الصراع الذي تخوضه اسرائيل والولايات المتحدة لكبح البرنامج النووي الايراني،غيّر مساره في الاشهر الأخيرة، منذ اتضح ان الايرانيين حققوا تقدما في اقامة مصنع لتخصيب اليوراينيوم، قرب مدينة ناتانز. قبل ذلك، تركزت الجهود الدبلوماسية في ممارسة الضغط على روسيا لحملها على التوقف عن بيع التقنيات الحساسة الى ايران. ولكن عندما اتضح ان ايران تعمل على تحقيق انتاج ذاتي للوقود النووي، الذي قد يستغل ايضا لتركيب القنابل النووية، تقرر في واشنطن العمل ضد شرعية ايران الدولية.واشنطن وطهران تخوضان لعبة اعصاب دبلوماسية. الايرانيون يحاولون انتزاع الشرعية لبرنامجهم النووي، بحجة انه معد لأغراض مدنية شرعية. ايران وقعت على معاهدة منع انتشار السلاح النووي، ومنشآتها النووية مفتوحة امام الرقابة عليها من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية. ايران تسعى الى استغلال غطاء المعاهدة والوكالة من اجل شرعنة برنامجها النووي العسكري. الولايات المتحدة تسعى الى استغلال المؤسستين من اجل عرض الايرانيين بوصفهم كذابين.
في هذه الحالة، يجب ببساطة الاستماع إلى تصريحات "الكبار" بكامل الجدية. وزير "الأمن"، شاؤول موفاز، يدلي بهذه الأقوال، مؤخرًا، في كل فرصة: إسرائيل أعلنت حربًا على "حماس" في قطاع غزة. وفي هذه الحرب، كل الوسائل متاحة وشرعية من ناحيتها. كلها - ما عدا (حاليًا) احتلال القطاع كاملاً.لذلك، فإن إغتيال د. إبراهيم المقادمة، (السبت 8 آذار) في حي الشيخ رضوان في غزة، هو علامة أخرى تنذر بالتصعيد الكبير. وقد تمت المصادقة على هذا الاغتيال، قبل مدة طويلة نسبيًا، لكن إسرائيل امتنعت عن إخراجه إلى حيز التنفيذ لأن المقادمة تواجد في مناطق مأهولة بالسكان. بالأمس، نشأت الفرصة للمسّ به، وثلاثة من "حماس" فقط كانوا معه في السيارة - وهذا ما حدث. ولم يكن ما حدث مفاجأةً تامةً. فقد تحدثوا في قيادة الجنوب في الجيش الاسرائيلي منذ منتصف الأسبوع الماضي، قبل ساعات معدودة من العملية التي نفذها منتحر من "حماس" في حيفا، عن أن <<شهادات تأمين رؤساء التنظيمات قد انتهى سريانها>>. كما أن كبار "حماس" و "الجهاد الاسلامي" كانوا واعين لذلك. وقد تنقّل القياديون (ومن بينهم المقادمة) مؤخرًا، مع حراس خاصين ودرج قسم منهم على تبديل أماكن سكناهم.
كتب: محمد دراغمةالسؤال الكبير الذي أثارته اللقاءات الأخيرة التي عقدها أرئيل شارون مع مساعدين للرئيس ياسر عرفات هو: هل تغير "البلدوزر"، وقرر العودة من تلقاء نفسه إلى حظيرة المفاوضات، أم تغير الفلسطينيون، وقرروا الاستجابة لشروط الهزيمة التي يحاول منذ نحو عامين أن يفرضها عليهم؟؟
أوساط عديدة في إسرائيل ما زالت تشكك في خطوة شارون هذه، وتعتبرها مناورة ائتلافية الهدف منها مغازلة قادة حزب العمل وإثارة بلبلة داخلية لديهم، وجرهم إلى المشاركة في المفاوضات التي يجريها لتشكيل ائتلافه الحاكم.
"كرة الثلج" التي بدأت تتدحرج الى اسفل الجبل في الثامن من ديسمبر الماضي – موعد الانتخابات الداخلية في "الليكود" – لا تتوقف، وهي تدوس تحتها حزب السلطة الذي بدا الى ما قبل شهر لا يُهزَم. خلال اربعة اسابيع فقد "الليكود" 14 مقعدا، اربعة منها في الاسبوع الاخير فقط. واذا كانت "الموضة" حتى تلك الايام هي التصويت لحزب "الليكود" ولرئيس الحكومة ارئيل شارون، فان الوضع مختلف جدا اليوم: كلهم يهربون من "الليكود"، مثل الفئران من على سطح سفينة غارقة.ليس هناك احد لا يستفيد من "الهروب الكبير": شاس، شينوي، الاتحاد القومي، وحتى حزب "العمل"، بكثير من المفاجأة. لأول مرة منذ فترة طويلة يُلقي اليه بمقعدين، هما على ما يبدو مقعدا "ميرتس" (سريد) و "عام احاد" (عمير بيرتس). في هذا الاسبوع ينجح "العمل" بتحطيم السقف الزجاجي مع المقاعد الاثنين والعشرين، ويرتفع الى اربعة وعشرين مقعدا في استطلاع "ديالوغ" ("هآرتس"، 9 يناير).
في الجهة المقابلة ينجح "الليكود" في تحطيم الارضية الفولاذية ذات الثلاثين مقعدا. وبموجب الاستطلاع المذكور، الذي اشرف عليه البروفيسور كميل فوكس، يهوي "الليكود" هذا الاسبوع الى 27 نائبا (يا للمفارقة – فهذا هو المكان الذي يحتله عومري شارون، نجل رئيس الوزراء الاسرائيلي، ومن يبدو بنظر كثيرين في "الليكود" مسؤولا رئيسيا عن وضع الحزب البائس). بالمصطلحات الاحصائية، هذا هو تعادل تقريبا بين الحزبين، اللذين فصل بينهما الى ما قبل شهر تقريبا 21 مقعدا.
في الاستطلاع الجديد تفقد كتلة اليمين – المتدينين ثلاثة مقاعد، وتستقر في حدود الـ 61 نائبا فقط. وتحصل كتلة اليسار (العمل، ميرتس، الجبهة والتجمع والموحدة) على اربعين مقعدا، اما كتلة الوسط – التي تضم شينوي و عام احاد – فتحصل على 19 مقعدا (شينوي يتقوى ويرتفع الى 17 مقعدا، بينما يحصل "عام احاد" على اثنين),
ولا يزال رئيس حزب العمل عمرام متسناع بعيدا جدا عن كرسي رئيس الحكومة، ولكن، بالمقابل، شارون ايضا لم يعد "صاحب البيت": حتى لو انتصر في 28 يناير وكُلِّف بتشكيل حكومة، فسيتحول الى رهينة واداة في لعبة يمسك بخيوطها الشركاء المحتملون. من جهة، اذا رغب بتشكيل حكومة وحدة بموجب الصيغة السابقة، مع احزاب "الحرديم" واليمين، فان "العمل" لن يمضي معه. على الاقل في هذه المرة. من جهة ثانية، اذا رغب بتشكيل حكومة وحدة علمانية، مع "العمل"، و "شينوي"، فسيضطر الى مجابهة كتلته، التي سيقودها وزير الخارجية، بنيامين نتنياهو. واذا اختار مضطراً تشكيل حكومة يمين – "حرديم" ضيقة، فسيجد نفسه محاصرا على الساحة الدولية.
في كل الاحتمالات الائتلافية، وفي اية تشكيلة حكومية محتملة، فان دورة شارون القادمة قد تكون اقصر من الحالية، واقل هدوءا بكثير. في وضع كهذا، ستكون يدا شارون مقيدتين. سيكون ملزما اكثر تجاه نتنياهو، الذي يراقب هذه الايام ما يحدث "مبسوطاً"، ويوزع على يمينه وشماله التصريحات بوجوب طرد الرئيس ياسر عرفات. يبدو ان شارون لم يعد قادرا على ان يفرض على اعضاء كتلته المرشحين لمناصب وزراء مفاهيمه الخاصة بقيام دولة فلسطينية.
الفساد باشكاله المختلفة هو السبب المركزي في استمرار عملية تحطم "الليكود". في الاسبوع الماضي كانت تلك قصة نائبة الوزير نعومي بلومنتال، وفي هذا الاسبوع – فضيحة الاموال المشبوهة التي حصلت عليها عائلة شارون من المليونير الجنوب افريقي سيريل كيرين. جرى الاستطلاع الاخير ليلة الاربعاء 8 يناير، في اليوم الذي نشرت فيه "هارتس" قصة القرض الضخم. يمكن الافتراض بأن غالبية المشتركين لم يكونوا عارفين بمعظم تفاصيل القضية ولم يكونوا قد استوعبوها بعد حتى النهاية، بحيث يمكن القول ان الضرر الذي لحق بالليكود اكبر بكثير مما يعكسه هذا الاستطلاع.
تلقى المشتركون اسئلة الاستطلاعيين بعد ان شاهدوا او كانوا ما زالوا يشاهدون الامسية الاولى للدعاية الانتخابية المتلفزة (الثلاثاء 7 يناير). وحتى لو فكرت اغلبية الجمهور ان افلام "الليكود" كانت افضل، كما نشر في اليوم التالي، فان الامر لم يترجم الى نوايا للتصويت في الصندوق كما قال الاستطلاع.
عملية جنوب تل ابيب التي كان من المفترض ان تساعد "الليكود"، غائبة تماما. المصوتون الذين توجهوا اليه لأن "الليكود" في الموضة، تخلوا عنه، والان تبدأ بالتآكل النواة الصلبة من المؤيدين. وليس مستبعدا ان يعود قسم من "العائمين" او المترددين عشية يوم الانتخابات، وحتى نسبة معينة من المنشقين الى "شينوي" و "شاس"، الى "البيت"، الى احضان "الليكود". لكن هذا الحزب يجد نفسه في صرع مرير مع كل صوت، وبخاصة – من كان يصدق؟ - ان الكنز الكبير، الورقة الرابحة شارون، يصبح من يوم ليوم عبئا على القائمة.
قبل اقل من ثلاثة اسابيع على الانتخابات، يمكن القول ان "مغامرات عائلة شارون" هي - اذا استخدمنا تعبير المستشار الاستراتيجي ايال اراد عن اصحاب السوابق الذين تسللوا الى الحركة – "الفيروس" الذي يفعل الاهوال بجهاز المناعة لدى "الليكود". الى حد ان البعض تهامس هذا الاسبوع حول الحاجة الى استبدال المرشح. ربما يجب احضار نتنياهو، قال البعض في الحزب، لعلنا معه نحصل على فرصة لاستعادة بعض المقاعد.
"الليكود" يتفكك الى عناصره الاولية"، يجمل يوسي فرتر الموقف في "هارتس"، فالليبراليون يتجهون الى "شينوي"، والمحافظون يعودون الى "شاس" (التي تتقوى في الاستطلاع وترتفع الى 13 مقعدا). كل صوت يذهب الى "شينوي"، ويقوي خيار الحكومة العلمانية، ينقل بنوع من رد الفعل المضاد الاصوات الى "شاس"، لتقوية خيار الحكومة الضيقة.
معارضة متسناع المعلنة الانضمام الى حكومة وحدة برئاسة شارون لم تعد ضارة له. على خلفية الفساد المتفشي في كل ركن في "الليكود"، لم يعد ناخبو "العمل" يخافون فكرة بقاء حزبهم في المعارضة. بالنسبة لكثيرين منهم، يبدو ان ذلك "انظف خيار". موقف متسناع المؤيد لاقامة جدار فاصل بين اسرائيل والمناطق الفلسطينية يحظى بتأييد كبير: 65% من الجمهور يؤيدونه، وبضمنهم 74% من ناخبي "الليكود". لكن، وبكثير من المفارقة، ما زال الناخبون يصدقون شارون لأنه سيقيم جدارا حقيقيا وإن لم يفعل شيئا في الامر خلال السنتين المنصرمتين.
عندما سألت الاستطلاعات أي موضوع يجب ان يتصدر برأيهم معركة الانتخابات اشار 40% منهم الى الموضوع الامني، و 22% الى الاقتصاد وفقط 6% اشاروا الى الفساد. ظاهريا، معظم الناخبين لا يعتبرون الفساد قضية مركزية في معركة الانتخابات، مع ذلك لا يجب ان نخطىء في فهم الظاهرة: تصويتهم متأثر بالاساس ويكاد يكون فقط بهذا الموضوع.
الصفحة 42 من 56