المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 76
  • برهوم جرايسي

تزايدت في الأيام الأخيرة التقارير الاقتصادية الإسرائيلية التي تؤكد ما يمكن وصفه بحالة انفلات في سوق الأغذية، وسط غياب رقابة حكومية حقيقية، على المواد الغذائية، إذ يؤكد تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد، أنه في أشهر الحرب الـ 13 الأولى، ارتفعت أسعار المواد الغذائية من دون الخضروات والفواكه بنسبة عامة 5%، في حين أن نسبة التضخم في الفترة ذاتها كانت 3.7%، وهذا أحد مسببات زيادة أرباح الشركات المنتجة والمستوردة والمسوقة للمواد الغذائية، التي تواصل رفع الأسعار رغم تراجع أسعار المواد الخام للمنتوجات الغذائية في الأسواق العالمية منذ حوالي عامين، إلا أن هذا لم ينعكس على الأسعار في السوق الإسرائيلية، في ظل الحرب المستمرة.

وتدل تقارير أخرى على الارتفاع الحاد في أرباح الشركات والبنوك الكبرى، في عام يشهد تدهورا اقتصاديا على أكتاف الجمهور، وفي الميزانية العامة.

غلاء الأغذية يفوق نسبة التضخم

في الأيام القليلة الماضية، قدم مراقب الأسعار في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، تقريرا خاصا به، يشمل وجهة نظر اقتصادية، ويتركز بشكل خاص في انعكاس الحرب على الغلاء في السوق الإسرائيلية، ومن أبرز الاستنتاجات التي توصل لها، أنه خلال 13 شهرا من الحرب، سجلت أسعار المواد الغذائية، من دون الخضار والفواكه، ارتفاعا بنسبة 5% بالمجمل، رغم أن التضخم في الفترة ذاتها ارتفع بنسبة 3.7%. ولو تم إرفاق أسعار الخضروات والفواكه لكانت نسبة غلاء الأغذية ستكون أكبر، لكن يبدو أن المراقب لم يتعامل مع سوق الخضار بسبب سلسلة من العوامل أثرت عليه، وليس فقط الحرب.

إلا أن الأمر الأبرز في هذا التقرير، هو أن شركات إنتاج واستيراد الأغذية، وشبكات التسوق الكبرى، رفعت الأسعار بنسب أعلى من ارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع، وفي فترة شهدت تراجعا في أسعار المواد الخام للمواد الغذائية في الأسواق العالمية. ويشدد التقرير على أن تراجع المواد الخام لإنتاج الأغذية بدأت في التراجع في العالم منذ الربع الأخير من العام 2022، بمعنى قبل عامين، إلا أن هذا لم ينعكس على الأسعار في إسرائيل، ما عزز الجدل حول الرقابة الحكومية للأسعار. 

وحسب تقرير في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، فإن وزارة الاقتصاد الإسرائيلية أجرت فحصا لـ 170 صنفا من الأغذية، ووجدت أن 40% من المنتجات كان ارتفاع الأسعار فيها مشابها أو قريبا لنسبة التضخم المالي (الغلاء) العامة، بمعنى 5%، وأن 25% من هذه الأصناف الغذائية تراوح فيها ارتفاع الأسعار ما بين 5% إلى 10%، بينما 7% من هذه الأصناف تبين أن الأسعار ارتفعت فيها بأكثر من 25%، خلال 13 شهرا. 

أحد أمثلة الانفلات في سوق الأغذية، ظهرت في تقرير اقتصادي آخر، نشرته "ذي ماركر"، إذ تبين أنه على الرغم من أن وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ألغى منذ مطلع العام 2023، فور توليه المنصب، الضريبة الزائدة الخاصة على المشروبات الغازية والمُحلاة، وعلى الأدوات البلاستيكية، التي تستخدم لمرّة واحدة، إلا أن أسعار هذه البضائع حافظت على حالها، ليدب فارق الأسعار في جيوب المنتجين والمسوّقين؛ ففي العام الواحد، كان المدخول الإضافي لخزينة الضرائب من زيادة الضريبة على المشروبات الغازية والمحلاة حوالي 800 مليون شيكل، والضريبة الزائدة على الأدوات البلاستيكية 350 مليون شيكل.  

وكانت هذه الضريبة قد سرت لعام واحد، وفرضها وزير المالية السابق أفيغدور ليبرمان، بادعاء الحفاظ على صحة الجمهور بالنسبة للمشروبات، والحفاظ على البيئة بالنسبة للأدوات البلاستيكية، إلا أن الحديث في إسرائيل كان أن هذه الضريبة أضرت بجمهور المتدينين المتزمتين (الحريديم) بشكل خاص، الذي يُكثر في استخدام هذين الصنفين من البضائع.

موجة غلاء في اليوم الأول من 2025

سيكون الجمهور في إسرائيل في اليوم الأول من العام الجديد، 2025، أمام موجة غلاء خدماتية وضرائب جديدة، من شأنها هي أيضا أن تساهم في زيادة التضخم المالي، بمعنى غلاء البضائع على مختلف أنواعها، بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج والتوزيع والتسويق.

فقد أعلنت سلطة الكهرباء الإسرائيلية للجمهور، الأسبوع الماضي، عن نيتها رفع أسعار الكهرباء للمستهلك بنسبة 3.8%، وتضاف لها نسبة 1%، هي الزيادة المفترضة من زيادة ضريبة القيمة المضافة بهذه النسبة لتصبح 18%، بدلا من 17% حاليا.

وجاء هذا بعد وقت قصير من إعلان سلطة المياه عن رفع أسعار المياه للمستهلك بنسبة 3.4%، ولها أيضا تضاف نسبة 1%، بفعل زيادة ضريبة القيمة المضافة.

وكانت الحكومة قد قررت رفع ضريبة المسقفات البلدية، (بالتسمية الإسرائيلية الأرنونا)، بنسبة 5.3%، مع منح المجالس البلدية والقروية إمكانية رفعها بنسب إضافية قد تصل إلى 5% أخرى.

وهذا كله من شأنه أن يرفع كلفة الإنتاج والتوزيع والتسويق، لأن أصحاب هذه المصالح يلقون كل عبء زيادة الكلفة على الجمهور، الذي من المتوقع أن يتكبد غلاء قد يتجاوز نسبة الغلاء المتوقعة لهذا العام، في حدود 3.7%.

يضاف إلى كل هذا، ما كنا قد أشرنا إليه من قبل، وهي زيادة الرسوم الشهرية للتأمين الصحي، والضمان الاجتماعي (التأمين الوطني بحسب التسمية الإسرائيلية)، وليس هذا فحسب، بل أن قرار الحكومة والكنيست منذ مطلع العام الجاري، يقضي بعدم تعديل تدريج ضريبة الدخل بذات نسبة التضخم المالي، ما يعني خسارة بنسبة 3.7% من قيمة الرواتب التي تصل إلى جيوب المواطنين. 

وفوق كل هذا، على ضوء استمرار وتيرة التضخم العالية نسبيا، متجاوزة السقف الذي حدده بنك إسرائيل المركزي، 3%، فإن الاحتمال الأكبر، هو ثبات الفائدة البنكية الأساسية الاجمالية عند 6%، وفي البنوك قد تصل إلى 10% وأكثر، وهذا على الأقل في النصف الأول من العام الجديد، والاحتمال قد يكون ضعيفا بتخفيض هامشي للفائدة لاحقا.

أرباح خيالية للشركات والبنوك

تتوالى التقارير الفصلية التي تتحدث عن تضخم أرباح شركات الأغذية والملابس، وبضمنها شبكات التسويق، ومن فوقها البنوك، التي ستسجل أرباحها مع انتهاء العام الجاري، ذروة غير مسبوقة، من حيث الكم، وأيضا من حيث القفزة التي حققوها مقارنة مع العام الماضي، وهذا كله من جيوب المواطنين، الذين يدفعون ثمن الغلاء، الذي أسبابه متنوعة، ويضاف له غلاء من أصحاب رأس المال الذين يلقون على الجمهور كل زيادة في كلفة الإنتاج والتسويق، وأيضا بنسب أعلى من زيادة الكلفة عليهم، حسب كل التقارير، وسط غياب قوانين وأنظمة تلجم وتمنع.

وكل التقارير الأخيرة، تحدثت عن نهاية الفصل الثالث من العام الجاري، بمعنى حتى نهاية أيلول الماضي، لكن وتيرة زيادة الأرباح مستمرة وتظهر في كل تقرير فصلي من هذا العام، فعلى سبيل المثال، أكبر شبكة تسوّق غذائية إسرائيلية، "شوبر سال"، ارتفعت أرباحها هذا العام بنسبة 370%، وبلغت 237 مليون شيكل (معدل سعر صرف الدولار يتراوح حاليا، ما بين 3.63 إلى 3.7 شيكل).

والأرباح تتزايد في قطاع الملبوسات، وأحد أبرز أسباب زيادة الأرباح، هو تراجع الجمهور في إسرائيل بنسب ملموسة عن الشراء عبر شبكة الإنترنت من خارج البلاد، بسبب طول مدة وصول الرزم لأصحابها، وأيضا بحسب التقارير، تراجع ثقة الجمهور بشبكات البيع، وزيادة التخوفات من أن لا تصل البضائع التي يتم شراؤها. 

فعلى سبيل المثال، ارتفعت أرباح شبكة فوكس للملبوسات بنحو 57%، وأرباح شبكة غولف بحوالي 60%، وكل هذه عينات لحالة واسعة في السوق الإسرائيلية.

أما في البنوك، فإن أرباحها بلغت حتى نهاية الفصل الثالث من العام الجاري، ما يقارب 22.6 مليار شيكل، بالنسبة للبنوك الخمسة الأكبر، وهذا يعني أن أرباح هذه البنوك ستصل على الأغلب إلى أكثر من 30 مليار شيكل، مع نهاية العام الجاري، مقابل 25.6 في العام الماضي 2023، وأكثر من 23 مليارا في العام 2022، و18.3 مليار شيكل في العام 2021. ما يعني أن أرباح البنوك ستكون قد ارتفعت من نهاية 2021 إلى نهاية 2024، بنسبة 67%، في حين أن نسبة التضخم المالي التراكمية في الفترة ذاتها أقل من 14%. إلا أن الفائدة البنكية الأساسية الاجمالية قفزت من 1.6% إلى 6%.

والمصدر الأساس لزيادة الأرباح، وبنسبة أعلى من المعتاد، هو الارتفاع الحاد النسبي، للفائدة البنكية، فهي بالمجمل حاليا 6%، منها 1.5% ثابتة و4.5% متغيرة، إلا أن البنوك التجارية تفرض فوائد على القروض والسحب الزائد يبدأ من 7% في أقل تقدير، وتصل إلى 12%، في حين أن شركات بطاقات الاعتماد الفائدة لديها أعلى.

وعامل آخر لزيادة الأرباح بنسب غير مألوفة هو الفجوة كبيرة بين الفوائد على القروض، وتلك التي تقدمها البنوك على المدخرات، ما أبعد الجمهور عن التوفير. وفي هذه المرحلة، حسب التقارير، فإن في الحسابات الجارية للمواطنين أكثر من 235 مليار شيكل، وهذه أموال رغم أنها تبقى في إطار السيولة المالية، إلا أن البنوك قادرة على استخدام نسبة عالية منها للاستثمارات، وتقديم قروض للمواطنين بفوائد عالية، في حين أن الفوائد الممنوحة للحسابات الجارية أقرب إلى الصفر، وستتوقف ابتداء من مطلع العام الجديد 2025.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات