المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
رئيس الوزراء المجري أوربان يستقبل نتنياهو في مقر الحكومة في بودابست يوم 3 نيسان 2025. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 158
  • شيرين يونس

أعلنت المجر (هنغاريا) في الثالث من نيسان الجاري انسحابها من محكمة الجنايات الدولية وذلك بالتزامن مع بدء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو زيارة إلى العاصمة بودابست، وهو الذي كانت المحكمة ذاتها قد أصدرت مذكرة اعتقال بحقه في تشرين الثاني الماضي (سوية مع وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت) على خلفية دعوات لمحاكمة قادة إسرائيليين بشبهة ارتكابهم جرائم حرب خلال الحرب على قطاع غزة.

رحب نتنياهو وحكومته بقرار المجر حيال محكمة الجنايات علما بأن دعوة الزيارة وجهت لنتنياهو من جانب نظيره المجري فيكتور أوربان غداة إصدار مذكرة الاعتقال إذ قال في حينه إن بلاده صدقت على نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات إلا أنه لم يصبح جزءا من القانون المجري. ودعوة نتنياهو كانت  خطوة لها دلالات كثيرة ليس في سياق العلاقات بين البلدين بقدر ما هو في إطار علاقة نتنياهو بأوربان والتي شهدت تفاصيل كثيرة حولت القائدين إلى صديقين حليفين في مواجهة سياسات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأحيانا في تحقيق مكاسب داخلية في القاعدة الشعبية لكل منهما.

حققت زيارة نتنياهو لبودابست مكاسب متبادلة للجانبين، فمن خلالها يحصد أوربان بعض الشعبية في الأوساط المجرية اليمينية والشعبوية ولدى أوساط أوروبية متطرفة كما يسجل مزيدا من نقاط التقارب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد سلسلة من التصريحات المؤيدة من جانب أوربان لسياسة ترامب، فيما يحاول نتنياهو كسر العزلة الدولية وغياب الشرعية عن حكومته إلى جانب محاولة تضليل الرأي العام الإسرائيلي بأن الأمور تسير كما يرام.

إطلالة على العلاقات الإسرائيلية- المجرية

اعترفت المجر  بإسرائيل مباشرة بعد النكبة في أيار 1948 وأقامت معها علاقات دبلوماسية انتهت بعد نكسة العام 1967 واحتلال الشطر الشرقي من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. استمرت هذه القطيعة حتى العام 1987  إذ تراجع ارتباط المجر بالاتحاد السوفياتي السابق، وشرعت بإقامة علاقات مع الغرب بما في ذلك فتح مكاتب لإدارة علاقات مع إسرائيل في السفارة السويدية في تل أبيب فيما فتحت إسرائيل ممثليتها في السفارة السويسرية في بودابست قبل التوقيع النهائي على وثائق إعادة العلاقات بين بودابست وتل أبيب في العام 1989 إذ وقع وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشيه أرنس ونظيره المجري جولي هورن الاتفاق رسميا ليشمل فتح سفارات. ومنذ ذلك الحين تواصلت العلاقات الثنائية وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين إلى جانب توقيع اتفاقات تجارية وأكاديمية مشتركة.

تأثرت علاقات البلدين منذ بناء العلاقات المشتركة بتاريخ اليهود في هنغاريا وشهدت صعودا وهبوطا في عهد حكومات البلدين المتعاقبة. غير أنها شهدت تقاربا كبيرا مع تولي فيكتور أوربان ولايته الثانية في رئاسة وزراء المجر العام 2010 والمستمرة حتى اليوم، تزامنا مع اعتلاء بنيامين نتنياهو سدة الحكم في إسرائيل (2009) والتي تخللها انقطاع لنحو عامين (حكومة بينيت- لبيد).

في أيار 2019 عشية انتخابات البرلمان الأوروبي أظهر بحث نشره معهد "ميتفيم" الإسرائيلي بالتعاون مع المعهد الألماني لشؤون الأمن والقضايا الدولية  ومنظمة "باكس" أن المجر هي الدولة الأكثر استثمارا في إحباط قرارات مناهضة لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، وتشكل مع عدد من الدول الأوروبية الأخرى جزءا من أسباب تراجع دور الاتحاد في قضايا الشرق الأوسط إلى جانب الهيمنة الأميركية والتحفظ  الإسرائيلي على الموقف الأوروبي.

أما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وبداية الحرب على غزة فروى السفير الإسرائيلي لدى بودابست يعقوب هداس في حديث صحافي أن السلطات المجرية كانت من بين أولى الحكومات التي عرضت مساعدتها على إسرائيل في أكثر من سياق، بما فيها استضافة فرق رياضية إسرائيلية للتدريب أو المباريات. كما أن المجر لم تشهد تحركات مناهضة لإسرائيل أو تظاهرات خلال الحرب، مع تشديد سياسة الهجرة المسلمة إليها واقتصار عدد المسلمين على نحو ستة آلاف من أصول وقوميات مختلفة (عدد المواطنين اليهود يبلغ نحو مئة ألف).

نتنياهو وأوربان ونقاط التلاقي

تعود علاقة أوربان ونتنياهو إلى العام 2005 إذ التقى أوربان نتنياهو لأول مرة خلال زيارة أجراها لإسرائيل بعد خسارته لانتخابات (2002) واستعدادا للحملة الانتخابية الجديدة، بينما  كان نتنياهو  وزيرا في حكومة أريئيل شارون. ومنذ ذلك اللقاء الذي مهد لصداقة متينة بين الرجلين بدأ حزب "فيدس" الذي يترأسه أوربان بتغيير سياسته وتوجهاته حيال الشرق الأوسط بعد أن كان يعد في الأوساط السياسية الليبرالية في المجر يمينيا متطرفا ومعاديا للسامية لاحتضانه شخصيات معادية لليهود.

بعد فوز أوربان مجددا في الانتخابات المجرية العام 2010 سعى مع نظيره الإسرائيلي إلى بناء نقاط مشتركة وتقارب كبير فسر في بعض الأوساط بأنه جاء على حساب مصالح البلدين أو الشعبين.

بدأ أوربان في بناء دولة غير ليبرالية بشكل أدخله في صدام متزايد مع الاتحاد الأوروبي الذي بات نتنياهو يراه أكثر دعما للفلسطينيين. كما اتخذت حكومة أوربان مواقف أقرب من إسرائيل وتخلت عن سياسات مجرية سابقة تجاه الشرق الأوسط، وسعت لعرقلة أي مبادرة داعمة للفلسطينيين إلى جانب الدور الذي قام به أوربان في تحويل مجموعة "فيشغراد" إلى حليفة لإسرائيل، كذلك اتبع سياسة فرض القيود على هجرة اللاجئين المسلمين الذين بات يعتبرهم الأعداء الحقيقيين.

وبلغ التقارب في سياسة نتنياهو وأوربان حدودا غير مألوفة في أعقاب الهجوم الذي شنه حزب "فيدس" وأوساط اليمين المجرية على رجل الأعمال اليهودي ذي الأصول المجرية جورج سوروس العام 2017 بحجة دعمه منظمات غير حكومية مناهضة لسياسة الحكومة. تلك الحملة أثارت حفيظة يهود المجر الذين أدرجت شرائح واسعة منهم المسألة في إطار معاداة السامية، وهو ما دفع السفارة الإسرائيلية في بودابست إلى الخروج بموقف ضد الحملة  دعت فيه الى وقف حملة البيانات ضد سوروس خشية إثارة مشاعر لاسامية لكن سرعان ما ناقضه موقف آخر صدر عن الخارجية الإسرائيلية بعلم نتنياهو تجنب توجيه الانتقاد إلى  أوربان  وحزبه  واعتبر  أن الحملة تستهدف سوروس بسبب نشاطه المناهض لإسرائيل والداعم لمنظمات مؤيدة للفلسطينيين. في ضوء تلك القضية انقسم الشارع الإسرائيلي على نفسه من ناحية الموقف من المجر كما انتقدت جهات سياسية معدودة على اليسار بنيامين نتنياهو الذي أوجد تعريفا جديدا لمعاداة السامية يشمل معاداة إسرائيل وحكومتها وليس اليهود.

وبينما كان أوربان يدعم نتنياهو في أوروبا، كان نتنياهو يعمل على بناء علاقات لأوربان و"فيدس" في الولايات المتحدة خاصة مع الجناح اليميني للحزب الجمهوري والرئيس دونالد ترامب، بعد أن شهدت علاقات حكومة أوربان مع إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما تدهورا واضحا.

تحالف دائم أم مؤقت؟

من غير المحسوم بعد ما إذا كانت العلاقات المجرية الإسرائيلية في عهد الصديقين أوربان ونتنياهو أخذت شكلا استراتيجيا من الصعب التراجع عنه أم أنها محاولة آنية لبناء تحالف دولي يميني شعبوي، خاصة وأن ثمة انتقادات وتساؤلات في الأوساط المعارضة في كلا البلدين  عن جدوى هذه العلاقة والمنفعة التي تعود بها على الطرفين باستثناء أنها تخدم شخصين يواجه كلاهما خطر الإزاحة في الانتخابات المقبلة. فالمجر في المحصلة لا تزال جزءا من الاتحاد الأوروبي وقد تتبدل سياساتها مع نهاية عهد أوربان بشكل سيلزم إسرائيل في ظل أي حكومة بالتعامل مع المنظومة العامة لدول الاتحاد.

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات