حظي ابو مازن امس بترقية غير متوقعة. من رتبة رجل الجهاز في م.ت.ف. رقي الموظف الحزبي الفلسطيني الى صدارة أزمة دولية كبرى.
تعيينه رئيسا للحكومة في السلطة الفلسطينية لم ينجز بعد، لكنه حظي بالمدائح والاطراءات في المؤتمر الصحفي الذي اعقب قمة جزر الازور وبشر بانتهاء الفصل الدبلوماسي في المواجهة بين الولايات المتحدة وبين العراق.
رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير، ذهب بعيدًا في توقعاته من العضو الجديد في نادي رؤساء الحكومات ووصفه بأنه شريك في عملية السلام، وانه الرجل الذي سيحقق حلم الدولة الفلسطينية. خوسيه ماريا اسنار الاسباني اطلق تصريحات مماثلة. كلاهما امتدح الرئيس الأمريكي جورج بوش، على تصريحه من يوم الجمعة الأخير والذي تعهد فيه بدفع "خارطة الطرق" للتسوية الاسرائيلية ـ الفلسطينية، ودعا الى تحريك العملية السياسية بعد تعيين "رئيس حكومة ذي صلاحيات" في السلطة الفلسطينية.
كلما واصل الرأي العام في بلديهما معارضته للحرب، كلما تشبث بلير واسنار بالقضية الفلسطينية طوقا للنجاة السياسية.
في الأسابيع الخيرة اوضح الرجلان لبوش انه ينبغي عدم الفصل بين الأزمتين في الشرق الأوسط - تلك التي في العراق وتلك التي بين اسرائيل والفلسطينيين - وينبغي معالجتهما معًا.
بالنسبة للأوروبيين، فان مسؤولية حل النزاع تقع، بالأساس، على الجانب الاسرائيلي، وان المستوطنات هي جذر السوء.
وفي هذا لا فرق بين دول "اوروبا القديمة" المعارضة للحرب ضد العراق، وبين الزعماء المؤيدين لبوش. لكن معارضي الحرب غير مطالبين باثبات أي شيء، في الوقت الذي تحاول فيه الدول الحليفة للولايات المتحدة التنصل من الصورة الكولونيالية التي ارتسمت لها في الحملة لعزل صدام حسين. فبالنسبة لها، عليها ان تظهر للجمهور في اوروبا انها مهتمة بانهاء الاحتلال الاسرائيلي في المناطق (الفلسطينية)، كي تحظى بشرعية احتلالها للعراق.
بلير اخذ الوصاية على السلطة الفلسطينية واستضاف في لندن سلسلة من اللقاءات الدولية التي كرست للبحث في سبل دعم السلطة الفلسطينية والاصلاحات فيها. المواجهة التي حظيت بتغطية اعلامية بينه وبين رئيس حكومة اسرائيل قبل بضعة اسابيع، استهدفت اثبات ان بريطانيا لا تتخلى عن الفلسطينيين، حتى وهي في طريقها الى بغداد. شارون ايضا استفاد من المواجهة، حين ابدى اصرارًا في مواجهة الأوروبيين المعادين عشية الانتخابات.
في الادارة الامريكية ترددوا. بوش لم يرغب في المس بشارون وتعريض التأييد اليهودي له للخطر. التنسيق مع القدس كان اشكاليا، لأن الموقف الاسرائيلي عانى من تناقض داخلي ـ فمن جهة، رفضت اسرائيل أي ربط مسبق بين الحربين في العراق وفي المناطق؛ وفي الوقت نفسه صرح المتحدثون باسم شارون ان طرد صدام سيؤدي الى انهاء الانتفاضة وهزيمة الفلسطينيين.
* اسرائيل ارادت الحرب على العراق، لكنها رفضت دفع الثمن مسبقاً
اجراءات تعيين ابي مازن وفرت لجميع الأطراف مخرجا مريحاً. بوش خرج بتصريح عن عملية السلام، بلير واسنار احتضناه بلهفة. البيت الابيض سارع الى طمأنة اسرائيل واستعان بديوان رئيس الحكومة الذي يفضل دائما الامتناع عن عرض الخلافات مع الولايات المتحدة، مقابل تأكيد التنسيق والاتفاق. مساعدو شارون، الذين زاروا الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي، عادوا مقتنعين تمامًا بأن وقتاً طويلاً سيمر قبل استئناف العملية السياسية.
مستشارة الرئيس بوش لشؤون الأمن القومي، كوندوليسا رايس، دعت الزعماء اليهود الى مكتبها يوم الجمعة وتعهدت لهم بأن داعي لأي قلق اسرائيلي. لن نقدم على أي عمل من شأنه المس باسرائيل ولن نتحرك دون التشاور والاتفاق، قالت رايس.
"تصريح الرئيس كان يرمي الى تقوية ابي مازن ومساعدته في الحصول على الصلاحيات. نحن الذين سنقود العملية، وليس الاوروبيون. نحن نعلم انكم قلقون من المجموعة الرباعية، لكن نحن الذين نجلس في مقعد السائق"، اكدت رايس.
مدير عام اللجنة ضد التشهير، ايف فوكسمان، عبر عن قلقه حيال الربط الذي نشأ بين العراق وبين النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني.
رايس حاولت تهدئة الخواطر والطمأنة، لكن فوكسمان لم يقتنع. في البيان الذي اصدره عقب اللقاء، هاجم بشدة توقيت البيان الرئاسي والعلاقة التي اقامها بلير بين الازمتين في الشرق الامسط.
(الوف بن، هآرتس، 17/3، الترجمة العربية: "مـدار")