المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة مناوئة لائتلاف نتنياهو تغلق مداخل الكنيست مطالبة بصفقة تبادل في 31 آذار 2025. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 84
  • برهوم جرايسي

اختتم الكنيست الإسرائيلي في 31 آذار الماضي دورته الشتوية، التي امتدت لأكثر من 5 أشهر، وكانت دورة برلمانية أخرى في ظل الحرب العدوانية على الشعب الفلسطيني، وإن تخللها وقف لإطلاق النار لمدة 90 يوما، فإنه في اليوم التالي لبدء وقف إطلاق النار مع قطاع غزة، بدأ التصعيد ضد مناطق الضفة الغربية، وهذا كله استمر في انعكاسه على أجواء العمل السياسي والبرلماني في الكنيست.

فتحت غطاء الحرب استمرت آلة سن القوانين القمعية، والتمادي في القوانين التمييزية والعنصرية، ولكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل إن الائتلاف الحكومي حقق خطوات في مشروعه الذي يهدف إلى تقويض جهاز القضاء. وفي حين رأينا ائتلافا متماسكا، بل ووسع صفوفه، فإن المعارضة استمرت في كونها من دون أجندة بديلة حقيقية للحكم القائم، بل تماشت مع الحكومة في كل السياسات المتعلقة بالحرب. 

ونجح الائتلاف، في الأسبوع الأخير للدورة الشتوية، في إنجاز المشروع المركزي الأكبر في كل دورة شتوية عادية، وهو تمرير الموازنة العامة، على الرغم من أن المصادقة عليها تأخرت قرابة 3 أشهر، بسبب عدة عوامل، منها التقلبات في المعطيات الاقتصادية، بفعل استمرار الحرب، وزيادة كلفتها، إضافة إلى بعض التجاذبات بين أطراف الائتلاف الحاكم، لكن لم تكن في أي وقت قد هددت استمرار الحكومة.

وتدل كافة المؤشرات على أن الحكومة مستمرة إلى موعدها القانوني، نهاية تشرين الأول من العام المقبل 2026، إلا إذا طرأت مفاجآت، ليست واردة اليوم، أو إذا رأى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو انقلابا في استطلاعات الرأي لصالحه ولصالح فريقه، ليستعيد الأغلبية المطلقة، التي تؤكد كافة استطلاعات الرأي على أن الفريق الحاكم يخسر هذه الأغلبية وبفارق جدي عما لديه اليوم، 64 مقعدا، مقابل ما بين 49 إلى 52 مقعدا في استطلاعات الرأي.

 

الائتلاف يتعزز ومعارضة بدون أجندة

خلال الدورة الشتوية، نجح الائتلاف الحاكم في تعزيز صفوفه، رغم ما شهدناه من حالة خروج مؤقت لكتلة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت) بزعامة ايتمار بن غفير، لمدة 90 يوما، على خلفية وقف اتفاق إطلاق النار مع قطاع غزة، إلا أن أحدا لم يتعامل مع هذه الخطوة على محمل الجد، وكأنها تهدد استمرار الحكومة، التي حافظت على أغلبيتها المطلقة، كما أن هذه الكتلة لم تتصرف في الكنيست ككتلة معارضة، إلى حين عادت إلى الحكومة، مع استئناف الحرب على قطاع غزة.

كذلك، فإن كتلة "اليمين الرسمي"، بزعامة من بات وزيرا للخارجية، جدعون ساعر، ولها 4 نواب، انضمت إلى الائتلاف الحاكم في شهر أيلول من العام الماضي. وفي شهر آذار أعلنت الكتلة عن اندماجها كليا بكتلة الليكود، وعمليا عودة ساعر وزملائه إلى الحزب الأم، في مقابل اتفاق يضمن تمثيل ساعر وزميله زئيف إلكين في قائمة الليكود في الانتخابات المقبلة، ضمن الأماكن المضمونة.

إلا أن هذا الانضمام لم ينعكس على استطلاعات الرأي العام، لأن حزب ساعر كان أبعد ما يكون عن احتمال التمثيل البرلماني فيما لو جرت الانتخابات في هذه المرحلة.

وخلال الدورة الشتوية، لم يظهر أي شرخ في الائتلاف الحاكم ما يدل على تماسكه أكثر، على الرغم من بعض الخلافات، التي تدور في فلك المنافسات الحزبية، خاصة بين الحزبين الشريكين السابقين، "قوة يهودية" والصهيونية الدينية، بزعامة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وبرز هذا الخلاف في الأسبوع الماضي، حينما أعلن وزير المالية سموتريتش، قراره بالاستقالة من الوزارة واستعادة مقعده البرلماني، كإجراء تقني يستمر لـ 48 ساعة، بموجب ما يسمى "القانون النرويجي"، كي يعيد لحزبه مقعدا خسره تقنيا لصالح "قوة يهودية".

إلا أنه بعد أن قدم سموتريتش استقالته، وقبل أن تمر 48 ساعة، بمعنى قبل أن تكون ناجزة قانونيا، سحب الاستقالة، في مقابل تعيين نائب من "قوة يهودية"، نائب وزير في ديوان رئيس الحكومة، في مقابل استقالته من عضوية الكنيست، وبهذا تم الخلاف الحسابي لمقاعد كل حزب.

وهذا الحدث لا يحتمل العناوين الصارخة التي ظهرت في وسائل الإعلام، الإسرائيلية والخارجية، وكأنها "أزمة"، لكنه يدل على حدة المنافسة بين الحزبين، اللذين يتنافسان على جمهور المستوطنين المتدينين، الأشد تطرفا، إذ تواصل استطلاعات الرأي العام منح حزب بن غفير تقدما في عددا المقاعد، ليحصل على ما بين 8 إلى 9 مقاعد، بدلا من 6 مقاعد اليوم، في حين أن الحزب الذي يتزعمه سموتريتش يواصل تأرجحه الحاد عند نسبة الحسم، إذ تشير غالبية الاستطلاعات في الأشهر الأخيرة إلى أنه لن يجتاز نسبة الحسم، وقلة منها تمنحه تمثيل الحد الأدنى.

لكن حدة هذا الخلاف ستنعكس على خوض الانتخابات المقبلة، لأن نتائج الاستطلاعات تُظهر أن مجموعة ما يحصل عليه الحزبان سيُفقدهما حتى 6 مقاعد، وهذا ما لن يسمح به بنيامين نتنياهو، خاصة إذا ستكون الخسارة نابعة من عدم اجتياز حزب "الصهيونية الدينية" نسبة الحسم، فهذا يعني "ضياع" عشرات آلاف الأصوات، لصالح الطرف الآخر الذي يسعى لتولي الحكم.

في المقابل، فإن كتل المعارضة الصهيونية لا تعرض بديلا جوهريا للحكم القائم، فهي على توافق شبه تام، ولربما بشكل محدود جدا نستثني كتلة حزب العمل، التي تغادر جلسات التصويت على قوانين يمينية متطرفة، وهذا يسري أيضا على كل ما يتعلق بالحرب والقوانين المتعلقة بها.

وبالإمكان القول إن الجمهور المعارض لحكومة نتنياهو، من منطلقات إسرائيلية داخلية، لا ترى نسبة كبيرة جدا منه بالأحزاب الصهيونية المعارضة عنوانا حقيقيا لها، وهي تتخبط في استطلاعات الرأي، وهذا يبرز حينما تعرض استطلاعات الرأي فرضية خوض رئيس الحكومة الأسبق، نفتالي بينيت، الانتخابات على رأس حزب جديد، وهو بالفعل بدأ بالإجراءات، إذ سجّل حزبا جديدا برئاسته لدى مسجل الأحزاب، في الأسبوع الماضي.

