يبدو أن هناك شبه تسليم في إسرائيل بأن هناك اتفاقاً آخذاً بالتبلور بين الولايات المتحدة وإيران، بحسب ما يرد تباعاً في أغلب التحليلات الإسرائيلية بشأن جولات المفاوضات التي جرت بين مندوبي الدولتين حتى الآن في كل من سلطنة عُمان وإيطاليا. ووفقاً لما يكتبه محللون إسرائيليون مقربون من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فعلى الرغم من أن المحادثات لا تزال في بدايتها إلا إن "حماسة الطرفين غير محدودة، ويبدو أنهما مصممان على التوصل إلى اتفاق. وعندما يندفع كلاهما نحو الاتفاق بهذه السرعة، قد ينتهي بهما الأمر إلى التوصل إليه فعلاً" ("يسرائيل هيوم"، 27/4/2025).
وفي سبيل أن نضع القراء في سياق الموقف الإسرائيلي بمختلف جوانبه، يتعيّن أن ننوّه بما يلي:
أولاً، نظراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الذي أعلن بنفسه قرار بدء هذه المفاوضات في إبان الزيارة غير المقرّرة سلفاً التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن وتوجّه إليها من هنغاريا، خلص بعض المحللين في إسرائيل إلى نتيجة فحواها أن ترامب استدعى نتنياهو على عجل لكي يبلغه بهذا القرار، وبموجب ما أكدت تحليلات إسرائيلية عديدة كان لهذا القرار وقع الصدمة على نتنياهو. بموازاة ذلك جرى التشديد على أن قرار بدء هذه المفاوضات اتخذ "من فوق رأس نتنياهو"، كما كتب القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي إيتان بن إلياهو (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 24/4/2025). أما المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل فأكد أن أقصى ما يمكن لإسرائيل أن تفعله في الوقت الراهن هو البقاء في وضعية انتظار. وفي حالة نتنياهو من المعقول افتراض أنه يأمل في انهيار المفاوضات (14/4/2025). أمّا محلل الشؤون العربية في "هآرتس" تسفي برئيل فشدّد على أن ترامب هو الذي يدفع نحو المفاوضات، ويسعى لإنجاحها الآن. ويمكن التقدير بأنه يسمع اعتراضات نتنياهو، ولكن ثمة شك في أن هذه الاعتراضات ستكون لها أهمية موازية لتلك التي كانت لها في العام 2018 حين انسحب من الاتفاق النووي الذي وقعه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في العام 2015 (اتفاق مجموعة 5+1) والذي على الرغم من معارضة نتنياهو الشديدة له قرّر أوباما توقيعه، غير أن وضع نتنياهو كان مختلفاً آنذاك، وقد دُعيَ إلى الكونغرس الأميركي لإلقاء خطاب تأنيب وتهديد. أمّا الآن، فهو لا يجرؤ على القيام بمثل هذه الخطوة (18/4/2025).
ثانياً، ثمة نتيجة أخرى خلصت إليها التحليلات الإسرائيلية في ضوء هذه المفاوضات المباشرة بين طهران وواشنطن، وهي فشل السياسة الخارجية الإسرائيلية. ووفقاً لما ورد في أحد هذه التحليلات فإن إيران والسعودية وتركيا ومصر تجاوزت إسرائيل وتشارك الآن في مفاوضات مباشرة مع ترامب، في حين تربطها علاقات واسعة أيضاً بالصين، الخصم الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة. وجزم كاتب التحليل بأن فقدان إسرائيل ما وصفه بأنه مكانتها كوسيط مفضل لدى واشنطن "يعني تراجعاً استراتيجياً، أمنياً واقتصادياً، لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. وإذا لم تُبلور إسرائيل، بسرعة، استراتيجيا جديدة تسمح بالحفاظ على مكانتها في واشنطن وتعزيزها، فستصبح طرفاً هامشياً في المنطقة" (يونتان أديري، "يديعوت أحرونوت"، 22/4/2025).
وتوصّل صاحب هذا التحليل إلى النتيجة المذكورة بناء على التطورات التالية:
- أصبحت السعودية محوراً مهماً في الحوار بين روسيا وأوكرانيا، من خلال استضافة محادثات السلام في جدة، وأيضاً فتحت مساراً دبلوماسياً مستقلاً من خلال زيارات رفيعة المستوى إلى طهران، وتحسين العلاقات مع إيران؛ في الوقت عينه، يبدو أن وليّ العهد محمد بن سلمان تراجع عن عملية التطبيع مع إسرائيل، ويسعى لاتفاق ثنائي مباشر مع الولايات المتحدة، يتضمن تخصيب اليورانيوم "لأغراض مدنية"؛
- تركيا، بقيادة رجب طيب أردوغان، جدّدت علاقاتها الوثيقة بالرئيس ترامب الذي وصف أردوغان، مؤخراً، بأنه "الصديق القريب"، على الرغم من الخلافات الحادّة مع ألمانيا وأوروبا، بما في ذلك فرض عقوبات نتيجة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول؛
- نجح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة، في استقرار علاقاته بالولايات المتحدة والحفاظ على قناة تواصُل مباشرة مع الإدارة الأميركية، بينما في الوقت نفسه، تجري مناورات عسكرية واسعة النطاق مع الجيش الصيني؛
- لعل الاستنتاج الأهم المطلوب من ذلك كله، في قراءة هذا المحلّل، هو أن الطرق إلى واشنطن، من جانب دول الإقليم المتعدّدة، لم تعد تمرّ عبر إسرائيل، في حين أنه قبل عقد من الزمان، وهو وقت قصير بالمقاييس الجيوسياسية، كانت الطرق إلى واشنطن تمرّ فقط عبر إسرائيل.
ثالثاً، يبدو، في رأي الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") ولـ"معهد أبحاث الأمن القومي"، عاموس يدلين، أن إسرائيل لم تنجح في التوصل إلى تفاهمات استراتيجية مسبقة مع إدارة ترامب تتضمن أبعاداً تقنية وعملياتية بشأن النموذج المفضل للاتفاق مع إيران، وكذلك إلى خطة بديلة مشتركة في حال فشل المفاوضات. وفي هذه الظروف، يمكن أن تُفاجأ كلّ مرة من جديد، بعد الخطوات الأميركية، وتتابع المحادثات بين واشنطن وطهران من دون أيّ قدرة على التأثير فيها (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 17/4/2025).
وتشير أغلب التحليلات الإسرائيلية إلى أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تمضي أولاً بوتيرة متسارعة، وثانياً تتجه على ما يبدو في اتجاه معاكس لما كان يتطلّع نتنياهو إليه. كما تشير إلى أن هذه المفاوضات التي بدأت يوم 12 نيسان 2025 وعقدت منها ثلاث جولات في مسقط وروما، باتت في مرحلة قد تكون غير قابلة للتراجع، ومن ثم من غير المستبعد أن تؤول إلى اتفاقٍ جديدٍ بشأن البرنامج النووي الإيراني، قد يجرّ إلى موافقة أميركية على إلغاء العقوبات المفروضة على إيران. وفضلاً عن ذلك، من المحتمل أن تكون التسريبات من واشنطن، والتي كشفت النقاب عن أن ترامب أوقف هجوماً إسرائيلياً ضد إيران، بمثابة رسالة إلى الإيرانيين مفادها أن الإدارة الأميركية معنية بالتوصل إلى اتفاق.
رابعاً، بالاستناد إلى ما يكتبه عدد من المحللين المقربين من نتنياهو فإن ما يمكن استنتاجه حول موقف إسرائيل من آخر المستجدات المتعلقة بالمفاوضات الأميركية- الإيرانية يمكن إيجازه في ما يلي: أ- لم تضع الولايات المتحدة أي خطوط حمراء واضحة للمفاوضات مع إيران بشأن كل ما له علاقة بالإطار الزمني، وذلك على الرغم من أن الإيرانيين معروفون بأنهم "أبطال في المماطلة وكسب الوقت"؛ ب- إن الأخطر من ذلك هو أن واشنطن لم تحدّد أيضاً القضايا الجوهرية المطروحة للنقاش في نطاق هذه المفاوضات، وعلى سبيل المثال تبيّن أن قضايا مثل دعم إيران لـ "وكلائها الإرهابيين" في لبنان والعراق واليمن، بالإضافة إلى مشروع صواريخها البعيدة المدى التي يصل بعضها إلى قلب أوروبا، لم تُطرح على الطاولة ("يسرائيل هيوم"، 27/4/2025).
خامساً، إن آخر ما يتم تأكيده، في شبه إجماع بين أوساط المحللين الإسرائيليين، أن انهيار الاتفاق النووي السابق في العام 2015 أتاح للإيرانيين إمكان أن يصبحوا دولة على عتبة حيازة السلاح النووي، حيث أنهم يمتلكون المعرفة والقدرات والمنشآت والمعدات التي تتيح لهم إنتاج سلاح نووي خلال بضعة أشهر فقط، أو في أسوأ الأحوال خلال أعوام قليلة. وهم ليسوا بحاجة إلى أكثر من ذلك، ولذا هم غير مستعجلين للتقدم الفعلي نحو تصنيع قنبلة نووية. من هنا، فإن الهدف الإيراني الأبعد في الوقت الحالي هو الحفاظ على الوضع القائم قدر الإمكان. ولهذا السبب تبدي طهران استعداداً لإظهار مرونة كبيرة، مثل التعهد بعدم إنتاج قنبلة نووية، وربما حتى التخلي عن جزء من مخزون اليورانيوم المخصّب الموجود لديها. وفي عرفها فإن أيّ اتفاق هو مجرّد ورقة يمكن خرقها بعد بضعة أعوام، سواء عندما يغادر الرئيس ترامب البيت الأبيض، أو عندما تتغير الأوضاع الإقليمية والدولية.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, يسرائيل هيوم, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو