لم تصل مسألة تجنيد الشبان الحريديم طلاب المدارس الدينية، على امتداد السنوات العديدة التي شكلت فيها موضع خلاف حاد، سياسي واجتماعي، بين بعض الأوساط العلمانية، من جهة، والمجتمع الحريدي من جهة أخرى، إلى ما وصلت إليه هذه الأيام من احتدام لم يعد يشكل تهديداً لمساومات وتحالفات سياسية، كما في السابق، فحسب، بل أصبح يشكل خطراً ملموساً يحدق بوحدة المجتمع الإسرائيلي ـ اليهودي، تماسكه وتعاضده بعد أن شهدت هذه كلها واحدة من أعلى ذراها في تاريخ دولة إسرائيل عقب السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وحتى الأسابيع الأخيرة، التي تكثف فيها الحديث وتصاعدت حدته بشأن الحاجة الماسة إلى قوى بشرية ترفد صفوف الجيش الإسرائيلي ووحداته المختلفة في ضوء الخسائر البشرية الكبيرة جداً التي تكبدها من بين جنوده وضباطه، بين قتلى ومصابين لم يعودوا قادرين على العودة إلى تأدية الخدمة العسكرية، جراء إصاباتهم الجسدية أو النفسية، وحيال تصاعد احتمالات اندلاع حرب محتملة وشيكة على الحدود الشمالية مع لبنان في ضوء حالة الإرهاق والغضب الشديدين اللذين يسودان بين جنود وضباط الاحتياط. وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى الإعلان عن عزمها على إجراء تعديل قانوني سريع يقضي بتمديد فترة الخدمة العسكرية في الاحتياط من جهة، وما دفع رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، إلى الإعلان عن حاجة الجيش الفورية إلى بضعة آلاف من المجندين الجدد.
نظّم الكنيست الإسرائيلي مطلع الشهر الجاري ما أسماه "اليوم الخاص من أجل ترميم وإعادة بناء البلدات الشمالية"، تخللته جلسات ومناقشات في مختلف لجان الكنيست. وتحضيراً لذلك، أجرى معهد الأبحاث والمعلومات في الكنيست دراسة تلخيصية جمعت المعطيات والبيانات الرسمية المسجلة والمعتمدة عن السكان الذين تم إجلاؤهم من الشمال، كجزء من قرار الحكومة رقم 975: "خطة عمل وطنية لتنفيذ إخلاء سكان القطاع الشمالي (0-5 كم من الحدود) واستيعابهم (18 تشرين الأول/أكتوبر 2023)". بالإضافة إلى هؤلاء السكان تطرقت الدراسة أيضاً إلى جوانب عدّة تتعلّق بالسكان الذين غادروا بلداتهم بشكل مستقل عن خطط الإخلاء التي وضعتها الدولة. ويشير واضعو الدراسة إلى أن جزءاً من المعلومات الواردة فيها يستند إلى دراسات سابقة كتبها باحثو مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، وتنوّه إلى أنها "ليست مراجعة شاملة للموضوع، من جميع جوانبه".
خلال شهر أيار المنصرم تفاقمت أزمة مالية لدى البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية بسبب سياسات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش. ثمة جانبان متلازمان لهذه الأزمة المالية: من جهة، ساهمت مصادرة إسرائيل أموالَ المقاصة، ومنع العمال من الدخول إلى سوق العمل الإسرائيلي، في نقص السيولة التي تستطيع البنوك الفلسطينية التصرف بها وإعادة تدويرها في السوق الفلسطينية. من جهة ثانية، وبشكل قد يبدو متناقضا، لدى البنوك الفلسطينية "فائض شيكل" يصل إلى حوالى 20 مليار شيكل سنوياً لكنها لا تستطيع أن تتصرف بهذا الفائض، وبحسب اتفاقية باريس الاقتصادية، فإن سلطة النقد الفلسطينية تحتاج إلى "إعادته" إلى البنك المركزي الإسرائيلي.
أقيم "فوروم شيلو لمدينيوت" ("منتدى شيلو للسياسات") في العام 2019، وقد تم تسجيله كجمعية رسمية لدى مسجّل الشركات الإسرائيلي التابع لوزارة العدل كمعهد بحثي لتشجيع الاستيطان. وتُشير المعطيات إلى أن مقرّ المعهد يقع في مستوطنة "إفرات" في التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" جنوبي مدينة بيت لحم. وقد أقيم في أعقاب نشر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لـ "صفقة القرن" التي تضمّنت تقسيماً للأرض في المنطقة المصنّفة "ج" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويسعى لتأسيس حقبة جديدة في مشروع الاستيطان اليهودي استناداً إلى الاعتراف الأميركي بشرعية الاستيطان في الضفة الغربية، كما ورد في تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال فترة الإدارة الأميركية السابقة، وكذلك استناداً إلى مشروع التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية وفي مقدّمتها الإمارات والبحرين.
يسجّل حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، لربما، سابقة في تاريخ الحلبة السياسية الإسرائيلية، من حيث تأرجحاته الكبيرة في استطلاعات الرأي، وفي نتائجه في كل جولة انتخابات برلمانية، صعودا وهبوطا بفوارق كبيرة، ما يدل على أنه بعد 12 عاما على ظهوره على الساحة السياسية، لم يتأسس ويترسخ، بمعنى أنه ما زال من دون قاعدة جماهيرية ثابتة. فاستطلاعات الرأي العام الأخيرة، تدل على تكبّده خسارة كبيرة في عدد مقاعده البرلمانية، في أي انتخابات مقبلة؛ وفي المقابل، وفي حين تعلو الأصوات ضد سيطرة أشد أحزاب اليمين الاستيطاني تطرفا، فإن نواب "يوجد مستقبل" وأيضا زعيمهم، ينافسون هذه الأحزاب المتطرفة في طرح المواقف السياسية، وبشكل خاص مبادرات القوانين الداعمة للاحتلال والاستيطان وتمدده، وسياسات قمع الحريات والاستبداد.
لا يكاد يمر يوم واحد، تقريباً، من دون أن تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة ومعاهد الأبحاث المتخصصة في قضايا الأمن، الاستراتيجيا والسياسات الخارجية تحليلات، دراسات وتقييمات حول ما وصلت إليه العلاقات الإسرائيلية ـ الروسية وما يمكن أن تتطور إليه مستقبلاً من مآلات وانعكاسات ذلك كله، بأبعاده المختلفة، على وضع إسرائيل الجيوـ استراتيجي إقليمياً وعالمياً وما يوجبه ذلك، بالتالي، من خطوات وإجراءات فعلية ينبغي على إسرائيل اتخاذها الآن أو في المستقبل المنظور. ولا تبخل الكثير من هذه الأبحاث والتحليلات والدراسات بتقديم توصيات تُطالب الحكومة الإسرائيلية، في حالة من شبه الإجماع، بالتوقف عن سياسة "ضبط النفس" حيال روسيا والانتقال إلى اتخاذ خطوات عملية للردّ على ما تسميه "العِداء الروسي" الذي كان قد بدأ يظهر في السياسات الروسية الخارجية خلال السنوات الأخيرة ثم صار يُترجَم فعلياً بصورة واضحة مع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، لكنه تصاعد واستفحل "بصورة مقلقة"، كما تصفه معاهد الأبحاث والأوساط السياسية إياها، في الفترة الأخيرة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بوجه خاص.
الصفحة 14 من 324