مسار العملية الانتحارية التي وقعت في تل أبيب فجر يوم الاربعاء (30/4) يشكل، منذ سنين، مصدر قلق كبير للأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها "الشاباك": ناشط في تنظيم اسلامي أصولي، يحمل جواز سفر أوروبيا، ومن شبه المؤكد انه ذو ملامح غربية، يدخل الى البلاد بقناع ساذج، بينما هو ينشط، عمليًا، مبعوثًا من الأجهزة التنفيذية الماهرة في تلك التنظيمات. حتى ان هذه لم تكن المرة الأولى التي تحقق فيها هذا السيناريو. لكن ما يميز العملية التي وقعت أخيرا هو ان الانتحاريين نجحوا في الوصول الى هدفهم.أفضليات ارسال انتحاريين أجانب، بالنسبة الى التنظيمات الارهابية، واضحة ولا ريب فيها. فخلافاً للفلسطينيين، يستطيع الأجانب الدخول الى البلاد بدون اية قيود، تقريباً.
أصحاب الأسماء الاسلامية او العربية يحظون، حقًا، باهتمام خاص من قبل عناصر الأمن، حتى وهم في المطارات الأجنبية، لكن لا يمكن المقارنة بين حجم الاجراءات المتاح اعتمادها بحقهم حتى توفر شبهات حقيقية ضدهم، وبين ما يتعرض له الفلسطينيون العاديون - سواء خلال تنقلهم في المناطق (الفلسطينية) او لدى وصولهم الى اسرائيل قادمين من خارج البلاد. حرية الحركة وحقيقة ان الأجانب أقل اثارة للشبهات بين المواطنين الاسرائيليين، تجعلان المبعوث من الخارج أكثر منفعة وجدوى لمشغليه، في العديد من المجالات: من جمع المعلومات الاستخبارية، مرورًا بحمل الرسائل والوسائل القتالية، وانتهاء بتركيب المتفجرات او تشغيلها. هذه التشكيلة تجلت بين المبعوثين الذين تم الكشف عنهم هنا في السنوات الأخيرة.
محسن مقداد كان أولهم. مقداد، لبناني تم ارساله الى هنا في ربيع العام 1996 من قبل جهاز خاص بالعمليات في الخارج تابع لمنظمة حزب الله، كان من المفترض ان يشغل عبوة ناسفة كبيرة جدًا قبل موعد الانتخابات في تلك السنة بوقت قصير. لكن مقداد فجر العبوة، خطأ، في غرفته في فندق "لورانس" في القدس الشرقية، فأصيب بجراح بالغة جدًا، ثم تم طرده من البلاد.
بعده بسنة ونصف السنة وصل الى هنا مواطن ألماني، ستيفان سميراك، الذي كان مبعوثًا من قبل حزب الله. تم اعتقاله لدى وصوله. في نهاية العام 2000 تم ارسال شخص مهني حقا: جرارد (جهاد) شومان، عربي يحمل جواز سفر بريطانيا، ناشط من حزب الله على ما يبدو. شومان التزم الصمت، باصرار، طوال التحقيق معه. تم اعتقاله في القدس الشرقية، بينما كان كما يبدو، في طريقه للحصول على بعض الوسائل القتالية. في العام الماضي تم القاء القبض في الخليل على ناشط آخر من حزب الله، هو اللبناني فوزي أيوب، الذي دخل الى البلاد بجواز سفر أمريكي مزور، وتم ارساله - كما يبدو - لمساعدة "حماس" في تحضير العبوات الناسفة. لكن المبعوث الأكثر اثارة للقلق لم يتم العثور له على أثر: انه ريتشارد ريد، بريطاني مولود في جامايكا، أشهر اسلامه وانضم الى احدى مجموعات "القاعدة" واشتهر حين كان يعتزم تفجير طائرة في رحلة عبر المحيط.
ريد، كما تبين التحقيقات، قضى فترة من قبل في اسرائيل، جمع خلالها معلومات عن أهداف افتراضية للتفجير. مصادر أمنية اسرائيلية تقول انه اذا كان ريد قد أمضى فترة في اسرائيل وخرج منها بسلام، فمن المحتمل جدًا ان يكون ارهابيون أجانب آخرون قد حضروا الى اسرائيلدون ان يتم اكتشافهم. نقطة الانطلاق هي ان الأمر ليس ممكنا فحسب، بل ان منظمات مثل "القاعدة" و "حزب الله" لها مصلحة حقيقية بذلك.
سيتوجب على "الشاباك" ان يدرس، بشكل جذري عميق، المسار التفصيلي الذي اختطه آصف محمد حنيف وعمر خان شريف، لكي يحاول سد مثل هذه الثغرات مستقبلا. مما سُمح بنشره حتى الآن، معلوم ان الرجلين مكثا في قطاع غزة قبل وصولهما الى تل أبيب. هذه الحقيقة تجعل من حنيف (الذي فجر نفسه) الانتحاري الأول الذي يخرج من قطاع غزة لتنفيذ عملية في اسرائيل، منذ اندلاع الانتفاضة الحالية. واذا ما تبين ان الاثنين نجحا، ايضاً، في تهريب العبوات من قطاع غزة (ولم يحصلا عليها في محطة ما في داخل اسرائيل)، فمعنى ذلك ان المنظمات الارهابية قد وجدت الطريق ايضاً لتجاوز الجدار الذي يحيط بالقطاع.
العمل المكثف الذي تقوم به منظمات ارهابية أجنبية في المناطق (الفلسطينية) معروف منذ زمن طويل. منظمة "حزب الله " تنشط هنا منذ فترة، من خلال خلايا تابعة لـ "فتح" و "الجهاد الاسلامي"، وأمس فقط نشر عن خطة مشتركة لـ "حزب الله" و "حماس" لاختطاف جندي الى سوريا، بمساعدة دروز من الجولان. فوق هذه التنظيمات كلها تحلق روح طهران. "الارهاب الممارس ضدنا"، قال مصدر استخباري كبير لـ "هآرتس"، "له عنوان رئيسي واحد: علي خامنئي، الزعيم الروحي لايران".
(هآرتس ـ 1/5)