المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
يساهم قطاع السياحة بنسبة تتراوح بين 5% إلى 7% من حجم النمو الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي. (عن: واي نت)

قالت تقارير اقتصادية إسرائيلية في الأيام الأخيرة "إن الانهيار في السياحة الوافدة إلى إسرائيل غير مسبوق بحجمه منذ قيام الدولة" العام 1948، بفعل الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي منطقة الشمال؛ ففي النصف الأول من العام الجاري 2024، بلغ عدد السياح الوافدين نصف مليون سائح، في مقابل مليوني سائح وافد خلال الفترة نفسها من العام الماضي 2023، وهذا ينعكس على قطاعات واسعة، تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في قطاع السياحة، الذي يساهم بنسبة تتراوح ما بين 5% إلى 7% من حجم النمو الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي. وقال أحد التقارير إن 10% من الفنادق الإسرائيلية قد تضطر إلى إغلاق أبوابها كليا في العام المقبل 2025. ووصلت الأزمة إلى حد أن شركات تأمين عالمية، وخاصة أوروبية وأميركية، ترفض بيع بوليصات تأمين للمسافرين إلى إسرائيل.

وحينما يجري الحديث عن نصف مليون سائح، واستنادا إلى تقارير وإحصائيات عبر السنين، فبالإمكان الاستنتاج أن النسبة الأكبر من هؤلاء، هم إما أقارب مواطنين، أو سياحة دينية يهودية، ورغم ذلك، فإن العدد يشير إلى أنه حتى هذه الجزئية من السياحة قد تراجعت.

وعلى سبيل المثال، يقول تقرير مكتب الإحصاء المركزي إن عدد السياح الوافدين في شهر حزيران الماضي وحده، بلغ حوالى 96 ألف سائح وافد، مقابل حوالى 356 ألف سائح في الشهر نفسه من العام الماضي.

وكانت آخر مرّة سجلت فيها إسرائيل ذروة في السياحة الوافدة، في العام 2019، حينما بلغ عدد السياح الإجمالي 4.5 مليون سائح. ثم تلقت السياحة ضربة حادة، أسوة بباقي دول العالم، في العامين التاليين، بفعل جائحة كورونا، لكن بحسب التقارير الإسرائيلية، فإنه حتى في عامي ذروة الكورونا، لم تتدهور السياحة إلى هذا الحد.

وتراوح أعداد السياح الوافدين في العامين 2020 و2021 ما بين 1.8 إلى 2 مليون سائح، بمن فيهم ولربما معظمهم من السياحة اليهودية العائلية والدينية. وارتفعت السياحة في العام 2022، التي في نصفها الأولى كانت بقايا تأثير لجائحة كورونا، إلى 2.7 مليون سائح. 

وكان العام الماضي 2023 يوحي بأن السياحة ستسجل قفزة جدية، إذ بلغ عدد السياح في النصف الأول من ذلك العام مليوني سائح وافد، وكانت التقديرات تشير إلى أن العام الماضي سيسجل 3.9 مليون سائح، لكن توقف السياحة في الربع الأخير من العام الماضي، بفعل شن الحرب، جعل عدد السياح 3.1 مليون سائح، وغالبية الزيادة بعد النصف الأول كانت في الربع الثالث من العام (الأشهر الثلاثة التي سبقت شن الحرب، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي).

ومن مسببات انهيار السياحة الوافدة أن الحرب الدائرة في الجنوب والشمال، بخلاف ظروف مشابهة منذ العام 2006 وحتى الآن، أكثر تشعبا، والأهم هو طول مدتها غير المسبوق منذ 76 عاما. فالبلاد صغيرة نسبيا من ناحية جغرافية، والبنية التحتية السياحية تخرجها من قائمة "سياحة النقاهة"، إذ إن المحيط الأقرب والأبعد قليلا، بمعنى من اليونان وتركيا وقبرص ومصر، يعد ذا مواقع سياحة نقاهة، إلى جانب طابعها الأثري، وحتى أن الكلفة فيها للسائح أقل بفارق جدي عن النقاهة في إسرائيل.

ولهذا فإن السائح الأجنبي، خاصة من الوافدين لغرض السياحة الدينية، يعرف أن غالبية الأماكن باتت مغلقة في وجهه، خاصة من محيط بحيرة طبرية شمالا، وحتى القدس وبيت لحم. 

العامل الآخر البارز في انهيار السياحة بشكل عام هو السياحة الداخلية، بمعنى تجوال المواطنين في مناطق البلاد، والذين يشكلون النسبة الأعلى من إشغال الفنادق على أنواعها، وعلى الأغلب فإن المنطقة شبه الوحيدة التي بقيت فعّالة في السياحة هي منطقة البحر الميت، وهنا للتأكيد فقط من السياحة الداخلية وليست الوافدة.

وحسب تقرير مكتب الإحصاء المركزي، فإن قطاع السياحة الوافدة، يُعد القطاع الرابع في الصادرات الخدماتية، من حيث الحجم، وهو يحتل 10% من أماكن العمل في المناطق البعيدة عن مركز البلاد. ولهذا فإن اقتصاد العديد من المدن تشكل السياحة فيها مرتكزا أساسيا، مثل طبرية والناصرة وعكا، وأيضا القدس.

ويعمل في مكاتب السياحة الوافدة حوالى ألفي موظف، ضمن 150 شركة تقدم خدمات للسياح الوافدين، وغالبية هؤلاء معطّلون عن العمل. وفي المجمل العام، يعمل في قطاع السياحة المباشرة، من فنادق ومرافق وخدمات ومواصلات وغيرها، قرابة 200 ألف عامل وعاملة، وهؤلاء يشكلون تقريبا 4.5% من القوة العاملة في إسرائيل.

وحسب تقارير اقتصادية، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تقدم حتى الآن تعويضات ملائمة وحقيقية للمتضررين من أزمة السياحة.

ويقول يوسي فتال، المدير العام لاتحاد منظمي السياحة الوافدة، لموقع "واينت" الإخباري، التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "إن ما يثير دهشتنا وغضبنا، هو أن البيانات والحقائق التي تشير إلى أن قطاع السياحة الوافدة يمر بأعمق أزمة منذ إنشاء الدولة، فشلت في لفت انتباه وزارة المالية، وخطط عملها المستقبلية... إن سياسة إدارة الأزمات الحالية، التي تنتهجها وزارة المالية، والتي بموجبها يتوفر حل "بمقاس واحد يناسب الجميع"، ويناسب كافة قطاعات الاقتصاد، منفصلة عن الواقع والمنطق المهني السليم".

وتابع فتال: "تثبت الحقائق والبيانات أن السياحة الوافدة مهمة لاقتصاد إسرائيل، خاصة في المناطق البعيدة عن المركز، وهي رصيد استراتيجي لمكانة إسرائيل وصورتها في العالم، وفقا لوثائق مهنية أعدها معهد الأمن القومي. فبدلا من التجاهل ومطالبتنا بأن نكون جامعي الصدقات من الدولة، كان من المناسب إعلامنا رسميا بإغلاق القطاع السياحي، في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد. إن شكل إدارة الدولة تجاه قطاع السياحة الوافدة، لا يرتكز على المنطق المهني، وليس أخلاقيا، بل ويُعدّ حقيرا".

إلى جانب كل هذا، قال تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إنه في الشهرين الأخيرين تراكمت معلومات حول أن شركات تأمين سفر في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، تمتنع عن تقديم بوليصات تأمين للمسافرين إلى إسرائيل لغرض السياحة، ما يضع صعوبات أمام المعنيين بضمان تأمينات سفر على مختلف أنواعها، سواء أكانت تأمين السفر ذاته، أم التأمين الصحي وغيره.

وحسب مصادر الصحيفة، فإن وضعية السياحة في إسرائيل تخلق حالة من البلبلة لدى العديد من شركات التأمين، وبشكل خاص الشركات الأوروبية، لكن أيضا الأميركية، وقد وصلت الأزمة إلى حد أن سياحا ألغوا سفرهم إلى إسرائيل بسبب صعوبة تأمين سفرهم، إما لقلة الشركات التي تؤمن، أو لأن كلفة التأمين باتت أعلى من ذي قبل.

10% من الفنادق قد تغلق أبوابها نهائياً

وقال تقرير لاتحاد الفنادق الإسرائيلي، الذي يمثل 450 فندقا في جميع أنحاء البلاد، يعمل فيها مباشرة أكثر من 42 ألف عامل، إنه في النصف الأول من العام الجاري، بلغ إشغال الفنادق كلها، من ناحية السياح الوافدين إلى البلاد، 969 ألف ليلة، وهذا أقل بنسبة 84% من الفترة نفسها من العام الماضي 2023.

ويقول التقرير إن كل فنادق أقصى الشمال التي فيها مراكز إقامة سياحية قروية، معطّلة منذ 10 أشهر بشكل كامل كليا.

وبشكل عام، يقول التقرير إن 10% من إجمالي الفنادق الإسرائيلية تقف أمام "خطر إغلاق كامل"، في حين أن الكثير من الفنادق "هي على شفا انهيار كامل"، بحسب التعبير، الذي نقلته الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية.

وقالت المديرة العامة لاتحاد الفنادق الإسرائيلية سيفان دتاوكر، لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، "إن الحفاظ على قطاع السياحة هو مصلحة قومية، وعلى كل الجهات الرسمية ذات الصلة، العمل على عدم إغلاق هذه الفنادق"، ومنح حصانة حقيقية لهذا القطاع الذي "يعد كنزا استراتيجيا لدولة إسرائيل"، بحسب تعبيرها.

وتابعت دتاوكر تقول إنه منذ اندلاع الحرب، "فإن الفنادق الإسرائيلية كانت الأولى الماثلة في واجهة الجهد المدني، واستضافت آلاف الذين تم إخلاؤهم، وهو جهد مستمر حتى يومنا هذا، وفي المقابل فهي مطالبة بأن تبقى على جاهزية للنشاط واستضافة نزلاء الفنادق في واقع غير معقول، في فترة حرب، من دون أن يكون سياح، وفي وضعية يزيد فيه الوضع الأمني تعقيدا. ويضاف إلى كل هذا، النقص الحاد في الأيدي العاملة، وعدم وضوح إطلاقاً للمستقبل من الناحية الاقتصادية، كي يكون بقدرة هذه الفنادق أن تبقى جاهزة للمستقبل".

في المقابل، يقول تقرير وزارة السياحة الإسرائيلية إن عدد ليالي الإشغال في الفنادق الإسرائيلية، من الإسرائيليين، في النصف الأول من العام الجاري، بلغ 10.4 مليون ليلة، وهذه زيادة بنسبة 53% عن الفترة نفسها من العام الماضي، إلا أن كل الزيادة الحاصلة تعود إلى مبيت الذين تم إخلاؤهم من منطقتي الجنوب والشمال. وحسب التقرير، فإنه حتى الربع الأول من العام الجاري، غادرت الفنادق نسبة عالية ممن هم من سكان الجنوب، وانتقلوا إلى بلدات أخرى، بسكن شبه ثابت، ومنهم من عاد إلى بعض بلدات الجنوب، بقدر المتاح.

يذكر أن كل الأزمات السابقة، من حروب ومعارك حربية، وأيضا أزمة كورونا، أكدت أن قطاع السياحة أول المتضررين، وهو آخر قطاع يتعافى من آثار كل أزمة تندلع. وحينما تنقطع السياحة، فإن هذا يجر قطاعات أخرى ذات صلة، أولها شركات النقل البري، وبطبيعة الحال تسبقها شركات الطيران، لكن تلك ضربتها تكون جزئية نوعا ما، إذ أنها تنشط لخدمة السياحة الخارجة.

كذلك فإن المرافق السياحية تتأثر، ومعها قطاع الفنادق، وكل شركات تزويد الفنادق والمطاعم بأغذية ومعدات وغيرها، وهذا يجعل أعداد العاملين المتضررين أضعاف أعدادهم في الفنادق، وفي غالبيتهم الساحقة يتم إخراجهم إلى عُطل ليست مدفوعة الأجر، وبالتالي تتم إحالتهم لتلقي مخصصات البطالة من مؤسسة الضمان الاجتماعي، وبتمويل حكومي.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات