شهدت أسواق المال الإسرائيلية، بما فيها قيمة الشيكل، الأسبوع الماضي، حالة عدم استقرار شديدة، تُذكّر بمرحلة بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تراجعت البورصات بنسب ملحوظة، قبل أن يهدأ التراجع في نهاية الأسبوع، وكذا بالنسبة لقيمة الشيكل، الذي فقد خلال أيام قليلة حوالي 3.5% من قيمته أمام الدولار، لكن تم لجم هذا التراجع في نهاية الأسبوع؛ وكان هذا مؤشرا لما سيكون في حال تفجّرت الأوضاع العسكرية أكثر في المنطقة، وهذا ما قاد وكالة تصنيف ائتماني اقتصادي عالمية إلى التحذير من وضعية الاقتصاد الإسرائيلي، الذي قد يواجه خفضا آخر في مستوى حصانته لدى المؤسسات المالية العالمية. وفي ظل هذا أظهر تقرير جديد لسلطة الضرائب الإسرائيلية اتساع الفجوات الاقتصادية الاجتماعية، إذ تبين أن 1% من السكان يسيطرون على 17% من مداخيل العائلات، فيما الضرائب التي يدفعونها أقل من مستواها في الدول المتطورة.
تشهد دولة إسرائيل، منذ سنوات غير قليلة، ازدهاراً كبيراً ومتواصلاً لما يُسمى "اقتصاد الاعتمادات المالية" الذي يوازيه، أيضاً، "ازدهار" ـ ازديادٌ مُطَّرد ومتواصل في حجم الديون التي تتراكم على الاقتصادات الأسَريّة. لكنّ أحد الجوانب الكارثية في أزمة هذه الديون هو كونها محكومة، أيضاً، بمعادلة "انعدام المساواة"، أو التمييز القومي بتعبير أصحّ؛ فالمواطنون العرب في إسرائيل أكثر عرضة، بكثير، للضائقة الاقتصادية وانعكاساتها المختلفة على شتى مجالات الحياة، مقارنة بالمواطنين اليهود، إلى جانب كونهم يعانون أيضاً من التمييز في "سوق الاعتمادات المالية المؤسساتية"، الأمر الذي يضطرهم إلى الاقتراض من "السوق السوداء"، التي لم يعد خطرها ينحصر في الجانب الاقتصادي وفي تأزيم ضائقتهم الاقتصادية ـ المالية فحسب، بل أصبح يتعدّاه ليصل إلى أمان المواطنين العرب وأمنهم، الاجتماعي والنفسي والجسدي أيضاً. ويشكل هذا المجال أحد التفسيرات الأساسية لتفشي واستفحال ما يسمى بـ "الجريمة المنظمة" في المجتمع العربي في داخل إسرائيل وكونه أحد المصادر الأساسية التي تغذي الحروب المنفلتة بين عصابات الجريمة هذه وما أوقعته من ضحايا، تُعدّ بالآلاف حتى الآن.
هذا هو القسم الثاني من استعراض تقرير العمل السنوي عن العام 2023، الذي أصدرته وزارة العمل الإسرائيلية، ويتناول تأثّر شرائح مختلفة في سوق العمل من تداعيات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحرب الاحتلالية على قطاع غزة. وهو يقول في فصل أفرده لهذه المسألة بأنه حتى اندلاع الحرب، استمر الاتجاه التصاعدي في معدلات التشغيل الذي ميز السنوات القليلة الماضية منذ العام 2020 لدى معظم الفئات السكانية. فعشية الحرب، ارتفع معدل تشغيل الرجال العرب بنسبة 3.8% مقارنة بالعام 2022، ووصل إلى ذروته عند 77.9%. كما استمرت الزيادة في معدل تشغيل النساء العربيات، حيث وصلت إلى 44.8%، أي بزيادة قدرها 3% تقريباً مقارنة بالعام 2022.
لكن مع اندلاع الحرب، يتابع التقرير، انخفضت معدلات التشغيل بشكل كبير بسبب غياب عدد كبير من العمال عن أماكن عملهم. وكان الغياب لعدة أسباب: الالتحاق بالخدمة العسكرية من جنود الاحتياط؛ إغلاق المؤسسات التعليمية لفترة طويلة، مما اضطر الأهل إلى البقاء في المنزل مع أبنائهم؛ القيود الأمنية التي فرضتها قيادة الجبهة الداخلية؛ تقليل الطلب على العمال. ويشدد تقرير وزارة العمل: رغم أن الحرب طاولت جميع فئات السكان، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في تأثيرها على المجموعات المختلفة، وذلك لاختلاف تأثير أسباب الغياب على كل فئة.
"لقد كان نتنياهو يُدير كابينيت الحرب بدكتاتورية، وهو لا يستمع إلّا للوزير ديرمر..."- هكذا علّق عضو كابينيت الحرب السابق غادي آيزنكوت عن "المعسكر الرسمي" على طريقة إدارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لكابينيت الحرب في مقابلة أجراها مع إذاعة "ريشت بيت". تنضم هذه التصريحات لجملة طويلة من التصريحات الناقدة لسلوك نتنياهو في إدارة الحرب التي اتهمته بتعطيل الصفقة والسعي لإطالة أمد الحرب أطولَ فترة ممكنة. قد تبدو هذه التصريحات مشابهة لسابقاتها الناقدة لنتنياهو، لكنها في الحقيقة تُثير تساؤلات حول شخصية وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر الذي يبرز دوره في كثير من المحطات، حيث يعتمد عليه نتنياهو في الكثير من الأزمات من أهمها العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية. تُسلّط هذه المساهمة الضوء على شخصية ديرمر، وتحاول الوقوف على تاريخه السياسي وأهم الأدوار التي قام بها في إسرائيل، وذلك في إطار محاولة فهم النفوذ والدور الكبيرين اللذين يتمتّع بهما.
في أعقاب اغتيال إسرائيل مسؤولًا عسكريًا كبيرًا في حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، واغتيال زعيم حركة "حماس" إسماعيل هنية الذي تتنكر إسرائيل لمسؤوليتها عنه في طهران، رفعت إسرائيل حالة التأهب إلى أعلى الدرجات تحضيراً لرد عسكري إيراني محتمل، مما أدى إلى إعاقة حركة الطيران المدني في إسرائيل. وفي حين أعلنت شركة الطيران الإسرائيلية "إل- عال" أن جدول رحلاتها لم يتأثر بعد، فإن شركات طيران أساسية كانت قد ألغت رحلاتها القريبة إلى إسرائيل، وتشمل شركات دلتا (Delta Air Lines) ويونايتد إيرلاينز (United Airlines) ولوفتهانزا (Lufthansa) والخطوط الجوية النمساوية (Austrian Airlines) وخطوط بروكسل الجوية (Brussels Airlines) وطيران الهند (Air India)، وغيرها.
قالت تقارير اقتصادية إسرائيلية في الأيام الأخيرة "إن الانهيار في السياحة الوافدة إلى إسرائيل غير مسبوق بحجمه منذ قيام الدولة" العام 1948، بفعل الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي منطقة الشمال؛ ففي النصف الأول من العام الجاري 2024، بلغ عدد السياح الوافدين نصف مليون سائح، في مقابل مليوني سائح وافد خلال الفترة نفسها من العام الماضي 2023، وهذا ينعكس على قطاعات واسعة، تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في قطاع السياحة، الذي يساهم بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 7% من حجم النمو الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي. وقال أحد التقارير إن 10% من الفنادق الإسرائيلية قد تضطر إلى إغلاق أبوابها كليا في العام المقبل 2025. ووصلت الأزمة إلى حد أن شركات تأمين عالمية، وخاصة أوروبية وأميركية، ترفض بيع بوليصات تأمين للمسافرين إلى إسرائيل.
الصفحة 23 من 337