لم تكن العملية التي نفّذها عبد الله بدران ليلة السبت (26/2)، في ملهى في تل أبيب، نسيج وحدها ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة لأسباب ذاتية وموضوعية متعددة، أولها وأساسها، أن إسرائيل لم توقف أعمال القتل والتدمير بحق الفلسطينيين، وأنها مستمرة في مخططاتها لتعزيز الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، لعرقلة وتقييد مقومات الاستقلال الفلسطيني؛ وثانيها، أن بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة استمرأت هذا الشكل لبساطته، وكلفته القليلة، ولتوفّر المادة البشرية، من المتظلمين والمتضررين من الاحتلال، والذين يسعون للثأر من تنكيله وعسفه؛ وثالثها، أنه ثمة علاقة تداخل وتفاعل بين الأوضاع في فلسطين المحتلة والأوضاع الإقليمية، ولاشك أن التوتّر في أي منهما ينعكس على الآخر، بشكل مباشر أو غير مباشر.
ثمة مؤشرات ونوايا جدية، ربما أكثر من أية مرة سابقة، تؤكد بأن الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، يحاولان وضع حد لصراعهما العنيف، بعد أكثر من أربعة أعوام من المواجهات الدامية والمدمرة، والتحول مرة أخرى، للتصارع على مائدة المفاوضات، حول قضايا التهدئة والحل الانتقالي (المتمثل بخطة خريطة الطريق) تمهيدا، ربما، للانتقال للتفاوض حول قضايا المرحلة الأخيرة، التي تشمل مستقبل القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والترتيبات الأمنية.
لا شك أن في جملة إستهلالية من المقال الإفتتاحي الذي أنشأته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمس الإثنين (21/2/2005)، غداة إقرار الحكومة الإسرائيلية خطة "فك الإرتباط" الأحادية الجانب عن غزة وبعض المستوطنات الصغيرة في الضفة الغربية، والتي جاء فيها بشأن حوصلة الإقرار السالف القول الآتي "إن الحكومة أزاحت عقبة إضافية من طريق تحرير إسرائيل من ربقة الإحتلال في قطاع غزة وجزء كبير من الضفة الغربية"، ما يعيدنا إلى حقيقة كون الخطة المذكورة خطوة في طريق طويل يتعين سلوكه للتخلص نهائيًا من الإحتلال، حتى في قراءة الجهات الإسرائيلية الساعية لبلوغ هذه الغاية.
ازدادت في الآونة الاخيرة كمية التهديدات الموجهة الى شخصيات اسرائيلية رسمية، من المستوى الوزاري. فبعد التهجّم الكلامي الذي تعرضت له الوزيرة ليمور ليفنات من جهة عناصر استيطانية متطرفة ذات رائحة كهانية (نسبة الى العنصري مئير كهانا)، جاءت التهجمات على الوزير بنيامين نتنياهو وتخريب سيارته، ثم رسائل التهديد الى الوزيرين مئير شطريت وبنيامين بن اليعازر التي كُشف عنها في جلسة للحكومة (مهددو بن اليعازر اهتموا بتذكيره بأصله العراقي العربي! لكن الجميع بمن فيهم المهدَّد نفسه تجاهلوا هذا "التفصيل").
الصفحة 32 من 81