من أبرز نتائج حرب الإبادة على قطاع غزة التدمير الممنهج لمعالم الحياة الاجتماعية وترك المجتمع في حالة فراغ تنظيمي، بدون أطر قانونية أو إدارية أو بنى تحتية حيوية. مع نهاية عام 2024، دمرت إسرائيل 63٪ من المنازل، وهجرت 90٪ من سكان القطاع، محوّلة إياهم إلى سكان خيام. كما دمرت نحو 84٪ من المنشآت الصحية، و92٪ من شبكات الطرق والمياه والكهرباء بشكل شبه كامل، تاركة خلفها ما يقارب 40 مليون طن من الحطام، يُقدر أن رفعه سيستغرق نحو 15 عامًا.
وبينما يعيش نحو مليوني فلسطيني في غزة تحت وطأة كارثة إنسانية متفاقمة، تبرز مساعٍ إسرائيلية حثيثة للعب دور محوري إلى جانب العمليات الحربية. فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى منع حركة حماس ووزاراتها وأجهزتها المدنية والإدارية من أي محاولة لتنظيم حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، ومن جهة أخرى تعمل على إعادة موضعة نفسها كالجهة الأكثر كفاءة وقدرة على إدارة الكارثة الإنسانية في القطاع. في 27 آب 2024، أنشأت إسرائيل "وحدة الجهود الإنسانية-المدنية في غزة" تحت إشراف "المنسق"، بهدف تنسيق ما تصفه بالجوانب الإنسانية خلال الحرب. توسعت تدخلات هذه الوحدة بشكل متصاعد من حيث المأسسة، التنسيق مع المجتمع الدولي، والتحكم في ممرات توزيع المساعدات، وبيدها أدوات لحل مشكلة المياه والكهرباء. يُنظر إلى هذه الوحدة كخطوة نحو تأسيس إدارة مدنية تحت السيطرة الإسرائيلية، تمهيدًا لتدخل طويل الأمد يتجاوز العمليات العسكرية، وفقًا لما أشار إليه بعض الضباط الإسرائيليين الذين علّقوا على إنشائها.[1]
تقدّم الورقة الحالية قراءة لتدخلات "وحدة الجهود الإنسانية-المدنية في غزة" حتى نهاية عام 2024. يتناول القسم الأول تلخيصًا لكيفية تنسيق إسرائيل علاقاتها المدنية مع قطاع غزة تحت حكم حماس (2005-2023). أما القسم الثاني فيستعرض التحولات في أسلوب تنسيق الشؤون المدنية خلال الحرب، وصولًا إلى إنشاء وحدة الجهود الإنسانية-المدنية في غزة في آب 2024. يتناول القسم الثالث جميع التدخلات التي قامت بها هذه الوحدة، بما في ذلك التنسيق مع المنظمات الدولية، إدخال المساعدات، التحكم في المستشفيات الميدانية، وغيرها من الأنشطة. أما القسم الرابع والأخير، فيقدم تقديرًا للموقف بشأن مآلات هذا الدور الذي تسعى إسرائيل لاحتكاره، بهدف السيطرة على الكارثة الإنسانية وإدارتها بما يخدم أهداف الحرب واليوم التالي لانتهائها.
مقدمة
يمثل إسقاط نظام الأسد فصلًا جديدًا في تاريخ سورية ويخلط الأوراق الجيواستراتيجية من جديد، ويرى محلّلون إسرائيليون أن التحولات الجديدة تحمل لإسرائيل مجموعة من الفرص والتحديات الأمنية والاستراتيجية، وتفتح الباب أمام إعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية في الشرق الأوسط.
في هذه الورقة استعراض للقراءات الإسرائيلية للتحولات في سورية ورؤيتها الاستراتيجية لها. تنقسم الورقة إلى قسمين:
يستعرض القسم الأول الممارسات الإسرائيلية تجاه سورية بعد 8 كانون الأول 2024، والتي شملت 1) تدمير القدرات الاستراتيجية للجيش العربي السوري، و2) إنهاء اتفاقية فضّ الاشتباك مع النظام السوري والموقعة عام 1974، و3) احتلال ما يقارب 440 كم² من الأراضي السورية، أي ما يعادل ضعف المنطقة العازلة (buffer zone).
ويقدّم القسم الثاني استعراضًا للقراءات والنقاشات الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية حول مستقبل سورية، ويهدف إلى إلقاء الضوء على طبيعة التوجهات الإسرائيلية طويلة الأمد وكيفية تعاطيها مع التحولات في سورية مع التركيز على ما تراه من فرص وتحديات من منظور الأمن القومي الإسرائيلي.
يأتي الحديث عن احتمالية شن إسرائيل عملية عسكرية، منفردة، أو بالشراكة مع الإدارة الأميركية الجديدة، تستهدف تدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بالتزامن مع المتغيرات السريعة التي تشهدها المنطقة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولا سيما منذ منتصف نيسان المنصرم. إذ دخلت العلاقة الإسرائيلية- الإيرانية منذ ذلك الحين مرحلة جديدة لم تعد فيها الاستراتيجيات والأدوات التي كانت حتى ذلك الحين تنظُم المواجهة غير المباشرة صالحة لنَظم المرحلة الجديدة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار النتائج الآنية (على المستوى العسكري على الأقل) لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، والمعلّقة حتى الآن ضمن اتفاق وقف إطلاق نار على حزب الله في لبنان، ناهيك عن المتغيرات السريعة والمفاجئة في سورية وانهيار نظام بشار الأسد والاحتلال الإسرائيلي للمنطقة العازلة وإلغاء "اتفاقية فض الاشتباك" القائمة منذ العام 1973. تحاول ورقة تقدير الموقف هذه تحليل أبرز الفرص والمعيقات/ المخاطر الإسرائيلية الذاتية والموضوعية المحيطة بمسعى استهداف المشروع النووي الإيراني وتدميره ضمن العوامل والمتغيرات الكثيرة والمتسارعة التي تشهدها المنطقة منذ اندلاع هجوم طوفان الأقصى وحرب الإبادة على غزة وجنوب لبنان.
منذ بداية العام 2023، ارتفعت حدة الخلافات في إسرائيل حول دور المستشارة القضائية للحكومة. يدور ظاهر الخلافات حول الدور الرقابي القانوني للمستشارة القضائية الحالية، غالي بهاراف ميارا، في تقييد عمل حكومة نتنياهو اليمينية الحالية. لكن جوهر الخلاف هو صراع بين تيارين رئيسين داخل إسرائيل حول طبيعة نظام الحكم، وسطوة السلطة التنفيذية، ومبدأ سيادة القانون، في دولة تنزاح باستمرار نحو الشريعة اليهودية وقيم المحافظة.
يلعب منصب المستشار القضائي للحكومة دورًا محوريًا في نظام الحكم في إسرائيل باعتباره مراقبًا لقرارات الحكومة وممارساتها، الملزَمة بمراعاة القانون الأساسي الإسرائيلي، وقواعد اللعبة الديمقراطية، ومبادئ القانون الدولي الليبرالي، وذلك وسط سياق استعماري يشمل تهميش فلسطينيي الداخل وتوسيع الاستيطان في الأرض المحتلة.
تُحلِّل ورقة تقدير الموقف الحالية الدور المركَّب لمنصب المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، مع التركيز على طبيعته القانونية والسياسية. تستعرض الورقة الأدوار الرئيسة للمستشار، وعلاقته بالحكومة، ودوره في حماية الديمقراطية الإسرائيلية باعتبارها ديمقراطية المواطنين اليهود، والصراعات مع التيارات السياسية المختلفة، لا سيما اليمين المحافظ الذي يسعى لتقليص صلاحيات هذا المنصب الحساس. توثّق الورقة أمثلة محددة من نزاعات المستشارين القضائيين السابقين مع الحكومات المتعاقبة حول قضايا مثل الاستيطان، والإصلاحات القضائية، وقوانين أخرى مثيرة للجدل. تختتم الورقة بالآثار المستقبلية المحتملة لهذه الصراعات على "النظام الديمقراطي" في إسرائيل.
الصفحة 1 من 19