المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1006

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية، حماس، مؤخرا عن وقفها للمفاوضات التي أجراها معها رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس حول وقف عملياتها المسلحة ضد أهداف إسرائيلية، متهمة عباس بتقديم خطاب ضعيف ومليء بالتنازلات في القمة التي جمعته إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون والرئيس الأمريكي جورج بوش في مدينة العقبة الأردنية يوم الأربعاء الماضي.

 

وفي الوقت الذي رأى فيه البعض، خاصة في الجانب الإسرائيلي، إعلان حماس هذا وكأنه العقبة الرئيسية أمام تطبيق "خريطة الطريق" الموضوعة من أجل التوصل إلى حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلا أنه من المفيد الانتباه أيضا إلى عقبات ومطبات أخرى من شأنها إعاقة التقدم في تطبيق "خريطة الطريق" إن لم يكن وأدها. فبالإضافة إلى فصائل المعارضة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، اللتان تعارضان "خريطة الطريق" بشدة، من المهم التطرق أيضا إلى اليمين الإسرائيلي وإلى اليمين الأمريكي كعاملين لا يقلان خطورة عن حماس والجهاد الإسلامي في إمكانية وضع عراقيل ومطبات أمام تنفيذ "خريطة الطريق."

من المتوقع أن تقوم بعض الجهات اليهودية اليمينية في الولايات المتحدة بزيادة تحفيز بعض رموز اليمين الأمريكي، المعارضة أصلا "لخريطة الطريق،" لكي يتم فتح حملة إعلامية وسياسية واسعة النطاق لوأد "خريطة الطريق" أو على الأقل تأجيل تنفيذ بنودها، بالذات تلك التي على إسرائيل أن تقوم بتنفيذها. وقد بدأت بعض المؤشرات تظهر بهذا الاتجاه ليس فقط في أوساط الحركات اليهودية الفاعلة في واشنطن، بل أيضا في أروقة الكونغرس الأمريكي، حيث أعلن بعض أعضاء الكونغرس، وعلى رأسهم السيناتور جون كايل من ولاية أريزونا، عن رفضهم المطلق لتطبيق "خريطة الطريق،" وعن استعدادهم للضغط على الإدارة الأمريكية بهدف قبول التعديلات التي تطالب الحكومة الإسرائيلية بإدخالها على هذه الخريطة.

في حال زيادة مثل النشاط المذكور في الولايات المتحدة، فإن الرئيس الأمريكي المقبل على عام انتخابات رئاسية (ستجري في تشرين ثاني 2004) سيضطر للاختيار بين خسارة جزء من المعسكر اليميني الأمريكي، الذي يشكل قاعدته السياسية الأساسية، أو المضي قدما في دعمه "لخريطة الطريق" والمراهنة على استقطاب أنصار جدد من صفوف أنصار السلام في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يحسم بوش أمره في هذا الصدد بناء على التطورات الميدانية في العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية، الأمر الذي يتأثر بدوره ليس فقط بموقف المعارضة الفلسطينية بل أيضا بموقف الحكومة الإسرائيلية التي تعتمد بشكل كبير على التيار اليميني في إسرائيل.

إن اليمين الإسرائيلي بغالبيته العظمى يعارض "خريطة الطريق" بشدة، ويرى فيها تنازلات إسرائيلية جمة، مثل عدم شملها لتنازل فلسطيني عن حق العودة وحديثها عن إقامة دولة فلسطينية غربي نهر الأردن وعدم حديثها عن إنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، مما يعني احتمال تجدد هذا الصراع، أو على الأقل أن يقوم الفلسطينيين بعرض مطالب جديدة في المستقبل غير البعيد.

واليمين الإسرائيلي لا يقتصر فقط على حزبي المفدال (بزعامة إيفي أيتام) والاتحاد الوطني (بزعامة أفيغدور ليبرمان)، اللذين قررا البقاء في حكومة شارون بالرغم من معارضتهما "لخريطة الطريق" خشية استبدالهما بحزب العمل الإسرائيلي، بل أيضا على جزء كبير من حزب الليكود، الذي يقوده أرئيل شارون. ومن المتوقع أن يواجه شارون في مؤتمر الليكود المقرر أن يعقد في أواسط الأسبوع المقبل معارضة شرسة للمضي قدما في تنفيذ "خريطة الطريق." لكن، وبالرغم من المعارضة المتوقعة في مؤتمر الليكود، إلا أن شارون لديه القدرة الكافية على تخطي مؤتمر الليكود والخروج منه ببعض الجراح السياسية الطفيفة. لكن السؤال الأكبر يكمن في ما إذا كان شارون سيواصل تنفيذ "خريطة الطريق" في المستقبل، بالذات في حال تعاظمت النشاطات المعارضة له من قبل كلا من اليمين الإسرائيلي والأمريكي من جهة وفي حال قامت بعض قوى المعارضة الفلسطينية بتنفيذ عمليات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية، من جهة اخرى.

إن شخصية أرئيل شارون وغياب بديل حقيقي وقوي له في الساحة الإسرائيلية حاليا ودعم الإدارة الأمريكية له تؤهله للمضي قدما في تخطي المطبات والعراقيل التي قد تواجهه في تنفيذ "خريطة الطريق." لذلك، فإن المطب الأهم في تنفيذ "خريطة الطريق" هو شارون نفسه.

ويجد أرئيل شارون، الذي يقف اليوم أمام مفترق طريق يفصل بين مواصلة انتهاج الخيار العسكري في مواجهة الفلسطينيين وبين تبني خط سلمي للعلاقة الفلسطينية - الإسرائيلية، مطالبا بأن يقرر أي من الخطين سينتهج، لأن مثل هذا القرار ضروري لتوضيح المستقبل الغامض "لخريطة الطريق،" ولفهم إذا ما كانت المطبات المذكورة في هذا المقال عقبات حقيقية على شارون تخطيها أم أنها أدوات يستعملها في مناوراته لوأد "خريطة الطريق."

 

7 حزيران 2003

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات