يطيب للمحللين، الذين تأخذ عقولهم أو تستهويهم الأيديولوجيات والشعارات والمطلقات، تفسير تفوق حال إسرائيل، على حال الواقع العربي، بتفوقها في المجالات العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، وبتمتعها بعلاقات إستراتيجية استثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية. لكن هؤلاء يغفلون في تحليلهم هذا العوامل الذاتية، التي تضفي على إسرائيل قوة مضافة، تجعلها قادرة على تجيير عناصر تفوقها، وتحويلها إلى عوامل قوة.
لولا أن الرقم "مدوّر"، كما يقولون، لكانت الذكرى العاشرة لمقتل إسحاق رابين، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، التي تصادف في مطلع تشرين الثاني الجاري 2005، ستمرّ باعتياد مألوف، ليس كشأن ما مرّت به مثلاً الذكرى الثالثة في 1998.
لماذا؟.
منذ إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، عن "قبوله" لرؤيا الرئيس الأميركي جورج بوش لحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني المعتمدة على مبدأ الدولتين (أعلنت في 24 حزيران 2002)، ثمة انشغال غير مسبوق في إسرائيل بما اصطلح على توصيفه بـ"صورة شارون الجديدة"، مقارنة بصورته "القديمة" التي ارتسم وفقًا لها، فيما يتعلق على وجه التحديد بسيناريوهات تسوية النزاع المذكور، باعتباره من أشدّ الأعداء الألدّاء لفكرة قيام دولة عربية أخرى بين النهر والبحر وبكونه أكثر المتمسكين إن لم يكن "المبتكر" لمفهوم "الأردن هو الدولة الفلسطينية".
يبدو أن خطة شارون بشأن الانسحاب الأحادي، من قطاع غزة (مع أربعة مستوطنات من شمالي الضفة)، تسير على قدم وساق، فالحكومة الإسرائيلية تحثّ الخطى في هذا الاتجاه، إذ وفّرت القرار السياسي اللازم، وأقرّت التعويضات لإخلاء المستوطنين، وأمّنت القوى الأمنية، الموكل بها تأمين نجاح هذه الخطة.
الصفحة 30 من 81