يمرّ المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية بتحولات متسارعة منذ تشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم في 29 كانون الأول 2022. وهي تحولات تستند الى أجندة يمينية استيطانية تقوم على ثلاثة مبادئ: 1) التوجّه نحو ضم الأراضي "ج" وفرض تدريجي للسيادة الإسرائيلية الشاملة عليها؛ 2) رفع عدد المستوطنين إلى مليون نسمة خلال العقدين القادمين؛ 3) الجيش الإسرائيلي الذي يدير الأرض المحتلة، ومستشاروه القانونيون الذين "يغازلون" القانون الدولي، أطراف لم تعُد صالحة، وتمثّل بنية بالية وغير قادرة على تحقيق متطلبات المرحلة الجديدة من النمو الاستيطاني.
في الأيام التي أعقبت هجوم حماس غير المسبوق في 7 أكتوبر على القواعد العسكرية الإسرائيلية، والكيبوتسات، والمدن، ومهرجان نوفا الموسيقي، أعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين رفيعي المستوى أنهم يعتزمون حرمان السكان المدنيين في غزة من أبسط احتياجاتهم. في ذلك الوقت، جاء أكثر من 80 في المئة من البضائع التي دخلت قطاع غزة من إسرائيل، التي أبقت المنطقة تحت حصار صارم مدة سبعة عشر عاما. في 9 أكتوبر/ تشرين الأول، بعد يومين من القصف الجوي المكثف، أعلن وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أنه أمر بقطع المياه والكهرباء والوقود. وأضاف: "ما كان لن يكون".
أحيا شعبنا الفلسطيني في الثلاثين من آذار يوم الأرض الخالد الذي تعود أحداثه للإضراب الشامل والمظاهرات التي انطلقت العام 1976 في جميع البلدات العربية داخل الخط الأخضر احتجاجاً على مصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين في الجليل مما أسفر عن سقوط ستة شهداء وجرح واعتقال المئات نتيجة قمع قوات الأمن الإسرائيلي الوحشي للاحتجاجات. ويرمز يوم الأرض لصمود شعبنا الفلسطيني ونضاله ضد مصادرة الأراضي والتهجير القسري وسياسات الاستيطان والتهويد على جانبي الخط الأخضر، ويعتبر يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني في سعيه لنيل حقوقه.
ما تزال التداعيات الاستراتيجية للهجوم المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة حماس، والفصائل الفلسطينية المقاومة الأخرى، على إسرائيل من قطاع غزة (السبت 7/10/2023)، غير واضحة. فالحدث ما زال يتدحرج ومن الصعب بالتالي التكهن بالكيفية التي سينتهي إليها خاصة بعد إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حالة الحرب للمرة الأولى منذ عام 1973. ومع ذلك، ثمة إجماع داخل الدوائر السياسية والأمنية والاعلامية في إسرائيل على أن ما بعد هذا الحدث لن يكون كما قبله، وأنه يفوق كثيراً الإخفاق الإسرائيلي في حرب تشرين/ أكتوبر 1973. وهناك من بدأ يصف الحدث بأنه بمثابة "أحداث 11 سبتمبر 2001" (في الولايات المتحدة) في نسختها الإسرائيلية بحيث ستكون له تداعيات استراتيجية قد تطاول الشرق الأوسط برمته.
في ورقة تقدير الموقف الأولية هذه، سنحاول وضع تصور للدلالات والتداعيات التي تحملها هذه التطورات وذلك استناداً لقراءة أهم التصريحات والقراءات والتقديرات السياسية والأمنية- العسكرية، والإعلامية.
الصفحة 1 من 61