أدى فشل "الإنذار" القاتل الذي سبق حرب 1973 إلى تغييرات جوهرية في ما يعرف باسم "مجتمع الاستخبارات" في إسرائيل والأدوار والتقييمات تركت آثاراً كبيرة على التصورات/ المفاهيم الأمنية حتى سنوات قريبة. وبشكل مماثل، وربما أكثر من ذلك، يضع فشل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 إسرائيل أمام منعطف مصيري ويثير التساؤل عما إذا كانت ستتمكن من تقييم ومراجعة الفشل على نفس الشاكلة اللاحقة لحرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973، بالنظر إلى الوضع الإسرائيلي الداخلي ولا سيما المواجهة بين المستويين الأمني والعسكري، وحالة المنازعة العامة المستمرة بشكل رئيس، بالإضافة إلى مخرجات حرب الإبادة المستمرة بلا توقف.
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل قوانين تعسفية على الفلسطينيين في الداخل والقدس المحتلة، وتعاملت معهم كـ"أعداء من الداخل". اتبعت السلطات إجراءات قمعية تهدف إلى ردع أي دعم سياسي أو عاطفي لغزة، معتبرة أن أي تعاطف من فلسطينيي الداخل يُعد دعماً للإرهاب، ويُدرج ضمن ما تصفه بـ"جرائم التحريض على الإرهاب". كما وسّعت صلاحيات الشرطة والجهات التنفيذية، مما أتاح لها تفعيل هذه القوانين بشكل تعسفي من دون أي رقابة فعلية. في كانون الأول 2024، قُدّم تقرير أمام لجنة العلوم والتكنولوجيا في الكنيست الإسرائيلي، التي يترأسها النائب أيمن عودة. استعرض التقرير معطيات حول تعامل السلطات الإسرائيلية مع ما تسميه "جرائم التحريض على الإرهاب والتعبير عن التعاطف مع منظمات إرهابية"، ويغطي الفترة الممتدة بين عامي 2023 و2024، بما في ذلك فترة الحرب.
تلخص هذه المقالة كيف تنظر إسرائيل إلى التطورات المتسارعة في سورية، على ضوء الهجوم المفاجئ للمجموعات المسلحة، ابتداء من سيطرتها على مناطق أوسع في شمال شرق سورية وصولاً إلى دخولها إلى العاصمة دمشق والإعلان عن سقوط نظام حزب البعث. وبينما أن الحكومة الإسرائيلية والهيئات العسكرية تداولت فيما بينها بشأن هذه التطورات، وبدأت بتوجيه اهتمامها السياسي، والعسكري، والاستخباراتي إلى ما يحصل داخل سورية، فإن مراكز تفكير إسرائيلية تقدم نظرة أوسع إلى المصالح الإسرائيلية، وكذلك إلى الفرص المتاحة أمام إسرائيل لاستثمار هذه التطورات جيوسياسيا، والمخاوف التي على القيادة السياسية والعسكرية لدولة إسرائيل أن تاخذها بعين الاعتبار.
في أواخر شهر تشرين الثاني الأخير، قطعت الحكومة الإسرائيلية وائتلافها خطوة إضافية في حملتها المتجددة ضد وسائل إعلام ترى فيها عقبة أو تحدياً أمامها يعرقل استكمال انقلابها على نظام الحكم. ولا يخفي مسؤولو السلطة الحاكمة أنهم يستهدفَون بالتضييق تحديداً وسائل الإعلام التي لا تنطق من حنجرتهم السياسية والعقائدية العميقة. هذا مع أن المفارقة بالنسبة لمن ينظر للصراع من الخارج، أن بعض وسائل الإعلام المستهدفة بعيدة بعداً شاسعا عن طرح البديل الشجاع للسياسات المنتهجة من قبل هذه الحكومة نفسها، لا بل إنها من كبار مسوقيها.
"أقول وأكرر، منذ زمن طويل، إن التهديد الأكبر على دولة إسرائيل هو تهديد داخلي وليس تهديداً خارجياً. لذلك، فإن الانتصار المطلق الحقيقي يتمثل في بناء مجتمع مثالي يكون، أيضاً، مجتمعاً ذا خطاب عام مختلف... الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي آخذ في التعمق من جديد بعدما رأبت الحرب في قطاع غزة والحرب في لبنان الصدع بصورة مؤقتة. هذا الشرخ وسيرورة تعمّقه يشكلان التهديد المحلي الأكبر والأخطر على دولة إسرائيل، وهو أكبر وأخطر من أي تهديد خارجي".
تزايدت في الأيام الأخيرة التقارير الاقتصادية الإسرائيلية التي تؤكد ما يمكن وصفه بحالة انفلات في سوق الأغذية، وسط غياب رقابة حكومية حقيقية، على المواد الغذائية، إذ يؤكد تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد، أنه في أشهر الحرب الـ 13 الأولى، ارتفعت أسعار المواد الغذائية من دون الخضروات والفواكه بنسبة عامة 5%، في حين أن نسبة التضخم في الفترة ذاتها كانت 3.7%، وهذا أحد مسببات زيادة أرباح الشركات المنتجة والمستوردة والمسوقة للمواد الغذائية، التي تواصل رفع الأسعار رغم تراجع أسعار المواد الخام للمنتوجات الغذائية في الأسواق العالمية منذ حوالي عامين، إلا أن هذا لم ينعكس على الأسعار في السوق الإسرائيلية، في ظل الحرب المستمرة.
الصفحة 11 من 336