المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
التقسيم في خدمة التهجير: نازحون من رفح إلى مدينة خان يونس، في 31 آذار 2025. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 173
  • وليد حباس

في 20 آذار 2025، أعلن بنيامين نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي سيطر على محور جديد في قطاع غزة، أطلق عليه اسم «محور موراغ». ووصف نتنياهو هذا المحور بأنه سيكون بمثابة «محور فيلادلفيا الثاني»، ما يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى لإحكام السيطرة المكانية على القطاع، مستعيداً بذلك تجربة الاحتلال العسكري السابقة (1967-2005). تستعرض هذه المقالة تاريخ «محور موراغ»، وتناقش دلالاته الاستعمارية من حيث تعزيز السيطرة على سكان القطاع وتسهيل التوسع الاستيطاني، وربما تسهيل مشروع التهجير.

"خطة الأصابع الخمس": نسخة 2025

يشير «محور موراغ» إلى طريق إسرائيلي تقطيعي، اقتُرح في العام 1971 لفصل رفح عن خانيونس، وبدأ تنفيذه في آذار 1972. وكان أريئيل شارون (الذي شغل منصب قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي العام 1971) هو من اقترح إنشاء هذا المحور ضمن ما عُرف آنذاك بـ«خطة الأصابع الخمس»، والتي هدفت إلى ضمان السيطرة الإسرائيلية الدائمة على قطاع غزة.

تضمنت الخطة إنشاء خمسة محاور عرضية تمتد من الشرق إلى الغرب عبر القطاع، مما يؤدي إلى تقسيم السكان الفلسطينيين إلى معازل منفصلة، ويسمح لإسرائيل بتحقيق السيطرة الأمنية الكاملة، مع إقامة جيوب استيطانية على امتداد هذه المحاور. والأصابع الخمس هي:

  • الإصبع الشمالية: تفصل بين مدينة عسقلان وقطاع غزة، ويقع فيها معبر إيرز.
  • إصبع نيتساريم: تقع جنوب مدينة غزة، وتفصلها عن دير البلح، وعادت إسرائيل للسيطرة عليها بشكل كامل في الحرب الحالية.
  • إصبع كيسوفيم: تفصل بين دير البلح وخانيونس.
  • إصبع صوفا (محور موراغ):  تفصل بين خانيونس ورفح.
  • إصبع ياميت: تفصل رفح بشقّيها الفلسطيني والمصري عن سيناء، وكانت في الأصل داخل سيناء التي كانت تخضع للسيطرة الإسرائيلية آنذاك. وبعد انسحاب إسرائيل من مستوطنات سيناء العام 1982، أُعيد ترسيم هذا المحور ليصبح الحدود الفاصلة بين القطاع ومصر، ويُعرف اليوم باسم محور صلاح الدين أو «محور فيلادلفي» بالعبرية.

1456234156203

على مدار السنوات، شكّلت «خطة الأصابع الخمس» الأساس الذي بنت عليه إسرائيل هيمنتها على قطاع غزة، ومكّنتها من الجمع بين ثلاث استراتيجيات رئيسة:

  1. فرّق تسد:تقسيم القطاع إلى معازل جغرافية، ما يحدّ من التواصل الفعال بين الفلسطينيين.
  2. توسيع الاستيطان:تأسيس 21 مستوطنة إسرائيلية في غزة خلال السبعينيات، وفقاً لتوزيع جغرافي يرتبط مباشرة بشبكة الأصابع الخمس.
  3. تسهيل السيطرة العسكرية:تعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي على الانتشار السريع والفعّال عبر هذه المحاور، ما يسهل مراقبة السكان وإحكام السيطرة الأمنية.

ما هو "محور بوراغ"؟

عُرف «محور موراغ» بالعبرية بين عامي (1972-2005) باسم «ممر صوفا»، وهو الإصبع الرابعة ضمن خطة شارون، وامتد من الشرق إلى الغرب، بدءاً من كيبوتس صوفا الواقع على الحدود الإسرائيلية (الذي تعرض للهجوم في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ليفصل بين مدينتي خانيونس (شمال المحور) ورفح (جنوبه).

في أوائل السبعينيات، أنشأت إسرائيل على امتداد هذا المحور طريقاً معبّداً (أُطلق عليه لاحقاً الطريق 240)، وعززته ببؤر استيطانية وعسكرية. وفي منتصف هذا الطريق، أقامت إسرائيل مستوطنة موراغ بتاريخ 15 أيار 1972. وبمرور الوقت، أصبح «محور موراغ» الطريق الاستيطاني الأهم في قطاع غزة، كونه يربط كتلة مستوطنات «غوش قطيف» مع إسرائيل (أنظر/ي الخارطة 2).[1]

Picture11

كيف بدا محور موراغ قبل 2005؟

بحكم تصميمه، غيّر «ممر صوفا» جغرافية قطاع غزة جذرياً، حين فصل منطقتين متجاورتين تاريخياً: خان يونس ورفح. تحوّل هذا «الإسفين» الإسرائيلي إلى عائق حقيقي أمام حركة المجتمعات الفلسطينية وتواصلها الطبيعي. لم يكن بإمكان الفلسطينيين استخدام الممر مباشرة، بل اضطروا للالتفاف عبر طرق ساحلية ضيقة أو انتظار إذنٍ إسرائيلي للعبور.

تُبرز منطقة «المواصي» الساحلية هذا الواقع بوضوح، حيث أصبحت معزولة فعلياً عن محيطها بعد اتفاق أوسلو (1994)، والتي كان لها وضع شبيه بمناطق "ب" في الضفة الغربية مع سيطرة إسرائيل الأمنية عليها. ازداد الوضع سوءاً بعد اندلاع الانتفاضة الثانية (2000)، إذ فُرضت قيود صارمة على دخول المواصي عبر حاجزي «التفاح» و«تل السلطان»، مع تحديد ساعات قصيرة للمرور ومنع دخول المركبات الفلسطينية، وتقييد حركة السكان حسب العمر والجنس. وهكذا، عُزل نحو خمسة آلاف فلسطيني، بينما أُتيحت للمستوطنين الإسرائيليين حرية التنقل، مما حوّل الممر إلى نموذج للسيطرة الاستعمارية في غزة.[2]

أشارت تقارير الأمم المتحدة العام 2005 إلى أن الجيش الإسرائيلي تمكن من تقسيم قطاع غزة إلى مناطق معزولة من خلال إغلاق التقاطعات الرئيسية أثناء عملياته العسكرية، وكان محور موراغ (ممر صوفا) من أبرز أدوات هذا التقسيم.[3] مثّل هذا المحور موقعاً حساساً للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إذ شهد محيطه غارات إسرائيلية متكررة وعمليات هدم لمنازل الفلسطينيين بهدف تأمين الطريق، بينما اعتبرته المقاومة الفلسطينية هدفاً أساسياً، نظراً لانتشار المواقع العسكرية الإسرائيلية ومرور المستوطنين فيه. خلال الانتفاضة الثانية، أصبح استخدام الممر محفوفاً بالمخاطر؛ كان الطريق محاطاً بالأسلاك الشائكة، وتجرى عليه دوريات عسكرية ليلاً ونهاراً، مع وجود أبراج مراقبة تراقب المناطق الفلسطينية المحيطة.

استخدمت إسرائيل هذا الممر كنقطة انطلاق للتوغلات العسكرية في رفح وخان يونس، ووفّر خطوط إمداد آمنة وإجلاءً طبياً نحو الداخل الإسرائيلي. في الأوقات الهادئة، كان يسمح للمستوطنين فقط باستخدامه، بينما يُحظر مرور الفلسطينيين تماماً. خلال ذروة المواجهات في الانتفاضة الثانية، أُغلق الطريق أحياناً حتى أمام المستوطنين، وفي أوقات أخرى لم يكن بمقدورهم السفر إلا بصحبة حراسة عسكرية مشددة. وبحسب تقارير إسرائيلية من تلك الفترة، زرعت المقاومة الفلسطينية أكثر من مئة عبوة ناسفة على جانبي الطريق، وتعرض المستوطنون لإطلاق نار متكرر.[4]

مع تنفيذ إسرائيل لخطة فك الارتباط العام 2005، هُدمت جميع مستوطنات غوش قطيف، بما فيها مستوطنة موراغ. أحدث هذا التغيير تحولاً دراماتيكياً في حياة سكان غزة؛ ففي 11 أيلول 2005، أعيد فتح طريق رفح- خان يونس الغربي، وأزيلت نقاط التفتيش الإسرائيلية لأول مرة منذ تشرين الأول 2000. سارعت السلطات المحلية إلى ترميم الطريق وإزالة بقايا الحواجز العسكرية. واحتفى الفلسطينيون بهذا الحدث، باعتباره استعادةً للتواصل الإقليـمي الذي انقطع لخمس سنوات (خلال سنوات الانتفاضة الثانية)، وإرثاً امتد على مدى 35 عاماً من الانقسام الجغرافي والاجتماعي (منذ إنشاء الطريق في العام 1972).

ورغم التحسن الكبير في الحركة الداخلية بعد إزالة الحواجز، ظل إرث ممر موراغ حاضراً: بقيت الأراضي التي احتلها المحور ندبةً في وجه غزة، واستمرت آثار الدمار واضحةً في المنازل القريبة منه، خاصة في رفح. كما ظلت الحدود الخارجية خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حيث استمر معبر صوفا الشرقي في العمل للبضائع حتى إغلاقه النهائي العام 2007 مع سيطرة حركة حماس على القطاع.

محور موراغ خلال حرب الإبادة المستمرة (2023- 2025)

تشهد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ آذار 2025 تصعيداً لافتاً في المساحة الجغرافية المستهدفة ووضوح الأهداف السياسية والعسكرية. فقد تحوّل النهج الإسرائيلي من الضغط المحدود إلى استراتيجية قائمة على إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديمغرافي للقطاع، وذلك تحت ذرائع أمنية معلنة. في هذا السياق، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن توسيع العمليات جنوب القطاع، تبعه إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن هدف مركزي يتمثل في السيطرة على ما يسمى "محور موراغ"، وهو الممر الواقع بين رفح وخان يونس، والذي يشبه "فيلادلفيا 2"، كنسخة محدثة من الممر الأمني السابق بين مصر وغزة.

إن السيطرة على هذا المحور، إلى جانب محاولة محتملة لاستعادة السيطرة على ممر نتساريم الذي انسحبت منه القوات الإسرائيلية في كانون الثاني 2025، تعكسان توجهاً استراتيجياً نحو تقسيم القطاع إلى مناطق منفصلة، ما يتيح لإسرائيل إمكان فرض وقائع ميدانية جديدة. السيطرة على هذين الممرين، لا سيما محور موراغ المرتبط بمعبر صوفا، تمكّن إسرائيل من فصل المناطق ذات الكثافة السكانية العالية عن بعضها البعض، وتسهّل عمليات مصادرة الأراضي وفرض وجود عسكري دائم. كما يفتح هذا الواقع المجال لتدخل أكثر عمقاً في الحياة الاجتماعية لسكان غزة، من خلال فصلهم إلى كتل سكانية معزولة تحت الرقابة، مما يسهل التحكم بحركتهم وبمصادر رزقهم.

ولا شك في أن هذا التحول يتقاطع مع أهداف معلنة داخل صفوف الجيش الإسرائيلي، خصوصاً ضمن وحدات "إدارة الهجرة"، التي تخطط لتحفيز الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة طوعاً، عبر خلق بيئة معيشية خانقة وغير قابلة للحياة، وذلك في إطار مشروع تهجير ناعم وطويل الأمد تحت ستار العمليات الأمنية.

 

[1] نقلاً عن صفحة متراس، أنظر/ي: https://shortlink.uk/Z1og.  

[2] أنظر/ي، https://electronicintifada.net/content/gaza-access-and-infrastructure/2211?utm_source=chatgpt.com

[3] أنظر/ي،  https://www.ochaopt.org/sites/default/files/ochaSR_GazaAccess_Aug05.pdf?utm_source=chatgpt.com

[4] أنظر/ي،  https://www.haaretz.co.il/misc/2005-06-03/ty-article/0000017f-f401-d487-abff-f7ffaaac0000

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات