المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 782

 مقدمة

 قبل الولوج في تفاصيل أزمات الاحزاب المختلفة في اسرائيل، في اطار استعراضنا لوضعية الخارطة الحزبية في اسرائيل، هناك خط عام يؤثر على مجمل الخارطة السياسية في اسرائيل، وهو ان اسرائيل تعيش مرحلة انهيار مختلف الايديولوجيات التي بنت نفسها عليها، بعد ان تأكد ان لا أساس لها على ارض الواقع، أو على الاقل ان ليس بامكانها ان تعمّر طويلا امام الواقع، من مختلف نواحيه المحلية والاقليمية والعالمية.

 

والحقيقة ان هذا موضوع عميق قائم بحد ذاته، من الصعب ايجازه، ولكن بخطوط عريضة نقول ان ايديولوجيات مثل "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، وايديولوجية "ارض اسرائيل الكاملة" (من البحر الى النهر كمرحلة أولى)، ومقولة ان اسرائيل "قوة اسطورية"، كانت تتلقى في كل واحد من العقود الخمسة السابقة ضربة، واهمها ما جرى في العقود الثلاثة الأخيرة، من حرب اكتوبر، والتغيرات على ساحة الاقلية الفلسطينية في اسرائيل، في السبعينيات، وفي سنوات الثمانين اشتداد المقاومة للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة وانطلاق الانتفاضة الأولى، وفي مطلع التسعينيات مع بدء مسار اوسلو وحالة الانفراج التي حصلت، ولمس الشعب في اسرائيل للبديل السلمي، الذي دمرته اسرائيل منذ ايلول/ سبتمبر 2000، ولكن ما زال ينظر اليه كنموذج.

هذا الأمر وضع الأحزاب الكبرى والاحزاب العقائدية التقليدية في اسرائيل في حالة تخبط، عندما طلب منها تقديم اجوبة حقيقية لكافة المتغيرات الحاصلة، وما زاد من حدة الأزمة في هذه الاحزاب هو التقاطب السياسي الذي ظهر بقوة منذ اوائل التسعينيات، وخاصة في اعقاب اوسلو، وهذا التقاطب يميل، حتى الآن كما يبدو، الى اليمين والى المركز، أكثر منه الى اليسار الصهيوني.

وعمليا ما نراه اليوم هو ان دور الايديولوجيا في أكبر الاحزاب او في جميع الاحزاب التي تدور في فلك الحكم، او تتناوب عليه، قد تقلص الى درجة التلاشي، وهذا بحد ذاته خلق صعوبة اكثر في التعامل مع الاحزاب، وفي ادارة الأحزاب لنفسها، التي اصبحت تقلد النموذج الامريكي لمفهوم الحزب، الذي يكون دوره على الاغلب موسميا، ويخضع على الاغلب لمجموعات غريبة عنه فكريا وحتى سياسيا.

وفي ما يلي سنجري استعراضا بالعناوين العريضة لمختلف الأحزاب الصهيونية والمتدينة الاصولية، وتأثير الأزمات فيها على السياسة العامة في اسرائيل، وبشكل خاص في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

 

حزب "الليكود" لن يبقى على حاله في حال تنفيذ الانسحاب من غزة
 

ربما ان أكبر ازمة ايديولوجية في اسرائيل يواجهها حزب "الليكود" الذي بنى نفسه في سنوات السبعين على حزب "حيروت" اليميني المتشدد، وقد حاز في الانتخابات الأخيرة على ثلث مقاعد الكنيست، اي 40 مقعدا، فقد حصل بداية على 38 مقعدا، وبعد اسبوع ابتلع في داخله حزب المهاجرين الجدد "يسرائيل بعلياه" الذي حاز على مقعدين.

الصورة العامة التي تظهر للعيان هي ان "الليكود" الآن منقسم على حاله، بين "كتلة المتمردين" على رئيس الحكومة اريئيل شارون، بسبب خطته القاضية بالانسحاب من قطاع غزة، وعزمه ضم حزب "العمل" الى حكومته، وبين معسكر مؤيديه. ولكن في الواقع فإن كل واحد من هذين المعسكرين يضم عدة معسكرات في داخله. في المجمل العام تسير هذه المعسكرات حسب مراكز قوى يقودها افراد بامكانهم تلبية مصالح فئوية، وايضا مصالح اقتصادية كبرى، ولكن هذه الأخيرة تبقى غالبا وراء الكواليس.

