زيارة زعماء "المؤتمر اليهودي الأوروبي" ـ التنظيم الجامع لليهود في اوروبا ـ الى اسرائيل في نهاية الاسبوع الاخير، وحقيقة ان رئيس الحكومة وجد الوقت للالتقاء بهم، لم تكن في الماضي من المسلمات المفهومة ضمناً في العلاقات بين اسرائيل والشتات. ومثلما درجت اسرائيل على التركيز على العلاقة مع الولايات المتحدة بشكل خاص، هكذا ايضًا برز الأمر في العلاقات مع يهود الشتات: اليهود في امريكا عوملوا باعتبارهم يشكلون ذخرًا سياسياً حقيقياً، بينما تم اهمال بقية الجاليات اليهودية. وبينما حظيت جميع المنظمات اليهودية الأمريكية بعقد لقاءات لممثليها مع رئيس الحكومة، لم يحظ ممثلو الجاليات الاخرى بهذا الشرف الا حين كانوا جزءًا من اطار دولي.في كل ما يتعلق بأوروبا على الأقل، حصل تغيير ما خلال السنتين الأخيرتين. تصاعد الهجمات اللاسامية من جهة، والعداء السياسي المتصاعد تجاه اسرائيل في دول اوروبا الغربة من جهة ثانية، ورغبة اوروبا الموحدة الواضحة باعتماد سياسة مستقلة مميزة عن الأمريكيين، من جهة ثالثة ـ ادت الى تغيير لدى الجاليات اليهودية، كما لدى حكومة اسرائيل ايضا.
الحكومة الجديدة لم تحظ بالتفهم حتي ليوم واحد: فلم تكد تمر 24 ساعة منذ انتهت جلستها الاولي حتي صار عليها ان تتصدي للعملية الخطيرة في حيفا، مع معطيات قاسية للتقصير الكبير في جباية الضرائب في شباط (فبراير)، ومع توترات أولية في تطبيق الاتفاق الائتلافي حول الخلاف علي مستقبل وزارة الاديان. واولئك ا لذين كان عليهم ان يبلوروا الرد الاسرائيلي علي تفجير الباص في شارع مورية في حيفا هم الذين انشغلوا بذلك في الحكومة السابقة ايضا: ارييل شارون وشاؤول موفاز ورئيس الاركان موشيه يعلون ورئيس المخابرات آفي ديختر والطواقم المهنية ضمن مسؤولياتهم. وفقط في تشكيلة الوزراء الذين يصادقون علي توصيات جهاز الامن ويطلقون التصريحات في اعقاب مثل هذا الحدث المأساوي طرأ تغيير: فقد انضم اليها اعضاء المجلس الجدد من شينوي والاتحاد الوطني.منذ التوقيع علي اتفاق اوسلو برز فارق في الشكل الذي ينظر فيه الجيش والمخابرات الاسرائيليان للمواجهة مع الفلسطينيين: الجيش الاسرائيلي يؤمن بالرد بالقوة، اما المخابرات فتتبني الحل الذي يقوم علي اساس التفاهم مع القيادة الفلسطينية. الجيش الاسرائيلي يوفر للقيادة السياسية التقديرات بأن علي المواجهة ان تنتهي بانتصار حاسم يلقن الفلسطينيين درسا بأن الارهاب ليس مجديا ويقتلع من قلوبهم الرغبة في العودة في اي وقت من الاوقات في المستقبل الي مسار العنف، اما المخابرات فتبذل كل ما في وسعها لتوفير معلومات كي يتحقق هذا الهدف، ولكن تقديراتها، وكذا موقف رئيسها، تعبر عن الفهم بانه لا تكفي القوة لتسوية النزاع.
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية، حماس، مؤخرا عن وقفها للمفاوضات التي أجراها معها رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس حول وقف عملياتها المسلحة ضد أهداف إسرائيلية، متهمة عباس بتقديم خطاب ضعيف ومليء بالتنازلات في القمة التي جمعته إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون والرئيس الأمريكي جورج بوش في مدينة العقبة الأردنية يوم الأربعاء الماضي.
بعد وقت قصير من بدء نظر المحكمة العليا في الاعتراضات المقدمة على قرارات لجنة الانتخابات المركزية بشأن حظر ترشيح الدكتور عزمي بشارة والتجمع الوطني الديموقراطي والدكتور أحمد الطيبي والسماح بترشيح باروخ مارزل، تبدأ وسائل الاعلام الالكترونية ببث الدعاية الانتخابية. ولا ريب في ان عملية تل أبيب المزدوجة ستلقي بظلالها على كل من قرار المحكمة العليا الإسرائيلية وعلى طابع الدعاية الانتخابية.وقد طفحت الصحف الإسرائيلية في الأيام الأخيرة بالمقالات التي تتحدث عن تأييد او رفض قرارات لجنة الانتخابات المركزية. وبرزت على هذا الصعيد وجهتا نظر: واحدة تطالب بحظر ترشيح عزمي بشارة والطيبي ليس بسبب ما يقولان، وإنما بسبب ما يفعلان. وترى وجهة النظر هذه ان بشارة والطيبي يخدمان أعداء إسرائيل، ولذلك يجب منع السماح لهما بدخول الحياة البرلمانية. ومقابل ذلك ثمة وجهة النظر التي تعتبر ان بشارة والطيبي هما نتاج أصيل للمجتمع العربي في إسرائيل، وبالتالي فإن الموقف منهما يعني الموقف من كل هذا الجمهور. وهذا يعني ان إبعادهما عن الحياة البرلمانية يعني إبعاد الجمهور العربي، الذي يشكل حوالى عشرين في المئة من مجموع السكان، عن جوهر الحياة السياسية.
الصفحة 45 من 56