المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 88
  • هشام نفاع

أعلنت السلطات الإسرائيلية أنه تم عرض معطيات مقلقة أمامها بشأن استخدام وتعاطي، وحتى إدمان، الكحول والمخدرات بين طلاب المدارس. فخلال جلسة مشتركة للجنة التربية والتعليم ولجنة مكافحة استعمال السموم والكحول، التابعتين للكنيست، تبيّن أن واحداً من كل عشرة طلاب في صفوف الخوامس (المرحلة الابتدائية) حتى الثواني عشر قد شرب الكحول لدرجة الثمل في الشهر الذي سبق الجلسة، فيما ينعدم وجود أية جهة تنسيقية عليا تتابع وتشرف على قضية الحد من الإدمان.

تناولت الجلسة المشتركة القضية تحت عنوان "ظاهرة ​ تفشي​ السموم في جهاز التربية والتعليم". وقالت اللجنتان في بيان إنه طُرحت على بساط بحث الجلسة معطيات مقلقة ومزعجة، ودعا رئيسا كلتا اللجنتين إلى الإسراع في إقامة مركز وطني لرصد ظاهرة استعمال السموم والكحول، والذي كانت الحكومة قررت إقامته أصلا العام 2020، ولم يخرج إلى حيّز التنفيذ.

وعرض البروفسور يوسي هرئيل فيش، خبير دولي في دراسات الإدمان من جامعة بار إيلان، خلال الجلسة، نتائج استطلاع حول صحة الشباب في جيل المراهقة، وتأثيرات الحرب على طلاب المدارس في إسرائيل. عنوان الاستطلاع "الشباب في إسرائيل: أنماط استخدام المواد المسببة للإدمان، التورط في العنف عبر الإنترنت" وتم إجراؤه في الفترة 2022- 2023 كجزء من برنامج البحث حول رفاهية وصحة المراهقين في جامعة بار إيلان (المعروف باسم برنامج HBSC)، وذلك ضمن سلسلة من الاستطلاعات التي تشير إليها السلطات تعمل في هذا المجال.

وتظهر معطيات الدراسة، مثلا، أنه في العام 2024 أبلغ طفل واحد من كل طفلين عن اثنين أو أكثر من الأعراض المرتبطة بالضائقة النفسية، ومن بينها آلام الظهر أو المعدة، والتهيج، والمزاج السيء. وشدّد على أن الأطفال الذين يعانون من الضائقة النفسية هم أكثر عرضة للضغوط الاجتماعية وخطر تعاطي المواد المسببة للإدمان.

مئات الأطفال والفتيان مدمنون على السموم والكحول

من بين المعطيات الإضافية من الاستبيان: أفاد واحد من كل عشرة طلاب في صفوف الخوامس حتى الثواني عشر أنه شرب حتى الثمل في الشهر الماضي، ومع تقدم العمر يبدو أن هناك زيادة في نسبة من يشربون حتى أن يثملوا. بين طلاب الصف الحادي عشر والثاني عشر فإن النسبة كانت 17.3%. ورقم آخر: 15% من الطلاب اليهود الذين شاركوا في الاستبيان، استخدموا مرة واحدة على الأقل خلال الـ 12 شهراً الماضية مسكنات الألم لأغراض غير طبية. أما في المجتمع العربي فإن النسبة أعلى بمرتين.

وقال باحث في مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست إنه تم تشخيص 560 طفلا ومراهقا في دولة إسرائيل على أنهم مدمنون على السموم والكحول، وتم علاجهم من خلال عيادات صناديق المرضى (وفقا للمعطيات التي قدمها كل من صندوق المرضى لئوميت، مكابي ومئوحيدت فيما يتعلق بالسنوات 2019- 2023). وبين السنوات 2019- 2022 فإن 722 فتى وفتاة تلقوا العلاج من خلال مراكز الفطام "إشبوزيت" الواقعة تحت مسؤولية وزارة الصحة. 

حضرت الجلسة فتاة تشارك في خدمة تطوعية من أجل المجتمع، وقد تطرقت عينياً إلى الوضع الناجم عن الحرب بالقول: "أنا أعمل مع الشباب في حي جيلو في القدس ومع الأشخاص الذين تم إخلاؤهم من بلدة شلومي. الواقع أصعب بكثير من الأرقام المعروضة هنا. واحد من أكبر تجار السموم في حي جيلو هو طالب في الصف السادس. الأمر يثبت مدى تفشي السموم في كل مكان. عندما أتواجد بالقرب من المدرسة، أشم رائحة القنب. وهم يقومون بملء بالون بـ "غاز الضحك" ومن ثم يستنشقون من البالون. هذه هي آلية التهرب لديهم. هم يأتون من عائلات تعاني من العنف الأسري. الأب يشرب ويضرب وبالتالي هم يظنون أن الضرب مبرّر للقيام بما يحلو لهم وترك المدرسة". 

مؤسسات حكومية لا تملك معطيات عن انتشار استعمال السموم والكحول

وفقاً للمتعارف عليه، تتوزع مسؤولية الحد من الإدمان لدى الشباب وتقديم العلاج لهم على عدة مؤسسات حكومية، ولكن لا تملك أي منها معطيات رسمية عن مدى انتشار استعمال السموم والكحول بين الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 0- 17 عاما. ولم يتم حتى الآن إقامة هيئة المركز الوطني لرصد ظاهرة استعمال السموم والكحول، رغم القرار الحكومي الصادر في تشرين الثاني 2020. 

ممثلة وزارة الأمن القومي قالت إن "جناح المعلومات الذي سيشكل أساس المركز سيتم إنشاؤه في شباط 2025" وقال رئيس لجنة التربية والتعليم عضو الكنيست يوسيف طيب في رده غاضبا: "نحن بحاجة إلى جهة تنسيقية واحدة، طالما ليست هناك جهة واحدة فهذه هي النتيجة. هناك قرار حكومي، فلماذا لم يتم تنفيذ ذلك بعد مضي خمس سنوات من صدور القرار؟".

أما رئيس اللجنة الخاصة لمكافحة استعمال السموم والكحول، عضو الكنيست بوعاز بيسموت، فقال: "الواقع المعقد والمركب والضغوط الاجتماعية يؤكدان الحاجة إلى استجابة ملائمة ونظرة شاملة لضمان مستقبلهم". وقال عضو الكنيست سيمون دافيدسون: "نحن في دائرة مغلقة ولا يتم إحراز أي تقدم. نحن فقط نعبث بعقول بعضنا البعض ولا يوجد أي جهة تنسيقية بشأن الموضوع. كل وزارة وهيئة تضع خطة وكل ذلك بسبب إغلاق السلطة للحد من الإدمان في إسرائيل. لقد أفسدت السياسة كل شيء".

قرار حكومي قبل 4 سنوات بإقامة هيئة رصد وتنسيق لم يُنفّذ بعد

جاء في دراسة أخرى، الشهر الماضي، لمعهد المعلومات والأبحاث في الكنيست، أن المخدرات والكحول من المواد ذات التأثير النفسي التي يمكن أن تغير الوعي أو الحالة المزاجية أو عمليات التفكير الحاجة إليها أو أخذها. كما أن معظم هذه المواد من الممكن أن يتطور الاعتماد عليها، وهو الوضع الذي يؤثر سلباً على طريقة التعاطي فيها وعلى صحة المستخدم. وفقا للأدبيات الأكاديمية والمهنية، قد يكون الأطفال والمراهقون متقبلين بشكل خاص لتجربة المخدرات والكحول، لكنهم أكثر عرضة لتطور أنماط ضارة من تعاطي هذه المواد.

بحسب تقرير مكتوب لوزارة العمل والرفاه الاجتماعي والخدمات الاجتماعية في العام 2018، يمر تعاطي المواد ذات التأثير النفساني عبر سلسلة من خمس مراحل، بدءاً من الامتناع عن التعاطي وحتى الإدمان الشديد، والتي تختلف في مستوى الضرر الذي يلحق بالمستخدم في مختلف جوانب حياته. ومع ذلك، تشير إلى أنه ليس كل من يستعمل مادة ذات تأثير نفسي يصل حتماً إلى المراحل الأكثر تقدماً من الإدمان أو يتطور إلى اضطراب استخدام المواد (اضطراب تعاطي المخدرات).

يقول معهد الأبحاث إنه لغرض تقدير عدد الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 0- 17 سنة ممّن يتعاطون المخدرات والكحول، وكذلك المدمنين بالنسبة لهذه المواد، توجه إلى "الهيئة الوطنية لأمن المجتمع" وهي المسؤولة عن العلاج الشامل للإدمان وفقا لقانون الهيئة الوطنية لأمن المجتمع -2017 لدى وزارة الصحة التي تدير الاستشفاءات للتخلص من السموم الجسدية، من المخدرات والكحول، وإلى وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي التي تدير أطر إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وإلى وزارة التربية والتعليم التي تدير برامج الوقاية في المدارس، وكذلك إلى صناديق المرضى. كما تحدث باحثو المعهد مع منظمات ميدانية تتعامل مع جوانب مختلفة من هذه القضايا.

وتؤكد الوزارة: تظهر استفساراتنا أن أياً من هذه الأطراف ليس لديه بيانات رسمية عن مدى انتشار تعاطي المخدرات والكحول بين المراهقين في إسرائيل، حتى اليوم لم يتم إنشاء المركز الوطني لرصد ظواهر تعاطي المخدرات وكان من المفترض أن يتم إنشاؤه ضمن الهيئة الوطنية لأمن المجتمع عقب قرار الحكومة رقم 588 الصادر في تشرين الثاني 2020.

استخدام الكحول أعلى بين اليهود والقنّب أعلى بين العرب

في غياب معطيات رسمية، عرضت الدراسة معطيات من استطلاع "الشباب في إسرائيل: أنماط استخدام المواد المسببة للإدمان" المُشار إليه أعلاه. 

ووفقا لبيانات هذا الاستطلاع:

  • 9.5% من الأطفال والشباب في الصفوف الخامس حتى الثاني عشر قد شربوا حتى الثمل خلال الشهر السابق للمسح ونسبة الأولاد قياساً بالبنات كانت أعلى (12.4% من الأولاد مقابل 6.7% من البنات)؛
  • قام 6.3% من طلاب الصفوف من السابع إلى الثاني عشر بتجربة تعاطي القنّب خلال هذه الفترة، وفي هذه الحالة أيضاً كانت نسبة المستخدمين بين الأولاد أعلى منها بين البنات (9.1% بين الأولاد و3.6% بين الفتيات).
  • لوحظ في الاستطلاع وجود اتجاه عام لزيادة نسبة مستخدمي السموم والكحول كلما كبُر عمر المشاركين: 17.3% من طلاب الصف الحادي عشر والصف الثاني عشر مقارنة بـ 3.3% من طلاب الصف الخامس؛ 8% من طلاب الصفين الحادي عشر والثاني عشر يتعاطون الحشيش مقابل غيرهم 5.2% من طلاب الصف السابع.
  • لوحظت أيضاً اختلافات بين الطلاب اليهود والطلاب العرب: في حين كانت نسبة شاربي الكحول حتى الثمل في الشهر السابق للمسح أعلى بين اليهود (10.7% مقابل 6.7%)، فقد كانت نسبة تعاطي القنب في الشهر الذي سبق الاستطلاع أعلى قليلا بين العرب منها بين اليهود (6.8% مقابل 6.1%).
  • ما يقارب خُمس (18.5%) الطلاب في الصفوف العاشر حتى الثاني عشر أفادوا أنهم استخدموا مسكنات الألم (المواد الأفيونية) بدون وصفة طبية في السنة السابقة للمسح.

بعد اندلاع الحرب تم الإبلاغ عن استخدام المواد ذات التأثير النفسي

وتنوّه الدراسة: "تواصلنا مع وزارة الصحة ووزارة الرفاه الاجتماعي على ضوء التقارير بشأن تزايد تعاطي الكحول والمخدرات بين أطفال ومراهقين يتابعون أحداث 7 أكتوبر 2023 وحرب السيوف الحديدية، لكن ليس لديهم معطيات حول الأمر هذا". وتشدّد على أن فترة الحرب هي فترة أزمة، "وبحسب مقال منشور في بداية العام 2024 يمكن الافتراض أن أحداث 7 أكتوبر 2023 وحرب السيوف الحديدية ستؤدي إلى زيادة استخدام المواد ذات التأثير النفسي، ليس فقط لدى الأطفال الذين عايشوا الأحداث بشكل مباشر ولكن أيضاً بين أولئك الذين تعرّضوا للصدمة بطريقة غير مباشرة. وتقدر وزارة الصحة أن هناك انتشاراً لاستخدام المواد المختلفة (مثل المهدئات والكحول والحشيش) بين المراهقين الذين تم إجلاؤهم إلى الفنادق، ويستند هذا إلى الانطباعات من مجال المتخصصين ذوي الصلة ومئات المراجع الواردة على الخط الدافئ لعلاج تعاطي المخدرات والإدمان التي أنشأتها الوزارة. إن هذا الوضع ناجم عن حالات التوتر والصدمة والضيق والذي ينشأ جزئياً بسبب الانتقال إلى مكان إقامة مؤقت حيث لا تتوفر شبكة دعم واسعة وأطر تعليم في وقت الفراغ".

وبحسب بيانات نشرتها جمعية "عيلام" بناء على إفادات لنحو 700 شخص تم إجلاؤهم من الشمال والجنوب 47% منهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 12-15 سنة تم إجلاؤهم وكانوا على اتصال بالجمعية، فإنه بعد اندلاع الحرب تم الإبلاغ عن استخدام المواد ذات التأثير النفسي. وبحسب البروفيسور عنات شوشاني من جامعة رايخمان، فإن نتائج استطلاع أجرته بين الأطفال بعد السابع في شهر أكتوبر، تدلّ على زيادة في مستويات الأعراض النفسية، مثل الاكتئاب والقلق، وهي أعراض تدفع الأطفال لخطر تعاطي المواد الإدمانية، لذلك، وفقا لها، من الضروري الاهتمام بهذه المجموعة من أجل منع الزيادة الحادة في نزعتها لاستخدام تلك المواد.

المصطلحات المستخدمة:

مكابي, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات