لن تقبل بـ "وقف لاطلاق النار" أو هدنة في العمليات بديلا عن المعالجة الجذرية للارهاب واجتثاث بنيته التحتية من الأساس. اذا تحققت هذه الشروط وتم القضاء على الارهاب، فسيكون شارون مستعدًا لاحراز تقدم سياسي جدي.

الأمريكيون تعهدوا لشارون بالتمسك باطار المرحلية وبمطالبة الفلسطينيين بوقف الارهاب اولا. الأمريكيون يدركون الاشكاليات الداخلية التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية الجديدة، والاداء الاشكالي الذي تميز به ابو مازن في الشهر الأخير، حيث لم يُبدِ حزماً وقدرة على الحسم. الى جانب الآمال العريضة، ثمة ايضًا غير قليل من علامات الاستفهام. اسرائيل مطالَبة بالاسهام في نجاح "ابو مازن"، بواسطة خطوات لا تنطوي على أي مخاطرة أمنية.

الى اين تريد الولايات المتحدة الوصول؟ التقديرات الاسرائيلية تقول ان الامريكيين يسعون الى اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه في 28 ايلول 2000، عشية بدء الانتفاضة. سيتعين على اسرائيل الانسحاب من المدن الفلسطينية وتفكيك البؤر (المستمسكات) الاستيطانية، بعد ان ينفذ الفلسطينيون حصتهم، ويضمنوا استقرار السلطة الجديدة ويحاربوا الارهاب.

تدرك الاارة الامريكية ان "المستمسكات" الاستيطانية تشكل ورقة مساومة بيد شارون، وان تفكيكها منوط بثمن سياسي. الامريكيون مستعدون للانتظار، لكنهم يحذرون من التحاذق. السفارة الامريكية في اسرائيل طلبت، مؤخرًا، توضيحات عما اذا كانت تسعى اسرائيل، حقاً، الى شرعنة مستمسكات غير قانونية. الجواب الذي حصلت عليه كان مراوغا - الموضوع قيد البحث والفحص، ووزير الأمن شاؤول موفاز، لم ينته من بحثه الى الآن. وليام بيرنز، مبعوث وزارة الخارجية الامريكية، سيطلب معطيات تفصيلية اكثر وضوحًا عن "المستمسكات" المعدة للاخلاء والتفكيك.

في مجال واحد اساسي، لا يشعر الاسرئيليون بضغط امريكي: عمليات الجيش الاسرائيلي لاجهاض العمليات العسكرية (الفلسطينية). الاغتيالات الأخيرة والمعركة في غزة، التي قتل فيها 13 فلسطينيا، لم تستدع أي تنديد امريكي. ممثلو الادارة امتنعوا عن طرح الموضوع في محادثاتهم مع المسؤولين الاسرائيليين، حتى في ذروة العملية في الشجاعية.

مسؤولون أمنيون كبار في اسرائيل قالوا، في نهاية الاسبوع الاخير، ان الوقت يضيق وان "ابو مازن" سيضطر الى التحرك الفعلي قريبا جداً. وحسب رأيهم، فان القرار بشأن المواجهة "التاريخية" مع الارهاب سيتخذ في النصف الثاني من أيار (الفلسطينيون يحيون "ذكرى النكبة" في 15 أيار، ذكرى هزيمتهم في 1948). الآمال كثيرة والدعم الدولي حاسم، بحيث ان فشل هذه المحاولة ايضاً، من شأنه ان يؤدي الى تدهور وتراجع آخرين في الوضع.

( هآرتس ـ 4/5)

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, مجلس الأمن القومي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات