وديع أبونصار انشغلت وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأيام الأخيرة بتحليل فرص رئيس الحكومة الفلسطيني المكلف محمود عباس (أبو مازن) في تحقيق تقدم في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية المتدهورة. وفي الوقت الذي انشغل فيه بعض الإعلاميين الإسرائيليين بشرح ما يتوجب على أبي مازن فعله من أجل إحراز بعض التقدم في المفاوضات الفلسطينية -الإسرائيلية المجمدة، تطرق نفر قليل منهم إلى أهمية قيام رئيس الحكومة الإسرائيلي بتقديم "مساعدات عينية" له، لينجح الأخير في المهمة الشاقة الملقاة على كاهله، في حين يكاد لا يتطرق أحد منهم إلى شرح ماهية المساعدات التي على شارون تقديمها في هذا الصدد.
آن الآوان لأن تقيم الجامعات كليات خاصة لدراسة أرئيل شارون، يجري التعمق فيها في التكهن بنواياه السياسية. هكذا يسبغون الصفة الأكاديمية على الهاجس الأساسي الذي يؤرق السياسييين، والدبلوماسيين والصحفيين منذ توليه السلطة. المقابلات الصحفية الأخيرة معه لمناسبة العيد (الفصح العبري)، والتي تحدث فيها عن استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وذهب بعيدًا حتى الى امكانية اخلاء مستوطنات في المستقبل، وفّرت عملاً وفيرًا للمعلقين والمحللين.وبرز "لغز شارون" مرة أخرى: ما الذي يريده حقا؟ الى اين يتجه؟ وازداد الفضول ازاء انتهاء الحرب على العراق، والصراع في القيادة الفلسطينية والتوقع بأن تفرض امريكا النظام.
يوم الأحد من هذا الاسبوع، اليوم الذي نشرت فيه المقابلة مع رئيس الوزراء في صحيفة (هآرتس)، أجرى شارون لقاء ثنائياً مع أحد الاشخاص الذين رغبوا في اللقاء معه. لم يجر اللقاء في مكتب رئيس الوزراء، اذ ان كل من يدخل الى المكتب ويخرج منه يمكن ان يُرى ويُسجل، بل جري في الليل في منزل شارون في القدس، دون حضور السكرتيرات أو المساعدين.كان الضيف زئيف حفير، الشهير بلقب زامبيش، من قادة "مجلس المستوطنات" ومن يعالج موضوع المستوطنات، والمواقع الاستيطانية (القانونية وغير القانونية)، والاستيلاء على الاراضي وشق الطرق، والميزانيات السرية وما شابه. في المقابلة مع شارون سأله آري شفيط: من سيختار في لحظة الحقيقة المقتربة، بوش أم زامبيش؟ وكان رده: كل واحد منهما هو شخص مميز وايجابي، كل في مجاله ايجابي جدًا.
سُئل سياسي أجنبي، التقى مؤخرًا لمحادثة مطولة مع أريئيل شارون، ما إذا كان انطبع من أن رئيس الحكومة على إستعداد للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، يكون منوطًا بتنازلات. "ليس هناك أي احتمال" أجاب السياسي. "شارون يؤمن بأن الأمن متعلق بالبقاء في المناطق (المحتلة)".شارون لا يقول "لا" أبدًا في المواضيع السياسية، وهو يغلّف مواقفه الصلبة دائمًا بـ "نعم، ولكن". ويرفق شارون بكل وعد أو رمز لتنازل مستقبلي ثمنًا غاليًا مفروضًا على الطرف الآخر. وكل مقابلة أو خطاب تحتوي على ذكر لتنازلات ومرونة، تكون مرفوقة بتصلب في المواقف. وفي المقابلة مع آري شفيط، التي نُشرت في "هآرتس" (13/4)، تحدث رئيس الحكومة عن رغبته في التوصل إلى إتفاق وعن إستعداده لتسويات مؤلمة، مثل إقامة دولة فلسطينية والتنازل عن مساحات من أرض الوطن - وعندها جاء دول الـ "ولكن": إحتمال التوصل إلى إتفاق "متعلق قبل كل شيء بالعرب"، الذين عليهم أن يقضوا على "الارهاب"، وأن يقوموا بإصلاحات وأن يغيروا قيادتهم. هذه مطالب قديمة من شارون، وأضيف عليها هذه المرة مطلب تنازل الفلسطينيين عن "حق عودة" اللاجئين.
الصفحة 49 من 56