في شبه إجماع رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السنة العبرية المنصرمة، التي انتهت يوم الاثنين 3/10/2005، كانت بامتياز "سنة أريئيل شارون"، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد أن أفلح قبيل انتهائها أيضًا، وخلافًا لكل التوقعات، في إلحاق الهزيمة بمنافسه الأقوى داخل حزبه- الليكود- بنيامين نتنياهو، على رغم تطبيقه "خطة فك الارتباط" مع قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة الغربية بما اشتملت عليه من سابقة إخلاء للمستوطنات.
لا يكاد يمرّ شهر في إسرائيل دون أن يطالعنا فيه "مؤشر" جديد يفحص مواقف الرأي العام من مختلف القضايا. وثمة أيضًا مؤشرات سنوية تم استحداثها في السنوات الأخيرة على شاكلة "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية" و"مؤشر العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل" وغيرهما.
أثار الصحافي الأميركي بنجامين شفارتس ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والصحفية في إسرائيل، بسبب مقالة نشرها في مجلة "اتلانتيك" الأميركية، التي تصدر في بوسطن (عدد شهر مايو الحالي) وعنوانها: "هل ستبقى إسرائيل بعد مئة عام؟". إذ اعتبرت هذه المقالة بمثابة صدمة لإسرائيل، كونها لم تنشر في صحيفة عربية، وإنما في صحيفة أميركية، ثم باعتبار أن كاتبها ليس من كارهي إسرائيل، وليس عربيا، وإنما أميركي ومن كبار محرري مجلة اتلانتيك، إضافة إلى كونه يعمل باحثا في معهد "راند" للأبحاث. والأهم من هذا وذاك، كما هو واضح من عنوان المقالة، أن شفارتس يتنبأ بأن إسرائيل لن تستطيع البقاء حتى العام 2048، بمعنى أنها لن تكمل المئة عام.
لا تنقل وسائل الإعلام العربية سوى الأخبار السياسية وأحياناً الاقتصادية عن الدولة الإسرائيلية، ونادرا ما تنقل أخبارا اجتماعية. ولكن ماذا عن الخريطة الإدراكية الإسرائيلية، أي كيف يرى الإسرائيليون أنفسهم وحاضرهم ومستقبلهم؟ وماذا عن مشاعرهم ووجدانهم وأحلامهم ودوافعهم؟ ما هي طبيعة إدراكهم للفلسطينيين ولأنفسهم؟. كل هذه الأسئلة لا تجيب عليها التغطية السياسية والاقتصادية المجردة والعامة. فالكثيرون ممن يرصدون التجمع الصهيوني لا يدركون أن رصد سلوك الإسرائيليين دون إدراك لدوافعهم الداخلية ورؤاهم وما يدور في عقولهم هو رصد لحركات لا دلالة لها، أو حركات يمكن أن نفرض عليها أي دلالة. ولذا أذهب إلى ضرورة دراسة دوافع الإسرائيليين ورؤاهم وتوقعاتهم من أنفسهم ومن مجتمعهم. فالإنسان، في معظم الأحيان، لا يستجيب للدافع أو المؤثر المادي المباشر وإنما يستجيب لهذا الدافع أو المؤثر كما يدركه وبمقدار ما يسقط عليه من أساطير وأوهام.
الصفحة 28 من 81