المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية من المصدر.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 144
  • عبد القادر بدوي

شهدت السنوات الماضية اهتماماً إسرائيلياً متزايداً بالعلاقة مع الصين على كافة المستويات، وقد تناولت مساهمات سابقة في ملحق "المشهد الإسرائيلي" العديد من هذه القراءات والتقارير، والتي ركّزت في غالبيتها على الجوانب السياسية والاقتصادية والتكنولوجية. منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدا وأن هناك موقفاً إسرائيلياً سلبياً من الموقف "المتزن" الذي أبدته الصين من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومن كافة مجريات الحرب والانتقادات الموجّهة لإسرائيل في هذا الصدد، حيث أشارت بعض التقارير في إسرائيل إلى أن الحرب قد أضرّت بمكانة الصين في الشرق الأوسط، في ما أكّدت أخرى على ضرورة الحفاظ على علاقات مستقرّة مع الصين باعتبار ذلك مصلحة إسرائيلية.

تستعرض هذه المساهمة تقريراً إسرائيلياً أعدّته أوفيرا ديان لمعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في جامعة تل أبيب تركّز فيه على جهود الصين في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وخطورته وآليات مواجهته في ظل مساعي تعزيز التعاون معها، مع أهمية الإشارة إلى أن الأفكار والمصطلحات الواردة أدناه مصدرها التقرير نفسه ولا تُعبّر عن وجهة نظر مركز مدار أو كاتب المساهمة.

يُشير التقرير إلى أن النفوذ الصيني يتمتّع بحضور عالمي متزايد، إذ تسعى بكين إلى تعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية عبر آليات متعددة، بما في ذلك وسائل الإعلام والدبلوماسية العامة. في هذا الصدد، يُصنف مؤشر الصين (الذي يجمعه معهد الأبحاث التايواني DoubleThink Lab سنوياً) الدول حسب مدى تعرضها للتأثير الصيني، ووفقاً لهذا المؤشر، فقد احتلت إسرائيل المرتبة 81 من بين 101 دولة في العام 2024، الأمر الذي يُشير إلى حصانة نسبية مقارنةً بدول أخرى مثل باكستان، التي تتصدّر قائمة الدول الأكثر تأثراً بالنفوذ الصيني، ومع ذلك، فإن هذه الحصانة ليست مُطلقة، وقد تتغير مع تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، ونتيجة للعديد من العوامل.

يؤكّد التقرير أن محاولات تعزيز النفوذ الصيني في إسرائيل تأتي في إطار الرغبة بتحقيق الأهداف الصينية فيها، إذ تُعد إسرائيل نقطة اهتمام استراتيجية بالنسبة للصين لعدة أسباب أهمها تحقيق التقارب التكنولوجي، حيث تُعتبر إسرائيل مركزاً عالمياً للابتكار التكنولوجي، مما يجعلها شريكاً جذاباً للصين، كما تنظر الصين إلى مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة والغرب عموماً، وهو ما يجعل الصين ترغب في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي وتقليل النفوذ الأميركي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع إسرائيل.

يؤكّد التقرير على أن أدوات الصين في التأثير على الإعلام، والرأي العام في إسرائيل، تجري من خلال القنوات التالية:

  1. السفارة الصينية في إسرائيل

تمثل السفارة الصينية في إسرائيل القناة الأساسية لنقل رسائل الحكومة الصينية إلى الجمهور الإسرائيلي. منذ العام 2015، نشرت السفارة أكثر من 30 مقالاً في وسائل إعلام إسرائيلية، معظمها في "جيروزاليم بوست" و"يسرائيل هيوم" مع عدد محدود جداً من المقالات في وسائل إعلام أخرى. تناولت هذه المقالات (على سبيل المثال لا الحصر) الدفاع عن المصالح الصينية، مثل حقوق الصين في بحر الصين الجنوبي، الترويج للعلاقات الصينية- الإسرائيلية وإبراز دور الصين كحليف اقتصادي مهم لإسرائيل، انتقاد السياسات الأميركية التي تسعى إلى تقييد النفوذ الصيني، وتحسين صورة الصين عالمياً، مثل الإشادة بجهودها خلال جائحة كورونا وغيرها من الأزمات الدولية. وعلى الرغم من أن هذه الرسائل تبدو طبيعية ضمن الخطاب الدبلوماسي، إلا أن السفارة الصينية تراقب عن كثب الإعلام الإسرائيلي وترد بشدة على أي تقارير تنتقد سياسات بكين، كما حدث مع صحافيين كتبوا عن قضية الأويغور وانتهاكات حقوق الإنسان في الصين.

  1. إذاعة الصين الدولية (CRI) وتأثيرها الإعلامي

إلى جانب السفارة، تستخدم الصين وسائل أخرى مثل إذاعة الصين الدولية، التي تبث باللغة العبرية عبر الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، وقد نجحت في كسب شعبية كبيرة من خلال شخصيات مثل "إيتزيك الصيني"، الذي أصبح وجهاً إعلامياً مألوفاً في إسرائيل، مما أتاح للصين فرصة الوصول إلى فئات مختلفة من الجمهور الإسرائيلي بطريقة غير رسمية لكنها مؤثرة.

  1. التعاون الإعلامي بين الصين وإسرائيل

تتعاون وسائل إعلام إسرائيلية مع مؤسسات صينية في إنتاج محتوى مشترك، غالباً من دون توضيح مدى النفوذ الصيني في هذه المواد. على سبيل المثال في العام 2017، بثت القناة 12 سلسلة "صنع في الصين"، التي مولتها إذاعة الصين الدولية بدون إفصاح واضح للمشاهدين، كما وقّعت هيئة الإذاعة الإسرائيلية في العام 2020 عقداً مع إذاعة الصين الدولية، تضمن شرطاً باحترام "الحساسيات الثقافية" الصينية، والذي يُفسّر على أنه تجنّب نقد الصين إسرائيلياً. يؤكّد التقرير أن هذا النوع من التعاون قد يؤثر على نزاهة المحتوى الإعلامي الإسرائيلي ويجعل الجمهور أقل وعياً بمصادر المعلومات التي يتلقّاها.

تأثير جهود الصين على الرأي العام الإسرائيلي

يؤكّد التقرير على أن محاولات الصين لتحسين صورتها في إسرائيل قد تأثّرت سلباً بالأحداث الجيوسياسية الكبرى، إذ أظهرت استطلاعات مركز بيو للأبحاث تغيراً في نظرة الإسرائيليين للصين خلال السنوات الست الماضية بشكل سلبي، حيث تراجعت من 66% (يحملون رأياً إيجابياً عن الصين) في العام 2019 إلى 48% بعد أزمة كورونا (2022) حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها في العام 2024 (33%) بسبب موقف الصين من الحرب على قطاع غزة. وعلى الرغم من ذلك، قد يدفع هذا التراجع الصين إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإعلامية في إسرائيل، وهو ما يتطلّب مزيداً من الإجراءات لزيادة الحصانة الإسرائيلية في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد.

تعزيز الحصانة الإعلامية الإسرائيلية أمام النفوذ الصيني المتزايد

 

يؤكّد التقرير أن الصين، كغيرها من الدول، تحاول التأثير على الطريقة التي تُصوَّر بها في أعين الجمهور في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك إسرائيل، والتي توليها الصين أهمية مزدوجة: فمن جهة، تُعتبر إسرائيل مركزاً تكنولوجيّاً رئيسيّاً يحمل إمكانيات واسعة للتعاون، ومن جهة أخرى، تعدّ شريكاً استراتيجيّاً مهمّاً للولايات المتحدة، المنافِس الأكبر للصين على الساحة الدولية. في الفترة الأخيرة، بدا أن الصين قد جمّدت، إلى حدٍّ ما، جهودها للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، باستثناء النشاط الإعلامي المكثّف للسفير الصيني الجديد، والذي يتجلّى في مقالات الرأي والمقابلات مع وسائل الإعلام والبودكاست. ومع ذلك، من المرجح أن تُستأنف هذه الجهود بعد فترة من التوقف، مما يستدعي استغلال هذه "الهدنة" لتعزيز المناعة والحصانة الإسرائيلية أمام محاولات التأثير السلبي الصيني، وفي الوقت نفسه، الاستعداد لتعاون إيجابي ومفيد معه.

من جهة يؤكّد التقرير على أنه لا ينبغي بالتأكيد التعامل إسرائيلياً مع كل جهود التأثير الخارجي على الرأي العام الإسرائيلي باعتبارها جهودا غير شرعية أو سلبية بالضرورة، فالتعرض لمحتوى يعرض الصين ومواقفها بصورة مباشرة ليس أمراً مرفوضاً، بل قد يكون ضروريّاً لفهمها بشكل أعمق، لا سيما وأنها تعدّ ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفقاً لهذا الفهم، فإن مبادرات مثل إرسال وفود من الصحافيين الإسرائيليين إلى الصين، ودعم الأنشطة الإعلامية للسفارة الصينية، فضلاً عن تعزيز دور الإذاعة الصينية الدولية في إسرائيل، هي أنشطة يُستحسن توسيعها بحذر وضمن استراتيجية واضحة للحدّ من النفوذ السلبي، كما أن تنظيم زيارات متبادلة بين الصحافيين الإسرائيليين والصينيين، مع إعداد جيد مسبق لهذه الزيارات، قد يسهم في تعزيز فهم الإعلاميين الإسرائيليين للصين وإمكانات التعاون معها، إلى جانب إدراكهم للتحديات المرتبطة بذلك، كما أن إطلاع الصحافيين الصينيين على إسرائيل يُعد أمراً ضروريّاً، خاصة في ظل بعض التوجهات المعادية لإسرائيل المنتشرة بين فئات معينة داخل الصين.

من جهة ثانية، يُشير التقرير إلى أنه من الضروري تعزيز متطلبات الشفافية في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بحيث يتم الإفصاح بوضوح عن هوية الجهات الشريكة في إعداد التقارير الصحافية، وكذلك الكشف عن أي اتفاقيات تعاون إعلامي ذات أهمية، حيث تزداد أهمية هذه الشفافية في مؤسسات الإعلام العام. كذلك، ينبغي أن تستمر الصحافة الإسرائيلية في انتقاد الصين عند الحاجة، مع التأكيد على أن كل خطوة صينية ليست بالضرورة سلبية. وفي ظل انتشار المعلومات المضللة التي تروجها بعض الدول، بما في ذلك الصين، من خلال حملات تأثير منظمة، يصبح من الضروري تدريب الجمهور على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمضلّلة وتعزيز مناعته ضد التضليل والخرق الإعلامي، حيث يُعدّ هذا الأمر أكثر إلحاحاً في حالة الصين، نظراً إلى اختلاف ثقافتها ومعاييرها عن تلك السائدة في إسرائيل، مما قد يصعّب على الجمهور الإسرائيلي إدراك محاولات التدخّل والتأثير غير المرغوب فيه.

وفي خاتمته يؤكّد التقرير أنه وعلى الرغم من أن إسرائيل تتمتع بوضع جيد نسبيّاً في ما يتعلق بمستوى تعرضها إلى التأثير الصيني في الإعلام والرأي العام، إلا أنها غير محصّنة تماماً، وهناك ثغرات لا تزال قائمة تتيح إمكانية التدخّل الصيني، كذلك يؤكد أن تعزيز المناعة الإعلامية يتطلب أولاً التمييز الواضح بين التعاون المشروع والمفيد، وبين التأثير الذي لا يتوافق مع المصالح الإسرائيلية العامة.

المصطلحات المستخدمة:

يسرائيل هيوم

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات