المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة داعية لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى في تل أبيب في الخامس من نيسان الجاري. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 168
  • عبد القادر بدوي

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، تُجري مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الإسرائيلية استطلاعات رأي دورية لقياس الرأي العام والموقف من كل القضايا المرتبطة بالحرب، التي تداخلت وتشابكت مع القضايا الداخلية. بشكل دوري، قدّم مركز مدار العديد من القراءات في هذه الاستطلاعات وتناول أبرز المعطيات التي أوردتها في إطار رصد التحول في الرأي العام من القضايا المختلفة ولا سيّما تلك المرتبطة بالحرب.

هذه المساهمة، تستعرض أبرز ما ورد في استطلاع الرأي الأخير لشهر آذار 2025، والذي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ونشره قبل عدة أيام. ولا بد من ذكر أن المصطلحات والأفكار الواردة أدناه لا تُعبّر عن وجهة نظر مركز "مدار" أو كاتب المساهمة.  

يستعرض الاستطلاع الآراء الإسرائيلية حول العديد من القضايا المتفاعلة في المشهد الإسرائيلي اليوم وأبرزها: المزاج الشعبي، المحكمة العليا والحكومة، تعامل الشرطة مع المظاهرات، بنيامين نتنياهو وقضية "قطر- غيت"، الحرب على قطاع غزة، التعديلات على قانون تعيين كبار المسؤولين والموازنة العامة وغيرها من القضايا. أدناه نستعرض أربعًا منها على النحو التالي:

أولاً: المزاج العام ومؤشرات التفاؤل والتشاؤم

يُشير الاستطلاع إلى مؤشرات التفاؤل والتشاؤم في أربعة مجالات رئيسة: مستقبل الحكم الديمقراطي، الوضع الأمني، الوضع الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي. تظهر النتائج الأخيرة أن التفاؤل منخفض في جميع هذه المجالات، حيث لم تتجاوز نسبة المتفائلين في أي منها نصف العينة المستطلعة. أدنى نسب التفاؤل سُجّلت في موضوع التماسك الاجتماعي، إذ بلغت 22% فقط (وهي النسبة ذاتها بين اليهود والعرب على حدٍ سواء) الأمر الذي يشير إلى شعور عام بتراجع التماسك والتضامن الجمعي، تلي ذلك نظرة متشائمة حيال الوضع الاقتصادي، حيث بلغت نسبة المتفائلين 25% فقط (26% من اليهود و23% من العرب)، ما يعكس قلقاً متزايداً بشأن الأداء الاقتصادي للدولة. أما بالنسبة لمستقبل الحكم الديمقراطي، فقد أبدى 38% من المشاركين تفاؤلهم به، وهي نسبة أعلى نسبياً مقارنة بالمجالات الأخرى، لكنها لا تزال تعكس وجود مخاوف واضحة لدى غالبية الجمهور من مسار النظام السياسي. وفي ما يتعلق بالوضع الأمني، فقد كان المجال الوحيد الذي اقتربت فيه نسبة المتفائلين اليهود من النصف، حيث بلغت 39.5% (43.5% من اليهود مقابل 20% فقط من العرب) والذي يؤشّر على التباين الحاد في تقييم الوضع الأمني بين اليهود والعرب.

عند النظر إلى التوجهات السياسية، يتضح أن نسبة التفاؤل ترتفع بشكل واضح لدى من يُعرّفون أنفسهم بأنهم من اليمين السياسي، مقارنةً بأولئك الذين ينتمون إلى التيار الوسطي أو اليسار. ففي صفوف اليمين، يظهر تفاؤل أكبر تجاه مستقبل الحكم الديمقراطي والوضع الأمني، بينما لا يزال التفاؤل في المجالين الاقتصادي والاجتماعي محدوداً، وإن كان أعلى مما هو عليه في التيارات الأخرى. عند مقارنة نتائج هذا الاستطلاع بنتائج سابقة، تظهر بعض التغيرات اللافتة: ارتفعت نسبة التفاؤل تجاه الحكم الديمقراطي من 35% في كاون الثاني إلى 38% في آذار، في حين انخفضت نسبة التفاؤل بشأن الوضع الأمني من 41% إلى 39.5% خلال الفترة نفسهاا. أما في المجال الاقتصادي، فقد شهدت نسبة المتفائلين تراجعاً حاداً من 33% في شباط إلى 25% في آذار، ويرجَّح أن لهذا التراجع علاقة بسياسات الرسوم الجمركية التي اعتمدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكذلك، تراجعت نسبة التفاؤل بالتماسك الاجتماعي من 30% إلى 22%. إن هذه المعطيات تعكس حالة من التشاؤم الواسع في المجتمع الإسرائيلي، والتي تمتدّ لتشمل مختلف المجالات الأساسية للحياة العامة، وهو ما يمكن وصفه بحالة مزاج عام سلبي يعكس قلقاً جماعياً بشأن مستقبل الدولة ومجتمعها.

ثانيًا: المحكمة العليا والحكومة

تشير نتائج الاستطلاع إلى أن غالبية ضئيلة من الجمهور اليهودي (54%) ترى أن على الحكومة الالتزام بقرار المحكمة العليا في ما يتعلق بإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، مقابل 36% يرون العكس، والبقية لا يعرفون. أما بين المواطنين العرب في إسرائيل، فالدعم لصالح الالتزام بقرارات المحكمة كان أعلى بكثير، حيث عبّر 71% عن ضرورة التزام الحكومة، مقابل 8% فقط قالوا إن عليها ألا تلتزم. إجمالاً، يعتقد 56.5% من عينة الاستطلاع (يهود وعرب) أن على الحكومة الالتزام بقرار المحكمة العليا في هذه القضية. أما التوزيع حسب الانتماء السياسي، فيكشف أن 96.5% من المنتمين لليسار، و73% من المنتمين للوسط، يؤيدون التزام الحكومة، في حين أن نسبة التأييد في صفوف اليمين لم تتجاوز 32%. كما تُظهر نتائج التقسيم حسب التصويت في انتخابات الكنيست للعام 2022 أن معظم ناخبي أحزاب الائتلاف الحاكم يعارضون التزام الحكومة، في حين أن غالبية واضحة من ناخبي المعارضة يدعمون ذلك.

تضمّن الاستطلاع سؤالاً حول ما إذا كان يتوجب على الاحتجاجات أن تتصاعد لتأخذ شكل "عصيان مدني" (مثل إغلاق الشوارع، الإضرابات، أو الامتناع عن دفع الضرائب)، في حال لم تمتثل الحكومة إلى قرار المحكمة، وقد أظهرت النتائج أن 41% من اليهود يؤيدون العصيان المدني في هذا السيناريو، بينما ترتفع النسبة إلى 52% بين المواطنين العرب. أما على مستوى العينة الكاملة، فبلغت نسبة المؤيدين 43%.. عند تحليل الآراء حسب الانتماء السياسي داخل المجتمع اليهودي، يتبيّن أن 86% من اليساريين يدعمون العصيان المدني في هذه الحالة، و57% من أبناء المركز يوافقون على ذلك أيضاً، مقابل نسبة متدنية جداً في صفوف اليمين (21%). وقد تكرر هذا النمط عند تحليل النتائج حسب التصويت في انتخابات 2022، إذ تبين أن مؤيدي أحزاب المعارضة يبدون دعماً واسعاً للعصيان المدني، فيما أظهر مؤيدو أحزاب الائتلاف رفضاً شبه تام له.

ثالثًا: نتنياهو وقضية "قطر- غيت"

تطرّق الاستطلاع إلى مواقف المجتمع الإسرائيلي من القضية المعروفة مؤخراً باسم "قطر- غيت"، حيث تضمّن سؤالاً حول ما إذا كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالرغم من نفيه، كان على علم بالعلاقات التي أقامها مستشاروه مع قطر كما رشح من تفاصيل القضية، وتبيّن نتائج الإجابات أن غالبية اليهود (55.5%) يعتقدون أو يوقنون بأنه كان على علم بتلك العلاقات، في حين أن ربعهم فقط يعتقدون أو يوقنون بعدم معرفته بالأمر. أما بين المواطنين العرب في إسرائيل، فقد كان مستوى الاعتقاد بأن رئيس الحكومة كان على دراية بالعلاقات مع قطر أعلى من نسبته لدى الجمهور اليهودي. عند تحليل النتائج بحسب الانتماءات السياسية داخل الجمهور اليهودي، تظهر تباينات لافتة: بين المنتمين إلى اليسار، تسود قناعة شبه مطلقة بأن رئيس الحكومة كان على علم بهذه الاتصالات، بينما لدى من يعرّفون أنفسهم بأنهم من تيار الوسط، تسود كذلك أغلبية واضحة تشارك هذا الرأي. في المقابل، فإن المعسكر اليميني منقسم تماماً: 37% يرون أن رئيس الحكومة كان على علم بالعلاقات، و37% يرون العكس، ونحو ربع المستطلَعين من هذا المعسكر صرّحوا بأنهم لا يعرفون. ويمكن القول إن هذه النتائج، تعكس انقساماً حاداً في تأويل الأحداث، حيث يبدو أن التقييم بشأن معرفة رئيس الحكومة بالعلاقات مع قطر لا يعتمد فقط على المعطيات الموضوعية فقط، بل يتأثر أيضاً بوضوح بالانتماء السياسي للمستطلعين.

رابعًا: الحرب على غزة

تضمّن الاستطلاع لشهر آذار أسئلة حول أولويات الجمهور الإسرائيلي في ما يتعلّق بأهداف الحرب، وتحديداً المفاضلة بين "القضاء على حركة حماس" و"استعادة جميع الأسرى الإسرائيليين". وقد أُجري هذا الاستطلاع ثلاث مرات: في كانون الثاني 2024، أيلول 2024، وأخيراً في آذار 2025، ما يسمح بتتبع تحوّل في الرأي العام مع مرور الوقت. تُشير النتائج إلى تحوّل واضح ومتسارع في تفضيلات الجمهور: ففي حين كانت نسبة الذين رأوا أن استعادة الأسرى أولى من القضاء على حماس لا تتجاوز النصف في كانون الثاني 2024، فإن هذه النسبة تجاوزت الثلثين بحلول آذار 2025. في المقابل، تراجعت نسبة من يرون في القضاء على حماس الهدف الأهم إلى نحو ربع المستطلَعين فقط. يعكس هذا التحوّل على ما يبدو تغيراً في الرأي العام لأولويات الحرب، وربما أيضاً تزايد الشكوك في إمكانية تحقيق الهدف المتمثل في القضاء الكامل على حماس.

أما من حيث الانقسام السياسي داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي، فيُظهر الاستطلاع فروقاً لافتة. ففي أوساط اليسار والوسط، هناك أغلبية ساحقة (91% و80.5% على التوالي) تؤيد إعطاء الأولوية لاستعادة الأسرى على حساب هدف القضاء على حركة حماس. حتى في أوساط اليمين، حيث يُتوقّع تأييد أكبر لخيار القضاء على حماس، تظهر أغلبية، وإن كانت ضئيلة، لصالح أولوية استعادة كل الأسرى على حساب القضاء على حماس (52% مقابل 38.5%). أما في ما يتعلق بإمكانية تحقيق الهدفين في آن واحد- أي استعادة الأسرى الإسرائيليين والقضاء على حماس- فيبدو أن الرأي العام في إسرائيل منقسم بشكل شبه متساوٍ: نحو نصف المستطلَعين (49%) يعتقدون أن الجمع بين الهدفين غير ممكن في نفس الوقت، بينما يرى 46% أنه من الممكن تحقيقهما معاً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات