(*) ما زال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني يقضّ مضجع إسرائيل بعد خمسين عاماً على استشهاده الذي صادفت ذكراه في يوم 8 تموز الحالي.
وقد تجلّى الأمر، من بين وقائع عديدة، في سلوك إدارة المكتبة الوطنية الإسرائيلية التي سارعت إلى إصدار أمر بشطب "بوست" ظهر في صفحتها الناطقة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كتبه على ما يبدو موظف (عربي؟) توهم للحظة بسعة صدر الديمقراطية الإسرائيلية التي ما زالت تتواتر التقارير بشأن كونها ديمقراطية ظاهرية، جوفاء، وكان آخرها تقرير "زولات" الذي تقرأون مادة عنه في مكان آخر.
لدى التفاتة سريعة إلى وجهة النظر الإسرائيلية حيال زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط والتي شملت إسرائيل، ومدينة القدس الشرقية، ومدينة بيت لحم التي عقد فيها لقاءً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والمملكة العربية السعودية التي شارك خلالها في "قمة جدّة" بحضور زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الست وكل من مصر والأردن والعراق، ليس من العسير ملاحظة أن النتيجة الأهم، بالنسبة إليها، تمثلّت في توقيعه "إعلان القدس" للشراكة الاستراتيجية، سويةً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد.
حمل أول خطاب ليائير لبيد كرئيس للحكومة الإسرائيلية الانتقالية والذي ألقاه الليلة قبل الماضية، الكثير من الإيحاءات الدالة على فكره السياسي، وعلى ما يمكن أن يُضمره من المواقف التي تميّزه كزعيم لحزب وسط لا ينفك يؤكد ابتعاده عن اليسار وقربه من اليمين.
ومن هذه الإيحاءات أرى وجوب أن أشير إلى ما يلي:
أولاً، شدّد لبيد على أن إسرائيل دولة يهودية. وليس هذا فحسب، إنما أيضاً "هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، إلى جانب تشديده على أن "إقامتها لم تبدأ في العام 1948 بل تعود إلى يوم عبور نهر الأردن من جانب يهوشع بن نون وما قام به من ربط الشعب اليهودي ببلاده، وربط القومية اليهودية بالوطن الإسرائيلي إلى أبد الآبدين".
مع اقتراب موعد تعيين رئيس جديد لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، ظهرت في منابر إعلامية عدة مقالات وتحليلات تحاول تحليل ماهية الإرث الذي سيتركه وراءه الرئيس الحالي لهيئة الأركان، الجنرال أفيف كوخافي، وكان بينها مقالات جزمت بأنه إرث خطر ويُستحسن التخلّي عنه، لا سيما في كل ما يرتبط بالمواجهات العسكرية المقبلة، أو بالحروب التي قد تخوضها إسرائيل في المستقبل.
على الرغم من مرور أربعين عاماً على الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "حرب سلامة الجليل" وتحوّلت بعد العام 2006 لتصبح "حرب لبنان الأولى" (صادفت ذكراها في حزيران الحالي)، وعلى الرغم من صدور العديد من كتب حول تلك الحرب، فما زالت هناك معلومات جديدة تتعلق بها يُتاح لها إمكان النشر الآن، ولا سيما من أرشيفات الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، علماً بأنه لم يكن في مقدور المؤرخين البحث والتقصّي بشكلٍ حرّ في هذه الأرشيفات سوى بعد مرور عشرين عاماً على تلك الحرب.
بأصوات ما زالت قليلة، كي لا نقول معدودة، لكن شديدة الصفاء وبالغة الدلالة، تتواتر في إسرائيل في الآونة الأخيرة دعوة إلى التحرّر من العقيدة الصهيونية، بوصف ذلك الطريق الأنسب لمعالجة أهم أسباب استمرار الصراع مع الفلسطينيين، كما سنوضّح في سياق لاحق.
وهي دعوة أتت، بادئ ذي بدء، في الأعوام القليلة الفائتة، على خلفية سنّ "قانون القومية" الإسرائيلي في العام 2018، وتنامت أكثر فأكثر في ظل الأزمة الحكومية التي شهدتها إسرائيل تحت تأثير محاولات وضع حدّ لعهد حُكم بنيامين نتنياهو، وأسفرت في نهاية المطاف عن تأليف حكومة جديدة ضم ائتلافها لأول مرة حزباً عربيا- إسلامياً، ما أجّج مواقف عنصرية.
الصفحة 16 من 45