ركّزت "النشرة الإستراتيجية" الأخيرة الصادرة عن معهد "يافه" للأبحاث الإستراتيجية في جامعة تل أبيب (عدد كانون الأول 2004) على موضوعين رئيسيين: الأول "الخطر النووي الإيراني" والثاني "خطة الانفصال" الشارونية عن قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، فيما يفترض إعتباره واقفًا في صلب الهواجس الإسرائيلية الإستراتيجية الراهنة.
فجّر المستوطنون صراعا داخليا شديدا في إسرائيل، باختيارهم أسلوبا هجوميا في مقارعة خطة الفصل. وتزامن اختيار هذا الأسلوب مع إقرار مؤتمر الليكود للشراكة مع حزب العمل، وهو القرار الذي عنى لقادة المستوطنين شق الطريق أمام تنفيذ خطة الفصل. فدخول حزب العمل الى الحكومة يعني، بشكل واضح، أن المؤسسة الإسرائيلية باتت قادرة من دون عراقيل جدية على تنفيذ الخطة. لذلك قرر قادة المستوطنون وجوب اللعب وفق قواعد جديدة ونقل المعركة الى خارج المؤسسة الرسمية.
ليس ثمة مفاجأة كاملة في إعلان سورية استعدادها للشروع في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، لتحقيق التسوية على المسار الإسرائيلي ـ السوري.
أما الحديث عن تحول ما في الموقف السوري، قوامه التخلي عن اعتماد "وديعة رابين"، أو عن مبدأ الانطلاق من النقطة التي وصلت إليها المفاوضات السابقة (في عهد رابين وبيريس وباراك)، من عدم ذلك، فهو مجرد "اكتشاف" إعلامي، فقط، فلطالما أعلنت سورية استعدادها للمفاوضات من دون شروط مسبقة، اللهم عدا اعتبار أن هذه المفاوضات ترتكز على مرجعية مؤتمر مدريد القائمة على أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 ـ 338، ومبدأ "الأرض مقابل السلام".
ذات مرة حدثني ضابط شرطة عربي خرج للتقاعد قبل سنوات عن مشاعر الاسى التي لازمته منذ ان خلع بزته الزرقاء وقال معترفا "حرصت طيلة 35 عاما على الخدمة المتفانية في الشرطة والولاء للدولة ومواجهة ضغوطات اجتماعية ثقيلة داخل قريتي لكنني اضطررت للخروج المبكر للتقاعد كالكلب".
الصفحة 36 من 81