المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب: وديع أبونصارأعلنت قيادة حزب ميرتس العلماني- اليساري عن رغبتها بإعادة تسمية الحزب بعيد الانتخابات ليصبح اسمه: "الحزب الديمقراطي الاشتراكي،" مدعية أنها ترغب بذلك أن توسع إطار ميرتس ليشمل نشطاء آخرين بالإضافة إلى نشطاء الحزب المحسوبين على التيار الصهيوني- العلماني- اليساري، مثل بعض المستائين من حزب العمل وحتى من الأحزاب العربية من جهة، وبعض المستائين من الأحزاب الدينية ممن يلهثون حول عنوان علماني لهم، من جهة اخرى.

كما يبدو، فإن المجموعة الثانية هي المستهدفة الرئيسة لإعلان ميرتس هذا، الذي يبغي منافسة حزب شينوي العلماني على أصوات هذه المجموعة، والتي تضم عددا لا بأس به من العلمانيين اليهود الذين "سئموا سيطرة الأحزاب الدينية على معظم جوانب الحياة في الدولة،" على حد تعبيرهم.

ففي الوقت الذي فشلت فيه ميرتس بتخطي المقاعد التسعة في استطلاعات الرأي التي تفحص التركيبة المحتملة للكنيست السادس عشر الذي سينتخب في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، فإن هذه الاستطلاعات تدل بأن حزب شينوي قد يحصل على نحو خمسة عشر مقعدا وربما أكثر، في حين أن لدى هذا الحزب الآن ستة مقاعد فقط، بينما ميرتس يملك عشرة مقاعد. هذا الوضع هو ما أثار حفيظة ميرتس دافعا قيادتها إلى محاولة إيهام الناخبين الإسرائيليين بأن الحزب سيضم إلى صفوفه أطرا جديدة غير تلك اليسارية، محاولين بذلك الإفادة من تجربة شينوي، وإن جاء ذلك في وقت متأخر بعض الشيء.

لقد أدركت قيادة ميرتس أن السبب الرئيس لنجاح حزب شينوي في استطلاعات الرأي يعود إلى عدم تبني هذا الحزب لموقف محدد بما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، مكتفيا بالتركيز على عدائه للمتدينين اليهود من جهة والادعاء بأنه يمثل الطبقة الوسطى من جهة أخرى. فحزب شينوي أدرك منذ زمن بعيد ما أدركته قيادة ميرتس مؤخرا، وهو أنه لن يستطيع منافسة اليمين، لأن هنالك العديد من الأحزاب التي تتنافس على أصوات هذا التيار بدءا بـ الليكود، مرورا بحزبي "المفدال" اليميني - المتدين و "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، والذي يضم أيضا حزب "موليدت" اليميني المتطرف، وانتهاءا بحزب "حيروت" بزعامة عضو الكنيست اليميني المتطرف ميخائيل كلاينر وعضوية باروخ مارزيل، زعيم حركة كاخ اليمينية الدينية التي اشتهرت في العشرين عاما الماضية بمواقفها المتطرفة جدا إزاء العرب.

كما أن شينوي أدرك بأنه بالإضافة إلى اكتظاظ أحزاب اليسار (العمل وميرتس والعربية)، فإن التيار اليساري لا يتمتع بشعبية واسعة في صفوف الإسرائيليين. لذلك، قررت قيادة هذا الحزب الاكتفاء بالحديث عن مناهضة الأحزاب الدينية والادعاء بتقديم التمثيل الأفضل للطبقة المتوسطة. هذه الضبابية في الموقف إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي يعد أبرز القضايا السياسية في المجتمع الإسرائيلي، ساعدت شينوي كثيرا في استقطاب أصوات من المصوتين المحسوبين على مركز ومركز - يمين الخريطة السياسية الإسرائيلية، إضافة إلى بضعة آلاف الأصوات من مركز - يسار هذه الخريطة، بالذات على حساب حزب العمل، الذي فشل زعيمه الجديد، عمرام متسناع، بنقله نحو إنجاز نوعي يتخطى الخمسة وعشرين مقعدا في الاستطلاعات.

كما يبدو، فإن "صحوة" ميرتس المتأخرة أتت أيضا نتيجة لقناعة قيادته بأن احتمالات جذب مصوتين جدد على حساب الأحزاب العربية باتت ضئيلة، خاصة في ظل الاستقطاب القائم في المجتمع الإسرائيلي بين العرب واليهود من جهة، وفي ظل التنافس الشرس فيما بين الأحزاب العربية على كل صوت في الشارع العربي من الجهة الاخرى. هذا الوضع، ساهم – كما يبدو - في اتخاذ قيادة ميرتس قرارها المتعلق بالإعلان عن الرغبة في إعادة تسمية الحزب، رغبة منها باستقطاب مصوتين يهود جددا بالأساس. لكن، كما يبدو، فإن احتمالات تأثير هذا التحرك على الناخبين ستكون محدودة جدا، وبالتالي فإن ميرتس سيستصعب الحفاظ على تمثيله الحالي في الكنيست (عشرة مقاعد)، وإذا ما حصل على مثل هذا التمثيل، فإن ذلك سيعتبر نجاحا بالنسبة للعديد من قادة هذه الحزب، وعلى رأسهم يوسي سريد.

أما بالنسبة لحزب شينوي، فإن المستقبل أكثر ضبابية على الرغم من كثافة الحديث بأنه سيصبح الحزب الثالث في الدولة من حيث عدد المقاعد في الكنيست، ومن ثم من حيث الأهمية. حيث أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه الحزب بعيد الانتخابات المقبلة هو إلى أي حكومة سينضم، يمعنى أن من سيكونوا شركائه في الحكومة المقبلة، وهل يتنازل ليشارك في حكومة مع الأحزاب الدينية، أم يبقى في المعارضة. ففي كلتا الحالتين، سواء شارك في حكومة مع المتدينين أم بقي في المعارضة، سيكون هنالك خطر التفكك قائم بالأساس في حزب كبير نسبيا الذي لا توجد عقيد سياسية متكاملة تربط أعضائه. أما احتمال النجاح الوحيد، وهو ضئيل حاليا، فهو تشكيل ما يسمى بالحكومة العلمانية بمشاركته إلى جانب كلا من الليكود والعمل، غير أن هذا الاحتمال غير وارد حاليا لأن الليكود يفضل عدم خسارة علاقاته مع الأحزاب الدينية من جهة ولأن متسناع لا يفضل الانضمام إلى حكومة تحت قيادة أرئيل شارون من جهة أخرى.

من هنا، فإن مستقبل شينوي غامض بعض الشيء، بالرغم من أنه سيكون على المدى القريب الفائز الرئيس في الانتخابات للكنيست السادس عشر.


المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات