شكّل قيام الكنيست الإسرائيلي، يوم 9 كانون الثاني 2023، بإقرار مشروع قانون تمديد العمل بأنظمة الطوارئ التي تطبّق القانون الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية (والمعروف باسم قانون الأبارتهايد) بالقراءة الأولى، فرصةً لمزيد من توضيح ما لا ننفك نؤكده وهو أن الجدل المحتدم هذه الأيام، على خلفية تأليف الحكومة الأكثر تطرّفاً وتديناً في تاريخ إسرائيل، يخصّ بالأساس قضايا داخلية ولا ينطوي على خرق لتخوم شبه الإجماع حيال القضية الفلسطينية والموقف من الفلسطينيين في الداخل، وهو شبه إجماع يسم الأغلبية الساحقة من الأحزاب الإسرائيلية التي حظيت بتمثيل في الكنيست الحاليّ.
أعلن وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين (الليكود) يوم الأربعاء الماضي (4/1/2023) عن "خطة إصلاح" شاملة وواسعة النطاق ومثيرة للجدل بشأن النظام القانوني والمنظومة القضائية في إسرائيل، والتي في حال إقرارها، ستكون بمثابة أكثر التغييرات جذرية على الإطلاق في نظام الحكم في إسرائيل.ومن المتوقع أن تؤدي التغييرات التي حدّدها ليفين خلال مؤتمر صحافي في الكنيست، إلى الحدّ بشدّة من سلطة محكمة العدل العليا، وإلى منح الحكومة الإسرائيلية السيطرة على لجنة اختيار القضاة، وإلى الحدّ بشكل كبير من سلطة المستشارين القانونيين للحكومة والوزارات المختلفة.
مع انتقال المزيد من تفاصيل الاتفاقيات الائتلافية، التي جرى توقيعها بين حزب الليكود وحلفائه في الحكومة الإسرائيلية المقبلة التي ستكون السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، من غيابة الظلام إلى دائرة الضوء، ومن الغموض إلى الوضوح، يتبين أكثر فأكثر أن هذه الحكومة ستكون الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل، سواء بالنسبة إلى الاحتلال والاستيطان والقضية الفلسطينية، أو فيما يتعلق بالسياسة الداخلية.
بالرغم من التقديرات المتطابقة الذاهبة إلى أنه فور إعلان تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، التي ستكون السادسة برئاسة بنيامين نتنياهو، وستقتصر على تحالف حزب الليكود مع أحزاب اليمين المتشدّد، من تيارات الصهيونية الدينية، واليهود الحريديم المتشددين دينياً، ستشهد إسرائيل موجةً من الاحتجاجات الشعبية التي ستؤججها أحزاب المعارضة، فإنه واضح منذ الآن أن جلّ سيوف المعارضة ستكون مصلتة فوق السياسة الداخلية لهذه الحكومة، والتي أمسى من شبه المؤكد أن تصوّب سهامها ضد السلطة القضائية، وأن تسعى للمزيد من إجراءات تديين الحيّز العام، وتهويد جهاز التربية والتعليم ومناهج التدريس وما إلى ذلك.
ثمة مآخذ كثيرة على الاتفاقيات الائتلافية التي وقعها حزب الليكود مع أحزاب الصهيونية الدينية وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً ضمن سعيه لتأليف الحكومة الإسرائيلية المقبلة والتي من المتوقع إعلانها بعد أسبوع. وهي مآخذ طُرحت بقوة في سيلٍ لا ينقطع من التحليلات الإسرائيلية في الأيام القليلة الفائتة.
يكمن أحد أسباب تعزّز قوة قائمة تحالف "الصهيونية الدينية" في انتخابات الكنيست الـ 25 التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022، والتي تُرجمت في ارتفاع تمثيله إلى 14 مقعداً، وتحوّله إلى القوة البرلمانية الثالثة، في انتقال أغلبية مصوتي حزب "يمينا" إلى التصويت للتحالف المذكور. وقد وقف على رأس "يمينا" (في انتخابات الكنيست الـ 24) رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، الذي أعلن اعتزال الحياة السياسية بعد انتهاء توليه لمنصب رئيس الحكومة ونقل رئاسة الحزب إلى وزيرة الداخلية السابقة أييلت شاكيد، وكان الحزب ممثلاً في ذلك الكنيست بـ 7 مقاعد، ولكنه لم يتمكن في الانتخابات الأخيرة من تجاوز نسبة الحسم بالرغم من اندماجه ضمن حزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقاً) في تحالف واحد وقفت شاكيد على رأسه. وإننا إذ نسجّل هذا السبب فمن أجل الكشف عما يستتر وراء ظاهر المعنى من هذا الانتقال، ولا سيما في صفوف المعسكر السياسي- الحزبي المعروف باسم "الصهيونية الدينية"، والذي تنتمي إليه جميع الأحزاب المذكورة أعلاه.
الصفحة 15 من 48