المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة بعد مخاض عسير، يعكس مدى العسر الذي وصل إليه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولدت خطة "خارطة الطريق"، لنجدها تغوص في مخاض لا يقل عسراً قبل أن تنشر وتصل إلى طرفي الصراع.

لكن العسر الأكبر، الذي قد يودي بحياة بهذا الوليد غير الطبيعي قبل أن يرى الحياة، ما زال يقبع هناك، أمامنا، عندما يبدأ التطبيق.

وكانت اللجنة الرباعية الدولية قد وضعت المسودة الأولى للخطة في تشرين ثاني العام الماضي، مستندة فيها إلى ما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي الشهير في حزيران من ذات العام، الذي حدد فيه الأساس لحل عادل للصراع، يقوم على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب دولة إسرائيل.

ثم توالت، بعد ذلك، التعديلات على الخطة، التي كانت بالأساس تعديلات إسرائيلية بأيدي أمريكية، لتصاغ منها مسودة ثانية، ثم ثالثة.

لكن الانتهاء من صياغة المسودة الأخيرة التي مضى عليها أربعة شهور ونصف الشهر تقريباً (وضعت في العشرين من كانون أول العام الماضي) لم يشكل إيذاناً بنشرها، وطرحها على الطرفين صاحبي الشأن، إنما ظلت رهينة الأدراج، والمساومات، والأولويات، وفي مقدمتها انتهاء الولايات المتحدة من الملف العراقي.

ويرى كثيرون أن نشر الخطة لم ينبع من رغبة أمريكية حقيقية بالعمل على تطبيقها بقدر ما كان: رد جميل من الرئيس الأمريكي بوش لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، لقاء مشاركة الأخير للأول حربه على العراق، وفق ما يقول الدكتور علي الجرباوي.

واليوم بعد طرح الخطة على الطرفين، فإن سيل من الأسئلة قد قفز إلى السطح، مثل: ما الذي سيحدث غداً؟ هل ستفرض الولايات المتحدة الأمريكية الخطة على الطرفين ضمن ترتيباتها الجديدة للمنطقة، أم ستفرض التفسير الإسرائيلي للخطة على الطرف الأضعف "الفلسطيني"، وما هي الخيارات المتاحة للفلسطينيين في حال الشروع في تطبيق الخطة على الأرض؟

الدكتور خليل الشقاقي، الذي أعد مؤخراً دراسة تفصيلية للمسودات الثلاث للخطة، والتقى في غضون ذلك مع العديد من الأطراف الممثلة في اللجنة الرباعية، يرى أن هناك الكثير من المطبات في طريق تطبيق هذه الخطة: ما يجعل فشل التطبيق شبه مؤكد".

وهو يقول: الآن، بعد طرح الخطة، ستطلب الولايات المتحدة من الطرفين تقديم ملاحظاتهما حول أفضل طريقة ممكنة لتطبيقها، وستحاول إسرائيل، بذلك، إفراغ المرحلة الثانية من الخارطةمن مضمونها".

والمرحلة الثانية من الخطة، التي تنص على إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، هي الأكثر حساسية في الخارطة، ويخشى كثيرون أن يعمل شارون على جعلها المرحلة الثانية والنهائية من الخطة: ذلك أن إقامة دولة على حدود تتراوح بين 40-50% من أراضي الضفة تشكل حلماً لشارون، حسبما يقول الدكتور علي الجرباوي.

ولا تتضمن الخطة نصاً حول إزالة المستوطنات، أو عدد معين منها، لكنها تنص على: إقامة دولة مؤقتة بأقصى حد من التواصل الجغرافي، "وهو ما يرى فيه الجانب الفلسطيني: إزالة عدد كبير من المستوطنات"، كما يقول الدكتور خليل.

ويضيف الشقاقي: التواصل الجغرافي في المرحلة الثانية من الخطة لن يحدث دون إقامة إزالة جميع المستوطنات في قطاع غزة و"35" مستوطنة على الأقل في الضفة".

ويعتقد الشقاقي جازماً، كما غيره، أن شارون لن يقدم على إزالة هذه لمستوطنات، رغم أن جميعها مستوطنات غير أساسية، أقيمت على رؤوس الجبال مثل ألون موريه وإيتمار وغانيم وكاديم وعطيرت حلميش وغيرها.

وكان شارون أعلن مراراً أن تحقيق التواصل الجغرافي من وجهة نظرة يتحقق فقط عبر إقامة أنفاق تحت الأرض، وجسور فوقها، وهو ما يرفضه الفلسطينيون.

وعليه فإن الدكتور الشقاقي يرى أن أكثر السيناريوهات تفاؤلاً هو ذلك الذي يحمل إمكانية تطبيق المرحلة الأولى من الخارطة، وهي المرحلة التي يطلب فيها من الفلسطينيين الكثير من المطالب الأمنية، ومن إسرائيل القليل مثل رفع الحصار والانسحاب من مناطق (أ) وإزالة الحواجز والقيود وما شابه.

