المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 91
  • برهوم جرايسي

مع نهاية الشهر الجاري، كانون الأول، يكون قد مرّ على حكومة بنيامين نتنياهو عامان كاملان، وسط ثبات الحكومة، الأكثر تطرفا على مدى أكثر من 76 عاما، والتي تضم عددا من الوزراء من التيار الكهاني الأشد تطرفا، وليس فقط من كتلتي هذا التيار، بل أيضا من الليكود؛ وهذا ينعكس على سياسات الحكومة، وليس فقط تلك التي نشهدها في أشهر الحرب الـ 15 الأخيرة. وفي المقابل، هناك معارضة لا تطرح أي بديل سياسي جوهري، سوى في بعض الشؤون الإسرائيلية الداخلية. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي، منذ ما بعد الانتخابات البرلمانية وحتى الآن، تشير إلى خسارة الفريق الحاكم الأغلبية المطلقة، فإن هذه الحكومة من أكثر الحكومات ثباتا، رغم ما يظهر فيها من أزمات، وقد تستمر الحكومة عامين آخرين، أي حتى نهاية الولاية القانونية.

فهذه الحكومة تشكلت بعد انتخابات يوم الأول من تشرين الثاني 2022، التي حصل فيها الفريق الحاكم حاليا، بقيادة بنيامين نتنياهو والليكود، على 64 مقعدا من أصل 120 مقعدا، مختتمة فترة 3 سنوات وثمانية أشهر، جرت فيها 5 جولات انتخابية برلمانية، لم يكن في 4 منها حسم واضح، فحتى الحكومة البديلة لحكم نتنياهو، التي تشكلت في نهاية ربيع العام 2021، كانت حكومة قلاقل منذ يومها الأول، وانهارت بعد عام واحد.

وبدأت الحكومة الحالية مسارها بمسعى لإحداث تغييرات أساسية في قوانين تخص جهاز القضاء، وخاصة في ما يتعلق بصلاحيات المحكمة العليا، في ما يخصّ مكانتها أمام قرارات الحكومة والقوانين التي يقرها الكنيست، وأيضا تركيبة هيئة القضاة، وتركيبة لجنة تعيين القضاة، بحيث يكون الوزن الحاسم والمقرر للحكومة والائتلاف الحاكم. 

واندلعت بعد أقل من شهر من تشكيل الحكومة، حملة احتجاجات شعبية امتدت على طول البلاد، لكن أقواها كانت في مدينة تل أبيب وجوارها، ثم القدس، لكن هذه الاحتجاجات التي كانت في بعضها صدامية مع جهاز الشرطة، الذي بات تابعا كليا لوزيره إيتمار بن غفير، وتحييد القرار المهني لصالح السياسي، بمنظور إسرائيلي، لم تشكل خطرا على استمرار الحكومة. وتوقفت هذه الاحتجاجات مع هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والحرب التي ما تزال تخوضها إسرائيل منذ ذلك اليوم. 

وقلبت الحرب أجندة العمل السياسي الإسرائيلي، وأولويات عمل الحكومة والكنيست. وفي الأشهر الثمانية الأولى للحرب، تعزز الائتلاف بكتلة "المعسكر الرسمي"، لتصبح حكومة طوارئ، إلى أن أعلن زعيم تلك الكتلة، بيني غانتس، انسحابه من الحكومة، بادعاءات مختلفة، رغم أنه كان شريكا أساسيا في وضع مرتكزات الحرب الأولى، ولم يؤثر خروجه من الحكومة على ثبات الائتلاف، الذي بعد أربعة أشهر ضم إليه من كان شريكا لغانتس، حزب "اليمين الرسمي"، بزعامة جدعون ساعر، وله 4 نواب في الكنيست.

وخلال العامين المنتهيين، وحتى الأيام الأخيرة، تواجه الحكومة مشاحنات داخلية، وبشكل خاص نهج بن غفير، الذي يضغط طيلة الوقت للحصول على مكتسبات سياسية، تعزز مكانته لدى جمهور المستوطنين واليمين الاستيطاني الديني، إلا أن وزن هذا التهديد الذي يرتكز على 6 نواب، تقلص من حيث مصير بقاء الحكومة، بعد ضم ساعر وكتلته إلى الائتلاف، الذي بات يرتكز على 68 نائبا. 

بن غفير والحريديم وأزمات الائتلاف

رغم ما يظهر من أزمات في الائتلاف الحاكم، فإن تلاقي المصالح بين أطراف الائتلاف، ومعرفة كل طرف أنه موجود في الائتلاف النموذجي الأفضل في هذه المرحلة، وبموازاة ذلك ما تشير له استطلاعات الرأي من خسارة النتيجة الإجمالية لكل هذا الفريق، حتى وإن حقق طرف نتيجة أفضل له في الانتخابات المقبلة، هذا كله يجعل الائتلاف أكثر ثباتا، خاصة، كما ذكر هنا، بعد تعزيزه بكتلة "اليمين الرسمي" بزعامة ساعر، في شهر أيلول الماضي.

الأزمة الأخيرة، الأكثر تفاعلا في الأيام الأخيرة، هي تمرد بن غفير، زعيم حزب "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت)، وهو مع حزبه من بين الأشد تطرفا. وهو أصلا منذ اليوم الأول لهذه الحكومة يتصرف كالولد العاق، إن صح التعبير، إذ أقدم في العامين الأخيرين على سلسلة أزمات، انعكست في شكل تصويت كتلته في الكنيست، آخرها في الأسبوعين الماضيين، حينما صوّت مع كتلته ضد مشاريع ميزانية الدولة للعام المقبل 2025، بالقراءة الأولى؛ بداية احتجاجا على عدم الشروع بإجراءات لإقالة المستشارة القانونية للحكومة، وهو الأمر الذي في غاية الصعوبة قانونيا، وحينما أظهرت حكومته وكأنها شرعت في بحث أولي، بات احتجاجه على قرار وزير المالية، شريكه الانتخابي السابق بتسلئيل سموتريتش، خصم مبالغ من الزيادة الكبيرة التي حققها بن غفير لرواتب عناصر الشرطة.

حسب الأنظمة، إذا ما صوّت وزير ضد حكومته في الكنيست، فإن رئيس الحكومة يقيله فورا، لكن رغم هذا، لم يجرؤ نتنياهو على هذه الخطوة، وهو الذي يريد قاعدة واسعة لحكومته، قدر الإمكان، وأيضا هو في أوج مثوله مباشرة أمام المحكمة في قضايا الفساد التي يواجهها.

من الصعب رؤية بن غفير يغادر الحكومة للأسباب التي يطرحها، لأنه سيخسر كثيرا مما حققه لحزبه وجمهوره، إذ على الرغم من أن استطلاعات الرأي تمنحه زيادة معينة في عدد مقاعده البرلمانية (له حاليا 6 مقاعد)، فإنه لا قيمة لهذه الزيادة في حال خسر الفريق الحاكم الأغلبية المطلقة. كذلك، وكما ذكر هنا، وخلافا للوضع الذي كان قائما قبل ثلاثة أشهر، فإن خروج بن غفير وكتلته، يبقي الحكومة بأغلبية 62 نائبا من أصل 120 نائبا في الكنيست.

القضية الملحة الماثلة أمام الحكومة، حاليا، هي قانون تجنيد الشبان المتدينين المتزمتين (الحريديم) في الجيش، وهي قضية خلافية، فمن جهة صدرت قرارات من المحكمة العليا تدعو الحكومة، وحتى تلزمها بسن قانون قائم على مبدأ المساواة مع الآخرين، في قضية تجنيد شبان الحريديم، ومن جهة أخرى فإن كتلتي الحريديم في الكنيست، شاس ويهدوت هتوراة، تريدان سن قانون فيه تجنيد الحد الأدنى من الشبان، وحتى فيه صياغات تمكّن الحكومة من تجنيد عدد هامشي منهم، في الوقت الذي تتعاظم فيه لدى جمهور الحريديم المظاهرات والنشاطات الرافضة لتجنيد الحريديم، وبشكل خاص تصريحات حادة في رفضها للتجنيد، صادرة عن كبار حاخامات الحريديم. 

وبحسب التقارير، فإن ما تريده كتلتا الحريديم لا يحظى بأغلبية في الكنيست، نظرا لرفض عدد من نواب الليكود، الذي يطالبون بسن قانون يضمن تجنيد أكبر عدد من شبان الحريديم، وهذا ما يجعل القانون عالقا في لجان الكنيست ذات الاختصاص.

وتضغط كتلتا الحريديم على الحكومة لإنجاز القانون وفق ما تريدانه، لانهما تعلمان أنهما في الائتلاف الأمثل لهما في الظروف السياسية القائمة، وليس من مصلحتهما الخروج من الائتلاف، والتوجه إلى انتخابات جديدة، ستكون بمثابة "رهانٍ خطِر" بالنسبة لهما.

وليس واضحا ما إذا كانت الحكومة ستنجز هذا القانون حتى نهاية الدورة الشتوية للكنيست، في نهايات شهر آذار المقبل، خاصة وأنها حتى نهاية الشهر الأول من العام الجديد، ستكون منشغلة في تمرير الموازنة العامة للعام 2025.

محاكمة نتنياهو

في هذا الشهر المنتهي، كانون الأول، يكون قد مرّ على تفجّر قضايا الفساد المتورط بها بنيامين نتنياهو، 8 سنوات، ويومها قال المحللون الإسرائيليون إن هذه القضايا الخطيرة قد تنهي الحياة السياسية لنتنياهو في غضون أشهر قليلة، اعتقادا منهم أنه كان سيتصرف كما تصرف رؤساء حكومات سابقون واجهوا قضايا فساد، أقل مما يواجهها نتنياهو. 

وفي شهر شباط المقبل، سيكون قد مرّ على بدء المحاكمة الفعلية 4 سنوات، من دون أفق واضح لنهايتها، على الرغم من أن القضاة الثلاثة في المحكمة طلبوا من محامي الدفاع والنيابة، الأسبوع الماضي، السعي لانهاء المحاكمة، من خلال اختصار الشهادات، وبالذات إفادة نتنياهو التي بدأت يوم 10 كانون الجاري المنتهي، بعد تأجيل لأشهر عديدة، وما تزال في إطار شهادة الدفاع، وستتبعها مساءلة ومواجهة النيابة له، ما يعني إذا استمر الأمر على حاله أن مثول نتنياهو أمام المحكمة مباشرة، سيستمر أسابيع أخرى.

وبالإمكان الاعتقاد أن نتنياهو معني بأن لا يكون هناك قرار نهائي لمحاكمته، على الأقل في درجتها الأولى، قبل الاستئناف، قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي قد تجري، على الأغلب، في موعدها، في مطلع تشرين الثاني من العام 2026، أي بعد أقل من عامين من الآن، وليس واضحا ما إذا سيحقق نتنياهو هدفه.

حتى الآن، جرت 5 جولات انتخابية برلمانية منذ أن تفجرت قضايا نتنياهو، ومنها جولتان جرتا بعد بدء المحاكمة الفعلية، إلا أن كل هذا لم يؤثر على مكانة نتنياهو الشعبية، ولا على قوة حزبه الليكود. لكن، كما ذكر، فقد يكون نتنياهو متخوفا من صدور قرار حكم يضطره إلى مغادرة الحياة السياسية، ولا يمكن التكهن بأي نتيجة، رغم ما يرد من تحليلات قضائية تميل إلى احتمال صدور قرار حكم يدين نتنياهو وينهي حياته السياسية. 

معارضة لا بديل جوهرياً يوحّدها

في السنوات الأخيرة، لا تظهر معارضة سياسية إسرائيلية موحّدة ضد حكومات بنيامين نتنياهو، الجالس على كرسيه منذ العام 2009، باستثناء عام واحد، (عدا حكومته الأول في سنوات التسعين الماضية). وحينما نقول "سياسية إسرائيلية"، فالقصد هنا عدم وجود معارضة جوهرية تطرح النقيض الكلي للنهج السياسي القائم، بل نشهد تقلص فجوات. فمثلا لم تعد أحزاب صهيونية تطرح بشكل واضح برنامجا سياسيا لحل القضية الفلسطينية، قائم على مبدأ حل الدولتين، بغض النظر عن تفسير لشكل "الدولة الأخرى".

وفي غالب الأحيان فإن هذه الأحزاب تجعل هذا البند، في حال وجوده، بصيغة ضبابية، وبعيدا عن مقدمات برامجها السياسية، لتدفع إلى المقدمة في هذه المرحلة، مسألة ما يسمى "الانقلاب على الديمقراطية"، أو "الانقلاب على الجهاز القضائي"، أو "تقليص الحيز الديمقراطي".

وحتى هذه المقولات السياسية لدى كتل المعارضة ليست شمولية، إذ أنها تمد يدها إلى سلسلة قوانين تستهدف فلسطينيي الداخل، وحتى في كثير من الأحيان هي شريكة بمبادرات لقوانين كهذه.

ونرى في المعارضة الحالية من يعارض شخص بنيامين نتنياهو، وليس سياساته، مثل حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان. ونرى أيضا في كتلتي المعارضة الأخريين، "يوجد مستقبل"، بزعامة يائير لبيد، و"المعسكر الرسمي"، بزعامة بيني غانتس، أعضاء كنيست ينافسون اليمين الاستيطاني في تطرفه.

وكل هذا يبرز بشكل خاص منذ شن الحرب على الشعب العربي الفلسطيني، إذ لا نرى فوارق، بل إن في المعارضة من طالب بما هو أشد، مثل حال الانتقادات حيال وقف الحرب على لبنان، الصادرة عن غانتس وغيره والأمثلة كثيرة.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي العام، كلها، تشير إلى خسارة الفريق الحاكم للأغلبية التي يتمتع بها حاليا في الكنيست، بالإمكان التقدير بأن الأحزاب التي تطرح نفسها بديلا سيكون خطابها الانتخابي مرتبكا في الانتخابات المقبلة، ما يجعل تنبؤات استطلاعات الرأي العام الحالية تحت علامة سؤال كبيرة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات