من المتوقع أن يقدّم الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقاته الداخلية المتعلقة بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والذي كشف عن إخفاقات كبيرة على صعيد الاستخبارات، والاستعدادات الوقائية، والأداء العملياتي أثناء التعامل مع الهجوم. وتهدف التحقيقات إلى تحديد الثغرات ونقاط القصور في القيادة العسكرية. استغرقت هذه التحقيقات حوالى عام كامل، حيث بدأت في كانون الثاني 2024 ومن المقرر تقديمها إلى المستوى السياسي، ممثلاً بوزير الدفاع، في كانون الثاني 2025.
في ما يلي عرض لبعض النتائج التي تسربت إلى العلن قبل الإعلان الرسمي عن التقرير النهائي. كما سنناقش أهمية هذه التحقيقات بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي كمؤسسة، وتأثيراتها على المجتمع الإسرائيلي بشكل أوسع.
- لماذا التحقيق الداخلي في الجيش الإسرائيلي؟
بحلول نهاية كانون الثاني 2025، يُنتظر أن يكشف الجيش الإسرائيلي عن تحقيق شامل يُعالج إخفاقاته في التعامل مع هجوم 7 أكتوبر. تأتي هذه الخطوة استجابة لضغوط سياسية وشعبية متزايدة، وتهدف إلى ترميم صورة الجيش واستعادة الثقة في منظومته الأمنية، التي لم تعد تُعتبر "البقرة المقدسة" في إسرائيل، بل أصبحت عُرضة للتجاذبات السياسية. على المستوى الداخلي في الجيش، يُنظر إلى الهجوم باعتباره "زلزالاً" هزّ الصورة الذاتية التي يرى الجيش الإسرائيلي بها نفسه كقوة احترافية، حديثة، ومتفوقة في التكنولوجيا العسكرية والاستخباراتية، وقادرة على "فهم العدو ودراسته بعمق". هذا الزلزال فتح الباب أمام طرح أسئلة محورية في النقاش العام داخل إسرائيل. هل المستوى السياسي هو الذي وضع الجيش أمام تصورات خاطئة بشأن غزة ودفعه إلى اعتناقها، أم أن الجيش ذاته يتحمل المسؤولية الأساسية عن الإخفاق، مما يُعفي حكومة نتنياهو من المساءلة؟ من هي اللجنة القادرة على إجراء تحقيق مهني وحيادي يحظى بقبول واسع للإجابة على هذا التساؤل؟
في ظل هذا الجدل، أعلن رئيس هيئة الأركان هيرتسي هليفي في تشرين الثاني 2024 أنه سيتخذ قرارات شخصية بعد الانتهاء من المهام الموكلة إليه، مما يُفسر على نطاق واسع بأنه يلمح إلى نيته الاستقالة عقب استكمال التحقيقات. وأضاف: "بصفتي قائد الجيش، الذي يتحمل مسؤولية الجيش الإسرائيلي [بكل أذرعه، أسلحته، وشُعبه]، هذه التحقيقات الداخلية التي نجريها لا تعتبر بديلاً عن أي آلية تحقيق خارجية قد تراها دولة إسرائيل، وسيتعاون الجيش الإسرائيلي مع أي آلية تحقيق خارجية يتم تحديدها".
- ما هو نطاق التحقيق الداخلي للجيش الإسرائيلي، وإلى ماذا ينظر؟
تشمل التحقيقات مستويات متعددة داخل الجيش الإسرائيلي، مع التركيز على الوحدات والأجهزة ذات الصلة المباشرة بقطاع غزة، مثل شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والقيادة الجنوبية المشرفة على فرقة غزة. كما تمتد التحقيقات لتشمل الأجهزة المسؤولة عن الاستعدادية والجهوزية وفعالية التعامل مع الهجوم، مثل قسم العمليات والقوات الجوية.
تركّز التحقيقات أيضاً على معارك محددة، مثل معركتي بئيري ونير عوز، لتحليل تفاصيلها الدقيقة واستخلاص العِبر. وفي هذا السياق، تولي التحقيقات اهتماماً خاصاً بالكيبوتسات التي شهدت معارك دامية ساعات طويلة وفشلاً تاماً في منع المقاومين من تنفيذ عملياتهم. من المتوقع أن تؤدي هذه التحقيقات إلى عرقلة ترقية العديد من كبار الضباط أو إلى إعفائهم من مناصبهم، ما يطرح ضرورة استحداث آليات جديدة لفرز القيادات العسكرية. ورغم أن بعض نتائج التحقيقات الجزئية قد أُنجزت وكُشف عنها، فإن التقرير النهائي سيعمل على دمج كافة النتائج في وثيقة شاملة.
في ما يلي استعراض لبعض نتائج التحقيقات الجزئية التي أُنجزت، والتي ستُدمج جميعها ضمن المسودة النهائية التي سيقدمها رئيس هية الأركان في نهاية كانون الثاني 2025.
- تحقيق الجيش في ما يخص البعد الاستخباراتي
في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، أجرت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) تحقيقاً معمقاً كشفت نتائجه عن إخفاقات. أظهر التقرير، الذي نُشر جزئياً في تموز 2024، أن الهجومكان بعد تخطيط من قبل حماس استمر حوالى سبع سنوات. اعتمدت أمان على افتراضات خاطئة،أبرزها أن حركة حماس مردوعة وأن يحيى السنوار، زعيم الحركة، منشغل بتحسين الأوضاعالاقتصادية في غزة. سلط التحقيق الضوء على فجوة بين جمع المعلومات وتحليلها، حيث تجاهلتالاستخبارات مؤشرات واضحة إلى هجوم وشيك، تحت وهم أن حماس "لا ترغب ولا تستطيع" التصعيد. في ظل هذه الإخفاقات، استقال رئيس أمان، أهارون حليفا، متحملاً المسؤولية. كما برز دوروحدة 8200 (وحدة داخل شعبة الاستخبارات) في التحقيقات، حيث أشار تقرير داخلي مطول صدر فيشباط 2024 إلى أن هذه الوحدة كانت تمتلك معلومات مسبقة، لكنها فشلت في إصدار تحذير واضح. كماوثّق التقرير أعطالاً في النظام الاستخباراتي وثغرات مستمرة في جمع المعلومات عن غزة، مما دفعرئيس الوحدة 8200، يوسي شريئيل، أيضاً إلى تقديم استقالته في أيلول 2024.
- تحقيق الجيش في ما يخص شعبة العمليات
شعبة العمليات (حطيفات المفتساعيم) في الجيش الإسرائيلي هي الوحدة الأساسية ضمن قسم العمليات (بالعبرية: أغاف مفتساعيم) وتضطلع بمسؤولية التخطيط والإشراف على العمليات العسكرية "أثناء الحدث"، بما في ذلك إعداد الخطط للمعارك والطوارئ والأمن اليومي. والشعبة هي الجهاز الذي ينسق بين الأجهزة المختلفة، مثل القوات الجوية والبحرية والبرية، وتُعنى بتوجيه القيادة الميدانية وتحليل الأداء، ما يجعلها مركزية في صنع القرارات الاستراتيجية خلال الأزمات العسكرية.
في 7 أكتوبر 2023، خلال الهجوم المفاجئ لحماس، بدأت تحقيقات في أداء هذه الشعبة، خصوصاً على ضوء إثباتات سابقة بأن الجيش الإسرائيلي أطلق النيران بهدف القتل في الوقت الذي كان يعلم تماماً أن هناك إسرائيليين في المكان. في تشرين الثاني 2024، انتهى التحقيق في عمل شعبة العلميات، وأشارت النتائج إلى أن القوات المتمركزة في منطقة غلاف غزة كانت غير كافية، كما تبين أن أكثر من نصف الجنود كانوا في إجازة خلال ذلك اليوم، خلافاً للتعليمات، وهو نمط متكرر في عدة وحدات. على الرغم من سرعة استجابة القوات، إلا أنها لم تتوجه دائماً إلى المواقع الأكثر حاجة، مما أدى إلى تأخير في التصدي للهجوم. بالإضافة إلى ذلك، كان التنسيق بين الجيش والشرطة الإسرائيلية ضعيفاً، مما أثر سلباً على إدارة الأزمة. في مقر القيادة في الكرياه، استغرق تشكيل صورة واضحة للوضع ساعات طويلة بسبب نقص المعلومات من الميدان. مع ذلك، اعتُبرت تصرفات شعبة العمليات بعد الساعة 6:29 صباحاً مناسبة، وهذا يعني اعفاء قائد الشعبة، شلومي بيندر، من المسؤولية بل واعتبر عدم توجهه إلى المقر خلال الليل (رغم وجود إشارات)، بالأمر المبرر، مما أدى إلى ترقيته وتعيينه رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية في واقت سابق من العام 2024.
- تحقيقات سلاح الجو الإسرائيلي
في 24 كانون الأول 2024، نُشرت نتائج تحقيق سلاح الجو الإسرائيلي حول أحداث 7 أكتوبر 2023، وهي أيضاً جزء من التحقيق الشامل للجيش. أظهر التحقيق أن السلاح كان في حالة تأهب خاصة لعطلة الأعياد، حيث جرى تسليح طائرات إضافية مسبقاً لتقليل أوقات الاستجابة. رغم إطلاق عشرات الطائرات في ظل وابل كثيف من الصواريخ، فإن فعاليتها كانت محدودة أمام حجم هجوم حماس. وأشار التقرير إلى غياب صورة استخباراتية دقيقة بسبب تقارير غير مكتملة من القوات البرية. عند الساعة 7:08 صباحاً، أعلن اللواء تومر بار حالة الحرب واستنفر جميع القوات، وفي الساعة 9:30، اتخذ قراراً استثنائياً باعتبار الجدار بين القطاع وإسرائيل كـ"منطقة قتل"، ما أدى إلى استهداف أي شخص يقترب، بما في ذلك احتمالية إصابة رهائن إسرائيليين. خلص التحقيق إلى فشل السلاح في السيطرة على الأحداث، ويُتوقع استقالة قائده، رغم دوره "الناجح" لاحقاً خلال الحرب في تنفيذ عمليات نوعية غير مسبوقة، شملت اغتيال حسن نصر الله، تدمير الجيش السوري، وضرب أهداف في إيران واليمن بكفاءة استثنائية.
- التحقيقفي معارك عينية يوم 7 أكتوبر: كيبوتس بئيري ونير عوز نموذجاً
تم أيضا نشر تحقيقات جزئية تتعلق بأحداث كيبوتس بئيري وكيبوتس نير عوز كجزء من مراجعاتالجيش الإسرائيلي لهجوم 7 أكتوبر 2023، وتم إصدار نتائج أولية منفصلة لكلتا الحادثتين. في بئيري،قاد اللواء ميكي أدلشتاين التحقيق الذي أظهر تأخراً كبيراً في استجابة الجيش، حيث استغرقت القواتساعات للدخول، مما أتاح لمقاتلي حماس مواصلة هجماتهم. كما انتقد التحقيق ضعف الاستخباراتوغياب القيادة الفعّالة. من بين الحوادث المثيرة للجدل، أطلقت الدبابات النار على منزل يضم رهائنإسرائيليين، مما أسفر عن وقوع إصابات. رغم ذلك، برأ التقرير العميد باراك حيرام، مشيراً إلى أنقراره استند إلى تقييم أمني معقد. وخلص التقرير إلى توصيات لتعزيز التكتيكات الدفاعية وتطوير القيادةالميدانية.
في نير عوز، تولى اللواء إران نيف قيادة التحقيق حول ما جرى في الكيبوتس، الذي شهد واحدة من أكثر المعارك دموية وفشلاً في إسرائيل، وذلك بعد استبعاد ضابط آخر كان قد أدار التحقيق عدة أشهر في بداية عام 2024. قُتل واختُطف 117 شخصاً في الهجوم، وكشف التحقيق عن تأخر كبير في وصول الجيش بعد انسحاب المهاجمين، بالإضافة إلى نقص التنسيق بين الوحدات. اقتحم عناصر حماس معظم المنازل، وأُحرقت عشرات البيوت، وانسحبوا بحلول الساعة 1:30 ظهراً، بينما لم تصل القوات الإسرائيلية إلا بعد ساعة ونصف الساعة. وقد أشارت النتائج إلى تحويل بعض القوات لمهام أخرى من دون علم القيادة، مما تسبب في غياب الدعم للسكان.
وبالرغم من عدم نشر النتائج النهائية بعد، تُعد النتائج الأولية حاسمة لفهم أوجه القصور العملياتية، بينما سيجمع التقرير النهائي تفاصيل شاملة عن الأداء العسكري خلال 7 أكتوبر وما تلاه من أيام.