ويقول الشقاقي: الإسرائيليون يعطون إشارات أنهم لن يتحركوا سوى في ما يسمونه النقاط الاستيطانية غير الشرعية، وهذه نكتة كبيرة، حيث يريدون هم أن يحددوا ما هو قانوني وما هو غير قانوني من المستوطنات".

"هذه المستوطنات، من جنين حتى الخليل، وفي عموم قطاع غزة، تطلب حماية عسكرية، وهذا يعني تواجداً عسكرياً إسرائيلياً دائماً، يحول دون حدوث تواصل جغرافي قي الدولة المطروحة، قال الشقاقي.

ويشير هنا إلى أن الولايات المتحدة تتحدث في لقاءات الرباعية عن إزالة مستوطنات لكنها لا تطرح ذلك في اللقاءات مع الإسرائيليين.

وتبعاً لذلك فإن الشقاقي يرى أن من شبه المستحيل الوصول إلى المرحلة الثانية من الخطة.

وتضم المسودة الثالثة لخطة خارطة الطريق، أربعة أقسام هي المقدمة ومراحل الخطة الثلاثة.

وتتمحور المرحلة الأولى من الخطة حول وقف العنف والعودة للحياة الطبيعية وإجراء إصلاحات سياسية فلسطينية.

أما المرحلة الثانية فتتناول ما تسمى بـمرحلة انتقالية تقوم فيها دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة.

وتتناول المرحلة الثالثة مفاوضات الحل الدائم.

وفي مراحلها الثلاث تفصل الخطة التزامات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى جانب مسؤوليات والتزامات اللجنة الرباعية والدول العربية.

وتمتد مساحة تطبيق الخطة على مدار ثلاث سنوات.

المرحلة الأولى تمتد على مدار حوالي نصف سنة، وتبدأ في مطلع عام 2003.

وتنتهي المرحلة الثانية في نهاية ذلك العام، فيما تستمر الثالثة حتى عام 2005.

ويسجل الفلسطينيون نقاطاً إيجابية عديدة في الخطة مثل إيجاد دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وأن الهدف منها هو إنهاء الاحتلال الذي بدا عام 67، واعتبار المبادرة السعودية أحد أسس الحل وتجميد الاستيطان وغيرها.

لكنهم لا ينسون النواقص والثغرات في الخطة مثل عدم وضوح طبيعة الدول المؤقتة التي تتحدث عنها وعدم توفر ضمانات لنجاح مفاوضات الحل الدائم وعدم تقديم حلول لمشكلات اللاجئين والقدس سوى ذكر خطوط عامة مثل مراعاة مصالح الطرفين وإيجاد حل واقعي وعدم تفصيل النقطة المتعلقة وغيرها.

وبشأن الموقف الفلسطيني، وهو الموقف الذي يبدو مفصلياً في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، فإن الدكتور خليل يرى وجود طريقين أمام الفلسطينيين للتعامل مع خارطة الطريق، الأول: أن يلقي الطرف الفلسطيني بنفسه في هذا البحر، ويوافق على تطبيق الخطة بصرف النظر عن موقف إسرائيل منها.

الثاني: أن يرفض تطبيقها على أساس أن إسرائيل لن تلتزم بها".

ويشير الدكتور خليل إلى أن الخيار الأول يحمل درجة عالية من المخاطرة، ذلك أن تطبيق الخطة في بعدها الأمني سيقود إلى حدوث مواجهة مع القوى المسلحة، لكنه يعني أيضاً أن إسرائيل ستكون في موقف حقيقي، وسنتمكن من تحسين علاقتنا مع الولايات المتحدة والعالم، وربما يقع شارون في فخ إفشال الخطة، وهو ما جاء به رئيس الوزراء أبو مازن".

"وفي المقابل هناك أصوات فلسطينية كثيرة، وقد يؤمن بها الرئيس عرفات، ترى أن إسرائيل لن تتغير ولا حاجة لصراع داخلي، وهو ما يعني أن الخارطة ستفشل، وأن لوم العالم سيوجه إلينا، في الوقت الذي لدى إسرائيل فيه القدرة على مواجهة اللوم الذي يوجه إليها من العالم".

لكن ما ذا سيحدث في حال فشل تطبيق خطة خارطة الطريق؟

عن ذلك يكشف الدكتور خليل الشقاقي عن وجود لقاءات ومحادثات تشترك فيها إطراف من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وتتركز حول تدخل دولي في الأراضي الفلسطينية. ويقول الدكتور الشقاقي بأن موقف الإدارة الأمريكية مازال سلبياً من هذه الاقتراحات، لكن وزارة الخارجية الأمريكية تشترك فيها".

ويشير الشقاقي الذي عاد مؤخراً من زيارة للخارج إلى أن هذه اللقاءات وصلت إلى مرحلة مناقشة تفاصيل تتعلق بعدد القوات وطبيعية الطواقم الإدارية والمدنية اللازمة لتدخل دولي في الأراضي الفلسطينية، ذلك أن لدى هذه الأطراف فرضية مفادها أن الأجهزة الإدارية والمدينة والأمنية للسلطة ستنهار في حال فشل تطبيق خارطة الطريق..

المصطلحات المستخدمة:

ألون موريه

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات