تراكمت في الأيام الأخيرة تقديرات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، فإن كان منها انعكاس للتأثيرات العالمية، وخاصة الحرب الجمركية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيبقى الأساس هو انعكاس استمرار الحرب على الاقتصاد، إذ قالت تقديرات أولية في بنك إسرائيل المركزي إن كلفة استئناف الحرب على قطاع غزة ستصل إلى 40 مليار شيكل (قرابة 11 مليار دولار) وهذا من شأنه أن يرتفع إذا امتدت الحرب حتى نهاية العام. وبموازاة ذلك فإن المحللين الاقتصاديين يتوقعون أن تستأنف كلفة المعيشة ارتفاعها، وأن يتجاوز الغلاء (التضخم المالي) حدود التوقعات لهذا العام.
كلفة استئناف الحرب
قالت تقديرات أولية، منها ما هو في أروقة بنك إسرائيل المركزي، إن استئناف الحرب، دون رؤية أفق لنهايتها، سيؤدي الى خفض تقديرات النمو الاقتصادي للعامين الجاري والمقبل، وزيادة الدين العام، كنتيجة لزيادة العجز في الموازنة العامة، ومن أبرز التقديرات أنه حتى الآن، وللفترة القريبة، فإن استئناف الحرب على قطاع غزة كلفت الخزانة الإسرائيلية 40 مليار شيكل، وهو ما يقارب 11 مليار دولار، وهذا من شأنه أن يزيد، إذا ما استمرت الحرب حتى نهاية العام الجاري.
وقال المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، إن التقديرات التي طرحها بنك إسرائيل في التاسع من الشهر الجاري، نيسان، وبضمنها أن النمو سيرتفع هذا العام بنسبة 3.5%، والعام المقبل 4%، هي خفض للتقديرات السابقة بنسبة 0.5% في كل واحد من العامين الجاري والمقبل. إلا أن خبراء بنك إسرائيل بدأوا في الآونة الأخيرة في صياغة تقديرات جديدة للاقتصاد الإسرائيلي، على ضوء استمرار الحرب.
وبحسب بايلوت، فإن التوجه هو خفض نصف بالمئة آخر، من تقديرات النمو في كل واحد من العامين الجاري والمقبل، كما أن حجم الدين العام، بالنسبة للناتج العام، سيقفز من 69% بحسب تقديرات الأسبوع الماضي، الى 71%، وهذا يعني زيادة نحو 40 مليار شيكل (11 مليار دولار تقريبا)، هي كلفة استئناف الحرب واستمرارها حتى للفترة القريبة.
ولاحقا، في الأسبوع الماضي، ظهرت تقديرات صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد عالميا، وأيضا على صعيد الدول وبضمنها الاقتصاد الإسرائيلي، إذ جاءت توقعاته أقل من التقديرات الإسرائيلية الرسمية، خاصة في ما يتعلق بالعام المقبل 2026. إذ قال الصندوق أن الاقتصاد الإسرائيلي سينمو هذا العام بنسبة 3.2%، في مقابل تقديرات بنك إسرائيل المركزي- 3.5%، وتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بنسبة 3.4%.
أما بالنسبة للعام المقبل 2026، فإن صندوق النقد يتوقع أن ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 3.6%، في مقابل 4% في تقديرات بنك إسرائيل، ونسبة 5.5% في تقديرات منظمة OECD.
ويقول بايلوت "من بين المعايير الرئيسة التي يشير إليها بنك إسرائيل، بطبيعة الحال، التضخم ومستوى الفائدة. ولكن لا توجد تغييرات جذرية في هذه المجالات. وحذر محافظ البنك المركزي أمير يارون من أن الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة ستؤدي إلى زيادة التضخم ومن المرجح أن نستورد بعض هذا التضخم إلى الاقتصاد".
وتابع "لكن التوقعات، التي هي قاتمة بالفعل، تستند إلى افتراض أن الحرب ستنتهي في نهاية الربع الثاني من العام 2025. أي أنه في غضون شهر ونصف الشهر تقريبا سيتم توقيع وقف إطلاق النار. ويبدو الآن أن هذا الافتراض أقل احتمالا بكثير، إذا ظلت الحكومة التي لا يزال سموتريتش وبن غفير من أقوى أعضائها قائمة. وليس من قبيل المصادفة أن خبراء الاقتصاد في بنك إسرائيل بدأوا بالفعل العمل على سيناريو بديل، بل وذكروه في التوقعات التي نشرت الشهر الجاري. هناك خطر اتساع نطاق القتال إلى ما يتجاوز السيناريو الأساسي. وقد درسنا سيناريو بديلا يتضمن اتساع نطاق القتال في قطاع غزة وتعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط لمدة فصلين تقريبا.
"وهذا يعني أنه تمت إضافة سيناريو مفاده أن الحرب لا تنتهي إلا في نهاية العام. وفي تقديرنا، فإن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يؤدي إلى ضرر بنحو 0.5% في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025، وذلك أساسا نتيجة لضرر يلحق بمعروض العمالة، هذا ما يصفون به السيناريو البديل".
"وهذا يعني، أيضا، أن النمو هذا العام سينتهي عند 3% وليس 3.5%، وهو ما يعني خسارة 10 مليارات شيكل من الناتج المحلي الإجمالي. ويفسرون ذلك بالعبء الذي سيتحمله هؤلاء الاحتياطيون، الذين سيضطرون مرة أخرى إلى التغيب عن أعمالهم أو وظائفهم. وهذا لم يعد ما كان عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حين كان الحماس مرتفعا ودخل الاقتصاد أصعب حدث حربي منذ قيام الدولة في حالة جيدة نسبيا. وبعبارة أخرى، فإن إطالة أمد الحرب سوف تترتب عليها تكاليف اقتصادية باهظة".
وكتب بايلوت أيضا "بالمناسبة، فإن الجزء الأثقل حقا يأتي مباشرة بعد إعلان بنك إسرائيل أنه من المتوقع زيادة العجز بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، بحيث يصل الدين العام إلى 71% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية ذلك العام".
ويقول المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، في مقال في صحيفة "ذي ماركر" إنه (وبحسب تعبيره) "مرة أخرى، أصبحت إسرائيل استثمارا عالي المخاطر. ويأتي ذلك على خلفية استئناف الانقلاب على الجهاز القضائي، وعودة القتال في الجنوب (العدوان)، والحديث عن هجوم على إيران. ترتفع علاوة المخاطر في إسرائيل مرة أخرى مقارنة بالدول الأخرى في العالم. ويأتي هذا في وقت ترتفع فيه أيضا مستويات المخاطر العالمية، بسبب الحرب التجارية والمخاوف من التضخم من جهة والركود العالمي من جهة أخرى".
وتابع طوكر: "لقد ارتفعت علاوة المخاطر في إسرائيل منذ بداية الانقلاب على الجهاز القضائي في كانون الثاني 2023، ما أدى إلى موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والاضطرابات والاستقطاب في إسرائيل. ومع اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ارتفعت علاوة المخاطر إلى مستويات قياسية جديدة. لكن مع اتفاق وقف إطلاق النار في الشمال، ثم وقف إطلاق النار في الجنوب، تراجعت مؤشرات المخاطر في إسرائيل تدريجيا. والآن انعكس هذا الاتجاه ــ وقد تكون لهذا آثار خطيرة على الخزانة العامة".
وفي مقال آخر للمحلل طوكر قال إن خفض توقعات النمو للاقتصاد الإسرائيلي، لعامي 2025 و2026، سواء من قبل بنك إسرائيل في بداية الشهر، أو من قبل صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، قد يكون له آثار طويلة الأجل أكثر خطورة على الاقتصاد الإسرائيلي.
وتابع: يأتي تخفيض التصنيف بعد انخفاض النمو في العامين الماضيين. وفي العام 2024، وفقًا لأحدث تحديث من المكتب المركزي للإحصاء، سيصل النمو إلى 1% فقط. ورغم أن هذا الرقم متفائل مقارنة بالتوقعات السابقة، فإنه يعكس نمواً سلبياً للفرد: فإذا قمنا بتقدير التغير في الاقتصاد الإسرائيلي وفقاً لحجم سكانه، فإن النشاط الاقتصادي انكمش في الواقع بنحو 0.4%.
وأضاف: تقلل تحديثات التقديرات الأخيرة للعامين الجاري والمقبل من فرص حدوث مثل هذا الانتعاش. فالتوقعات الحالية في إسرائيل وصندوق النقد الدولي هي، على الأكثر، نمو هذا العام بمعدل مماثل إلى حد كبير لاتجاه الأعوام السابقة.
وكتب طوكر أنه في مثل هذا الوضع، سوف ينمو الاقتصاد الإسرائيلي بالفعل، ولكن سد الفجوة التي نشأت في السنوات التي سبقت الانقلاب والحرب سوف يستغرق وقتا أطول بكثير، وسوف تعاني إسرائيل من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالتوقعات طويلة الأجل.
احتمال ارتفاع الغلاء أكثر من التوقعات
تدل سلسلة من التقارير الاقتصادية على أن الاقتصاد الإسرائيلي مقبل على موجة غلاء جديدة، منها ما هو انعكاس للقلاقل الاقتصادية العالمية، وتراجع قيمة الشيكل أمام العملات العالمية خاصة الدولار واليورو.
فقد سجل التضخم المالي في شهر آذار الماضي، ارتفاعا بنسبة نصف بالمئة، بحسب ما أعلنه مكتب الإحصاء المركزي، منتصف الشهر الجاري، نيسان. وجاءت النتيجة أعلى من توقعات الخبراء للشهر الماضي، التي تراوحت ما بين 0.2% إلى 0.3%.
وفي حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، فإن التضخم المالي ارتفع بنسبة 3.3%، وهذا يعزز التقديرات بأن بنك إسرائيل لن يخفض الفائدة البنكية، في إعلانه المتوقع في الأسبوع الأخير من شهر أيار المقبل، لتبقى عند نسبة إجمالية 6%، منها 1.5% ثابتة.
إلا أنه بعد صدور هذا التقرير، بدأت تتوالى بيانات صادرة في الأساس عن شركات أغذية، من بينها مثلا ارتفاع أسعار الحليب الخاضع لرقابة الأسعار الحكومية، بنسبة 3% ابتداء من أيار المقبل. كما بحسب تقديرات أولية فإن أسعار الوقود سترتفع بنسبة محدودة، رغم انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية في النصف الثاني من الشهر الجاري، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار سيكون أعلى من نسبة تراجع أسعار النفط.
وعلى ضوء تراجع قيمة الشيكل أمام العملات العالمية، تتوقع الجهات الاقتصادية الإسرائيلية ارتفاع أسعار السفر الجوي والبحري، وأيضا أسعار الرزم السياحية في خارج البلاد.
ويقول المحلل شلومو تايتلبويم، في مقال في صحيفة "كالكاليست"، إن مؤشر الأسعار الصادر هذا الشهر عن شهر آذار الماضي، أثار "ردود فعل متباينة. ومن ناحية أخرى، واصل التضخم السنوي الانخفاض، من 3.4% إلى 3.3%، ويشكل انخفاض التضخم أمرا إيجابيا، وخاصة عندما يظل أعلى من المستوى المستهدف. من ناحية أخرى، فإن مؤشر نصف بالمائة شهريا يعد مؤشرا مرتفعا، خاصة وأن التوقعات المبكرة كانت تشير إلى أن المؤشر الشهري سيكون 0.3% - 0.4%".
"وهناك أيضا طرف ثالث: عندما ننظر إلى المؤشر من خلال عيون بنك إسرائيل، وهو اللاعب الرئيس الذي من المفترض أن يتخذ قرارا ملموسا نتيجة لبيانات التضخم، فهو مؤشر مثالي. فمن الممكن أن نظهر للعامة أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي وظيفتها وأن التضخم يتباطأ، ولكن من ناحية أخرى فإن التضخم لا يزال مرتفعا ومعدل انخفاضه بطيء. بهذه الطريقة، يصبح من الأسهل مواصلة الشرح للجمهور أن هناك عملا لا يزال يتعين القيام به لكبح جماح التضخم، وأنه من الصواب البقاء على سعر الفائدة مرتفعا وعدم التسرع في خفضه".
و"لكن من المستحيل تجاهل مكونات المؤشر نفسه. إن الرقم الواسع لزيادة نصف بالمائة في مؤشر أسعار المستهلك يعطي فكرة عامة إلى حد ما عن مستوى الأسعار، لكنه بعيد كل البعد عن تقديم إجابة كاملة على السؤال حول ما يحدث لمستوى الأسعار في الاقتصاد".
وتابع تايتلبويم: "ويتأثر المؤشر الذي نُشر هذا الأسبوع أيضا بزيادات الأسعار لمرة واحدة، مثل زيادة أجرة النقل العام بنسبة 2.3%. ويتأثر أيضا بالموسمية (نظرا لأن موسم الصيف قد بدأ): ارتفعت أسعار فئة الملابس والأحذية بنسبة 2.2%، ولكن باستثناء الموسمية، انخفض المؤشر بنسبة 1.6%".
وختم: "إذا ما استبعدنا آثار الضرائب والتنظيم، فإن التضخم قد دخل النطاق المستهدف ووصل إلى مستوى سنوي بلغ 2.7% هذا الشهر. ولكن على الرغم من هذه التحفظات، فليس هناك شك في أن أحدث مؤشر للأسعار يظهر أن التضخم لا يزال موجودا. والأسوأ من ذلك أننا ما زلنا بعيدين عن اليوم الذي يمكننا فيه أن نعلن أن خطر التصاعد التضخمي قد انتهى فعلاً".