لشديد السخرية فإن شارون يقود اليوم في "الليكود" ما يسمى بمعسكر "المعتدلين"، أولئك الذين يؤيدون خطة الانسحاب وضم حزب "العمل" الى الحكومة، والى جانبه يقف اثنان من القادة البارزين في "الليكود" الذين يطمحون في المستقبل القريب لوراثة الكرسي الذي قد يتركه شارون، وهما ايهود اولمرت، وزير الصناعة والتجارة والقائم باعمال رئيس الحكومة، وشاؤول موفاز، وزير الدفاع. وإذا ما ترك شارون منصبه، ففي اول عملية انتخابات داخلية على زعامة "الليكود" سينتهي الانسجام القائم بين اولمرت وموفاز.

المعسكر الآخر، وهو معسكر المتطرفين، يقوده الوزير بلا حقيبة عوزي لنداو، وهو شخصيا بالاساس من اتباع حزب "حيروت" الاصلي، وما زال يحمل الجانب المتطرف من عقائده، ولكن لنداو الذي بات يبرز يوميا أكثر فأكثر وتحيط به قوى كبيرة في "الليكود" يعرف تماما انه ليس شخصية قيادية مهيأة لقيادة الحزب، ومن ثم الحكومة، فمن يدعم لنداو، هم مجموعات يمينية متطرفة انضمت تكتيكيا لليكود قبل الانتخابات الأخيرة، ونجحت في ادخال مئات الأشخاص الى عضوية اللجنة المركزية التي تضم 3 آلاف عضو، ولكن هذه المجموعات، وكما ثبت، لا تصوت لليكود في الانتخابات البرلمانية، بل تريد الحفاظ عليه ملتصقا بالاحزاب اليمينية المتطرفة، وقد ارتبطت بهذه القوى مجموعات تخدم مصالح العالم السفلي (عالم الاجرام والسوق السوداء).

وفي هذا المعسكر هناك عدد كبير من اعضاء الكنيست، ولكن ليسوا من المستوى القيادي الأول، وعلى مقربة من هذا المعسكر يقف بنيامين نتنياهو، الذي يريد التميز عن شارون، تحضيرا للمنافسة القادمة على زعامة الحزب. فمن ناحية يعرف نتنياهو ان انسجامه مع ما ينادي به المتطرفون، من رفض لخطة الانسحاب التي تحظى بتأييد دولي، وتأييد غالبية الرأي العام في اسرائيل وفق الاستطلاعات، سيشكل عائقا له مستقبلا في الوصول الى كرسي رئاسة الحكومة، حتى ولو قاد "الليكود" وهزم شارون، ولكن من جهة أخرى فهو بحاجة الى هذا المعسكر ليدعمه في المنافسة امام شارون، خاصة وان معسكر شارون بات مترابطًا بالثلاثي شارون واولمرت وموفاز، ولم يبق لنتنياهو إلا معسكر المتطرفين.

ولهذا فإننا نرى ان من وقع على اتفاق "واي بلانتيشن" واخلاء الخليل، أصبح منهمكًا في ايجاد سبل الهرب من الموافقة كليا على خطة الانسحاب وهو يكثر من التحفظات والامتناعات، اي انه بات يفضل المواقف الرمادية.

لو صدق شارون بالجدول الزمني لتنفيذ خطة الانسحاب ولم يتوجه الى انتخابات برلمانية قبل تنفيذ الخطة، فلا شك في ان "الليكود" سيمر بعاصفة لن تبقيه موحدا، وقد ينشق على نفسه.

 

حزب "العمل" يغرق اكثر في أزمة الزعامة 
 

الأزمة الرئيسية الداخلية التي تعصف بحزب "العمل" لا يمكن وصفها بالأزمة السياسية، على الرغم من ان سياسة هذا الحزب ادت الى هزيمته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وإنما هي بالاساس بسبب نهج التردد الذي يتبعه، ولم يصارح الجمهور الاسرائيلي بالحقيقة التي بدأها في مسار اوسلو في العام 1993. بكلمات أخرى  انها ازمة قيادة عميقة.

ازمة القيادة في حزب "العمل" نابعة من انه على مدار 20 عاما منذ اواسط السبعينيات وحتى اواسط التسعينيات غرق "العمل" في نزاع دائم بين قائدي الحزب شمعون بيريس ويتسحاق رابين، وانتهى هذا الصراع باغتيال رابين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1995. وهذا النزاع المتواصل افرغ الحزب من الصف القيادي البديل، الذي كان من المفروض ان يتطور وفق الارتقاء الطبيعي، ولهذا فبعد هزيمة بيريس في انتخابات 1996 لم يكن امام "العمل" سوى اللجوء الى الجنرال ايهود باراك الذي خلع البزة العسكرية وتولى قيادة الحزب، ضاربا عرض الحائط بالجهاز الحزبي الذي كان يضمن استمرارية عمل الحزب.

وعلى الرغم من هذا فإن "العمل" لم ينه عهد بيريس، الذي اصبح الرئيس المناوب بعد كل فشل، كما حصل بعد فشل ايهود بيراك، وبعد فشل عمرام متسناع.

في العام الماضي تعهد بيريس انه لن ينافس على زعامة الحزب، وكان هذا شرطا ليصل الى منصب الرئيس المؤقت للحزب، كشكل لوقف اطلاق النار بين معسكرات الحزب، الى حين يستوعب صدمة الهزيمة ويختار زعيما جديدا له. ولكن في الشهر الماضي، وعلى الرغم من ان بيريس احتفل بعيد ميلاده الـ 81، إلا انه اعلن انه يريد المنافسة مستقبلا على زعامة الحزب، مخلفا وراءه عاصفة من التوترات داخل الحزب، وليزيد حدة الصراعات الداخلية ويعمق بذلك ازمة القيادة.

باعلان بيريس نيته التنافس على زعامة الحزب فإنه يقول للرأي العام الاسرائيلي انه لا يوجد في حزب "العمل" اي شخص مناسب لقيادة الحزب يكون ملائما لقيادة "الدولة"، وحتى إن قرر بيريس الانسحاب من التنافس، فإنه سيترك هذا الانطباع في وعي الجمهور، وان اي شخصية ستنتخب لزعامة "العمل" لن تكون اهلا للزعامة، وهذه الشخصية المفترضة لن يكون امامها سوى التشبث ببيريس ليبقيها على الساحة السياسية.

الكل متفق في حزب "العمل" على ضرورة الانسحاب من قطاع غزة، ولكن هناك تباينات في طرح المواقف، فالاغلبية تدعو الى ان يتم الانسحاب من خلال مفاوضات مع القيادة الفلسطينية. ولكن الخلاف بين الاسماء البارزة يدور حول الموقف من الانضمام الى الحكومة برئاسة اريئيل شارون، وإذا وجدنا عددا قليلا من اعضاء الكنيست الذي يرفضون مبدئيا وسياسيا الانضمام الى حكومة شارون فإن هؤلاء هم قادة من الدرجة الثانية ولا ينافسون على زعامة الحزب او على حقائب وزارية.

اما القادة البارزون فقد تقلبوا في مواقفهم من الانضمام الى حكومة شارون من خلال مدى الخدمة التي ستقدمها هذه الخطوة لايصالهم الى قيادة الحزب مستقبلا. فمثلا عمرام متسناع، رئيس الحزب السابق، شن معركة صاخبة ضد الانضمام، ثم تراجع بعد ان عرف انه من المرشحين لتولي حقيبة وزارية. اما متان فلنائي وبنيامين بن اليعيزر فقد عارضا في البداية بليونة معينة ثم تراجعا ووافقا على الانضمام، وبعد ذلك انقلبا واعترضا على الانضمام للحكومة، خاصة بعد ان اعلن بيريس نيته التنافس على زعامة الحزب، وعرفا ان تولي بيريس حقيبة هامة، سيبقيه في زعامة الحزب.

وكذا الأمر بالنسبة لقادة آخرين، ولكن العضو البارز الذي تحمس، ولا يزال، للانضمام الى حكومة شارون هو حاييم رامون، المعروف عنه تلونه في الكثير من المواقف السياسية والحزبية. غير أن حماس رامون ينطلق من اساس ان انضمام "العمل" الى حكومة شارون، سيقلب جميع موازين القوى داخل الحزب رأسا على عقب، وحينها قد يفسح المجال له للتنافس على زعامة الحزب، وهو يعلم ان وصوله الى زعامة الحزب هو امر ميئوس منه.

من جهة أخرى فإن حزب "العمل" وقع اتفاقًا في شهر أيار/ مايو الماضي يقضي بضم حزب "عام إيحاد" (شعب واحد) اليه، وهو بزعامة رئيس اتحاد النقابات (الهستدروت) عضو الكنيست عمير بيرتس.

وكتلة "عام إيحاد" تضم ثلاثة اعضاء، ولكن من الواضح ان العضو الثالث دافيد طال لن ينضم الى "العمل" فهو متدين انسلخ قبل عامين عن كتلة "شاس"، وبيرتس نفسه يرفض مبدئيا الانضمام الى حكومة شارون، بالاساس على خلفية اقتصادية اجتماعية ولكن ايضا على اساس سياسي، وحسب الاتفاق فإن اية مفاوضات يجريها "العمل" مع "الليكود" لن تشمل "عام إيحاد". ومن المفروض ان يصبح الدمج فعليا في مطلع العام المقبل 2005.

 

الاحزاب العلمانية والاصولية
 

في هذا المحور سنُدخل حزبي المتدينين الاصوليين "الحريديم"، "شاس" و"يهدوت هتوراة"، والحزب العلماني المتشدد "شينوي" ونستثني هنا حزب "ياحد" (ميرتس سابقا)، الذي لم يقترب من حكومة شارون ويرفضها كليا، وهذا ما سيعيد له بعضا من قوته التي خسرها لصالح "شينوي" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كما يؤكد المراقبون.

إن محور الصراع حول الاكراه الديني، هو محور هام ومفصلي في الخارطة الحزبية في اسرائيل، وساهم ليس بقليل من الازمات الائتلافية في الحكومات المتعاقبة منذ سنوات التسعين وحتى اليوم. وهذا الصراع قائم منذ سنوات اسرائيل الأولى، ولكن انتقاله الى داخل البرلمان بقوة ظهر خلال المعركة الانتخابية البرلمانية في العام 1992، التي اوصلت كتلة "تسومت" اليمينية بغالبيتها، والتي ارتكزت على الدعاية الانتخابية ضد الاكراه الديني وفرض قوانين تتحكم بحركة العلمانيين ومأكلهم وملبسهم ونهج حياتهم وغير ذلك، إلا ان حركة "تسومت" سرعان ما تمزقت بعد ان خانت ناخبيها، ولم تفعل اي شيء في هذا المضمار.

وعادت هذه القوة من جديد من خلال كتلة "شينوي" ذات الطابع السياسي المركزي، حين اوصلت في العام 1999 الى الكنيست ستة أعضاء وفي العام 2003 اوصلت 15 نائبا، وهي اليوم الكتلة الثالثة من حيث الحجم في الكنيست.

الى جانب هذا فإن احزاب المتدينين الاصوليين قائمة منذ ظهور اسرائيل وتنشط بشكل منظم في الكنيست، وغالبا ما كان دورها بمثابة "الوزنة" التي ترجح كفة الميزان في التشكيلات الحكومية.

في هذه المرحلة، وبعد ان فقد اريئيل شارون الاغلبية البرلمانية لحكومته، في حزيران/ يونيو الماضي، في اعقاب اقرار خطة الانسحاب، بادر شارون الى مناورات حزبية شتى، ومن بينها انه طلب الجمع بين الاصوليين المتشددين "الحريديم" وبين العلمانيين المتشددين، "شينوي"، وكانت هذه المحاولة عمليا اصبع ديناميت فجر ازمتين جديتين في "شينوي" و"يهدوت هتوراة".

ولم يكن حزب "شينوي" يحلم بهذه الأزمة، إذ وضعه شارون امام سؤال صعب ينسف له كل برنامجه الحزبي الذي بنى نفسه عليه، وإذا ما رضخ، حتى لو تحت اية ذريعة، وتحت ما يسمى بـ "المسؤولية الوطنية"، فإنه سيلقى حسابا عسيرا في اية انتخابات قادمة، بعد ان اتضح ان جمهوره وضع قضية الاكراه الديني في المرتبة الاولى في سلم افضلياته.

كذلك فقد فجرت مناورة شارون أزمة في داخل "يهدوت هتوراة" (5 اعضاء)، التي هي عمليا مكونة من حزبين، "ديغل هتوراة" و"اغودات يسرائيل"، وقد تنفك الشراكة بينهما في حال انضم بعضهم الى حكومة شارون.

وفي الوقت الذي ترك فيه شارون "يهدوت هتوراة" تتخبط في حيرتها واسئلتها الصعبة، وامام الاغراءات المالية التي يعرضها عليها وعلى جمهورها، فإنه يطلب منها شراكة على اساس "زواج المتعة"، أي دعم خارجي لحكومته، دون شراكة فعلية في توزيع الحقائب والمسؤوليات الحكومية. وهذا أمر يعطي شارون فرصة محدودة أخرى لاطالة عمر حكومته.

أما حزب "شاس" (11 عضوا) فقد وضعه شارون في حالة انتظار كبيرة، الى درجة انه ابعده عن الانظار، وعلى ما يبدو، حتى الآن سيبقى في صفوف المعارضة، ويعلم شارون ان هذا الحزب لا يمكنه ان يعمر طويلا في مقاعد المعارضة كون انه يضمن قاعدة جمهوره من خلال "الخدمات الاجتماعية" والصرف الزائد الذي يصرفه على الشرائح اليهودية الفقيرة، وانقطاع هذه الميزانيات سيبعد عنه الجمهور الواسع، ويعمق الأزمة في داخله.

ونعود باختصار الى حركة "ياحد" (ميرتس) التي تلقت ضربة قاصمة في الانتخابات البرلمانية، حين هبطت من 10 مقاعد الى 6 مقاعد راحت غالبيتها، إن لم تكن كلها، لحزب "شينوي"، فعلى ما يبدو، ستكون هذه الحركة الرابح الأكبر من التخبط الذي تواجهه حركة "شينوي"، وقد يعطيها هذا امكانية استرداد بعض القوة، خاصة من جمهور "اليسار الصهيوني"، الذي يطالب ايضا بتقدم سياسي على صعيد القضية الفلسطينية.

 

كتلتا اليمين تخسران اطرافا
 

الأزمة التي تعصف بالحلبة السياسية الاسرائيلية ولم تترك ايا من الاحزاب الصهيونية والدينية الاصولية، انسحبت ايضا على كتلتي اليمين المتطرف.

 

 الكتلة الأولى هي "هئيحود هليئومي" بزعامة افيغدور ليبرمان الذي خسر مقعده البرلماني، بعد ان استقال في اعقاب توليه حقيبة وزارية في حكومة شارون التي تركها قبل ثلاثة اشهر، وهي عمليا تضم ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة، هي "يسرائيل بيتينو" (ليبرمان) و"موليدت" (حزب الترانسفير) والمنشقين عن حزب المفدال سابقا (تسفي هندل). اما الكتلة الثانية فهي كتلة "المفدال"، الدينية الصهيونية.

تتكون كتلة "هئيحود هليئومي" من 7 اعضاء، ولكن بعد ان خرجت من حكومة شارون، ظهرت فيها "حلقة ضعيفة" تتمثل بعضو الكنيست المهاجر الجديد ميخائيل نودلمان، الذي اعرب بشكل غير مباشر عن دعمه لخطة الانسحاب من قطاع غزة، ويعتمد رئيس الحكومة اريئيل شارون على دعمه الخارجي، من خلال عدم مشاركته في عمليات التصويت التي قد تؤدي الى اسقاط الحكومة.

وكانت كتلة "المفدال" تتكون من 6 أعضاء، ولكن بعد ان اقرت الحكومة خطة الانسحاب حصل انشقاق ضمني فيها، بين من يطالب بالخروج فورا من الحكومة (ايفي ايتام ويتسحاق ليفي)، وبين من طالب بالتريث والبقاء في الحكومة لمنع تقديم "تنازلات أكثر" للفلسطينيين (4 أعضاء أبرزهم الوزير زبولون أورليف).

والانشقاق ظاهر عمليا ولكنه لم ينفذ على الصعيد الفعلي، وعلى ما يبدو فإن هذا الحزب ينتظر المستقبل الذي قد يأتي بتطورات تضمن اعادة الوحدة له، ولكن هذه الوحدة ستكون صعبة وغير واقعية، كون ان السبب الاساسي لهذا الانشقاق يعود الى نقاش حاد يشهده هذا الحزب منذ سنوات طوال، بين التيار التقليدي القديم في الحزب، الذي كان في الماضي يشارك حزب "العمل" في الحكومة، ويريد نهج سياسة "معتدلة" بالمفهوم اليميني الصهيوني، وبين من رأى ان الجمهور الاقوى للمفدال يكمن في المستوطنات، ويريد خدمة هذا الجمهور بالاساس. وطبعا يبقى لدور الاشخاص وموازين القوى على اساس الافراد أثرًا في هذا الخلاف.

في الجوهر السياسي لا يوجد اي خلاف بين هاتين الكتلتين اليمينيتين، والكل ما زال يقف خلف شعار "ارض اسرائيل الكاملة".

 

شارون لن يفلت طويلا
 

يحاول شارون الآن عمليا استغلال حالة التفتت التي تشهدها الخارطة الحزبية، من اجل اطالة عمر حكومته، وكل ما نجح بفعله شارون هو دحرجة الأزمة، وتأجيلها، ولكنه لا يمكنه الافلات منها. ففي الاسابيع القادمة سيقف مجددا امام الكنيست، في محاولة لاقرار ميزانية الدولة للعام القادم 2005، بعد ان حظيت باغلبية كبيرة في حكومته، ولكن حكومته ليس لديها اغلبية برلمانية. وإذا لم يوسع حكومته فعليا، فإنه سيكون بحاجة الى دعم خارجي، وهذه المرّة من الكتلتين الدينيتين "يهدوت هتوراة" و"شاس"، ولكن هاتين الكتلتين لا تقدمان خدمات مجانية، وهما بحاجة الى ميزانيات لجمهوريهما المتدين، لتعود الكرّة الى مفاوضات الابتزاز، وهنا ستكون المشكلة المفترضة مع كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة، التي إن رضخت للموافقة على مطالب المتدينين، فهذا يعني انها ستؤجج الازمة في داخلها، وايضا ستتم معاقبتها في الانتخابات البرلمانية، التي اصبحت رياحها تلوح في الافق.

 

خلال سنوات اسرائيل الـ 56، لم تسقط اية حكومة على خلفية اقتصادية، ولكن "موسم" اقرار الميزانية في اسرائيل هو مناسبة للاحتكاك الحزبي داخل البرلمان، تطرح فيه كافة القضايا، السياسية والحزبية، وتشتد الازمات، وإن سرّع اقرار الميزانية أجل حكومة ما، مثل حكومة نتنياهو التي سقطت في العام 1999، فإن السبب الاساسي لم يكن اقتصاديا، بل سياسيا محضا.

ليس من الواضح لأحد حاليا، ولا حتى لشارون نفسه، ما هي المعادلة السحرية التي سيعرضها وتسمح بتوسيع ائتلافه، ولا حتى من سيجمع، نظرا للتعقيدات الجمّة التي تتراكم يوميا في الساحة الحزبية الاسرائيلية. ولكن اية معادلة سيتم طرحها سيكون في اساسها تجميد الازمة، والجمع بين التناقضات الحادة، وجمع كهذا لا يمكنه ان يدوم طويلا، وسيعجّل في انفجار الحكومة.

فالجمع بين العلمانيين المتشددين والمتدينين المتشددين، سينهار سريعا، والجمع بين "شينوي" وحزب "العمل" و"الليكود"، سيعجّل الانفجار داخل "الليكود"، وقد يقود الى انشقاق حقيقي. والجمع بين المتدينين و"العمل" و"الليكود" سيبقي على الازمة في "الليكود"، ولكن الأزمة ستنفجر بقوة داخل حزب "العمل".

وفق القانون الاسرائيلي، من المفروض ان تجري الانتخابات البرلمانية في خريف 2006، ولكن وضعية حكومة شارون والتفكك الحزبي الحاصل يؤكد ان هذه الانتخابات ستجري قبل موعدها، وكلما اتضحت هذه الحقيقة اكثر للاحزاب، اصبح موعد الانتخابات اقرب، لأن جميع الاحزاب ستترك كل شيء وتسارع لتهيئة نفسها نحو الانتخابات القادمة، وستبعد نفسها عن أية شراكة او تحرك قد يؤثر على نتائجها الانتخابية.

إذا لم يحدث اي تحول حقيقي، مثل الانسحاب من غزة، فإن اسرائيل ستتجه الى انتخابات تكون نتائجها اقرب لنتائج 2003. ودخول اسرائيل الى دوامة انتخابات سيكون ذريعة جديدة لشارون ليتهرب من تنفيذ فعلي لخطة الانسحاب من قطاع غزة.

واجراء انتخابات اسرائيلية قبل الانسحاب المفترض، سيكون سيئا، لأن الانتخابات ستدور حول هذه الخطة، وبالتالي فإن الخطة ستكون السقف الاعلى لاي تحرك سياسي قد تقرره لنفسها اية حكومة جديدة تظهر في اسرائيل.

 

انقلاب بعض هذه المعادلات منوط بتغيرات خارجية، ومن بينها، وربما أهمها، حدوث تغيير في البيت الابيض.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات