المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
إحياء ذكرى النكبة في جامعة بئر السبع.  (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 19
  • هشام نفاع

في أواسط هذا الشهر، تقدمت عضو كنيست من الحزب الفاشي "عوتسما يهوديت" المشارك في ائتلاف وحكومة اليمين باقتراح قانون بين أهدافه المعلنة: "فرض تقييدات على وجود وأنشطة حركات طلابية في الأكاديمية تدعم الإرهاب أو الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل وفرض عقوبات أكاديمية مثل إبعاد وسحب الاستحقاق من طالب أدين بدعم أو بالتحريض على الإرهاب".

جاء اقتراح القانون ضمن موجة التحريض الشعبوي اليميني على العرب الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل عموماً، والطلاب الجامعيين منهم هنا تحديداً، وليس لمعالجة حالات حقيقية عينية. وما دلّ على ذلك هو أن رؤساء المؤسسات الأكاديمية الذين شاركوا في جلسة لجنة التربية والتعليم في الكنيست التي بحثت الاقتراح، عبّروا بوضوح عن معارضتهم الشديدة لاقتراح القانون بل دعوا إلى عدم الانصياع له في حال المصادقة عليه. وجزمَ أحد رؤساء الجامعات بأنه: "إذا كانت هناك مشكلة تحريض في الجامعات، فهي التحريض ضد الطلاب العرب".

​​​​​​​​مقدّمة اقتراح القانون، النائبة ليمور سون هار ميلخ، تذرّعت قائلة إن: "الهدف هو الردع"، وتوفير "الأدوات للمؤسسات الجامعية للتعامل مع الظاهرة المتزايدة من التحريض ودعم الإرهاب". لكن هذا لم يثر معارضة المؤسسات والجهات الحقوقية فقط، بل ممثلي المؤسسة الحاكمة نفسها. فقد شدّدت المستشارة القانونية للجنة البرلمانية، مثلاً، على أن "مجرد التدخل بتشريع في موضوع تسوية أنشطة عامة وسياسية في المؤسسة الأكاديمية، هو أمر استثنائي ويمثل مساً باستقلالية مؤسسات التعليم العالي وهو أمر غير مقبول". وأوضحت أن "الظواهر والتصريحات الخطيرة التي تمثل دعما وتحريضا للإرهاب يجب التعامل معها من قبل سلطات إنفاذ القانون" أما "كل ما يخص التصريحات فإنها تقع في المنطقة الرمادية، وتخضع لتفسيرات متعددة ولمخاوف من وجود تحيزات". 

​الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية البروفسور في القانون مردخاي كريمنيتسر أكد على أن: "هذا التشريع يذكرني بما يجري في الأنظمة الاستبدادية. هذا القانون جاء لغرض الاستفزاز. هذا القانون يكمم الأفواه. ويمس بسمعة الأكاديمية وكأن الطلاب والمحاضرين يقومون بالتحريض على الإرهاب. يجب الحفاظ على حرية التعبير السياسية بالضبط من أجل الأمور التي تشمئز لها الأبدان".

وزير التربية والتعليم تجنّد أيضاً مع 

بدء حملة ملاحقة الطلبة الجامعيين

للتذكير: لقد أيّد وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، علناً الإجراءات التأديبية التي اتخذتها المؤسسات الأكاديمية ضد الطلاب الفلسطينيين. وأصدر رسالة تنص على أنه يجب على المدارس "إيقاف أي طالب أو موظف على الفور يدعم الأعمال الإرهابية الهمجية التي تشهدها دولة إسرائيل حالياً" وأنه "في الحالات التي يوجد فيها تحريض بالفعل، يجب أن تصدروا قرارات بالفصل الدائم".

وردّت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي: "هناك هجمة منظمة لأهداف سياسية تنظمها جهات يمينية عنصرية لملاحقة الطلبة العرب والضغط على المؤسسات الأكاديمية لطردهم من التعليم مستغلة الأوضاع الأمنية في البلاد، حيث نشهد تواطؤاً خطيراً لبعض المؤسسات الأكاديمية مع هذه الحملة. كان من الأجدر أن تقوم هذه المؤسسات بلعب دور إيجابي في التهدئة بالذات في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الشعبان. تقوم هذه المؤسسات بخطأ فادح؛ بالذات أن هناك من يراقب الطلاب العرب ويعمل بشكل منهجي على ملاحقتهم. وفي المقابل، هناك نشر تحريضي وعنصري واسع النطاق من قبل طلبة ومحاضرين يهود بدون رقيب".

وحذّرت اللجنة على لسان رئيسها د. شرف حسان: "إننا نخشى من أن تؤدي هذه الحملات إلى اعتداءات وعنف ضد الطلبة ومحاضرين عرب ويهود ديمقراطيين.  ندعو الطلبة والمحاضرين العرب إلى اليقظة والحذر خصوصاً في مجال النشر على شبكات التواصل والتوجه لتلقي الاستشارة القانونية، خاصة وأن الملاحقات عنصرية وظالمة. كما ندعو المؤسسات الأكاديمية إلى وقف التعاون مع الحملات التي تستهدف الطلبة العرب والقيام بدور إيجابي للجم التحريض والعنصرية خصوصاً أن العام الدراسي سيفتتح في الأسابيع القريبة".

كما أن "جمعية حقوق المواطن" أعلنت حينذاك أن اتجاهات إسكات وقمع وسائل الإعلام والصحافيين والنية لكم أفواه المواطنين الذين ينتقدون الحكومة تزداد قوة. ثمة سلسلة من مشاريع القوانين الصارمة، التي تتميّز بها الأنظمة الظلامية، تتراكم في لجان الكنيست. الاعتقالات، والحرمان من الميزانيات، وإغلاق وسائل الإعلام - هذه ليست سوى بعض من التدابير التي تخطط الحكومة لاتخاذها ضد منتقديها. ووافقت اللجنة الوزارية للتشريع على سلسلة من مشاريع القوانين الخاصة لتعديل المادة 24، والتي تسعى إلى تغيير التوازنات في القانون والمس بشكل غير متناسب بحرية التعبير.

"إذا كانت هناك مشكلة تحريض 

في الحرم الجامعي فهي ضد العرب"

في كلمته أمام جلسة لجنة التربية والتعليم، وصف رئيس الأكاديمية القومية الإسرائيلية للعلوم البروفسور دافيد هرئيل اقتراح القانون بأنه "شديد القسوة"، ودعا رؤساء المؤسسات الأكاديمية بما لا يقبل التأويل لمعارضته قائلاً: "في حال مرّت هذه القوانين بصيغتها الأولية أو المخففة أدعو جميع رؤساء مؤسسات التعليم العالي الأكاديمية للإعلان بشكل صريح عن رفضها وعدم الانصياع لها. أنا أعي أن هذه دعوة للرفض وأنا مستعد لتحمل النتائج. من المحظور أن يتم تمرير هذا القانون، حتى ولو بالفترات العادية، وبالتأكيد ليس في الفترة التي نشهد فيها تدهورا وضعفا كما هي الحال اليوم".

بينما وصف رئيس معهد التخنيون للعلوم التطبيقية البروفسور أوري سيفان اقتراح القانون بأنه "عقاب أكاديمي". وتابع: "أنتم تعالجون مشكلة غير قائمة. الموجود هو ضمن الهامش ونحن نعرف كيف نعالج ذلك ضمن إطار الأنظمة التأديبية والسلوكية. القانون يضع دمغة فوق شريحة سكانية معينة بأنها داعمة للإرهاب. هذا الأمر يمس بالحقوق الأساسية. اقتراح قانون من هذا النوع يوفر الذرائع لمنظمات المقاطعة ولدعوات المقاطعة ضدنا. إذا خضعت المؤسسة الأكاديمية للسيطرة من قبل الحكومة – فإننا لا نريد أن نتعاون معها. إذا قمنا بإضعاف المؤسسة الأكاديمية كما سيجري في أعقاب اقتراح القانون هذا، فإننا سنلحق الضرر بأمن دولة إسرائيل، اقتصادها وحصانتها الاجتماعية".

رئيس جامعة تل أبيب البروفسور أورئيل بورات قال لأعضاء الكنيست معارضاً التشريع المقترح: "المؤسسة الأكاديمية تتعرض هنا لمحاكمة. لم تكن ولا حتى حالة واحدة للتحريض على الإرهاب في جامعة تل أبيب. هذا التشريع يحاول خلق أحكام خاصة بموضوع التحريض على الإرهاب داخل الحرم الجامعي. أنتم تسعون لتحويل الجامعات إلى مؤسسات تحقيق، إنفاذ وعقوبات". وأضاف: "نحن نقوم بالكثير من أجل تخفيف الضرر ولكن على ما يبدو فإن ذلك غير كاف. إذا كانت هناك مشكلة تحريض في الحرم الجامعي، فهي ضد العرب. لا يوجد أي تحريض آخر".

"نعاني من المقاطعة الأكاديمية الخفية 

والعلنية فلماذا تثقلون علينا؟"

بدا واضحاً من مواقف ممثلي المؤسسة الأكاديمية مدى الضغط الذي يتعرضون له وسط الحالة النقدية الشديدة في الفضاء الأكاديمي الدولي بسبب سياسة وممارسات إسرائيل الرسمية الحربية، وذروتها حرب الإبادة على قطاع غزة. وقال عدد منهم بصراحة إن تمرير هكذا قانون سيزيد من أزمة مؤسساتهم. وأوجزت ذلك رئيسة لجنة رؤساء الكليات البروفسورة يفعات بيطون بقولها: "كل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية تعاني من المقاطعة الأكاديمية الخفية والعلنية. فلماذا تثقلون علينا حملا جديدا؟".

وقد نقلت صحيفة "كالكاليست" العبرية الاقتصادية، أواخر الشهر الفائت، أنه "بعد 14 شهراً من حرب قطاع غزة، تعيش إسرائيل عزلة دولية غير مسبوقة (...) وكل يوم يمر يشدد الحصار على إسرائيل أكثر، ابتداءً من شركات الطيران الأجنبية التي اختفت من لوحة مطار بن غوريون، مروراً بالحكومات التي ترفض بيعها أسلحة، والفنانين الذين ألغيت عروضهم بسبب هويتهم، إلى التعاون الأكاديمي الذي توقف فجأة، وشركات البنية التحتية الدولية التي قررت الانسحاب من المشاريع الإسرائيلية".

وأشارت خصوصاً إلى أن "أكثر من 300 باحث إسرائيلي عانوا من المقاطعة الأكاديمية منذ بداية الحرب، والتي تجلت في منع نشر المقالات، وإلغاء المقابلات والمحاضرات، ومنع المشاركة في المؤتمرات، ومنع الشراكات البحثية، تأخير أو إلغاء التبادل الطلابي وإلغاء المنح البحثية. وتنضم هذه المقاطعات إلى المظاهرات التي شهدتها الجامعات الأميركية على مدار العام الماضي".

وتابعت في السياق الثقافي ذاته إن "القليل فقط من الفنانين العالميين على استعداد لتقديم عروض هنا، وقليلون هم على استعداد لإعطاء منصة للفنانين الإسرائيليين في الخارج". ونقلت عن مديرة قسم الفنون في وزارة الخارجية: "في العام العادي كنا نستضيف في فعالياتنا أكثر من ألف مدير فني من أنحاء العالم، وهذا العام جاء 20 بالمئة - 30 بالمئة من الضيوف". وكذلك: "للوضع المتوتر تأثير سلبي على الرياضة الإسرائيلية. العام الماضي ألحق أضرارا بالغة بأنشطة الفرق الرياضية الإسرائيلية، فجميعهم مجبرون على استضافة مباريات في الخارج فقط، ويواجهون صعوبة كبيرة في التعاقد مع لاعبين أجانب".

وبعد استعراض الحاصل في قطاعي الصناعة والسياحة خلصت، في إقرار غير اعتيادي في الإعلام الإسرائيلي، إلى أن "الرأي العام العالمي سرعان ما بات يميل تماماً نحو الفلسطينيين، بإبراز حجم الدمار والموت في غزة، مقابل تحويل الحكومة صورة إسرائيل إلى شخص مهووس بالحرائق متعطش للدماء".

موجة الملاحقة ضد الطلاب الفلسطينيين 

مواطني إسرائيل غير مسبوقة 

أمام هذه الملاحقات يواصل الجامعيون العرب مواجهتها في إطار "الهيئة المشتركة للكتل الطلابية" التي تشكلت بمبادرة لجنة المتابعة العليا والهيئة العربية للطوارئ وبالتنسيق مع لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، "بهدف متابعة قضايا الطلاب والملاحقات العديدة التي يتعرضون لها، وإعادة تنظيم الجسم التنسيقي الوحدوي للحركات الطلابية على أن يكون عنواناً للطلاب في هذه الظروف".

وفقاً لمركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلقت 36 جامعة وكلية في إسرائيل موجة غير مسبوقة من الإجراءات التأديبية ضد الطلاب الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، وبالأساس بسبب منشورات متعلقة بالحرب على غزة عبر حساباتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المؤسسات الأكاديمية استهدفت الطلاب الفلسطينيين حصرياً، ولم تتخذ إجراءات تأديبية ضد الطلاب الإسرائيليين اليهود الذين حرضوا ضد العرب. وقالت إنها مثلت 95 طالباً في إجراءات تأديبية، وتجسير، واستئنافات، كما قدمت استشارات قانونية لطلاب آخرين ومحاميهم.  

وكان هذا المركز القانوني قد أطلق توجهاً بتاريخ 12/10/2023 بشأن إجراءات فصل من الجامعة أو دعوة للجان الطاعة "إلى طالبات وطلاب جميع المؤسسات الأكاديمية" جاء فيه: "في الفترة الأخيرة تعدّدت حالات الفصل، الإبعاد والدعوة إلى لجان طاعة على خلفية نشر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. إذا كنت قد تعرضت إلى مثل هذه القرارات، بإمكانك التوجه إلى مركز عدالة للحصول على إرشاد ودعم قانوني في الإجراءات".

وأفاد المركز في حينه أنه رصد 96 حالة لإجراءات تعسفية بحقّ طلاب عرب في الجامعات والكليات، يواجهون إجراءات عقابية بزعم "دعم الإرهاب" بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن الجامعات والكليات الإسرائيلية اتخذت عدداً غير مسبوق من الخطوات لفصل عشرات من الطلاب الفلسطينيين بشكل دائم أو مؤقت بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي، غالباً بدون عقد أي جلسات استماع للطلاب. كذلك أصدرت بعض المؤسسات الأكاديمية أوامر بالإخلاء الفوري لبعض الطلاب من مساكنهم. ووصفت هذه المؤسسات منشورات الطلاب بـ"دعم الإرهاب" أو "التعاطف مع التنظيمات الإرهابية" في حين أن الغالبية العظمى من هذه المنشورات عبرت عن تضامن الطلاب مع أهالي قطاع غزة وتنديدهم باستهداف السكان المدنيين، وهي أفعال تقع ضمن نطاق حرية التعبير.

المصطلحات المستخدمة:

التخنيون, الكنيست, يوآف كيش

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات