المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"كان البناء هو الأكثر تضرراً بسبب الإغلاق الكامل للعديد من مواقع البناء مع بداية الحرب". (فلاش 90)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 436
  • هشام نفاع

هذا هو القسم الثاني من استعراض تقرير العمل السنوي عن العام 2023، الذي أصدرته وزارة العمل الإسرائيلية، ويتناول تأثّر شرائح مختلفة في سوق العمل من تداعيات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 والحرب الاحتلالية على قطاع غزة. وهو يقول في فصل أفرده لهذه المسألة بأنه حتى اندلاع الحرب، استمر الاتجاه التصاعدي في معدلات التشغيل الذي ميز السنوات القليلة الماضية منذ العام 2020 لدى معظم الفئات السكانية. فعشية الحرب، ارتفع معدل تشغيل الرجال العرب بنسبة 3.8% مقارنة بالعام 2022، ووصل إلى ذروته عند 77.9%. كما استمرت الزيادة في معدل تشغيل النساء العربيات، حيث وصلت إلى 44.8%، أي بزيادة قدرها 3% تقريباً مقارنة بالعام 2022.

لكن مع اندلاع الحرب، يتابع التقرير، انخفضت معدلات التشغيل بشكل كبير بسبب غياب عدد كبير من العمال عن أماكن عملهم. وكان الغياب لعدة أسباب: الالتحاق بالخدمة العسكرية من جنود الاحتياط؛ إغلاق المؤسسات التعليمية لفترة طويلة، مما اضطر الأهل إلى البقاء في المنزل مع أبنائهم؛ القيود الأمنية التي فرضتها قيادة الجبهة الداخلية؛ تقليل الطلب على العمال. ويشدد تقرير وزارة العمل: رغم أن الحرب طاولت جميع فئات السكان، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في تأثيرها على المجموعات المختلفة، وذلك لاختلاف تأثير أسباب الغياب على كل فئة.

الضربة الأسوأ التي تعرض لها التشغيل وقعت على الرجال العرب، حيث وصل الانخفاض الإجمالي في معدل تشغيلهم إلى مستوى منخفض قدره 10.6%، منها حوالي نقطتين مئويتين فقط بسبب الخروج من العمل رسمياً والدخول في البطالة، والبقية بسبب إرسال العمال إلى عطلات غير مدفوعة الأجر. ويصف التقرير هذه الفئة العمالية على أنها من الفئات الأكثر ضعفا، حيث تتميز بتدني مستوى التعليم والعمل اليدوي، خصوصاً في قطاعي البناء والصناعة. فكان البناء هو الأكثر تضرراً بسبب الإغلاق الكامل للعديد من مواقع البناء مع بداية الحرب، ولم يعد النشاط فيها إلى مستوى ما قبل الحرب حتى في كانون الأول.

وبالإضافة إلى ارتفاع نسبة التغيب عن العمل، فإن نسبة العرب الذين أفادوا بتخفيض ساعات عملهم لأسباب اقتصادية تتعلق بمكان العمل كانت أعلى مما لدى النساء العربيات وبلغت 4.3%. وبالرغم مما سبق، فعلى امتداد أشهر الحرب انتعشت فرص العمل بين الرجال العرب إلى حد كبير. وكان معدل التصحيح سريعا نسبيا، بمقاييس التقرير، ووصل معدل تشغيلهم في كانون الأول 2023 إلى 71.1%، لكن هذا المعدل ما زال أقل بنحو 6.8% عما كان عليه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2023.

وللمقارنة: ففي فئة اليهود غير الحريديم، تسببت الأزمة في انخفاض التشغيل بحوالي 5% بسبب إرسال العمال إلى عطلات غير مدفوعة الأجر. علاوة على ذلك، ارتفع معدل التغيب عن العمل، بنحو 8%، بسبب تجنيد الموظفين في خدمة الاحتياط. بينما تم تسجيل أقل انخفاض في معدل التشغيل في تشرين الأول بين الرجال الحريديم، ومنذ تشرين الثاني كانت هناك زيادة كبيرة في معدل تشغيلهم، بحيث بات أعلى بكثير في نهاية العام عما كان عليه في السنوات السابقة للحرب.

تأثير الحرب على عمل النساء مختلف بعض الشيء عن الرجال

كذلك، كان تأثير الحرب على عمل النساء مختلفاً بعض الشيء عن تأثيرها على عمل الرجال. وبحسب التقرير، لم يتأثر عمل المرأة العربية بنفس القدر الذي تأثر به عمل الرجل العربي. وفي تشرين الأول، بلغ الانخفاض في تشغيلهم حوالي 2.3%. وعلى الرغم من أن معدل تشغيلهم استمر في الانخفاض في تشرين الثاني أيضاً، إلا أنه بدأ في التعافي في كانون الأول ووصل إلى 43.3%، وهو معدل ما زال أقل بمقدار 1.5 نقطة مئوية عما كان عليه في الأرباع الأولى من العام. ويعود الانخفاض النسبي القليل في تشغيل فئة النساء العربيات مقارنة بالرجال العرب إلى خصائص عمل النساء العربيات، حيث تعمل 60% منهن في قطاعي التعليم والصحة، واللذين تأثرا فقط في بداية العام حرب.

بينما لدى النساء اليهوديات الحريديات، انخفض معدل التشغيل في شهر تشرين الأول بمعدل أكثر حدة بلغ حوالي 4.4%. وربما يُعزى هذا الانخفاض إلى إغلاق جهاز التعليم، الذي يعمل فيه حوالي 30% من النساء الحريديات العاملات. ومع ذلك، في شهر تشرين الثاني، عندما استأنف جهاز التعليم عمله جزئياً، وقبل شهر من التعافي بين النساء العربيات واليهوديات غير الحريديات، تعافى معدل تشغيلهن بشكل كامل تقريباً ووصل إلى معدل أقل بنسبة نصف بالمائة فقط من معدل التشغيل في فترة ما قبل الحرب. وكان الضرر الذي لحق بتشغيل النساء اليهوديات غير الحريديات أكبر وبلغ 7.1% في تشرين الأول - أو 8.1%، إذا أضفنا من يخدمن في صفوف الاحتياط إلى معدل الغائبات عن العمل.

وعلى عكس النساء الحريديات، فإن الانتعاش في تشغيل النساء اليهوديات غير الحريديات لم يحدث إلا في كانون الأول، مع عودة جهاز التعليم إلى النشاط الكامل، وحتى ذلك الحين كان الانتعاش جزئياً فقط. من الممكن أن يُعزى الانتعاش الجزئي إلى نسبة الأزواج الذين يخدمون في الاحتياط، والتي لا تزال مرتفعة (حوالي 8% من الرجال اليهود غير الحريديم كانوا غائبين عن العمل في تشرين الثاني بسبب خدمة الاحتياط). ففي غياب الأزواج تقع معظم الرعاية الأسرية على عاتق المرأة، وهذا يؤثر على قدرتها على العمل بنفس الحجم في الفترات الاعتيادية.

"من الممكن أن يكون أصحاب العمل اليهود تجنبوا تشغيل العرب"!

بالإضافة إلى التغيب عن العمل لأسباب اقتصادية وبسبب الخدمة في الاحتياط، تسببت الحرب في زيادة غير عادية في التغيب عن العمل وتقليل ساعات العمل لدى عامة السكان أيضاً لأسباب تم تعريفها على أنها "سبب آخر". هذه الظاهرة كانت خاصة بشهر تشرين الأول، لكنها ما قبله وما بعده تكاد لا تذكر.

وقد سجلت أكبر زيادة في حالات الغياب وتقليص ساعات العمل "لسبب آخر" بين العرب: زيادة قدرها 17.2% بين النساء و21.9% بين الرجال. وأفاد حوالي 70% - 80% من العمال العرب الذين تغيبوا عن العمل "لأسباب أخرى" أنهم لم يأتوا إلى العمل على الإطلاق، مقارنة بحوالي النصف في المجموعات الأخرى. ويعلّق التقرير: "من الممكن أن يكون التفسير الجزئي لهذه الظاهرة هو الخوف من التعامل مع السكان اليهود".

وفي جميع الأحوال، فإن الغياب عن العمل وتقليص ساعات العمل "لأسباب أخرى" لدى جميع الفئات لم يستمر سوى شهر واحد، وفي تشرين الثاني وكانون الأول 2023 عاد إلى مستواه الطبيعي القريب من الصفر.

هناك انخفاض في عدد العاملين العرب في قطاعي النقل والبريد -8,282 وفي الصناعة والتعدين والمحاجر -3,790. لكن بموجب التقرير ففي هذه القطاعات نفسها، في الوقت نفسه لوحظت زيادة في عدد العاملين اليهود بـ 10,985 في قطاعي النقل والبريد و7,753 في الصناعة والتعدين والمحاجر. ويقول التقرير: "ربما يشير التغيير الحاد في الوقت نفسه إلى استبدال الموظفين العرب باليهود، ربما لأن الموظفين العرب تجنبوا القدوم إلى العمل بسبب التوتر العرقي والخوف من الاحتكاك بين مجموعتي السكان، ومن الممكن أيضاً أن يكون أصحاب العمل اليهود قد تجنبوا تشغيل الموظفين العرب في هذا الربع من السنة. كما يجب الافتراض بأن استعداد العمال اليهود للعمل في هذه القطاعات أكبر من استعدادهم للعمل في القطاعات الأخرى مثل البناء".

نسبة تشغيل الرجال العرب أقلّ مقارنة بالرجال اليهود

يكتب معدو التقرير بوضوح أنه: يتم تشغيل الرجال العرب بمعدلات منخفضة نسبياً مقارنة بالرجال اليهود غير الحريديم، وقد تضرر معدل تشغيلهم بشدة بسبب وباء كورونا، ومنذ ذلك الحين تعافى بشكل حاد، وتضرر بشدة مرة أخرى في الحرب. في السنوات التي سبقت أزمة كورونا، لم يرتفع معدل التشغيل بين الرجال العرب، بل انخفض معدل التشغيل بين الشباب. ومع ذلك، مع التعافي من الأزمة، وخاصة في العام 2023، حدثت زيادة كبيرة في معدل تشغيل الرجال العرب، وكانت أكبر كلما كان الرجال أكبر سناً. إذ تم تسجيل أكبر زيادة في معدل تشغيل الرجال العرب بين أولئك الذين اقتربوا من سن التقاعد - الفئة العمرية 55-66، وقد تم تسجيل الفجوة الكبيرة في معدل التشغيل بين الرجال اليهود والعرب على مر السنين في هذه الفئة العمرية، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى التقاعد المبكر للرجال العرب من سوق العمل، والذي يعزى إلى عملهم في مهن تتطلب جهدا بدنيا. وارتفع معدل تشغيل الرجال اليهود الأكبر سنا في الوقت نفسه بنحو 4%، ولكن الزيادة بين العرب كانت أكبر وضاقت الفجوة بين المجموعتين.

ويلاحظ  التقرير أن: المجتمع العربي يشيخ ونسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً تتزايد، وبالتالي فإن زيادة معدل تشغيل الرجال في هذه الأعمار أمر في غاية الأهمية. بشكل عام، ارتفع معدل التشغيل بين كبار السن من الرجال (الفئة العمرية 35-66) بين العرب وبين اليهود غير الحريديم، ولكن بين العرب كانت الزيادة حادة جداً.

بالمقابل، فبين الشباب العرب (الفئة العمرية 18-34) انخفض معدل التشغيل إلى حد مماثل بالنسبة المئوية للانخفاض لدى اليهود غير الحريديم. وتظهر المؤشرات العامة في معدل التشغيل منذ أزمة كورونا أوجه تشابه واضحة بين العرب واليهود غير الحريديم - توسيع نطاق التشغيل بين اليهود البالغين وتقلصها بين الشباب، بينما بين اليهود الحريديم ظلت نسبة العاملين جزئياً دون تغيير تقريباً، بل وانخفضت قليلاً.

وبناء على ما سبق، كان توسع العمل بدوام جزئي سريعا بشكل خاص في الفئة العمرية الأصغر سنا، حيث تضاعفت تقريبا نسبة العاملين بدوام جزئي، وكانت مسؤولة عن حوالي 85% من إجمالي الزيادة في عمل الشباب في العام 2023 (حوالي 25.5 ألف شاب عامل من حوالي 30 ألفاً) مقارنة بمتوسط ​ 2014 -2018. كذلك، فبين المتقدمين في السن العرب، كان للعمل بدوام جزئي مساهمة كبيرة: حوالي 40% من الزيادة في تشغيل البالغين العرب نتجت عن زيادة في عدد العاملين بدوام جزئي. من ناحية أخرى، في مجموعة الرجال اليهود غير الحريديم الذين يعملون جزئياً، لم تكن هناك مساهمة في معدل التشغيل في تلك السنوات.

تتيح الوظيفة بدوام جزئي الجمع بين العمل مدفوع الأجر وأنشطة أخرى مثل الدراسة ورعاية أفراد الأسرة والأنشطة الترفيهية. ومن وجهة نظر أصحاب العمل، تكمن الميزة في زيادة مرونة القوى العاملة، مما يسمح لهم بالاستجابة إلى تقلبات الطلب وإدارة تكاليف العمالة بشكل أكثر فعالية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الأمر ليس دائماً خياراً طوعياً. وفي بعض الأحيان يضطر العمال إلى الاستقرار في وظيفة بدوام جزئي لأنهم لم يتمكنوا من العثور على وظيفة بدوام كامل أو على وظيفة أخرى. وانخفضت نسبة العاملين جزئيا بشكل غير طوعي بين كبار السن من الرجال العرب العاملين جزئيا خلال الفترة المعنية، كما انخفض عددهم المطلق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات