شهدت أسواق المال الإسرائيلية، بما فيها قيمة الشيكل، الأسبوع الماضي، حالة عدم استقرار شديدة، تُذكّر بمرحلة بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ تراجعت البورصات بنسب ملحوظة، قبل أن يهدأ التراجع في نهاية الأسبوع، وكذا بالنسبة لقيمة الشيكل، الذي فقد خلال أيام قليلة حوالي 3.5% من قيمته أمام الدولار، لكن تم لجم هذا التراجع في نهاية الأسبوع؛ وكان هذا مؤشرا لما سيكون في حال تفجّرت الأوضاع العسكرية أكثر في المنطقة، وهذا ما قاد وكالة تصنيف ائتماني اقتصادي عالمية إلى التحذير من وضعية الاقتصاد الإسرائيلي، الذي قد يواجه خفضا آخر في مستوى حصانته لدى المؤسسات المالية العالمية. وفي ظل هذا أظهر تقرير جديد لسلطة الضرائب الإسرائيلية اتساع الفجوات الاقتصادية الاجتماعية، إذ تبين أن 1% من السكان يسيطرون على 17% من مداخيل العائلات، فيما الضرائب التي يدفعونها أقل من مستواها في الدول المتطورة.
قالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن وكالات التصنيف الائتماني العالمية، بدأت بإجراء اتصالات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، "من أجل فهم عواقب توسع الصراع في الشمال والصراع مع إيران. ويكمن الخوف في خطوات أخرى لخفض التصنيف الائتماني من قبل بعض وكالات التصنيف، إذا بدأ صراع إقليمي أوسع نطاقا".
سبق أن أصدرت وكالة التصنيف ستاندرد أند بورز (إس أند بي) تقريرا خاصا للمستثمرين الأسبوع قبل الماضي (مطلع آب الجاري)، أعلنت فيه أن المخاطر المتعلقة بإسرائيل تتزايد بسبب توسع الصراع في الشرق الأوسط، بعد عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران، ورد الفعل المتوقع من جانب حزب الله وإيران.
وقالت الوكالة في بيانها، الذي جاء بعد يومين من جريمتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، ومسؤول كبير في حزب الله في بيروت هو فؤاد شكر، إن "سيناريو التصنيف الأساس لإسرائيل يفترض أنه سيتم تجنب حرب إقليمية أوسع، لكن مخاطر التصعيد تتزايد في أعقاب اغتيال مسؤولي حزب الله وحماس في بيروت وطهران هذا الأسبوع".
ووفقاً للوكالة "من الصعب تحديد تأثير صراع إقليمي أوسع نطاقا بشكل موثوق على أداء إسرائيل الاقتصادي والمالي وميزان المدفوعات. ومع ذلك، نتوقع أن يتجلى التأثير، من بين أمور أخرى، من خلال حشد القوات المسلحة، بما فيها احتياطيات إضافية في إسرائيل، واضطرابات تتعلق بالأمن وإنفاق ميزانيات عسكرية أكثر".
وكتبت ستاندرد أند بورز في بيانها أن "المخاطر الجيوسياسية والأمنية لا تزال مرتفعة للغاية بالنسبة لإسرائيل (بعد الاغتيالين) ونية إيران المعلنة للانتقام، على الرغم من أن توقيت ونطاق هذا الانتقام لا يزالان غير واضحين".
وقالت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن الوكالة تطرح سيناريوهين رئيسيين محتملين لتوسيع الصراع: "الأول هو صراع أكثر أهمية بين إسرائيل وحزب الله، على سبيل المثال، إذا كانت هناك هجمات واسعة النطاق من قبل حزب الله أو عملية عسكرية من قبل إسرائيل في لبنان؛ والسيناريو الثاني: صراع مباشر أوسع ومستمر مع إيران". وقالت ستاندرد أند بورز: "نرى أن خطر وقوع حادث أو سوء تقدير لا يزال قائما حتى لو لم تكن إسرائيل وإيران وحزب الله ينوون التصعيد على وجه التحديد".
وكانت وكالات تصنيف ائتماني عالمية قد خفّضت في الشتاء الماضي مكانة إسرائيل، لكن القلق الإسرائيلي تزايد بعد قرار الوكالة العالمية الأهم للتصنيف الائتماني، السابق ذكرها هنا، "ستاندرد أند بورز غلوبال" (إس أند بي)، يوم 19 نيسان الماضي، خفض التصنيفات طويلة الأجل لإسرائيل منAA- إلى A+ في ظل المخاطر الجيوسياسية المرتفعة بالفعل لإسرائيل. وأرفقت ستاندرد أند بورز أيضًا لإسرائيل توقعات سلبية لخفض آخر، وقالت الوكالة في ذلك الوقت إن تصعيد الصراع إلى ساحات إضافية قد يؤدي إلى خفض آخر.
وقالت الوكالة في بيان في حينه: "إننا نتوقع أن يتسع العجز الحكومي العام لإسرائيل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، ويرجع ذلك بشكل رئيس إلى زيادة الإنفاق العسكري". وقد تحققت توقعات الوكالة، في بيان وزارة المالية الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي (8 آب)، إذ تفاقم العجز في الموازنة العامة، في نهاية تموز الماضي، إلى 8.1% من حجم الناتج العام، بمعنى حوالي 162 مليار شيكل.
وكانت الوكالة قد حذّرت من احتمالات التصعيد في المواجهة مع حزب الله، وأيضا أمام إيران، واستنادا لذلك التحذير، فإن التوقعات الإسرائيلية تتزايد بشأن احتمال تخفيض آخر لمكانة الاقتصاد الإسرائيلي، ما سيجر خلفه تراجعا أكبر للاستثمارات الأجنبية القائمة حاليا في الاقتصاد الإسرائيلي، أو على الأقل عدم دخول استثمارات جديدة. كذلك فإن أي قرار جديد لخفض مستوى الاقتصاد الإسرائيلي، سيؤدي إلى ارتفاع الفوائد على الديون الإسرائيلية في العالم، ما سينتقص من ميزانية الدولة العامة.
ونقلت "ذي ماركر" عن مصادر في وزارة المالية، قبل أيام، قولها إنه مع تزايد احتمالات التصعيد الإقليمي، فإن وكالات التصنيف تُبدي عصبية في الأيام الأخيرة وتجري اتصالات للحصول على معلومات حول التبعات الاقتصادية في حال توسع الصراع. ومع ذلك، في هذه المرحلة، لم يتم البدء في أي إجراء رسمي للنظر في أي إجراء تصنيف.
وقال مصدر آخر في وزارة المالية إن "المحادثات تجري بشكل مستمر مع الهيئات الدولية ووكالات التصنيف، ولا شك في أن الأحداث الأخيرة تزيد الوضع سوءا". وتعتقد مصادر إضافية أنه لن يتم اتخاذ أي إجراء تصنيفي من قبل الوكالات قبل أن تنفذ إيران تهديداتها بالانتقام من إسرائيل، وقبل أن يعرف ماذا سيكون رد إسرائيل.
اتساع الفجوات الاقتصادية الاجتماعية
وعلى صعيد الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، فإن حقيقة الأوضاع الحالية، وبحسب منهجية التقارير الإسرائيلية الدورية، من الصعب معرفتها بما هو أقرب للدقة، قبل نهاية العام المقبل 2025، لكن ما هو واضح منذ الآن أن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي كانت قائمة في العامين الأخيرين قد تراجعت، واحتمال أن يكون التراجع قد بدأ في العام الماضي 2023، مع استفحال غلاء المعيشة، في مقابل عدم رفع رواتب، لا بل وينتظر الجمهور رفع ضرائب متشعبة في العام المقبل 2025، من أبرزها، رفع ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة) من 17% اليوم إلى 18%، كما أنه لن يتم تعديل درجات ضريبة الدخل، بذات نسبة التضخم المالي، ما يعني أن الأجيرين سيفقدون حوالي 3% من قيمة مداخيلهم الشرائية، عدا 1% من ضريبة المشتريات.
وحسب فترات سابقة، فإن الفجوات الاقتصادية، التي هي من الأكبر في إسرائيل، مقارنة مع الدول المتطورة، ستزداد اتساعا، أكثر مما هو قائم حاليا.
ففي الأسبوع الماضي، صدر تقرير دوري لسلطة الضرائب الإسرائيلية، عن العام 2021، يتبين منه، أن 1% من الجمهور في إسرائيل يسيطر على 17% من إجمالي مدخولات العائلات (قبل الخصم الضريبي). وحسب التقرير الذي استعرضته صحيفة "ذي ماركر"، فإن الحد الأدنى لمدخول عائلة ضمن الـ 1%، كان في ذلك العام 1.6 مليون شيكل سنويا، وهو ما يعادل حاليا 427 ألف دولار، لكن معدل مدخول العائلات ضمن هذه الشريحة الصغيرة بلغ في ذلك العام 4.7 مليون شيكل، ما يعادل حاليا 1.26 مليون دولار سنويا.
لكن التقرير يشير إلى أنه حتى داخل شريحة الـ 1% هناك فجوات كبيرة جدا، تنعكس بين الحد الأدنى من المدخول السنوي، ومعدل المدخول لذات الشريحة، مع توجيه الأصابع نحو من هم واحد بالألف من السكان، مع الإشارة إلى احتمال أن تكون مداخيلهم أضخم مما هو معلن عنه لسلطات الضريبة، من خلال مداخيل في الخارج، ليست تحت رقابة الضريبة الإسرائيلية.
اللافت في التقرير، حسب الصحيفة المذكورة، هو أن حصة الـ 1% تضخمت مقارنة مع السنوات التي سبقت، على الرغم من زيادة الضرائب عليها، لكن ليس بالمستوى القائم في الدول المتطورة. فعلى سبيل المثال، في العام 2013، كانت حصة 1% من الجمهور، من إجمالي مداخيل العائلات في إسرائيل 11.7%، والحديث عن مداخيل صافية بعد الضرائب، وبات في العام 2021 حوالي 14.4% من إجمالي المداخيل الصافية بعد الخصم الضريبي.
وهذا يعني، حسب المحلل الاقتصادي ناتي طوكر، أن العائلات الثرية في إسرائيل نجحت في زيادة مداخيلها، أكثر من باقي شرائح الجمهور، وهذا ما زاد من الفجوات الاقتصادية الاجتماعية.
كما يشير طوكر إلى أنه على الرغم من زيادة الضرائب على هذه الشريحة الأكثر ثراء، فإن هذا ليس بشكل متساو فيما بينها، إذ إن الواحد بالألف من الجمهور، الذين هم من بينهم شريحة الـ 1%، يدفعون ضرائب أقل من حيث النسب المئوية، من باقي من هم في عداد شريحة الـ 1%.
وفي سياق متصل، نشير إلى أن آخر تقرير رسمي عن الفقر في إسرائيل، صدر في نهاية العام الماضي 2023، عن العام الذي سبق 2022، أوضح أن هناك شبه استقرار في نسبة الفقر على مستوى الأفراد، وهي في حدود 21%، ومن المتوقع أن تكون هذه النسبة قد ارتفعت في النصف الثاني من العام الماضي، وفي العام الجاري، وذلك على ضوء ارتفاع كلفة المعيشة، والغلاء المستفحل، في حين أن الرواتب كانت شبه ثابتة، إذ إن ارتفاع الحد الأدنى من الأجر، في نيسان الماضي، لم يكن بمستوى نسبة الغلاء الأكبر على المواد الغذائية والحياتية الأساسية، وهي ضعفا نسبة الغلاء العامة، وتُعد بمثابة الصرف الأكبر للعائلات الفقيرة.
وقال تقرير الفقر إن نسبة الفقر العامة بين الأفراد 20.9%، وبين الأطفال 28.2%، وبين اليهود من دون الحريديم 11.3% في مقابل 11.6% في العام 2021، ولدى الحريديم هبطت نسبة الفقر إلى 39.5% في مقابل أكثر بقليل من 40% في العام 2021، وكذا بين أطفال الحريديم، هبطت نسبة الفقر إلى 46.7% في مقابل 47.3%.
أما بين العرب، فإن نسبة الفقر العامة بلغت 38.9%، في مقابل 38.8% في العام 2021، وقد بلغت بين الأطفال العرب 49.1% في مقابل 48.9% في العام 2021.