المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
 ناعومي كلاين في مظاهرة أمام منزل زعيم الأغلبيّة في مجلس الشيوخ الأميركيّ تشاك شومر.  (أرشيفية، أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 22
  • إليزابيث طحان- نصار

اختارت جمعية زوخروت الإسرائيلية (ذاكرات) التي تنشط ضد السردية الصهيونية، أن تستضيف مؤخرًا الكاتبة والأستاذة الجامعية والناشطة الاجتماعية والصحافية وصانعة الأفلام نعومي كلاين لتكون الشخصية المركزية لحفلها الخيري للعام 2024. جاءت هذه الدعوة لكلاين في ظل الحرب على غزة، وعلى هامش انقضاء عام على هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي خصصت له الباحثة مقالا تفكيكيا في صحيفة الغارديان تناول مسألة "تسليح الصدمة" وهو ما انتقته زوخروت عنوانا عريضا للنقاش مرورا بـ "الذاكرة في المقاومة" وصولا إلى "سبل الخروج من الصهيونية". ولن يكون مبالغا القول إن "المكتوب يُقرأ من عنوانه" لاستشفاف المضامين والأفكار التي صاغتها كلاين بطريقتها الجذابة والجدية والمعمقة. 

حين يستمع المرء إلى محاضرة كلاين سيعرف مسبقا أنه ذاهب في رحلة استكشاف أو قُل رحلة غوص أدبية، فهي لا تكتب إلا بناء على ما قرأته من النصوص التكوينية التي جعلتها تصير مَنْ هي عليه اليوم. وبوصفه أحد أشهر الذين استخدموا تقنية الشبيه/ دوبلغانغر، بهدف تفكيك الفاشية، فقد وقع اختيارها على الاشتراكي الثوري أبراهام ليون وكتابه المهم "المسألة اليهودية: تفسير ماركسي"، وهو الذي خيبت آماله الصهيونية وغادر فلسطين إلى بلجيكا وانهمك في الكتابة من منظور مكافحة نظرية الأعراق فاعتقله الجستابو وتعرض للتعذيب وقضى في غرف الغاز في معسكر أوشفيتس. وتقول كلاين إن أكثر ما ترك أثره فيها في حياة ليون القصيرة هو إيمانه بالأفكار حتى وسط المذابح الجماعية التي حاصرته من كل جانب، إيمانه بالكلمات والتحليلات والأبحاث التي اعتبرها مؤثرة وتملك القوة على كسر الشر، حتى وإن لم تغير هذه الكلمات في مصيره المأساوي شيئًا. ما إن أنهت كلاين حديثها عند هذه النقطة حتى استدعت المحاورة راحيل بيت آرييه (من زوخروت) الشبيه الفلسطيني لدى إشارتها إلى "البروفسور الغزي رأفت العرعير بوصفه رجلا آخر واصل التعلق بالأفكار وبقي يكتب ويحكي لشعبه قصصا وقد قُتل في إبادة أخرى في غزة". وراحت تسأل ضيفتها مجددا ماذا يحرك عندك الإيمان بقوة الأفكار لتغيير الواقع لا سيما وأنك تقولين في كتابك "دوبلغانغر" إن الفلسطينيين أصبحوا العرق الجديد غير المرغوب به، أو الدوبلغانغر؟

هذه المرة، تختار كلاين أن تجعل الكاتب اليهودي فيليب روت مدخلا لإجابتها سيما وأنه أصدر رواية تحدث فيها عن الشبيه الذي انتحل شخصيته ونشر أفكارا مناهضة للصهيونية لا يؤمن بها الراوي. تدعى الرواية عملية شايلوك- Shaylock operation-Confession  وتعتبر كلاين هذه الرواية حجر الزاوية لروايتها ونصحت بقراءتها لما تحويه من أفكار غير مطروقة، من بينها فكرة أن المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني هما بمثابة نسختين متماثلتين في نواح كثيرة. وبتلخيص المحاورة فإن رواية دوبلغانغر لمؤلفته كلاين هو كتاب عن الأفكار، عن كونك محاصرا داخل مرآة، عن اللا- سامية وعن كيفية استخدامها كسلاح وعن الصدمة الجماعية، كما يحكي الكتاب عن الهولوكوست والنكبة وعن الكاتبة التي زارت قطاع غزة المحاصر وعن نظريات المؤامرة والإعاقة في ظل العدالة المناخية والعدالة السوداء ونضالات المجموعات الأصلانية وصعود الفاشية الجديدة العالمية.

 

الهولوكوست وإحياء الصدمة عوض الإشفاء- تكتيك مقصود

مدّت المحاورة خطا عريضا ما بين تجربتها التعليمية التي خاضتها في نظام التعليم الصهيوني (وفق تعبيرها تماما) وتلك التي عاشتها كلاين في حداثتها في كندا. "لقد كتبتِ عن طريقة تعليم الهولوكوست بصورة تهدف إلى استغلال صدمتنا العابرة للأجيال كسلاح". وشددت المحاورة على التعبير:  "Retraumatizing". أي "إحياء الصدمة، عوضا عن إشفائنا"، وصولًا إلى الربط الممنهج من قبل الحكومة الإسرائيلية والإعلام الإسرائيلي وإذا شئتم الرئيس الإسرائيلي أيضا بين الصدمتين، تلك التاريخية التي وقعت في أوروبا، وهذه الحديثة التي وقعت في 7 أكتوبر. ومثلما ذكرنا آنفا فقد تعرضت كلاين لهذه النقطة وقامت بتفكيكها في المقالة التي نشرتها في "الغارديان" حيث سلطت الضوء على العرض الاحتفائي الذي سعت الحكومة الإسرائيلية إلى إقامته "إحياء لذكرى السابع من اكتوبر وتكريم الضحايا" وسط معارضة بارزة من قبل ذوي المحتجزين والقتلى الذين أعلنوا عن نيتهم مقاطعة الحفل بوصفه إجراء خاليا من أي معنى سوى الاستعراض، في حين أن المطلوب في المقام الأول (من ناحيتهم) هو عقد صفقة لاستعادة الأبناء، وتشكيل لجنة تحقيق في حقيقة الإخفاقات التي تسببت بالكارثة التي حلت بالمجتمعات الحدودية المحاذية لقطاع غزة. 

وأوضحت الكاتبة أن حكومة نتنياهو خططت لاستغلال الحدث/ العرض لترديد روايتها على مسامع العالم ولتصورها على أنها "حكاية بسيطة عن الخير والشر، حيث لا مكان لتوجيه اللوم لإسرائيل، التي تستحق الدعم غير المشروط، في حين أن أعداءها جميعهم وحوش، يستحقون العنف غير المقيد بقوانين أو حدود، إن كان في غزة أو جنين أو بيروت أو دمشق أو طهران". وتستطرد الكاتبة: "وتظهر القصة كيف تنصهر هوية إسرائيل كأمة إلى الأبد مع الإرهاب الذي عانت منه في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ويعرف نتنياهو كيف يدمجه بسلاسة مع المحرقة النازية والمعركة من أجل روح الحضارة الغربية".

وبالعودة إلى الندوة، فقد قالت كلاين: "هنالك الحزن الصرف والشخصي في مقابل تحويل ذلك الحزن إلى مشروع جماعي وخلق آلية لتحويل الحزن الفردي الذي تختبره العائلات المتضررة بشكل مباشر إلى أمر آخر وكأن المصيبة ألمت بك أنت شخصيا بدون أن يكون ذلك صحيحا".  كلاين تؤكد أن طرحها يلقى تعزيزا من قبل الكثير من الأدبيات في المجال وتحديدا في كندا التي عرفت حرب إبادة ضد الشعب الأصلاني. وتقول إن هناك اليوم أبحاثًا يضعون فيها الكثير من التفكير للحيلولة دون إخضاع المتلقي للصدمة مرة أخرى. فليس هذا الهدف في نهاية المطاف وإنما التغيير والإصلاح. وتنتهي بالقول إن الحكومة الإسرائيلية حين خططت لإحياء ذكرى الهجوم في 7 أكتوبر لم تكن الصدمة في محور اهتمامها، وإنما تحويلها إلى أداة لاستخدامها في إطار طرح أوسع يدافع عن حاجة اليهود إلى دولة إثنية، تنتهك القانون الدولي. وتشير المتحدثة إلى الديناميكية التي تتولد عن هذا النهج، فها هي السياحة من شمال الولايات المتحدة إلى المناطق اليهودية المنكوبة، في إشارة إلى الكيبوتسات مثل بئيري، تنشط بكامل وقارها وعاجلا ما تصبح التذكرة "اثنان في واحد: أولا تعال إلى أوشفيتس ثم إلى كيبوتس بئيري. إنه مشروع واحد". وتستشهد كلاين بصحافية تدعى مايا روزن كتبت مقالا تحت اسم "السياحة السوداء". مايا تقول إن هناك مواقع تعرض عليك في الوقت نفسه أن تقوم بـ360 جولة في الكيبوتسات بجنوب إسرائيل و360 جولة في أوشفيتس. وبما أنهم كانوا مجهزين سلفا بالتكنولوجيا وطرق العمل فقد ظهر هذا الأمر بصورة فورية تقريبا، بحيث يمكن القول إن هذا هو أحد الأمور المذهلة التي أفرزها هذا النوع من "يوم السابع من أكتوبر". وأضافت: "إذًا أنا أتحدث عن صناعة تخليد الذكرى على نحو الغاية منه ألا نرى الفلسطينيين. ويصبح هذا بمثابة ذريعة لعدم النظر إلى ما يحدث في غزة ولبنان، والبقاء في هذه الحلقة المفرغة".

بيت آرييه التي أكدت على ضرورة أن يرى المواطن الإسرائيلي اليهودي الصورة الكاملة (الصورة في بئيري وما يحدث على بعد أمتار منها من فظائع)، سألت كلاين عن مشاركتها في مظاهرة في شوارع نيويورك ليلة عيد الفصح اليهودي بعنوان: "نريد طريقا للخروج من الصهيونية".

أجابت كلاين: لقد نظمت الحدث جمعية "صوت يهودي من أجل السلام". وأنا محظوظة بوجودي بينهم منذ نحو 15 عاما، وباقتراب الفصح (العبري) وقتئذ فكرنا كيف يمكننا الاحتفال به في هذه الفترة وفي هذه الأوقات وبدا الأمر غير ممكن.  وكان من المهم أن نجد طريقة مختلفة للاحتفال بليلة الفصح- السيدر- وعندها تولدت فكرة السيدر في الشوارع. وتم الاقتراح بأن يكون ذلك أمام منزل تشاك شومر، رئيس الأغلبية في مجلس الشيوخ في بروكلين للمطالبة بوقف توريد الأسلحة لإسرائيل. ما أحبه في الفصح أنه إلى حد ما هو تكنولوجيا الشتات. يمكن التنقل معه، وهو حاوية/ وعاء ملائم لتحكي قصة، لتحكي قصة عن التحرر. هذا الوعاء طيع، بوسعك أن تمد الطاولة في أي مكان تختاره، أنت لست بحاجة إلى حيطان ولا إلى معبد. أنت لست بحاجة إلى دولة (تضحك)... تستطيع أن تقيم ليلة السيدر أينما تشاء. وهكذا جاءتني فكرة الخطاب مصحوبة مع قصة الخروج/ إكسودس للحديث عن تعرض القيم اليهودية للخيانة من أجل الدفاع عن الإثنية، إثنية الدولة القومية. وتحديدا في تلك اللحظة كان الشعور أنها لحظة الذروة في حرم الجامعات، في نيويورك سيتي وجامعة كولومبيا. قمنا بالاحتفال كالعادة في عيد الفصح، وطلبنا من أصغر الحضور وكان طفلا أن يسأل سؤالا. هذا هو جوهر الاحتفال في الفصح في الثقافة اليهودية. الاحتفال بالصغار وإعطاؤهم الحق في توجيه السؤال للكبار. كنت أنا الأصغر سنا ولذلك كان هذا دائما مهما بالنسبة لي، كانت تلك اللحظة أهم لحظة بالنسبة لي. تم إرسال الشرطة لسحق أولئك الطلبة المتجمعين في ساحات الجامعات لتجرؤهم على الاحتجاج ضد الإبادة. وبدا كل شيء خطأ ومقلوبا. لم يكن الخطاب الذي أنوي إلقاءه مجرد كلمات وإنما الحث على العمل لاتخاذ خطوة... وتم اعتقال مئات الطلاب تلك الليلة كما تعلمين. وأنا أعتقد أن الخطاب حظي بنجاح فائق وتداولته المنصات بسبب الوعاء. والوعاء كان ليلة السيدر/ الفصح وكذلك الفعل المباشر. هذا الوعاء أعطى الكلمات معنى وأنا ممتنة لـ "الصوت اليهودي من أجل السلام" لذلك. بالنسبة لإكسودس فهو دعوة. يحدث أن يدرك الكبار ذات يوم أن القصص التي نشأوا عليها ما هي إلا كذبة... أو أنصاف حقائق وهو ما يجعلها أيضا كذبة ويبحث هؤلاء عن طريق للخروج. إكسودس هي دعوة وإكسودس تقول ليس بالضرورة أن تتركوا أنفسكم عالقين، نستطيع الذهاب إلى مكان آخر. وأنا أعتقد أن ذلك مهم. لأنه عليك أن تكون مستعدا لأن تكون مناهضا للصهيونية قبل أن يتم الترحيب بك في الحيز العام. ويبقى السؤال كيف يغير الناس عقولهم أو تفكيرهم؟ كيف ينكشف الناس على أفكار أخرى؟ البعض لا يريد التحدث إلى الصهاينة لكني على استعداد ومنفتحة للتحدث مع الأشخاص الذين لا يعرفون ما أعرفه الآن عن الصهيونية. نحن في مسار وما يعلمنا إياه "دوبلغانغر"- الشبيه" أننا نبدل أكثر من صيغة من أنفسنا على مر سني حياتنا". 

بيت آرييه: "نحن في ذاكرات نعمل على لملمة الشظايا، ويحضرني في الحال عمل الباحثة الفلسطينية البروفسورة نادرة شلهوب كيفوركيان التي تعرضت في إسرائيل للاعتقال والمحاكمة لقولها الحقيقة. وتوقفت بيت آرييه عند بحث أعدته كيفوركيان بعنوان "أشلاء والإبادة الجماعية في غزة: قابلية العيش في مواجهة الجسد المتشظي". وتابعت: "أشلاء كلمة تعني تناثر أعضاء الجسم بمعناه المجازي بالإشارة إلى تقطيع فلسطين نفسها إلى قطع أصغر وأصغر، ولكن الأمر في الفترة الأخيرة اتخذ المعنى الحرفي أيضا. وهو ما يعزز وجوب العمل على تجميع أنفسنا لنصبح كاملين من جديد". 

كلاين من جانبها، أضافت أن "عمل نادرة كيفوركيان محوري جدا. وأنا أشجع كل من لم يطّلع على كتاباتها وحواراتها أن يفعل. لهذا الغرض يمكنكم زيارة منصة "الشارع المقدسي"-Makdisi street"". كما أني أعمل على إعداد مساق تعليمي حول أبحاثها، سأقوم بتمريره في الفصل الدراسي القادم. وأنا أعتقد أن الأمر يتعلق بعدم تذكر التاريخ (أو تذكر ما نريده من التاريخ) الذي تحدثنا عنه. لا يتعلق الأمر فقط بإعادة إحياء الصدمة، وهذه هي النقطة المحورية في القصة. بل يتعلق الأمر أيضًا بإخراج الهولوكوست من التاريخ. كل هذا بالإضافة إلى حظر المقارنة. إذ لا يُسمح بربط الهولوكوست بالإبادات الجماعية الاستعمارية، والإبادة الجماعية الأرمنية والإبادات الجماعية التي تلتها، ولا بد من أن يكون الأمر كذلك، إنه بمثابة انقطاع في قصة ما يسمى بالحضارة الغربية. وهناك عنف يرفع هذا الحدث الكارثي بعيدًا عن الزمان والمكان، وعن خطاب الهولوكوست المزنر بحلقة النار".

ومضت تقول: "أعتقد أن جزءًا مما حدث هذا العام هو أن العديد من الأصوات من الجنوب العالمي لم تعد تتسامح مع هذا الأمر. فهذا رئيس ناميبيا قد تصدى لألمانيا التي أدانت قضية محكمة العدل الدولية وجنوب أفريقيا حيث قال: انتظري دقيقة يا ألمانيا. من أنت لتقولي ما هو ليس إبادة جماعية. أنت لم تأخذي في الاعتبار الإبادة الجماعية ضد ناما وهيريرو في ما يُعرف الآن بناميبيا والتي كانت الإبادة الجماعية التي وضعت في نواحٍ عديدة الإطار للإبادة الجماعية النازية. أعني كل شيء من البداية، الأعداد في معسكر الاعتقال في جزيرة شارك، إلى علوم العرق التي ابتدعت، تم وضع أسسه في ما يُعرف الآن بناميبيا. 

لذا يتعين علينا أن نتذكر تاريخنا حرفيًا، وأن نعيد الهولوكوست/ المحرقة إلى مكانها وزمانها، لأنني أعتقد أنه كان من الضروري إخراجها من الذاكرة لتبرير الصهيونية. وجزء من هذا التذكر هو إعادة موضعة تاريخنا وأن يُسمح له بمحاورة تاريخ الشعوب الأخرى التي تعرضت للإبادة الجماعية، وفهم أننا نستطيع التمسك بالتميز من دون التشبث بالاستثنائية".

بيت آرييه: أعتقد أن الأمر برمته مقاومة. نحن نقاوم ونتعلم أن نصغي للفلسطينيين الذين يعيشون هنا والذين لا يعيشون هنا لأنه تم نفيهم، بمواجهة التثقيف الصهيوني الذي يعزلنا عن تاريخ المنطقة ولا يعترف إلا بوجودنا نحن منذ أيام الهيكل الثاني وهكذا... إنها مقاومة لهذه الفوقية الحصرية، وهو أمر يتم بناؤه تدريجيا عبر السنوات. أعتقد أن المقاومة هي القدرة على تخيل المكان الذي نعيش فيه كمكان فلسطيني حيث آمل أن يرجع كذلك... بحال قمنا بعملنا بالطريقة الصحيحة. 

كلاين: هنالك شيء أود أن أضيفه. إسرائيل هي دولة استعمارية استيطانية، وهذا لا ينفي حقيقة مفادها أن الصهيونية متورطة في القمع اليهودي. كما تعلمون، الدولة الاستعمارية الاستيطانية هي دولة تحاول القضاء على السكان الأصليين ومحوهم واستبدالهم. وهناك أشكال عديدة تتخذها، فالاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة، والذي لا يمكن فصله مطلقًا عن استعباد الأفارقة، يختلف في طريقته عن الاستعمار الاستيطاني في كندا، حيث أعيش، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاستعباد ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا باستخراج الموارد الطبيعية وتجارة الفراء. أعني أن الحدود ليست مرتبة. لكن الاستعمار الاستيطاني في أستراليا مختلف لأنه بدأ كمستعمرة سجن. لا أعتقد أننا نستطيع فهم إنشاء دولة إسرائيل بدون تذكر المحرقة. ولا فهم الصهيونية بدون فهم المذابح. ولكن هذا لا يعني أن هذا ليس استعمارًا استيطانيًا. وكل دولة استعمارية استيطانية هي نوع من النسخ المتماثلة لدولة أخرى. أو في حالة الصهيونية الأمر مختلف لأن هناك دولة استعمارية استيطانية حيث أنا، كانت هذه الدول نسخًا لأوروبا. إذًا كان لدينا نيو إنجلاند وفرنسا الجديدة، أليس كذلك؟ ولكن الفكرة كانت تتلخص في خلق نسخة متماثلة من دولة أخرى. لذا عندما نتذكر ما كان هنا من قبل وعندما نتذكر الأسماء الحقيقية للأماكن التي نحن فيها، فهذا يعني المقاومة، أليس كذلك؟ هذا يعني رفض هذه القصص التاريخية الزائفة التي فرضت على هذه الأراضي. وهذا لا يعني أن الجميع يغادرون. بل يعني أننا نقف على شيء أكثر صلابة. وكأننا نمتلك أساسًا أقوى، وليس حلًا في حد ذاته. هذه هي الطريقة التي نصل بها إلى نوع من الأرض الصلبة التي يمكننا البناء عليها والعمل.

عن تفخيخ اللغة...

استطردت كلاين تشرح عن تفخيخ اللغة والتحكم بمشاعر الرعاع من قبل واضعي السياسات فقالت: إن أحد الأمور التي نغفل عن القيام بها هو مراقبة أنفسنا. أعتقد أننا يجب أن نفهم الطريقة التي يتم من خلالها تفخيخ اللغة. هناك أمور يتم ترتيبها عن قصد مسبق. أعني أن نشعر بقدر كبير من الخوف. كما تعلمون، فإنه لا يمكن قول أي كلمة، لا سيما الكلمات التي لها قوة، فأنت لا يمكنك أن تقول الفصل العنصري، ولا يمكنك بالتأكيد أن تلفظ التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية. والآن قيل لنا إن الاستعمار هو تشويه سمعة. لذا فإن ما تدركونه هو أن الهدف كان مجرد إسكاتكم. كما تعلمون، فإن الهدف هو أن تكونوا قادرين فقط على التحدث في عموميات لا معنى لها. لذا فقد تجاوزوها في ما يتعلق بالطريقة التي تم وفقها إنشاء الآليات لنقل الصدمة بدلًا من رعاية الأشخاص الذين تعرضوا إلى الصدمة. والسبب من وراء ذلك هو أن تبرير الإبادة الجماعية يستوجب إلغاء التعاطف وإبقاء الناس في حالة قتال أو هروب. لذا يتعين علينا أن نفهم ما يحدث ونحتاج إلى أن نكون نموذجًا، وأن نكون شخصًا مفكرًا جيدًا وموجهًا يمكنه أن يرى ما هو أمامه مباشرة، بما في ذلك حقيقة أن السابع من أكتوبر تم استغلاله بشكل ساخر وفوري لتحقيق وتوسيع أجندة كانت موجودة مسبقًا. ونحن نعلم أن الاستراتيجية كانت موجودة مسبقًا لأنها موجودة في وثيقة الائتلاف لهذه الحكومة. ولا يعني ذلك أنهم خططوا لذلك وفعلوه عن قصد. هذا يعني فقط أنهم من أسميهم رأسماليي الكوارث أو الانتهازيين كانوا مستعدين للتنفيذ. وعلى نفس المنوال كانت الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر مستعدة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وكانت مستعدة للإطاحة بصدّام. هناك العديد من الأمثلة على ذلك. وكلما استسلمنا لهذا الجنون، كلما كان المتحدثون القلائل أكثر عزلة، ولكن بالمواجهة يصبح من السهل حقا إسكاتهم. لذا، كما تعلمون، عليكم فقط أن تظهروا بعض الشجاعة وتفكروا في الفلسطينيين الذين يخاطرون بحياتهم من أجل نشر مقاطع الفيديو، وإيصال الرسائل، وقد دفعوا الثمن الأغلى على الإطلاق. لذا، مهما كان الخوف الذي نشعر به، فنحن الذين نتمتع برفاهية الأمان، علينا فقط أن نتجاوز الخوف ونفهم أن هناك مخاطر، نعم هناك بعض التكاليف، ولكن لا يمكن مقارنتها بالمخاطر التي يتحملها الفلسطينيون لمجرد القول إننا موجودون. وها هم موتانا.

سئلت الضيفة لماذا لا تحظى شهادات الفلسطينيين بالصدى نفسه الذي تحظى به شهادات الإسرائيليين في وسائل الإعلام الغربية؟ فأجابت: "لأن هذه أيديولوجية عنصرية. ولهذا السبب أتحدى الصهيونية. لأنها تشبه كل أشكال الاستعمار الاستيطاني. وأعتقد أننا يجب أن ننظر إلى الاستعمار الاستيطاني باعتباره جزءًا من سلسلة طويلة من عمليات الإبادة الجماعية. ولهذا السبب من المهم أن نتذكر التاريخ ولا ننظر إلى الهولوكوست على أنه فصل مبتور عن السياق التاريخي. عندما نقول إنهم أخذوا علومهم العرقية عن المستعمرين، كما تعلمون المستعمرين الألمان في ناميبيا الآن، أو عندما استلهموا أساطير المستوطنين، وأسطورة الحدود، وتحدث هتلر عن كيفية معاملته للأوكرانيين، وهو ما يشبه معاملتهم للهنود في أميركا الشمالية. إن الاستمرارية واضحة. ولكننا بحاجة إلى أن نكون واضحين بشأن ماهية الاستمرارية. إنها التفوق العرقي. إنهم البيض. وفي هذه الحالة التفوق المسيحي، الذي أصبح في إسرائيل تفوقًا يهوديًا. ومرة ​​أخرى يمكننا أن نرى هذه الخيوط المشتركة من دون تسطيحها والقول إنها متشابهة تمامًا، من دون محو الأجزاء المختلفة من هذه القصة. لكنني أريد أن أقول إن كل قصة استعمار لها جانبها المختلف. ولكن المشترك هو الاعتقاد بأن مجموعة واحدة تطلب لنفسها قيمة أكبر على أساس العرق أو الإثنية أو الدين. وإذا كنت تريد أن تعرف لماذا يتم سرد بعض القصص وبعضها لا، أو لماذا يتم الحزن على بعض الأرواح ويُستثنى آخرون، فهي المبادئ نفسها التي سردتها في مقال في صحيفة الغارديان حول السابع من أكتوبر".

تتابع كلاين: "لقد اقتبست مقالًا كتبه (أستاذ الأنثروبولوجيا) غسان الحاج، وهو أسترالي من أصل لبناني، تحدث فيه عن السابع من أكتوبر ونوع الضغط الذي تعرض له للحداد والتنديد، حيث قال إن المسألة ليست في أنه لم يشعر بالحزن أو الحداد، لكنه لم يستطع المشاركة في المحادثات لأن الأمر كان شكلًا من أشكال الحداد العنصري الذي طُلب من الناس المشاركة فيه، ولم يروا موت الفلسطينيين على مدى عقود عديدة على أنه مساوٍ بأي حال من الأحوال لتلك الوفيات، لذلك أعتقد أن هذا يجيب جزئيًا على السؤال حول متى يستمر ذلك... عندما يرى الناس السابع من أكتوبر حلقة في التاريخ، بخلاف المنطق المتبع، ووفقا للمنطق السليم فإنه لكل حدث تاريخ، وكلما حاول أي شخص بتر الحدث من الزمان والمكان، سواء كان ذلك 11 سبتمبر أو 7 أكتوبر أو الهولوكوست، أوقفوهم وارفضوا لأن ما يحاولون فعله هو استخدام هذا الحدث من أجل تبرير العنف".

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, راحيل, كيبوتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات