مع اقتراب حرب الإبادة والتدمير الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دخول شهرها الحادي عشر، على التوالي، بما زرعته من قتل ودمار في الجانب الفلسطيني وما مُنيت به من فشل ذريع في الجانب الإسرائيلي في ما يتعلّق بتحقيق أي من أهدافها المُعلَنة، والسيرورة التراكمية لهذه الحرب من حيث انعكاساتها وآثارها التدميرية على الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي وعلى مكانة إسرائيل الدولية؛ هذه الانعكاسات والآثار التراكمية التي بدأت تطفو على السطح بحدّة، كما يظهر من نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر تموز الماضي، التي تأتي لتؤكد هذه السيرورة وتجسّدها في صورة سوداوية قاتمة عن تقييم المواطنين في إسرائيل لـ "الوضع العام" الذي تعيشه دولتهم هذه الفترة، عن "المزاج القومي العام" السائد بينهم في سياق نظرتهم إلى كِلا مُرَكِّبَيّ هذا "المزاج القومي": مستقبل "النظام الديمقراطي" ومستقبل "الأمن القومي"، وعن نظرتهم السلبية إلى حكومتهم وموقفهم منها ومن أدائها، الأمر الذي يظهر في مشاعر الإحباط، الغضب وخيبة الأمل.
في أواسط الأسبوع الفائت، توجه رئيس منظمة المعلمين في إسرائيل ران إيرز، برسالة إلى وزير التعليم يوآف كيش، أكّد له فيها عدم استعداد النقابة لمواصلة المفاوضات حتى بدء العام الدراسي، وحدد يوم الأربعاء من هذا الأسبوع كآخر يوم للتوصل إلى اتفاق، وإلا فلن تُفتتح المدارس.
وجاء في نص الرسالة: "لا نريد أن نكرر مرة أخرى المشهد الذي سبق افتتاح العام الدراسي الماضي، بتاريخ 31/8/2023 عندما كان علينا في اللحظة الأخيرة قبول الاتفاق على افتتاح العام الدراسي بناء على وعود شفهية ومن دون اتفاقية موقعة. نحن لسنا معنيين بتمديد المفاوضات إلى ما بعد 27/8 أو 28/8. فإذا لم يتم التوقيع على اتفاقية جماعية بحلول ذلك الوقت، سنضطر إلى تعطيل بدء العام الدراسي، مثلما سبق أن أخبرناكم عدة مرات وكما قلنا في وسائل الإعلام". وشدّد إيرز: طالما ليس هناك اتفاق جماعي، فلن تكون اتفاقيات بشأن أي موضوع. هذا الموقف سبق أن أعلنته نقابة المعلمين قبل نحو شهرين، حيث أكدت أنه بدون اتفاق على الراتب، أي إذا لم يتم العثور على مصدر لتمويل الاتفاق، فالاحتمال الأكبر هو تعطيل افتتاح العام الدراسي المقبل في مطلع أيلول. وحتى الآن، مع اقتراب بدء العام الدراسي، لم تقدّم الحكومة أي بديل.
في ضوء حالة الترقّب التي تعيشها المنطقة بعد الاغتيالات الأخيرة التي نفذّتها إسرائيل، وردّ إيران وحزب الله المحتمل، واستمرار حرب الإبادة على قطاع غزة، تنشغل العديد من القراءات الإسرائيلية في توقّع الرد وحجمه وتأثير ذلك على وجهة الصراع بين إيران وإسرائيل، وعلى مصير الحرب على قطاع غزة، وعلى المنطقة برمّتها. هذه المساهمة، تُقدّم استعراضاً لتقرير مطوّل أعدّه إيتام ألدمون للقناة 12 الإسرائيلية، يتضمّن مداخلات لباحثين إسرائيليين متخصّصين في الشأن الإيراني، يُسلّط الضوء على استراتيجية إيران في مواجهة إسرائيل على مدار السنوات الماضية، وعلى التحولات في المواجهة بينها وبين إسرائيل، كما ويستعرض فرص إسرائيل لتغيير المعادلة القائمة منذ عقود، لا سيّما بعد التحول الحادّ في المواجهة خلال الأشهر الماضية في أعقاب الاعتداء الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا وما تلاه من هجوم للمسيرات والصواريخ الإيرانية 14 نيسان على إسرائيل. جدير بالذكر أن كل المصطلحات والأفكار والطروحات الواردة في هذه المساهمة مصدرها التقرير نفسه ولا تُعبّر عن الكاتب أو مركز "مدار".
منذ بداية العام الحالي، لم تتوقف اعتراضات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مما أدى إلى بروز "حركة الأمر 9" في الساحة الإسرائيلية. وزادت شهرة الحركة بشكل كبير بعد فرض العقوبات الأميركية على مؤسسيها، مما جعلها محور اهتمام الإعلام اليميني، مثل القناة 14. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على "حركة الأمر 9" اليمينية من خلال تقديم نظرة شاملة على ماهيتها وأهدافها وتركيبتها، فهي واحدة من أبرز الحركات التي ظهرت مؤخراً في المشهد السياسي والاجتماعي الإسرائيلي.
شهدت أسواق المال الإسرائيلية، بما فيها قيمة الشيكل، الأسبوع الماضي، حالة عدم استقرار شديدة، تُذكّر بمرحلة بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تراجعت البورصات بنسب ملحوظة، قبل أن يهدأ التراجع في نهاية الأسبوع، وكذا بالنسبة لقيمة الشيكل، الذي فقد خلال أيام قليلة حوالي 3.5% من قيمته أمام الدولار، لكن تم لجم هذا التراجع في نهاية الأسبوع؛ وكان هذا مؤشرا لما سيكون في حال تفجّرت الأوضاع العسكرية أكثر في المنطقة، وهذا ما قاد وكالة تصنيف ائتماني اقتصادي عالمية إلى التحذير من وضعية الاقتصاد الإسرائيلي، الذي قد يواجه خفضا آخر في مستوى حصانته لدى المؤسسات المالية العالمية. وفي ظل هذا أظهر تقرير جديد لسلطة الضرائب الإسرائيلية اتساع الفجوات الاقتصادية الاجتماعية، إذ تبين أن 1% من السكان يسيطرون على 17% من مداخيل العائلات، فيما الضرائب التي يدفعونها أقل من مستواها في الدول المتطورة.
تشهد دولة إسرائيل، منذ سنوات غير قليلة، ازدهاراً كبيراً ومتواصلاً لما يُسمى "اقتصاد الاعتمادات المالية" الذي يوازيه، أيضاً، "ازدهار" ـ ازديادٌ مُطَّرد ومتواصل في حجم الديون التي تتراكم على الاقتصادات الأسَريّة. لكنّ أحد الجوانب الكارثية في أزمة هذه الديون هو كونها محكومة، أيضاً، بمعادلة "انعدام المساواة"، أو التمييز القومي بتعبير أصحّ؛ فالمواطنون العرب في إسرائيل أكثر عرضة، بكثير، للضائقة الاقتصادية وانعكاساتها المختلفة على شتى مجالات الحياة، مقارنة بالمواطنين اليهود، إلى جانب كونهم يعانون أيضاً من التمييز في "سوق الاعتمادات المالية المؤسساتية"، الأمر الذي يضطرهم إلى الاقتراض من "السوق السوداء"، التي لم يعد خطرها ينحصر في الجانب الاقتصادي وفي تأزيم ضائقتهم الاقتصادية ـ المالية فحسب، بل أصبح يتعدّاه ليصل إلى أمان المواطنين العرب وأمنهم، الاجتماعي والنفسي والجسدي أيضاً. ويشكل هذا المجال أحد التفسيرات الأساسية لتفشي واستفحال ما يسمى بـ "الجريمة المنظمة" في المجتمع العربي في داخل إسرائيل وكونه أحد المصادر الأساسية التي تغذي الحروب المنفلتة بين عصابات الجريمة هذه وما أوقعته من ضحايا، تُعدّ بالآلاف حتى الآن.
الصفحة 9 من 324