مسار العملية الانتحارية التي وقعت في تل أبيب فجر يوم الاربعاء (30/4) يشكل، منذ سنين، مصدر قلق كبير للأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها "الشاباك": ناشط في تنظيم اسلامي أصولي، يحمل جواز سفر أوروبيا، ومن شبه المؤكد انه ذو ملامح غربية، يدخل الى البلاد بقناع ساذج، بينما هو ينشط، عمليًا، مبعوثًا من الأجهزة التنفيذية الماهرة في تلك التنظيمات. حتى ان هذه لم تكن المرة الأولى التي تحقق فيها هذا السيناريو. لكن ما يميز العملية التي وقعت أخيرا هو ان الانتحاريين نجحوا في الوصول الى هدفهم.أفضليات ارسال انتحاريين أجانب، بالنسبة الى التنظيمات الارهابية، واضحة ولا ريب فيها. فخلافاً للفلسطينيين، يستطيع الأجانب الدخول الى البلاد بدون اية قيود، تقريباً.
صمود حكومة الوحدة بين الليكود والعمل عامين كاملين شكل الارضية المتينة لبناء مكانة شارون الداخلية والدولية، ولسحق حزب العمل؛ الساحة السياسية بعد الانتخابات ستثبت تحوّل جميع الاحزاب الصهيونية نحو اليمين؛ فوز الليكود المتوقع بفارق كبير على حزب العمل في الانتخابات القادمة، يعني ان حزب العمل الذي كان الحزب الرئيسي على الساحة الاسرائيلية خلال سنوات طويلة، اصبح عنصرا ثانويا، الامر الذي سيفقد اسرائيل استقرارها الداخلي.
وسّع الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة من نطاق عملياته في الضفة والقطاع، في الوقت الذي شددت الحكومة الإسرائيلية من مواقفها ضد السلطة الفلسطينية. وتأتي هذه التطورات في ظل تزايد التقديرات داخل المؤسسة العسكرية بأن الانتفاضة ستشهد تصعيدا إذا لم يتحقق اختراق سياسي في وقت قريب. وقد غدت الانتخابات الإسرائيلية ساحة صراع جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين. واتهم عدد من الوزراء الإسرائيليين السلطة الفلسطينية عموما والرئيس ياسر عرفات على وجه الخصوص بالتدخل في الانتخابات. وأعلنت جهات رسمية فلسطينية عن قرب الانتهاء من بلورة خطة سلام فلسطينية جديدة لعرضها على معسكر السلام الإسرائيلي قبل الانتخابات.وكان الأسبوع الفائت قد شهد ارتفاع وتيرة العمليات الفلسطينية ضد القوات والمستوطنين، بشكل دفع المعلقين العسكريين الإسرائيليين الى التحذير من عودة الفعل الفلسطيني الى مستواه قبل عملية السور الواقي. وأسمى المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت” شهر تشرين الثاني بـ ”تشرين الأسود” نظرا لحجم الخسائر الإسرائيلية من ناحية ولشدة كثافة الفعل الفلسطيني. وقد تجلى هذا التقدير في الرؤية الجديدة التي يعرضها الجيش والمؤسسة الأمنية في إسرائيل. وحسب صحيفة “معاريف”، فإن جوهر التقدير العسكري بات يقوم على ان الانتفاضة ليست على وشك الانتهاء، بل انها سوف تزداد شدة إذا لم يتم تحقيق اختراق سياسي.
يتحدث ناحوم برنياع، في مقال له في "يديعوت احرونوت" من نهاية الاسبوع، عن رسالة سرية ارسلها عشية الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة (فبراير 2001) رئيس "الموساد" المقبل مئير دغان (كان التعيين معروفا حتى منذ تلك الايام) الى ارييل شارون (الذي اصبح بعد شهر من ذلك رئيسا للوزراء). في تلك الرسالة شدد دغان على "المعالجة الموضعية" لمحاور المقاومة في الاراضي المحتلة، وبرأسها المساس بقادة المقاومة في المناطق والخارج؛ والمساس المكثف بالجهات الداعمة لحزب الله بما في ذلك سوريا ولبنان؛ والاستخدام الواسع لـ "الحرب النفسية" في مواجهة الفلسطينيين.تتكون خطة دغان السرية من خمس صفحات، وقد أرسلت في 25 كانون الثاني 2001. وكتب على رأس كل صفحة كلمة "سري". حملت الخطة عنوان "مبادئ خطة لمعالجة العنف في المناطق". (التفاصيل الكاملة منشورة ضمن مقال برنياع في "الايام"، 14 الجاري).
الصفحة 56 من 56