المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صراع نتنياهو ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار: اليمين يستهدف "القلاع" غير الموالية. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 28
  • عبد القادر بدوي

تعكس الهجمة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو والرامية لإقالة رئيس جهاز "الشاباك" رونين بار، وقبل ذلك تعيين إيال زامير رئيساً جديداً لهيئة أركان الجيش وسط اتهامات للأخير بقربه من نتنياهو، إلى جانب الصدام العنيف مع المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف- ميارا، نية واضحة لتطويع أجهزة الدولة لخدمة مصالح شخصية وسياسية ضيّقة تخدم أجندة اليمين ونتنياهو بحسب معارضيه. في ضوء ذلك، يبرز السؤال في إسرائيل حول قدرة اللجان المختلفة والأجهزة القضائية على الحفاظ على "مهنية" و"نزاهة" عمليات التعيين لا سيّما في المناصب الأمنية والعسكرية والتي تحوّلت مؤخراً لساحة مركزية للصراع على مستقبل النظام السياسي ومؤسسات الدولة المختلفة.

هذه المساهمة تستعرض أبرز المعطيات التي وردت في دراسة موسّعة لـ"المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" بعنوان: "اللجنة الاستشارية للتعيينات في المناصب العليا: كل ما تريد معرفته"، في محاولة للكشف عن الدور المنوط بهذه اللجنة، وقدرتها على الحفاظ على استقلالية الأجهزة السيادية- كما يُشير لذلك التيار المعارض لأجندة اليمين وبنيامين نتنياهو- وإمكانية منع تآكل الضوابط المؤسسية في مرحلة مشحونة بالأزمات السياسية المرتبطة بحرب الإبادة وحالة الاستقطاب الداخلي.

إن وظيفة اللجنة الاستشارية للتعيينات في المناصب العليا هي مراجعة التعيينات التي تقوم بها الحكومة في سبعة من أعلى المناصب في الوظائف العامة: رئيس هيئة أركان الجيش، المفوض العام للشرطة، رئيس "الشاباك"، رئيس "الموساد"، المفوض العام للسجون، محافظ بنك إسرائيل ونائبه، إذ تعمل اللجنة على مراجعة المرشحين الذين يتم عرضهم من قِبَل الحكومة أو الوزراء، وتقوم بتقديم رأيها حول ما إذا كان التعيين مناسباً من حيث "النزاهة الأخلاقية"، وتقديم توصية بخصوص التعيين من عدمه، خاصة إذا كان من الذين تربطهم علاقات تجارية أو شخصية أو سياسية بأعضاء الحكومة.

تشكّلت اللجة في العام 1997، في أعقاب قضية "بار أون- الخليل" بعد أن طلب رئيس الوزراء حينها بنيامين نتنياهو تشكيل فريق وزاري لتقديم توصيات بشأن التعيينات وتنظيمها، وقد بدأت بالعمل في ذلك الحين على تقديم التوصية بخصوص المناصب الحساسّة المُشار إليها، وقد تم اعتمادها في العام 1999 بشكلها الحالي، طيلة هذه السنوات طرأت 3 قرارات حكومية أدّت إلى إدخال تعديلات طفيفة في شكل اللجنة وصلاحياتها وطريقة عملها.

تضم اللجنة بشكلها الحالي أربعة أعضاء: رئيس اللجنة- قاض متقاعد من المحكمة العليا، مفوض الخدمة المدنية، بالإضافة إلى شخصيتين عامتين يتم اختيارهما فعلياً من قبل الحكومة، أو للدقة، من قبل رئيس الحكومة، والأخير، هو الذي يحدد رئيس اللجنة بعد التشاور مع المستشار القانوني للحكومة لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، كما جرت العادة، حتى الآن، أن يتم تعيين المفوض من قِبَل الحكومة بناءً على توصية من رئيس الحكومة (بشرط موافقة لجنة التعيينات أيضاً). حالياً، تضم اللجنة ثلاثة أعضاء في أعقاب انتهاء ولاية "مفوض الخدمة المدنية" في أيلول 2024، وهم: آشر غرونيس (رئيساً) تم تعيينه العام الماضي، تاليا آينهورن وموشيه تاري (حتى العام 2026).  بحسب التقرير، فإن جميع أعضاء اللجنة اليوم قد تم اختيارهم من قِبَل رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو خلال سنوات حكمه السابقة.

على مر السنين، شهدت اللجنة الاستشارية لبحث نزاهة التعيينات عدة حوادث أدت إلى استقالة أو إبعاد بعض أعضائها، سواء بسبب دعاوى تتعلق بنزاهة أخلاقية أو لضغوط قضائية (قرارات المحكمة العليا). ففي العام 2018، استقال يعقوب ناجل وإيريس ستارك بعد التماس للمحكمة العليا بسبب علاقاتهما بالحكومة وشبهات بنزاهتهما، مما جمد عمل اللجنة مؤقتاً. لاحقاً، تم تقديم التماس ضد تعيين تاري وآينهورن، حيث اتهمت الأخيرة بالتحريض ضد أوامر الجيش، مما دفع رئيس الوزراء حينها نفتالي بينيت إلى البدء بإجراءات عزلها في 2021، لكنها بقيت في منصبها من دون اتخاذ خطوات إضافية. وفي 2022، خلال فترة الانتخابات، حاولت الحكومة تعيين القاضي ميني مازوز رئيساً للجنة، لكن المحكمة العليا رفضت التعيين، وتم استبداله بإلياكيم روبنشتاين بصفة مؤقتة لإقرار تعيين هرتسي هليفي حينها رئيساً لأركان الجيش. 

تتمثل مهمة اللجنة في فحص نزاهة التعيين لمنع التعيينات المبنية على اعتبارات شخصية أو سياسية بدلاً من المصلحة العامة، لكنها لا تبحث في كفاءة المرشحين للمنصب، بخلاف لجان التعيينات الأخرى كديوان الخدمة المدنية. وفقاً لتفسير المحكمة العليا، فإن مفهوم "النزاهة الأخلاقية" يشمل نزاهة عملية التعيين نفسها ونزاهة الشخص المعيّن. بعض رؤساء اللجنة فسّروا صلاحياتها بشكل موسّع، معتبرين أن تعيين شخص غير ملائم يشكل بحد ذاته دليلاً على "اعتبارات غير نزيهة". ومن الأمثلة على الجدل، اعتراض آينهورن على توقيت تعيين هليفي خلال فترة الانتخابات، رغم عدم اعتراضها على نزاهته الشخصية.

يُشير التقرير إلى الإجراءات المنظمة التي تعمل اللجنة وفقاً لها، حيث يُقدم رئيس الوزراء أو الوزير المرشح إلى اللجنة مع السيرة الذاتية والاستمارات المطلوبة قبل 30 يوماً من انتهاء ولاية المنصب، ليتم عقد مقابلات مع المرشّح والمسؤولين ذوي العلاقة، وتُنشر دعوة للجمهور لتقديم تعليقات واعتراضات خلال سبعة أيام، كما تعتمد اللجنة على رأي المستشار القانوني للحكومة، الذي يقوم بجمع معلومات من جهات عديدة كالشرطة وهيئة مكافحة غسيل الأموال، في بعض الحالات الخاصة، استخدمت اللجنة اختبارات كشف الكذب، كما حدث في ترشيح موشيه إدري عام 2018.

بحسب التقرير، فإن اللجنة تضم أربعة أعضاء، ويُشترط حضور ثلاثة لعقد الجلسات، وفي حال تساوي الأصوات، يملك رئيس اللجنة صوتاً إضافياً، وقد تم استخدام الصوت الحاسم في حالة واحدة وذلك عند رفض ترشيح إدري كمفوض عام للشرطة في 2018، كما سُجلت بعض الحالات التي كان فيها عضو واحد فقط معترضاً على التعيين، مثل معارضة غولدبيرج تعيين كوبي شبتاي في 2020، وآينهورن لهاليفي في 2022. في العموم، كانت توصيات اللجنة إيجابية بمعظم الترشيحات: منذ تأسيسها العام 1997، قدّمت اللجنة 48 توصية، 47 منها إيجابية وواحدة سلبية، وهي المتعلقة بموشيه إدري، حيث رُفض ترشيحه بسبب شبهات حول سلوكه وأخلاقيته، من بين التوصيات الإيجابية، تم تعيين 42 مرشحاً فعلياً، بينما لم تُعرض أربعة تعيينات على الحكومة، وأُلغي تعيين واحد بعد الموافقة، وهو تعيين يوآف غالانت الذي تم إلغاء تعيينه رئيساً للأركان بعد إثارة شبهات قانونية حول مخالفات تتعلّق بالبناء والتخطيط أمام اللجنة. من ناحية أخرى، خلال مراجعة بعض الترشيحات، تم سحب أسماء خمسة مرشحين قبل صدور توصية اللجنة النهائية، سواءً بقرار ذاتي أو بطلب من الحكومة، من أبرز هذه الحالات كان ترشيح يعقوب غانوت لمنصب المفوض العام للشرطة العام 2007، حيث انسحب بعد إشارات سلبية من اللجنة، وكذلك ترشيح غال هيرش العام 2015.

تؤكّد الدراسة التي تستعرض كل الحالات التي تم تقديم توصيات فيها من قبل اللجنة، على أن اللجنة تبقى في نهاية المطاف استشارية على الرغم من أهمية قراراتها وتوصياتها، ما يعني أن توصياتها غير مُلزمة للحكومة، لكن في الوقت نفسه، أصبحت توصياتها وقراراتها بمثابة مرحلة أساسية ضمن إجراءات التعيين، ويُشترط وجود ظروف استثنائية لتجاهل توصياتها، وهو أمر لم يتم اختباره عملياً بشكل كامل حتى الآن. على سبيل المثال، في قضية إدري، رغم نية بعض الوزراء عرض تعيينه على الحكومة رغم توصية اللجنة السلبية، إلا أن ذلك لم يتم في النهاية. ومع ذلك، فإن سوابق أخرى، مثل تعيين عمير بيرتس في مجلس إدارة الصناعات الجوية خلافاً لتوصيات لجنة فحص تعيينات الشركات الحكومية، تثبت أن تجاهل التوصيات ممكن، ولو أنه يتعرض عادة لمراجعة قضائية دقيقة من قبل الجهات القضائية المختلفة في حال وقوع مثل هذه الحالات.

وفي النهاية، تُشير الدراسة إلى أنه لا يُمكن اعتبار اللجنة "عدائية"، فهي عادة توافق على معظم المرشحين، ولا تفحص كفاءتهم، بل فقط نزاهتهم، إضافة إلى أن أعضاء اللجنة الحاليين جرى تعيينهم من قبل رئيس الوزراء نتنياهو نفسه، لذلك، وبعيداً عن بعض القرارات المثيرة للجدل، لا تظهر اللجنة كساحة عداء حقيقي ضد الحكومة أو المرشحين، بل كجهة رقابية محدودة الصلاحيات، تركّز بالأساس على حماية المصلحة العامة من التعيينات المشبوهة من حيث النزاهة فقط.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات