من وجه النظر الأسرائيلية، يعتبر شل قدرة سلاح الجو العراقي، الذي توقفت طائراته كليًا عن الاقلاع، من اهم الانجازات التي حققتها القوات الاميركية والبريطانية، اذ تراجع جراء ذلك التهديد الجوي لها (اي لإسرائيل) بدرجة كبيرة. غير ان هذا الامر لا ينسحب على تهديد او خطر اطلاق الصواريخ العراقية، الذي لا يزال مشوباً بالغموض، نظرًا لان المنطقة الوحيدة التي تمت السيطرة عليها بشكل كامل في غرب العراق هي منطقة H3 فقط.كانت اسرائيل قلقة من امكانية قيام العراقيين باطلاق او توجيه احدى طائراتهم باتجاهها، او اطلاق طائرة بدون طيار، محملة بسلاح او قنابل كيمائية او بيولوجية. وقد كـُلِّف سلاح الجو الاسرائيلي، لهذا السبب، بمهمة القيام بدوريات مكثفة جدًا في اجواء البلاد. الان، وبعد شل سلاح الجو العراقي، هناك ضرورة لاتخاذ قرار بشأن كيفية مواصلة حالة الاستنفار ومتى سيحين الوقت لخفض درجة هذا الاستنفار.
في المقابل فان الانجاز الاميركي في غرب العراق يعد جزئياً ولا يمكن القول ان هذه المنطقة قد احتلت باكملها وانها تحت السيطرة الاميركية. فمساحة غرب العراق تفوق مرتين مساحة اسرائيل بكاملها. وقد استمرت امس (السبت 22/3) في محيط القواعد العسكرية في منطقة H2، الواقعة في عمق غرب العراق، معارك متفرقة. في المقابل تمت السيطرة على نقطة H3، التي تشمل مطارًا عسكرياً، وتقع على مسافة قريبة من الحدود العراقية الاردنية. صحيح ان هذا الامر يعني بالنسبة لاسرائيل أن خطر الصواريخ المخبأة في العراق قد تضاءل اكثر لكنه لايمكن القول ان هذا الخطر قد اختفى او زال كلياً. وحتى اذا افترضنا أن الرئيس العراقي صدام حسين يخفي صواريخ سكود ورؤوسًا كيمائية او بيولوجية، فانه (صدام) لا يزال في مرحلة يحاول فيها ان يظهر لجماهير المتظاهرين (المعارضين للحرب) في الغرب والعالم العربي أنه لا ينتهك قرارات مجلس الامن وأن المعتدي هو الرئيس الاميركي جورج بوش. وطالما كانت هذه المرحلة مستمرة فان صدام سيكون حذرًا في اللجوء الى سلاح محظور. وعلى ما يبدو فان محاولات السيطرة على غرب العراق سوف تستمر خلال الايام المقبلة، واذا ماتحقق ذلك فان امكانية تعرض اسرائيل لضربات او هجمات عراقية سوف تتضاءل، وكذلك الحال بالنسبة لامكانية قيام اسرائيل بمهاجمة العراق.
طلبت الولايات المتحدة من دولتين – اسرائيل و تركيا- الامتناع عن التدخل بشكل مباشر في الحرب على العراق. ان احتلال 3H ينطوي على مكسب ارضي كبير بالنسبة للاميركيين، من حيث انه يوفر لهم خشبة قفز ممكنة نحو الشرق باتجاه بغداد، وكذلك نحو الشمال باتجاه المنطقة الكردية اذا ما استدعى الامر.
لا يوجد جواب قاطع حول السؤال المتعلق بوضع صدام حسين عقب قصف مركز القيادة المحصن في بغداد، فما من تأكيد او دليل على ان الرئيس العراقي قد اصيب جراء هذا القصف. على العكس، اذ يبدو ان الرئيس العراقي يواصل ادارة السياسة العامة المرتبطة بالحرب. من المؤكد ان الولايات المتحدة ستقوم بجهود استخبارية جبارة للنيل من حياة صدام وذلك بهدف اختصار امد الحرب. ومن الجانب الاخر، واضح ان المهمة الاولى لصدام ونظامه تتمثل في الصمود والبقاء، سواء في مواجهة هجوم اميركي او محاولة اغتيال او في مواجهة امكانية انقلاب احدى وحدات حرسه الجمهوري ضده. وفيما عدا بقاء الزعامة فإن الهدف العسكري العراقي هو الحيلولة دون وقوع اي تمرد وإدامة الحرب لأطول فترة ممكنة. وتأمل اوساط القيادة العراقية أن تؤدي إطالة أمد الحرب، عبر خوض معارك هنا وهناك، الى إلحاق خسائر جسيمة في صفوف القوات الاميركية.
المرحلة التالية، ولعلها الأهم، ستكون عندما يتقدم الاميركيون اكثر باتجاه بغداد، فبقدر ما تتقدم القوات الاميركية صوب العاصمة العراقية بقدر ما تزداد امكانية حصول المواجهة والصدام مع فرق الحرس الجمهوري. وترابط فرق سلاح المشاه التابعة للحرس الجمهوري على مسافة تبعد حوالي 100 كيلومتر الى الجنوب من بغداد.
خلال المعارك التي وقعت في الايام الثلاثة الاولى من الحرب تحدثت الأنباء بصورة اساسية عن المعارك التي تخوضها الفرقة الاميركية المؤللة، في حين يبدو ان فرقتي النخبة المحمولتين جوًا - 82 و 101- الاميركيتين قد اختفيتا من خريطة التشكيلات الاميركية. ولعل هاتين الفرقتين تستعدان للقيام بعملية او خطوة مفاجئة في المرحلة المقبلة من الحرب.
(هآرتس، 23/3، ترجمة : "مـدار")