ونرى في هذه الاستطلاعات أن ما بين 80% إلى 90% من المقاعد التي يحصل عليها (من 24 إلى 27 مقعدا) تأتي على حساب أحزاب المعارضة الصهيونية كلها، وأكثر المتضررين حزب "المعسكر الرسمي" بزعامة بيني غانتس، أما حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، فإنه ينهار من 24 مقعدا اليوم، إلى حوالي 5 مقاعد، لكن هذا الحزب يتأثر بشكل مباشر من الحزب الناشئ بتحالف حزبي العمل وميرتس، حزب الديمقراطيون، الذي قفز تمثيله من 4 مقاعد لحزب العمل اليوم إلى حوالي 12 مقعدا.

علمت تجارب السنين أن ما تمنحه استطلاعات الرأي لحزب بزعامة نفتالي بينيت سيكون بعيدا عن نتائج يوم الانتخابات، لكن هذا التأرجح الكبير في استطلاعات الرأي، يدل، كما ذكر، على حالة التخبط السياسي لدى الجمهور المعارض للحكومة الحالية، في قضايا إسرائيلية بحتة.

ضرب جهاز القضاء

نجح الائتلاف الحاكم في تمرير واحد من أهم القوانين التي سعى لها منذ اليوم الأول لتوليه السلطة، وهو تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، بحيث باتت وفق القانون الجديد ذات أغلبية للجهاز السياسي، وفي الأساس الائتلاف الحاكم، وتم إلغاء مكانة نقابة المحامين، التي لها مكانة رسمية، حتى الآن، كما ينص القانون الجديد على أن انتخاب رئيس المحكمة العليا يتم بالأغلبية العادية من اصل أعضاء اللجنة التسعة، وليس كما كان متبعا حتى الآن، وهو أن رئيس المحكمة العليا يكون القاضي الأقدم من بين القضاة الـ 15، شرط أن يكون له على الأقل 3 سنوات حتى خروجه للتقاعد.

ومن المفترض أن يدخل القانون حيز التنفيذ بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، إلا أن سلسلة التماسات تم تقديمها للمحكمة العليا ضد القانون، وستكون هنا إشكالية ليست سهلة أمام القضاة، كونهم سيبتون في قانون يضرب جهاز القضاء الذين هم منه.

ولم تجد نفعا المظاهرات الساخنة بمشاركة عشرات الآلاف التي عمت المدن المركزية، وخصة تل أبيب والقدس الغربية، فالائتلاف يرتكز على 68 نائبا من أصل 120 نائبا، وبالإمكان القول لشديد السخرية أن من بين نواب الائتلاف 4 نواب "اليمين الرسمي" بزعامة ساعر، الذين انتقدوا مشروع القانون حينما كانوا في صفوف المعارضة.

وهذا سيكون البداية، وفي الطريق عدة قوانين تقوض صلاحيات المحكمة العليا بشأن نقض قوانين الكنيست وقرارات الحكومة والوزارات والمؤسسات الرسمية، ومشروع قانون هو في مسار التشريع يضرب المكانة الرسمية لنقابة المحامين، وحتى أنه يتدخل في شكل صرف ميزانيتها، وفي خلفية هذا أن نقابة المحامين ذات أغلبية ضد الائتلاف اليميني الحاكم، وما يساند هذا هو نسبة المحامين العرب من بين المحامين عامة، وهم فعالون في كل انتخابات لنقابة المحامين، ولهم وزن جدي في النقابة، واختيار رئيسها.

كذلك أحد مشاريع القوانين التي تعمل عليها الحكومة والائتلاف، هو جعل المستشارين القانونيين للحكومة والوزارات ضمن اختيار الوزراء ورؤساء الحكومات، وليس على أساس مهني محض، كما أن أحد مشاريع القوانين يقلل من صلاحيات المستشار القانوني للحكومة ويضع حدا لسنوات خدمته.

قوانين تمييزية وداعمة للاحتلال والحرب

وتم خلال الدورة الشتوية، إقرار نهائي لما لا يقل عن 15 قانونا، منها 4 قوانين في إطار تمديد سريان، مثل الحرمان من لم شمل العائلات الفلسطينية، وقوانين طوارئ في فترة الحرب، تتعلق بظروف اعتقال الأسرى، وفترة لقائهم مع المحامين وغيرها.

وافتتحت الدورة الشتوية بسن قانونين اثنين، الواحد مكمل للآخر، لحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في المناطق الخاضعة لما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، بقصد القدس المحتلة. لكن القانون يحظر تعامل كل المؤسسات الإسرائيلية الرسمية مع الوكالة، وهذا يعني الجيش أيضاً، ما يتسبب بعرقلة سير عمل الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة. ودخل القانونان حيز التنفيذ في نهاية كانون الثاني الماضي.

ومن بين القوانين التي أقرت نهائيا:

* فصل موظف في جهاز التربية ومنع ميزانيات عن مؤسسة تعليمية معترف بها إذا ما ثبت دعمهما لـ"الإرهاب".

* طرد ابن عائلة مقاوم في حال أعلن دعمه أو عرف بالعملية قبل وقوعها.

* فرض أحكام بالسجن طويلة على أطفال دون سن 14 عاما.

* وقف دفع مخصصات اجتماعية لمقاومين وعائلاتهم من الضفة الغربية وقطاع غزة.

* حرمان القاصر المدان بقضايا أمنية من مخصصات اجتماعية.

* اقتطاع من أموال الضرائب الفلسطينية لتمويل محامي دفاع إسرائيليين عن أسرى هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

* فرض السجن 5 سنوات على من "ينفي أو يمتدح مجزرة 7 أكتوبر 2023".

* منع منح تأشيرة دخول لإسرائيل لشخص أو ممثل جهة تؤيد مقاطعة إسرائيل وينكر المحرقة و7 أكتوبر. 

وما زال في المسار التشريعي لا أقل من 8 مشاريع قوانين، في المرحلة ما قبل الإقرار النهائي في الهيئة العامة، وعدد كبير من مشاريع القوانين، التي أقرت بالقراءة التمهيدية (من حيث المبدأ)، وقسم منها مرشح للإقرار النهائي.

الدورة الصيفية

يبدأ عمل الهيئة العامة للدورة الصيفية يوم 5 أيار المقبل، وتستمر حتى يوم 23 تموز المقبل. وحسب التقديرات، فإن القضية الأكثر سخونة التي ستكون مطروحة على جدول الأعمال مشروع قانون فرض الخدمة العسكرية على شبان اليهود الحريديم، بينما تسميه وسائل إعلام إسرائيلية "قانون إعفاء شبان الحريديم"، كتعبير عن الرفض لمشروع القانون العالق في الكنيست منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وينتظر الإقرار النهائي.

وسخونة هذه القضية تعود إلى كون الصيغة المطروحة، وفيها تساهل كبير مع الحريديم، تثير انتقادات داخل الائتلاف، وبشكل خاص في كتلة الليكود، وفي الطرف الآخر، فإن أوساطا من الحريديم تطالب بإعفاء كامل للحريديم.

على أي حال، إذا نجح الائتلاف في تمرير القانون فإنه سينتقل من جديد إلى المحكمة العليا، في أعقاب التماسات شبه مؤكدة، لأنه لن ينص على تجنيد كامل لكافة شبان الحريديم، الذين يمتنعون عن الخدمة لدوافع دينية، ودينية مجتمعية، بحسب ما يتم طرحه.

وفي العامين الأخيرين صدرت آلاف استدعاءات لشبان الحريديم للخدمة العسكرية. وقالت حصيلة أخيرة صدرت في الأسبوع الماضي إنه من أصل أكثر من 10 آلاف استدعاء، فإن عدد الذين لبوا الاستدعاء من الحريديم بلغ 206 شبان فقط.

كذلك من المتوقع أن تشهد الدورة الصيفية توغلا آخر من الائتلاف الحاكم في مسار سن القوانين الرامية إلى تقويض جهاز القضاء، وصلاحيات المحكمة العليا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات