تحليل للحملة الانتخابية الإسرائيلية الراهنة، بجميع أبعادها المحلية والإقليمية والدولية، وعرض للتصورات الخاصة بمستقبل الخريطة الحزبية والسياسية في إسرائيل، بعيد هذه الانتخابات التي تجري بموازاة حالة من الاضطراب على الساحتين، الفلسطينية والعراقية..
بقلم: وديع أبو نصار
1) الحملة الانتخابية بين الكراهية وغياب المصداقية
تتميز الحملة الانتخابية الإسرائيلية الراهنة بأمرين رئيسيين يجعلانها تختلف بصورة كبيرة عن سابقاتها وهما: استعمال الكراهية تجاه الخصم من جهة، والتركيز على كشف فضائح عن الخصوم واستثمار ذلك في الحملة الانتخابية من الجهة الأخرى.
ويعود تركيز غالبية الأحزاب والقوائم المشاركة في الانتخابات على هذين الأمرين لثلاثة أسباب رئيسية: أولها يعود إلى استمرار المواجهات الفلسطينية -الإسرائيلية من جهة، وثانيها زيادة التوتر في الشارع الإسرائيلي، وثالثها يأتي في تطور دور وسائل الإعلام في الحياة العامة الإسرائيلية.
- استمرار المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية:
في الوقت الذي يئس فيه غالبية الإسرائيليين من احتمال التوصل إلى حل، معتبرين أن الحل السياسي (المتمثل بقمة كامب ديفيد الفاشلة التي عقدت في العام 2000 بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك إيهود براك بمشاركة وحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كينتون) قد فشل، وأن الحل العسكري، الذي انتهجه إيهود براك ومن ثم أرئيل شارون، قد فشل هو أيضاً. لكن، وبالرغم من فشل الحل العسكري، إلا أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين ترغب بالانتقام من الفلسطينيين بسبب ما يسمونه بالعمليات الإرهابية الفلسطينية، بالذات تلك التي تقع في العمق الإسرائيلي. وبالتالي فإنهم يفضلون شارون على غيره، لأنه، وإن فشل في تحقيق السلام والأمن، إلا أنه "يعاقب الفلسطينيين ويحبس عرفات في المقاطعة."
- زيادة التوتر في الشارع الإسرائيلي:
استمرار الانتفاضة من جهة، والمواجهات التي حدثت في أوائل تشرين أول من العام 2000 بين القوات الإسرائيلية ومتظاهرين عرب من مواطني دولة إسرائيل والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة عشر مواطنا عربيا إضافة إلى جرح العشرات، من جهة اخرى، أثرت سلبا على العلاقات العربية - اليهودية في إسرائيل. كما أن بعض التصريحات التي نسبت إلى بعض القيادات العربية فيها، والتي فسرتها الصحافة العبرية وكأنها تحدٍّ لإسرائيل خاصة وللرأي العام اليهودي عامة، زادت من سيطرة حالة الكراهية على العلاقات بين العرب واليهود.
على صعيد آخر، فإن الأزمات التي شابت الحكومات الأخيرة، وبالذات مواصلة مطالب الأحزاب الدينية بميزانيات، في الوقت الذي تعاني فيه اسرائيل من أزمة اقتصادية خانقة، ساهم في احتدام حالة العداء بين العلمانيين والمتدينين، مما شكل العامل الرئيسي لتصاعد قوة حزب "شينوي" العلماني خلال الحملة الانتخابية الحالية.
- دور متعاظم لوسائل الإعلام:
مع دخول شبكة المعلومات المحوسبة (الانترنت) إلى مجال الصحافة، اشتدت حدة المنافسة بين وسائل الإعلام، بالذات في المجتمعات التي تتميز بهامش كبير نسبيا من الحرية الإعلامية، ومن بينها المجتمع الإسرائيلي. هذا التنافس الشرس من جهة، والمعلومات التي سربتها معظم الأطراف المتنافسة في الانتخابات الحالية من جهة أخرى، ساهما بتوسيع دائرة نشر معلومات غلب عليها طابع الكراهية والعداء وضرب المصداقية تجاه الأطراف المقصودة بالنشر. فمعظم المعلومات المنشورة تحوي قصصا عن فضائح واقتباسات تزيد من هوة العداء بين الأقطاب المتناحرة، مما يعمق حالة الكراهية والعداء ليس بين الساسة المحسوبين على الأطياف السياسية المختلفة فحسب، بل في صفوف الشعب على مختلف فئاته أيضا.
- الكراهية المتبادلة في الحملة الانتخابية
من الممكن تقسيم الحملة الانتخابية في إسرائيل إلى ثلاثة أنواع: الأول يشمل أولئك الذين ركزوا حملتهم على معاداة جهة ما من المجتمع ذاته، في حين من الممكن أن نحسب على هذا النوع كلا من الأحزاب الدينية وأحزاب اليمين المتشدد (بالأساس حزبا "حيروت" برئاسة عضو الكنيست ميخائيل كلاينر، ومعه باروخ مارزيل، زعيم حركة "كاخ" الذي ورث هذا المنصب من الحاخام العنصري مئير كاهانا، وحزب "الاتحاد الوطني - إسرائيل بيتنا" برئاسة عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان)، وكذلك حزب "شينوي" برئاسة عضة الكنيست يوسيف (طومي) لبيد. والثاني يشمل أولئك الذين انتقدوا الآخرين في حملتهم الانتخابية لكن دون قصد معاداة جزء معين من المجتمع الإسرائيلي. من الممكن أن نحسب على النوع الأول من الأحزاب كلا من "الليكود" و "العمل" و "ميرتس" و "يسرائيل بعلياه" (حزب المهاجرين الجدد الذي يرئسه نتان شيرانسكي) وغيرها من الأحزاب. أما الثالث فهي الأحزاب التي انتهجت انتقادات لاذعة وإن كانت غالبيتها لم تحدد أهدافا واضحة لها في صفوف الأحزاب المتنافسة، مكتفية بالعموميات، ومن الممكن أن نحسب على هذا النوع الأحزاب العربية بالأساس وحزب "عام إحاد" بزعامة عمير بيرتس. الأولى تضمنت دعاياتها انتقادات "للأحزاب الصهيونية،" والثاني تضمنت دعاياته انتقادات مبطنة لـ "الطبقة الغنية" بالأساس.
من هنا، فإن الصعيدين اللذين شملا أكثر قدر من معاني الكراهية كانا بالأساس الكراهية بين اليهود والعرب والكراهية بين العلمانيين والمتدينين.
أ) الكراهية بين اليهود والعرب
على الصعيد الأول، وجهت الكراهية ضد العرب بالأساس، مع أن هناك من يدعي أن بعض دعايات الأحزاب العربية شملت تصريحات فسرها بعض اليهود على أنها معادية لهم. إلا أن الكراهية الأساسية، وكما أسلفنا، كانت موجهة من أحزاب اليمين والأحزاب الدينية كافة نحو العرب. وما يميز هذه الأحزاب عن الأحزاب العربية، هو أنه في حال اقتصر نقد الأخيرة لرموز سياسية يهودية دينية ويمينية، فإن الأحزاب التي تهجمت على العرب لم تكتف بالتهجم على القيادات السياسية لهذه الفئة من المجتمع الإسرائيلي، بل شملت العديد من التصريحات التي استهدفت العرب كجماعة.
تجدر الإشارة على هذا الصعيد بأن من أحد بوادر الكراهية التي تتضح مؤخرا في برنامج حزب "شاس" الشرقي المتدين، بأن هذه هي الحملة الانتخابية الأولى للكنيست، منذ تأسيس هذا الحزب في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، التي لم يتوجه فيها إلى الناخبين العرب طلبا لأصواتهم. عدم توجه "شاس" للمصوتين العرب، إن دل على شيء فإنه يدل على الخط اليميني المتشدد الذي تبناه الحزب وبرز بوضوح خلال العامين المنصرمين. ويعزو البعض هذا التوجه اليميني إلى رغبة الزعيم الحالي للحزب، إيلي يشاي، بمواكبة التيار اليميني المتفشي في الشارع الديني اليهودي، بهدف كسب أكبر عدد من المقاعد للحزب، ليثبت جدارته بتولي زعامته، بالذات عقب خلافته لأريه درعي الذي ما زال وأنصاره يقفون له بالمرصاد.
ب) الكراهية بين العلمانيين والمتدينين
من الممكن تلخيص الكراهية على هذا الصعيد في الهجمات المتبادلة والشرسة التي خاضها حزب "شينوي" العلماني من جهة، وحزبا "شاس" و "يهدوت هتوراه" من الجهة الأخرى. ركز "شينوي" على أنه "يرغب بتخليص إسرائيل من اليهود "الحريديم" (الورعين)"، مدعيا أنهم يشكلون عبئا كبيرا على كاهل الدولة، بالذات لأن رجالهم لا يعملون بل "يصلّون" ولا يؤدون الخدمة العسكرية. أما "شاس" و "يهدوت هتوراه" فقد ركزا جهودهما لاقناع الناخبين بأن "شينوي"... "يدمر القيم اليهودية السامية التي على إسرائيل أن تحافظ عليها وتزيد تمسكا بها."
ما من شك أن حملات العداء والكراهية هذه ساهمت وستساهم على الأرجح في استقطاب آلاف المصوتين لهذه الأحزاب الثلاثة. وباعتقادنا فإن هذه الهجمات المتبادلة كانت (ولا تزال) أفضل وسيلة للأحزاب لتجنيد الأصوات من معسكراتهم. غير أن تأثير هذه الحملات والحملات التي شنتها معظم الأحزاب الدينية واليمينية على العرب سيكون له أيضا مردود سلبي على المجتمع الإسرائيلي، متمثلا بتعميق الهوة وزيادة حالة عدم الثقة بين الفئات المذكورة هنا داخل المجتمع الإسرائيلي.
2) ضرب متبادل للمصداقية والشرعية
أدى النشر المتواصل في وسائل الإعلام الإسرائيلية لقصص سلبية، أقل ما يقال عنها بأنها فضائح من الدرجة الأولى، حول العديد من القيادات السياسية، وبالذات رئيس الحكومة وزعيم حزب "الليكود" أرئيل شارون وزعيم حزب "العمل" عمرام متسناع، إلى ضرب مباشر ليس فقط لمصداقية زعيمي أكبر الأحزاب الإسرائيلية، بل ساهم بالمزيد من تردي مصداقية الساسة في إسرائيل بنظر الغالبية العظمى للمواطنين.
استهدفت الدعايات الانتخابية مصداقية ساسة الأطراف الغريمة، وهذا لم يقتصر على تبادل ضرب مصداقية قائد الحزب الآخر بين "الليكود" و "العمل"، بل ذهب ليشمل معظم الأحزاب والقوائم التي إن لم تتحدث في دعاياتها العلنية ضاربة شرعية زعيم حزب منافس، فقد أكثرت الحديث عن مثل هذه الأمور في الحلقات التي عقدتها في البيوت في جميع أنحاء اسرائيل. غير أن الاستهداف المباشر في هذا الصدد كان بالأساس بين "الليكود" و "العمل"، ومن قبلهما حزب "شينوي" الذي اتهم جميع الآخرين بعدم المصداقية، وفيما بين الأحزاب العربية وبين هذه الأحزاب و "الأحزاب الصهيونية"، وفيما بين "يهودت هتوراه" و "حيروت"، المتنافسين على أصوات المتدينين الأشكناز، وبين "يسرائيل بعلياه" و "الاتحاد الوطني – إسرائيل بيتنا"، المتنافسين بالأساس على أصوات المهاجرين الجدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي.
الأمر الشاذ البارز في هذا الصدد كان التفاهم المعلن بين حزبي "شاس" و "يهودت هتوراه"، اللذين اتفقا على عدم التنافس فيما بينهما على نفس المصوتين. اتفق على أن يقوم الأول بتجنيد مصوتين من صفوف اليهود المتدينين الشرقيين، في حين يقوم الثاني بتجنيد مصوتين من صفوف المتدينين الأشكناز، دون أن يتعرض أحدهما للآخر.
غير أن هذا الأمر لم يؤثر كثيرا على مصداقية أعضاء الكنيست المتدنية، حيث كان التأثير الغالب للانطباع السائد منذ عدة سنوات لدى المواطنين الذين لا يكنون التقدير، بغالبيتهم الساحقة، لساستهم. وفي دراسة اكاديمية في جامعة حيفا، نشرت خلاصتها في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (2003/1/15)، تبين أن 1.88 من أصل 5 مواطنين يثقون بأعضاء الكنيست وأن 1.95 من أصل 5 يثقون بالوزراء، في حين أن 3.85 من أصل 5 يثقون يجنود الجيش الإسرائيلي.
وفي استطلاع شبيه نشرته صحيفة "معريف" (2003/1/17) تبين أن الجيش الإسرائيلي يحظى بـ 81% من ثقة الإسرائيليين، في حين يحظى الساسة بثقة 17% فقط من المواطنين. علما أن الجيش حصل على أعلى نسبة والساسة على أدنى نسبة من بين الجهات المؤثرة على الحياة العامة في الدولة (كوسائل الإعلام والمحاكم والشرطة والنيابة العامة والمؤسسات الحكومية).
2) أسبوع مليء بالتحديات
دلت الاستطلاعات الأخيرة على أن نحو 20% من الإسرائيليين سيقررون لمن سيصوتون في يوم الانتخابات نفسه. ومع أنه يمكن المجادلة في صحة هذه النسبة المرتفعة، إلا أنه من الجدير الانتباه إلى أن حالة الاشمئزاز التي تعتري غالبية الشارع الإسرائيلي من ساسته هي التي تساهم بصورة مباشرة في حالة التخبط هذه لدى نسبة لا بأس بها من أصحاب حق الاقتراع.
يمكن لقضية "المترددين" هذه أن تؤثر لصالح هذا الحزب أو ذاك، لكن من المستبعد أن يؤثر ذلك على حسم الصراع بين معسكري اليمين واليسار، فالأمور تكاد تكون محسومة لصالح المعسكر الأول. ولا بأس من التذكير بأن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها في السنوات القليلة الماضية بأمرين رئيسيين، الأول هو سيطرة التيار اليميني، الأمر الذي يختلف كليا عن حالة شبه التكافؤ بين المعسكرين في المعارك الانتخابية التي شهدتها إسرائيل خلال الأعوام العشرة الماضية. أما الأمر الثاني فهو إلغاء طريقة الانتخابات المباشرة لرئاسة الحكومة، والتي كان قد عُمل بها في السنوات 1996 و1999 و2001 (انتخابات خاصة فقط لرئاسة الحكومة). هذان الأمران يقللان بشكل كبير من أهمية الأصوات "المترددة،" إذ أن الحسم بين المعسكرين واضح من جهة، ولا أحد يتكلم عن فوارق بسيطة في الأصوات بين المرشحين (على غرار ما حدث في العام 1996 عندما تنافس شمعون بيرس وبنيامين نتنياهو على رئاسة الحكومة، ففاز نتنياهو بفارق بسيط، ادعى بعض المحللين لاحقا أنه ناجم عن "مفاجأة الأصوات المترددة").
لذلك، فإن التحليل والشرح سيرتكزان هنا على أبرز التطورات والتحديات التي قد تجابه أبرز الأحزاب والقوائم المشاركة في الانتخابات خلال الأيام الأخيرة على الانتخابات، وهي ايام حاسمة بالتأكيد، إضافة إلى الحديث عن نسبة التصويت واحتمالات تأثير أي تدخل خارجي على نتائج هذه الانتخابات.
- التحدي الأكبر: نسبة المشاركة في الانتخابات
كما يبدو، فإن المصداقية المتدنية للساسة في إسرائيل من جهة واعتقاد العديد من المواطنين بأن أرئيل شارون سيعيد تشكيل حكومة شبيهة إلى حد ما بحكومته الحالية من جهة اخرى، قد تدفع الكثير من أصحاب حق الاقتراع إلى عدم التوجه إلى الصناديق في يوم الانتخابات. لذلك، فإن يبدو أن التحدي الأكبر في المعركة الانتخابية الحالية هو إلى أي مدى ستنجح بتحفيز أصحاب حق الاقتراع إلى الإفادة من حقهم هذا في يوم الانتخابات. هناك تقديرات كثيرة تشير الى ان نسبة المشاركة في الانتخابات قد تكون من أدنى النسب التي شهدتها إسرائيل منذ اقامتها (ما عدا الانتخابات الاستثنائية لرئاسة الحكومة التي جرت في العام 2001).
غير أن التحدي الرئيس بهذا الصدد يكمن في نسبة التصويت التي سيشهدها الوسط العربي في إسرائيل، حيث أفادت بعض الاستطلاعات التي نشرت في بعض وسائل الإعلام العربية قبل أسابيع بأن هذه النسبة قد تكون نحو 60% وهي أدنى بكثير عن معدلها في الانتخابات للكنيست والتي تراوح بين 75% و80% (ما عدا نسبة متدنية جدا وصلت إلى 23% في الانتخابات الاستثنائية لرئاسة الحكومة التي جرت في العام 2001). وتعود هذه التقديرات إلى حالة السخط التي تميز قطاعات واسعة من الجماهير العربية ضد المشاركة في الحياة السياسية في اسرائيل، إضافة إلى تأثير العاملين المذكورين أعلاه، وهما يؤثران سلبا على نسبة تصويت معظم فئات المجتمع الإسرائيلي.
- تأثيرات خارجية:
أ) الولايات المتحدة: بالرغم من ادعاءات الكثيرين بأن هنالك تدخلات ومساع خارجية تهدف التأثير على نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، إلا أننا نعتقد بأن تأثير هذه التدخلات محدود جدا. فالإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة جورج بوش الابن، ترى بأرئيل شارون حليفا لها، وحسب العديد من المصادر فإنها تفضله على عمرام متسناع "الغامض" بنظرها. وبما أن الإدارة الأمريكية مقتنعة بأن شارون سيشكل الحكومة المقبلة، فإنها لم تبذل جهودا حقيقية للتأثير على هذه الانتخابات، بعكس ما فعله الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عندما عمل جاهدا لمساعدة شمعون بيرس في انتخابات العام 1996، وفشل في تحقيق هدفه.
ب) أوروبا: بالرغم من استضافة رئيس الحكومة البريطاني، توني بلير، لزعيم حزب "العمل"، الأمر الذي فسر من قبل غالبية المعلقين الإسرائيليين كدعم بريطاني لمتسناع، إلا أننا نعتقد بأن الضيافة البريطانية أثرت سلبا على حظوظ مرشح "العمل" لرئاسة الحكومة في هذه الانتخابات، لكسب أصوات إضافية من اليهود في إسرائيل، نظرا لحالة العداء التي تغلب على معظم هؤلاء بكل ما يتعلق بجميع الدول الأوروبية.
ج) مصر والأردن: لا يمكن القول ان استضافة مصر والأردن مؤخرا لمرشحي حزب "ميرتس" اليساري سريد وبيلين ستؤثر كثيرا في تحسين فرص هذا الحزب، لذا نستبعد أن تزيد حظوظه بشكل كبير بسبب لقاءات القاهرة وعمان.
د) منظمة التحرير الفلسطينية: الجديد في هذه الانتخابات، والذي يختلف بصورة جوهرية عن الحملات الانتخابية التي جرت للكنيست خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة، هو موقف منظمة التحرير الفلسطينية عامة والسلطة الوطنية الفلسطينية خاصة، الذي انحصر في اتصالات محدودة، غير معلنة وبعيدة عن الاضواء، بعد أن كانت هذه الاتصالات علنية ومكثفة في الحملات الانتخابية للكنيست منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت القيادة الفلسطينية تهتم بصورة مباشرة بالعلاقات بين الأحزاب العربية الفاعلة في الساحة السياسية الإسرائيلية، وهناك من يعزو اليها التأثير في بعض الأحيان إلى درجة المساهمة في تسمية تركيبة بعض الأحزاب!
يبدو إن الانحسار الحالي في الدور الرسمي الفلسطيني في التأثير على الأحزاب العربية في إسرائيل يعود إلى إدراك القيادة الفلسطينية بأن أي تأثير مباشر لها قد يؤدي إلى رد فعل سلبي من جانب اسرائيل، التي تتهمهما بطبيعة الحال بالتدخل في الانتخابات الاسرائيلية، وقد يؤثر سلبا على الأحزاب العربية في لدى معظم اليهود في إسرائيل.
هـ) سوريا ولبنان: أمر جديد آخر تشهده الحملة الانتخابية الإسرائيلية الراهنة، لم تشهده أي من سابقاتها، هو التدخل الخارجي غير المباشر لصالح احزاب عربية في اسرائيل، مثل التجمع الوطني الديمقراطي ورئيسه هذا الدكتور عزمي بشارة، الذي يتمتع بعلاقة متميزة مع النظام السوري. لأول مرة يدعو جهارة تلفزيون يبث من دولة عربية (تلفزيون "المستقبل" الذي يملكه رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري) للتصويت لصالح حزب يتنافس للحصول على مقاعد في الكنيست الإسرائيلي. وقد بلغت ذروة هذا الدعم غير المسبوق عندما قام هذا التلفزيون بنقل بثه من بيروت إلى عمان مساء يوم (2003/1/21) ليمنح بشارة منصة إعلامية قبيل الانتخابات ضمن برنامج "خليك بالبيت" الذي يقدمه الإعلامي زاهي وهبة.
غير أن تأثير هذا الأمر على فرص "التجمع" في الانتخابات المقبولة قد يكون هامشيا. فمؤيدو "التجمع" ليسوا بحاجة إلى دعاية إضافية، والمناوئون له قد يستثمرون هذا البث التلفزيوني كحجة إضافية ضده.
- القوائم المشاركة في الانتخابات:
من المتوقع أن تستغل 27 قائمة مشاركة في الانتخابات الأيام القليلة المتبقية حتى موعد الاقتراع بمحاولة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من أصحاب حق الاقتراع الذين يبلغ عددهم 4,720,075. وبالرغم من هذا العدد الكبير من القوائم، إلا ان التوقعات تشير الى ان عدد القوائم في الكنيست المقبل لن يتعدى نصف هذا العدد.
هناك احزاب ممثلة في البرلمان الحالي واخرى جديدة ستحصل على تمثيل مضمون في الكنيست، ابرزها: الليكود، العمل، شينوي، ميرتس، شاس، يسرائيل بعلياه، يهدوت هتوراه، المفدال، الاتحاد الوطني - إسرائيل بيتنا، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة - الحركة العربية للتغيير، القائمة العربية الموحدة، التجمع الوطني الديمقراطي، حيروت، عام إحاد.
وهذه هي الصورة المرتسمة لأوضاع بعض الاحزاب عشية انتخابات 28 الجاري:
- الليكود
تشير جميع استطلاعات الرأي إلى أن "الليكود" سيكون الحزب الأكبر في الكنيست السادس عشر من جهة، والى ان النشر المتتالي عن فضائح شارون اخفق في ضرب مصداقية الحزب عامة وشارون خاصة، بالرغم من أن هذا النشر أدى إلى خسارته نحو عشرة مقاعد في الاستطلاعات. انصار "الليكود" باتوا مقتنعين بأن شارون هو الذي سيشكل الحكومة المقبلة، وبالتالي لا يريدون وضع أي تحد أمامه، بالذات بسبب كونه معروفا برغبته في الانتقام ممن يقف بطريقه. وحتى أولئك الوزراء غير المحسوبين على معسكره، مثل مئير شطريت (وزير العدل الحالي) وعوزي لندا (وزير الأمن الداخلي) وتسيبي ليفنه وداني نافيه (الوزيران بدون وزارة والمحسوبان على معسكر بنيامين نتنياهو)، والوزراء المهددين بعدم المشاركة في حكومة شارون المقبلة؛ حتى هؤلاء لا يجرؤون على تحدي شارون قبل الانتخابات خشية أن ينتقم منهم بعيد تشكيله الحكومة المقبلة.
وبالرغم من الفضائح التي اشتهر بها شارون في الآونة الأخيرة، إلا أن الصراعات الداخلية في حزب العمل، ساعدت الليكود على البقاء في الصدارة. لذلك، فإنه من الممكن الحديث عن عدم وجود تحديات جدية أمام شارون قبيل الانتخابات المقبلة، اللهم إلا في حال تفجرت فضيحة جديدة، يكون هو وولداه (عمري وجلعاد) من ابطالها.
- حزب العمل
مؤخرا أعلن عمرام متسناع، زعيم حزب العمل الإسرائيلي، رفضه المشاركة في حكومة وحدة وطنية يشكلها أرئيل شارون بعيد الانتخابات العامة المقبلة للكنيست. ويأتي إعلان متسناع هذا بعد فترة من التمهل، امتدت لبضعة أسابيع منذ قيام رئيس الحكومة الحالي، أرئيل شارون، بطرح هذا الاحتمال علنا على قيادة حزب العمل.
غير أن إعلان متسناع رفضه الانضواء تحت قيادة شارون في حكومة وحدة وطنية وطرحه احتمالا معاكسا يقضي بانضواء شارون وحزب "الليكود" تحت قيادة متسناع في حكومة وحدة وطنية، يأتي نتيجة لحسابات انتخابية، شأنه في ذلك شأن الأسباب التي كانت قد دفعت شارون إلى طرح فكرة الحكومة الوطنية على حزب "العمل". حيث أن موضوع حكومة الوحدة الوطنية يعد موضوعا جذابا لجزء كبير من اليهود في إسرائيل، بالذات أولئك الذين يتواجدون فكريا في مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية، والذين يشكلون هدفا سياسيا لكل من متسناع وشارون، اللذين يحاولان استقطاب أصواتهم في الانتخابات المقبلة. وتعود أهمية هذا الموضوع لقطاعات واسعة من الجمهور اليهودي الإسرائيلي لاعتقادهم بأن دولتهم تجابه تهديدا خارجيا متواصلا من العرب عامة والفلسطينيين خاصة، يقتضي ان يجابهوه موحدين.
إن دعم هذه القطاعات الواسعة لفكرة حكومة الوحدة الوطنية كان السبب الرئيس وراء تمهل متسناع قبل الإدلاء بتصريحه الأخير المعارض لهذه الفكرة. حيث اعتقد بعض مقربي متسناع بأن معركته الانتخابية يجب أن تشمل توجها لمركز الخريطة السياسية بهدف استقطاب مصوتين على حساب الأحزاب المتواجدة في وسط ووسط - يمين الخريطة السياسية الإسرائيلية. وهذا ما يفسر لنا تصريحات متسناع المعادية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التي كان زعيم العمل قد أطلقها قبل بضعة أسابيع، آملا استقطاب المزيد من الناخبين اليهود لدعمه في الانتخابات المقبلة.
لكن، وبعد فحص استغرق نحو أسبوعين، تبين لمتسناع أن احتمالات حصوله على أصوات من مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية ضئيلة، إما بسبب كونه محسوبا على اليسار الإسرائيلي من جهة وإما بسبب التنافس الكبير بين عدة أحزاب، وعلى رأسها "الليكود"، على أصوات اليهود المتواجدين في مركز الخريطة السياسية، من جهة اخرى، مما يقلل بشكل ملموس حظوظ حزب "العمل" بالحصول على أصوات من هذه الجهات.
لذلك، عاد متسناع ليصرح بما يريده أنصار اليسار الإسرائيلي، بما يعني بالأساس عدم الانضواء تحت قيادة شارون في حكومة وحدة، خاصة وأنه كان قد قاد حملته الشهيرة ضد زعيم العمل الأسبق بنيامين بن إليعيزر بسبب مشاركة الأخير في حكومة شارون. كما طرح متسناع فكرة تفضيل حزب "شينوي" العلماني على الأحزاب الدينية اليهودية، محاولا بذلك استرضاء المصوتين من اليهود العلمانيين، آملا أن يستقطبهم على حساب كل من "الليكود" و "شينوي" من جهة، ومحاولا صبغ أرئيل شارون بصبغة التحالف مع الأحزاب الدينية التي تعاني من تراجع كبير في شعبيتها.
إلا أن حزب "شينوي" فاجأ متسناع برفضه إمكانية التحالف، وذلك لأربعة أسباب رئيسية. فهذا الحزب يدرك أن متسناع معني أن يستقطب أصواتا من مؤيديه، وبالتالي فإن تحالفا معه يعني احتمال تحول بعض مصوتي هذا الحزب إلى حزب "العمل". كما أن "شينوي" يدرك أن فرص متسناع بتشكيل الحكومة المقبلة في إسرائيل ضئيلة جدا، و بالتالي هو لا يريد أن يعد نفسه على معسكر "الخاسرين." أضف إلى ذلك أن "شينوي" يدرك بأن العلاقات بين أرئيل شارون والأحزاب الدينية اليهودية تدهورت مؤخرا بالأساس بسبب رفض شارون الانصياع لمطالب هذه الأحزاب المادية، ومن ثم فإن "شينوي" يريد أن يطرح نفسه بديلا لهذه الأحزاب في الائتلاف الذي سيشكله شارون، على الأرجح، بعد الانتخابات العامة المقبلة. أما السبب الرابع لرفض "شينوي" التحالف مع متسناع فيعود إلى عدم رغبة هذا الحزب صبغ نفسه بالصبغة اليسارية، بل يريد الحفاظ على حالة من الغموض النسبي في توجهاته السياسية آملا تجنيد أكبر قدر من العلمانيين اليهود من شتى التيارات السياسية الفاعلة في الخريطة الحزبية الإسرائيلية.
أما الأحزاب العربية التي تحدث عنها متسناع مؤخرا كشريك محتمل في حكومة قد يشكلها، فإنها لم ترد بوضوح على عرض متسناع، بالأساس لانشغالها في وأد محاولات عناصر متنوعة في إسرائيل إخراجها من المشاركة في الانتخابات. لكن، ما من شك بأن طرح متسناع إزاء الأحزاب العربية هو طرح جريء، بما يعني ضمها بصورة كاملة للمشاركة بصورة فعالة في الحكومة الإسرائيلية، غير أن هنالك من يدعي بأن تصريحات متسناع هذه أتت لأنه مدرك بأنه لن يشكل الحكومة المقبلة، وبالتالي فإنه لم يكن جدياً في نواياه هذه.
من هنا، وبالرغم من تحركات متسناع الأخيرة التي يهدف من خلالها تحسين فرصه المتراجعة أصلا في تشكيل حكومة إسرائيل المقبلة، فإن متسناع الآن يريد بالأساس استقطاب كل صوت ممكن من أجل طرح نفسه بديلا لشارون ليس مباشرة بعيد الانتخابات المقبلة، بل لاعتقاده بأن فرص شارون على البقاء بزعامة حكومة يمينية مصغرة قد تكون ضئيلة، مما يعني أن متسناع قد يكون صاحب إمكانية لترؤس الحكومة الإسرائيلية في حال سقطت حكومة شارون اليمينية المقبلة.
غير أن التحدي الكبير الذي سيواجهه متسناع خلال الأسبوع المقبل هو إلى أي مدى سينجح في توحيد صفوف الحزب واقناع الناخبين بذلك، خاصة بعدمت نشرت صحيفة "معريف" (20/1/2003) خبرا مفاده أن أحد استطلاعات الرأي دل على احتمال تساوي "الليكود" و "العمل" في حال ترؤس شمعون بيرس الحزب!
التحديات أمام متسناع كبيرة، بالذات في الايام القليلة على الانتخابات، ويبقى السؤال المباشر الان ماذا سيكون عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب "العمل" في الأسبوع المقبل؟
- شينوي وميرتس
أعلنت قيادة حزب ميرتس العلماني - اليساري عن رغبتها بإعادة تسمية الحزب بعيد الانتخابات ليصبح اسمه: "الحزب الديموقراطي الاشتراكي،" مدعية أنها ترغب بذلك في توسيع إطار الحزب ليشمل نشطاء آخرين علاوة على نشطاء الحزب المحسوبين على التيار الصهيوني – العلماني - اليساري، وبخاصة بعض المستائين من حزب العمل وحتى من الأحزاب العربية من جهة، وبعض المستائين من الأحزاب الدينية ممن يبحثون حول عنوان علماني لهم.
كما يبدو، فإن المجموعة الثانية هي المستهدفة الرئيسة لإعلان "ميرتس" هذا، الذي يبغي منافسة حزب "شينوي" العلماني على أصوات هذه المجموعة، والتي تضم عدداً لا بأس به من العلمانيين اليهود الذين سئموا "سيطرة الأحزاب الدينية على معظم جوانب الحياة في الدولة"، كما يقولون. وفي الوقت الذي فشلت فيه "ميرتس" بتخطي المقاعد التسعة في استطلاعات الرأي التي تفحص التركيبة المحتملة للكنيست السادس عشر، فإن هذه الاستطلاعات تدل على أن حزب "شينوي" قد يحصل على نحو خمسة عشر مقعدا وربما أكثر، في حين أن لدى هذا الحزب الآن ستة مقاعد فقط، ولدى "ميرتس" عشرة مقاعد. هذا الوضع أثار حفيظة "ميرتس" دافعا قيادته إلى الاعلان بأن الحزب سيضم إلى صفوفه أطرا جديدة غير تلك اليسارية، محاولين بذلك الإفادة من تجربة "شينوي"، وإن كان ذلك في وقت متأخر بعض الشيء.
أدركت قيادة "ميرتس" أن السبب الرئيسي لنجاح حزب "شينوي" في استطلاعات الرأي يعود إلى عدم تبني هذا الحزب لموقف محدد فيما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، مكتفيا بالتركيز على عدائه للمتدينين اليهود من جهة والادعاء بأنه يمثل الطبقة الوسطى من جهة أخرى. فحزب "شينوي" أدرك منذ زمن بعيد ما أدركته قيادة "ميرتس" مؤخرا، وهو أنه لن يستطيع منافسة اليمين، لأن هنالك العديد من الأحزاب التي تتنافس على أصوات هذا التيار بدءا بـ "الليكود"، مرورا بحزبي "المفدال"، اليميني – المتدين، و "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، والذي يضم أيضا حزب "موليدت" اليميني المتطرف وانتهاءا بحزب "حيروت" بزعامة عضو الكنيست اليميني المتطرف ميخائيل كلاينر وعضوية باروخ مارزيل، من بقايا حركة "كاخ" اليمينية الدينية التي اشتهرت في العشرين عاما الماضية بمواقفها المتطرفة جدا تجاه العرب.
كما أن "شينوي" أدرك أنه بالإضافة إلى تعدد أحزاب اليسار (العمل و ميرتس والعربية)، فإن التيار اليساري لا يتمتع بشعبية واسعة في صفوف الإسرائيليين. لذلك، قررت قيادة هذا الحزب الاكتفاء بالحديث عن مناهضة الأحزاب الدينية والادعاء بتقديم التمثيل الأفضل للطبقة المتوسطة. هذه الضبابية في الموقف إزاء الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي يعد أبرز القضايا السياسية في المجتمع الإسرائيلي، ساعدت "شينوي" كثيرا في استقطاب أصوات من المصوتين المحسوبين على مركز ومركز - يمين الخريطة السياسية الإسرائيلية، إضافة إلى بضعة آلاف الأصوات من مركز - يسار هذه الخريطة، بالذات على حساب حزب العمل، الذي فشل زعيمه الجديد، عمرام متسناع، بنقله نحو إنجاز نوعي في الاستطلاعات.
جاءت "صحوة" ميرتس المتأخرة أيضا نتيجة لقناعة قيادته بأن احتمالات استقطاب مصوتين جددا على حساب الأحزاب العربية باتت ضئيلة، خاصة في ظل الاستقطاب القائم في المجتمع الإسرائيلي بين العرب واليهود من جهة وفي ظل التنافس الشرس فيما بين الأحزاب العربية على كل صوت في الشارع العربي من جهة اخرى. هذا الوضع، ساهم في دفع قيادة "ميرتس" لاتخاذ قرارها المتعلق بالإعلان عن الرغبة في إعادة تسمية الحزب، رغبة منها باستقطاب مصوتين اضافيين من بين اليهود في الاساس. لكن الاستطلاعات تقول ان احتمالات تأثير هذا التحرك على الناخبين ستكون محدودة جدا، وبالتالي فإن "ميرتس" سيستصعب الحفاظ على تمثيله الحالي في الكنيست (عشرة مقاعد)، وإذا ما حصل على مثل هذا التمثيل، فإن ذلك سيعتبر نجاحا بالنسبة للعديد من قادة هذه الحزب، وعلى رأسهم يوسي سريد.
على صعيد آخر، يقف "شينوي" أمام تحديين رئيسيين في الأيام القليلة المقبلة، وكلاهما يتعلق بمدى نجاحه باستقطاب أكبر قدر من المصوتين. فمن جهة، "شينوي" معني أن يزيد عدد مقاعده في الكنيست المقبل عن عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب "شاس" بالأساس، كما تطمح قيادته بأن تحصل على مقاعد يفوق عددها عدد مقاعد "شاس" و "يهدوت هتوراه" معا، لتطرح نفسها كبديل قوي لهذه الأحزاب الدينية المتزمتة. هناك دلائل كثيرة تقول ان "شينوي" سيحصل على مقاعد أكثر من "شاس"، لكن ليس بالضرورة أن ينجح بأن يحقق طموحه بالتفوق على الحزبين الدينيين المتزمتين المذكورين معا من حيث عدد المقاعد.
التحدي الثاني الذي طرحته قيادة "شينوي" امام نفسها هو أن يصبح حزبها الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد، بعد "الليكود". هذا الأمر متعلق إلى حد كبير بالتطورات التي سيشهدها حزب العمل خلال الأيام القليلة التي تسبق الانتخابات، مع اعتقادنا بأنه بالرغم من الأوضاع الصعبة التي يمر بها حزب العمل، إلا أنه ما زال من المستبعد أن يحصل على دعم جماهيري أقل من الدعم الذي سيحصل عليه "شينوي". لذلك، فإنه من الممكن القول بأن مفاجأة الانتخابات الرئيسية قد تكون في حال نجح "شينوي" فعلا في تخطي هذا التحدي والحصول على عدد أكبر من عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب العمل.
الجدير بالذكر أن "شينوي" نجح بصورة كبيرة في الحملة الانتخابية الحالية لأن جزءا كبيرا من المواطنين اليهود، بالأساس من العلمانيين الأشكناز المحسوبين على الطبقة الاجتماعية - الاقتصادية الوسطى، سئموا ساسة اليمين واليسار على حد سواء، مثلما سئموا التأثير القوي للأحزاب الدينية على معظم النواحي الحياتية في اسرائيل.
- الأحزاب العربية
إن التحدي الرئيس على الساحة العربية هو ذاك المتعلق بمصير "التحالف الوطني التقدمي" الذي يرئسه عضو الكنيست هاشم محاميد. ففي حين تشير جميع استطلاعات الرأي الى أن هذه القائمة لن تعبر نسبة الحسم، مازال محاميد يصر حتى اللحظة (مساء 2003/1/21) على خوض الانتخابات مدعيا بأنه متأكد من عبور نسبة الحسم.
من جهة أخرى، فإن القوائم الثلاث الأخرى (الجبهة الديمقراطية - العربية للتغيير، القائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديمقراطي) ستكون ممثلة على الأرجح بما لا يقل عن عشرة مقاعد. وتشير معظم التقديرات بأن كل حزب منها سيحصل على ثلاثة مقاعد، في حين ستكون المنافسة فيما بينها على المقعد الرابع، مع إمكانية حصول مفاجآت للسلب أو للإيجاب، وذلك مرتبط بنسبة التصويت لدى أصحاب حق الاقتراع العرب.
- أحزاب اليمين
تعد حركات وأحزاب اليمين محظوظة بعض الشيء بسبب تعاظم قوة التيار اليميني في إسرائيل خلال العامين الأخيرين، مما يعني أن هنالك احتمالا قويا لتزايد قوة معسكر اليمين في الكنيست المقبل.
الجدير بالذكر أن حزب "يسرائيل بعلياه" برئاسة نتان شيرانسكي، والذي حسب نفسه منذ تأسيسه على وسط الخريطة الحزبية في إسرائيل، قد تحول مؤخرا، بالذات خلال حملته الدعائية الأخيرة، نحو اليمين، بسبب تحول الكثير من مصوتيه المحتملين بهذا الاتجاه. وهو بذلك يرغب بالحفاظ، قدر المستطاع، على قوته (أربعة مقاعد في الكنيست) في مواجهة تعاظم الحزب المنافس "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي أسس شراكة مع حركات يمينية تسمي نفسها "الاتحاد الوطني"، مما جعله لا يستقطب فقط مصوتين من أوساط المهاجرين الجدد بل أيضا أصواتا من اليمين بشكل عام.
وتفيد بعض الاستطلاعات بأن نحو 40% من أصوات المهاجرين الروس الجدد ستذهب، على الأرجح، إلى حزبي شرانسكي وليبرمان بشكل متساو (22% لكل منهما)، في حين توقعت هذه الاستطلاعات أن يحصل "شينوي" على 13% و "العمل" على 5% و "ميرتس" على 2% من أصوات هؤلاء.
أما الحزب الوطني المتدين "المفدال" فإن هدفه الحصول على أكثر ستة مقاعد في الكنيست المقبل. إلا أن هذا الأمر ليس بالسهل، إما بسبب الخلافات الداخلية التي تمزقه من جهة، بالأساس بين تيار زعيم الحزب إيفي إيتام "المتشدد" وتيار الرجل الثاني في الحزب، زفولون أورليف "المعتدل"؛ وإما بسبب حدة التنافس بين هذا الحزب وأحزاب اليمين الأخرى على أصوات المستوطنين، الذين يعدون المصدر الرئيسي لأصوات هذا الحزب، بالذات مع احتدام التنافس الناجم عن دخول حزب "شاس" الشرقي المتدين حلبة التنافس على أصوات المستوطنين.
من جهة أخرى، فإن العديد من الاستطلاعات تشير إلى أن حزب "حيروت" اليميني المتشدد يتأرجح بين عدم عبور نسبة الحسم وبين الحصول على مقعدين في الكنيست (الفارق بسيط بين الأمرين ولا يتعدى بضعة آلاف من الأصوات). لذلك، فإن التحدي أمام هذا الحزب هو تجنيد أكبر قدر من الأصوات خلال الأيام القليلة المقبلة، حيث تشير التقديرات إلى أن هذا الحزب سيكثف جهوده لاستقطاب أصوات على حساب أحزاب اليمين الأخرى، بالذات "المفدال"، وعلى حساب حزب "يهدوت هتوراه" الأشكنازي الديني من الجهة الأخرى. وتدل التقديرات أيضا بأن حظوظ هذا الحزب بالحصول على مقعدين في الكنيست المقبل هي جيدة جدا.
- الأحزاب الدينية
اهم الأحزاب والقوائم الدينية التي تنافس على الحصول على مقعد في الكنيست السادس عشر هي: حزب شاس (السفارادي)، حزب يهدوت هتوراه (الأشكنازي)، حزب المفدال (الصهيوني - المتدين) وقائمة "اهفات يسرائيل" (محبة إسرائيل، ذات الصبغة الشرقية).
غير أن القائمة الأخيرة، كما يبدو، لن تجتاز نسبة الحسم، بالرغم من تبني الحاخام العجوز يتسحاق كدوري لها، الذي يبلغ قرابة المائة عام من العمر ويعد أبرز ملم في "القبالاه" (تفسير الغيب حسب التعاليم اليهودية) في إسرائيل. ويعود الاعتقاد بصدد عدم تمكن هذه القائمة اجتياز نسبة الحسم بالأساس إلى تراجع الزعيم الأسبق لحزب "شاس"، أريه درعي، عن دعمه لها ومعاودة توجيه دعمه لحزب "شاس"، عبر رسالة علنية تطالب أنصاره بعدم دعم بدائل، بل معاودة التصويت للحزب الذي يخضع لقيادة الحاخام عوفاديا يوسيف.
ويعود تراجع درعي هذا بسبب خشيته أن يتهم من طرف أنصار الزعيم الحالي لحزب "شاس"، إيلي يشاي، بعيد الانتخابات بأنه سبب تراجع عدد مقاعد الحزب في الكنيست الـ 16، وهو ما تتوقعه جميع استطلاعات الرأي، التي تشير بأن الحزب الذي يملك 17 مقعدا في الكنيست الحالي، سيخسر ما لا يقل عن خمسة مقاعد في الكنيست المقبل. كما أن درعي يخطط لطرح نفسه في المستقبل غير البعيد كزعيم روحي لجميع اليهود، من شرقيين وغربيين، وبالتالي فإنه ينتهج حاليا سياسة المهادنة وتجنب الدخول في مواجهات قد تؤثر سلبا على تحقيق حلمه هذا.
ما من شك في أن التحدي المشترك للأحزاب والقوائم الدينية يتمثل في حزب "شينوي" العلماني الذي يطرح نفسه كخصم شرس لها. وبالتالي، فإن حصول هذا الحزب على عدد كبير من المقاعد في الانتخابات التي ستجري في الأسبوع المقبل سيكون بمثابة تصويت معاد لما تمثله هذه القوائم والأحزاب من قيم دينية ومن طرق في العمل السياسي الإسرائيلي. لذلك، فإن جميع هذه الأحزاب تستهدف بصورة مباشرة حزب "شينوي" في دعايتها الانتخابية، مناشدة اليهود المتدينين، وحتى اليهود "الذين تهمهم يهودية الدولة" عدم التصويت له.
تحد مشترك آخر كامن في مواجهة أحزاب اليمين التي من المتوقع أن تستقطب جزءا لا بأس به من المتدينين اليهود، بحيث تشن الأحزاب الدينية حملة شعواء على أحزاب اليمين التي تغلب عليها الصبغة العلمانية مثل "الليكود" و "إسرائيل بيتنا"، الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة، وحزب "حيروت" الذي يتزعمه عضو الكنيست اليميني المتطرف ميخائيل كلاينر. فـ "الليكود" يُتهم بأنه لم يدرج أي مرشح متدين في مواقعه الواقعية في لائحته الانتخابية، و "إسرائيل بيتنا" متهم بمحاباة المهاجرين الجدد من دول الاتحاد السوفياتي، المتهمين من اليهود المتدينين بأن قسما كبيرا منهم ليسوا يهودا حقيقيين، بل إما يهودا علمانيين بعيدين عن تطبيق تعاليم اليهودية وإما مسيحيين ادعوا اليهودية لكي يستطيعوا الهروب من بلادهم واللجوء إلى إسرائيل. أما حزب "حيروت" فمتهم بأنه يبالغ بالتطرف يمينا، إلا أن هذا الحزب هو أكثر أحزاب اليمين تشكيلا لخطر مباشر على الأحزاب الدينية اليهودية وبالذات على حزب "يهدوت هتوراه" الأشكنازي.
ويعود تهديد حزب "حيروت" لحزب "يهدوت هتوراه" بالأساس إلى المرشح الثاني في قائمة "حيروت"، ألا وهو اليميني المتشدد باروخ مارزيل، الزعيم الأسبق لحركة "كاخ" ووريث مئير كاهانا. فمارزيل، ذو الأصل الأشكنازي، الذي يدعي التدين، دأب خلال الأشهر الأخيرة على زيارة كبار الحاخامات الأشكناز وتطمينهم بأنه وزملاءه في حيروت سينفذون جميع ما يأمرون به الحاخامات في القضايا ذات الأبعاد الدينية. إن مثل هذا الوعد من مارزيل وخلفيته المعادية للعرب جعلاه يحظى بترحيب واسع لدى الكثير من اليهود المتدينين الأشكناز، الذين يعدون المصوتين المحتملين لحزب "يهدوت هتوراه". أدى هذا الوضع إلى انعقاد اجتماع "تاريخي" لمعظم الحاخامات الأعضاء في ما يسمى "مجلس كبار التوراه"، بعد ما يربو على العشر سنوات من القطيعة والخصومة فيما بينهم. جاء هذا الاجتماع، الذي عقد مساء يوم الخميس (2003/1/16)، ليعلن دعم هؤلاء لحزب "يهدوت هتوراه"، الذي ينفذ أوامر الحاخامات من خلال عمله في الكنيست، في مواجهة حزب "حيروت" الذي يهدد باستقطاب آلاف الأصوات من مؤيديه.
- الأحزاب الأخرى
إن الحزب الذي من المؤكد أنه سيحصل على تمثيل في الكنيست المقبل ولم يذكر أعلاه هو حزب عام إحاد، ذا التوجه العمالي، برئاسة رئيس الهستدروت (نقابة العمال العامة) عمير بيرتس، حيث من المتوقع أن يحصل على 4-5 مقاعد. أما سائر القوائم الجديدة، فإن غالبيتها الساحقة، إن لم يكن كلها، لن تحصل على تمثيل في الكنيست المقبل.
3) ما بعد الانتخابات
ما من شك فإن السؤال الأساس الذي سينشغل به المهتمون في الشأن الإسرائيلي بُعيد الانتخابات الإسرائيلية هو ماهية الحكومة المقبلة، التي سيشكلها أرئيل شارون على الأرجح. من المتوقع الحديث عن عدة سيناريوهات من أبرزها: تشكيل حكومة يمينية مصغرة تضم أحزاب اليمين والأحزاب الدينية وربما "شينوي"، إلى جانب "الليكود"، أو تشكيل ما يسمى "بحكومة الوحدة الوطنية" بعضوية معظم الأحزاب ما عدا "ميرتس" والأحزاب العربية.
- المقاعد في الكنيست وصدام حسين يحسمان
من الممكن الحديث عن عاملين رئيسيين سيحسمان أمر الحكومة المقبلة وطبيعتها، أحدهما داخلي والآخر خارجي. العامل الداخلي يتعلق بعدد المقاعد التي سيحصل عليها كل من الأحزاب المشاركة في الانتخابات عامة، ويتعلق بالتحديد بمدى قدرة "العمل" و "ميرتس" والأحزاب العربية على استقطاب حزب "شينوي" ليقف معهم في "كتلة مانعة" لتشكيل حكومة برئاسة شارون. أما العامل الخارجي المنظور فهو بالأساس الأزمة في العراق واحتمال تطورها إلى حالة حرب، مما يعني احتمال تعرض إسرائيل لسقوط بعض الصواريخ العراقية.
أ) العامل الداخلي:
تفيد معظم الاستطلاعات بأن أحزاب اليمين والأحزاب الدينية قد تحصل على نحو ستين مقعداً في الكنيست المقبل، مما يعني أن احتمالات تشكيل حكومة يمينية مصغرة برئاسة أرئيل شارون قد تكون واردة (لأن تشكيلة الحكومة بحاجة إلى دعم ما لا يقل عن 61 عضوا في الكنيست)، غير أن هذا ليس ما يريده شارون. ولكي يستطيع حزب "العمل" منع شارون من تحقيق ذلك، عليه تجنيد ما لايقل عن ستين عضو كنيست معه، الأمر الذي يبدو صعبا للغاية حسب المعطيات الراهنة. حيث تدل بعض الاستطلاعات بأن ما يسمى بـ "معسكر اليسار" والذي يضم "العمل" و "ميرتس" والأحزاب العربية قد يحصل على نحو 40 مقعدا في الكنيست المقبل، مما يعني بأنه سيحتاج إلى دعم "شينوي" و "عام إحاد"، ليستطيع تشكيل "الكتلة المانعة" لمنع شارون من تشكيل حكومة برئاسته (شرط ان يحصل "شينوي" و "عام إحاد" معا على ما لايقل عن عشرين مقعدا). إلا أن هذين الحزبين يفضلان مجاراة الرأي العام اليميني السائد في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وبالتالي فإنه من الصعب رؤيتهما يساندان عمرام متسناع في مواجهة شارون.
لكن، بالمقابل، فإن أمام "شينوي" تحد كبير في حال قررت قيادته المشاركة في حكومة إلى جانب الأحزاب الدينية. لأن مثل هذه المشاركة قد تعني التخلي عن أهم مبادىء الحزب المتمثلة بمعاداة الأحزاب الدينية. كما أن الأحزاب الدينية لن توافق بسرعة على مثل هذه الشراكة مع "شينوي" ضمن حكومة واحدة. وبالتالي، فإن من قد يحسم الأمر لصالح أو ضد إقامة كتلة مانعة ضد شارون سيكون على الأرجح حزب "عام إحاد"، ومثل هذا الحسم سيعتمد بالأساس على ماهية الوعود التي سيتلقاها هذا الحزب من كل من أرئيل شارون وعمرام متسناع.
أرئيل شارون معني بتشكيل "حكومة وحدة وطنية"، ليس فقط لأن هذا هو مطلب غالبية الإسرائيليين اليهود (على عكس نسبة التأييد المتدنية في صفوف المواطنين العرب لمثل هذه التشكيلة الحكومية التي يرون فيها "حكومة شلل وطني")، بل بالأساس لأن حكومة موسعة تزيد من قدرة رئيس الحكومة على المناورة فيما بين الأحزاب السياسية العضو في الائتلاف الحاكم، مما يعني تخفيف الوزن السياسي لهذه الأحزاب لصالح رئيس الحكومة. من شأن حكومة مصغرة وضع رئيس الحكومة تحت رحمة هذا الحزب أو ذاك، أما الحكومة الموسعة فإنها تمنح رئيس الحكومة هامشا كبيرا من المناورة السياسية. أضف إلى ذلك، فإن حكومة "وحدة وطنية"، بالذات في حال مشاركة حزب العمل فيها، من شأنها منح شارون غطاءا دوليا ازاء انتقادات معظم الدول الأجنبية لسياساته تجاه الفلسطينيين.
لكن، بالإضافة للتحدي المذكور أعلاه بصدد مشاركة "شينوي" في حكومة واحدة إلى جانب الأحزاب الدينية، فإن التحدي الرئيس أمام تشكيل حكومة وحدة وطنية يكمن بالأساس في قدرة حزب العمل على تشكيل كتلة مانعة ضد شارون وفي عدد المقاعد التي سيحصل عليها هذا الحزب. إذا استطاع عمرام متسناع إقناع زملائه في الحزب بأنه قادر على تشكيل كتلة مانعة في الكنيست، فإن هذا الأمر قد يصعب إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن إذا فشل بذلك وحصل حزبه على أقل من 20-24 مقعدا، فإن ذلك قد يفسر كهزيمة له، وقد يفتح الطريق أمام مطالبته بالتنحي عن قيادة الحزب، مما يساهم في فتح الطريق أمام "العمل" للانضمام لحكومة برئاسة أرئيل شارون.
ب) العامل الخارجي:
تشير معظم التقديرات بأنه في حال تحولت الأزمة الراهنة في العراق من المواجهة الدبلوماسية بين العراق والولايات المتحدة إلى المواجهة العسكرية، فإن هذا الأمر سيكون ذا أثر مباشر على إسرائيل في مجالات عدة، ومن بينها المجال السياسي. إن وجود حالة حرب في منطقة الخليج ستساعد أرئيل شارون على إقناع حزب العمل و "شينوي" ايضا على الانضمام إلى ما قد يسمى "حكومة طوارىء وطنية"، مما يعني فتح الطريق أمامه للحصول على أكبر إجماع سياسي ممكن حول قيادته للحكومة الإسرائيلية. وكما يبدو، فإن هذا هو السيناريو الذي يطمح أرئيل شارون لتحقيقه خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
- تحديات عديدة في مواجهة شارون:
إلا أن التحديات التي سيواجهها شارون خلال الأسابيع المقبلة لن تقف عند حد قضية تشكيله لحكومة وحدة وطنية برئاسته. ومن المتوقع أن تواصل الصحافة الإسرائيلية متابعة الفضائح المختلفة التي تم الكشف عنها في الأسابيع الماضية، مثل قضية حصول ولديه (عمري وجلعاد) على قرض كبير من رجل الأعمال الجنوب أفريقي سيريل كيرن ومثل قضية الرشاوي في الانتخابات الداخلية لحزب "الليكود"، والتي تشير بعض الخيوط إلى احتمال تورط عمري شارون في بعضها.
أما التحدي الآخر الذي قد يواجهه شارون، بالذات في حال بقائه في سدة الحكم إلى ما بعد انتهاء الأزمة العراقية الراهنة (التي قد تطول)، فهو الضغط العربي المحتمل على الولايات المتحدة لتضغط بدورها على الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ بعض الانسحابات في الضفة الغربية وقطاع غزة، على الأقل بصورة تتماشى و "خريطة الطريق" التي وضعها الاتحاد الأوروبي والتي تم تعديلها مؤخرا في اجتماعات "الرباعية" (الأممم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي).
إضافة إلى ذلك، فإن هنالك من يجلس داخل "الليكود" منتظرا أن عثرة جديدة لشارون سواء في القضايا الداخلية أو على صعيد العلاقات مع الفلسطينيين، هو بنيامين نتنياهو، الذي يعد العدة لخلافة شارون. إن تعاظم قوة بنيامين نتنياهو وشعبيته قد يجبران شارون على تعيينه وزيرا في حكومته (على الأرجح وزيرا للخارجية)، لكن حالة عدم الثقة بين الاثنين ستستمر وقد تزيد في الأشهر المقبلة، بالذات إذا ما استثنى شارون – الذي يصر في أحاديثه على رغبته في تقليص عدد الوزراء في حكومته الى 18 وزيرا فقط، مما يعني تقليل حصة "الليكود" في الوزارات لصالحه شركائه في الائتلاف – بعض كبار "الليكوديين" المحسوبين على معسكر نتنياهو مثل تسيبي ليفني وداني نافيه - من المشاركة في حكومته.
- امتحان زعامة لمتسناع:
سيتعرض عمرام متسناع، زعيم حزب العمل، إلى امتحان زعامة قاس بُعيد الانتخابات العامة، بالذات في حال فشله في تشكيل كتلة مانعة في الكنيست في مواجهة حكومة محتملة برئاسة أرئيل شارون، وفي حال تراجع عدد مقاعد الحزب عن 22 مقعدا.
فمن جهة، هنالك الكثير من قادة الحزب الذين ينتظرون سقوطه وعلى رأسهم الزعيم الأسبق للحزب بنيامين بن إليعيزر، ومن جهة أخرى فإن عدد المقاعد يشكل تحديا مزدوجا لمتسناع. ففي حال تراجع الحزب عن 22 مقعدا، فإن هذا الأمر قد يُفسر كفشل لقيادة متسناع الذي سيتهم بعدم جلب أصوات جديدة للحزب. ومن جهة أخرى، فإن حصول الحزب على أقل من عشرين مقعدا، يعني احتمال خروج كلا من الممثلين غير اليهود (العربي المسلم غالب مجادلة في الموقع العشرين والعربي الدرزي صالح طريف في الموقع الحادي والعشرين) مما قد يشكل ضربة كبرى لحزب العمل، الذي تكاد نسبة العرب فيه تتعدى نسبتهم الإجمالية في صفوف سكان الدولة.
جانب آخر من امتحان الزعامة الذي سيتعرض له متسناع يكمن في قضية مشاركة أو عدم مشاركة حزب العمل في حكومة برئاسة أرئيل شارون. فإذا ما قاد متسناع حزبه للمشاركة في مثل هذه الحكومة، فستسمع الكثير من الأصوات التي ستتساءل عن الفرق بين متسناع وبن إليعيزر. أما إذا لم يشارك، فسينشغل في التصدي للعديد من الأصوات داخل حزبه التي ستواصل المطالبة بمثل هذه المشاركة من جهة، والعمل ضده داخليا من الجهة الأخرى. لذلك، فإن حدوث تطورات دراماتيكية على صعيد الأزمة العراقية قد يسهل الأمور أمام عمرام متسناع نحو قيادة حزبه للمشاركة في حكومة وحدة وطنية برئاسة أرئيل شارون.
إن أكبر خطر قد يتهدد متسناع يكمن في حال استطاع حزب "شينوي" التفوق على "العمل" من حيث عدد المقاعد. وبما أن نسبة "المترددين" عالية نسبيا (هنالك من يتحدث عن نحو 20% من أصحاب حق الاقتراع) وبما أم الفارق بين هذين الحزبين ليس بالكبير، فإن مثل هذه المفاجأة قد تعني القضاء على زعامة متسناع لحزب العمل.
- مستقبل ضبابي ينتظر شينوي:
على الرغم من كثافة الحديث بأن شينوي سيصبح الحزب الثالث في اسرائيل من حيث عدد المقاعد في الكنيست، ومن ثم من حيث الأهمية، إلا أن مستقبلا غامضا ينتظره. حيث أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه الحزب بعيد الانتخابات المقبلة هو إلى أي حكومة سينضم، اي مع من سيمضي من الشركاء المحتملين في الحكومة المقبلة، وهل يتنازل ليشارك في حكومة مع الأحزاب الدينية، أم يبقى في المعارضة. ففي كلتا الحالتين، سواء شارك في حكومة مع المتدينين أم بقي في المعارضة، سيظل خطر التفكك قائما بالأساس في حزب كبير نسبيا لا توجد عقيد سياسية متكاملة تربط أعضائه. أما احتمال النجاح الوحيد، وهو ضئيل حاليا، فهو تشكيل ما يسمى بالحكومة العلمانية بمشاركته إلى جانب كل من "الليكود" و "العمل"، غير أن هذا الاحتمال غير وارد حاليا لأن "الليكود" يفضل عدم خسارة علاقاته مع الأحزاب الدينية، ولأن متسناع لا يفضل الانضمام إلى حكومة تحت قيادة أرئيل شارون.
من هنا، فإن مستقبل شينوي غامض بعض الشيء، بالرغم من أنه سيكون على المدى القريب الفائز الرئيسي في الانتخابات للكنيست السادس عشر.
- الأحزاب الدينية
التحدي الأكبر الذي ستواجهه هذه الأحزاب سيكون بعيد الانتخابات المقبلة، وبالتحديد عند تشكيل الحكومة القادمة، حيث سيكون السؤال المركزي، والذي من شأنه تحديد مصير هذه الأحزاب، هو ماهية المناصب الوزارية التي قد تحصل عليها في الحكومة المقبلة. هذا الأمر سيتعتمد بالأساس على عدد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب، وعلى طبيعة الحكومة التي سيتم تشكيلها. وكلما زاد عدد مقاعدها زاد احتمال حصول هذه الأحزاب على عدد أكبر من المقاعد الوزارية، وفي حال تم تشكيل حكومة مصغرة سيزيد وزنها السياسي أيضا، أما في حال تشكيل ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية فإن تأثير هذه الأحزاب سيتضاءل بصورة ملموسة. كما أن التحدي يتمثل في مدى استعداد هذه الأحزاب للمشاركة في حكومة واحدة إلى جانب حزب "شينوي" العلماني، وهو أمر طالما رفضه الجانبان.
حزب "شاس" بقيادة إيلي يشاي سيكون أمامه تحد آخر هو الحفاظ على تدريجه الثالث في برلمان اسرائيل من حيث عدد المقاعد. وفي حال حصل "شينوي" على عدد مقاعد يفوق عدد مقاعده، فإن حزب "شاس" قد يدخل في المزيد من الصراعات الداخلية بين جناحي يشاي ودرعي، حيث من المتوقع ان يتهم الثاني الأول بالفشل، مما قد يزيد من احتدام الصراعات بينهما.
أما حزب "يهدوت هتوراه"، فإن التحدي الماثل أمامه يكمن في الحصول على ما لا يقل عن خمسة مقاعد في الكنيست المقبل، ليس فقط للحفاظ على وزنه بل أيضا لكي يتمكن يسرائيل أيخلر، المرشح الخامس، من دخول الكنيست. فأيخلر هذا يمثل مجموعة "بعلز" المحسوبة على التيار "الحسيدي" والتي تعد من أهم الجماعات الحسيدية في أوساط المتدينين اليهود، والتي لم تكن ممثلة في الكنيست السابق. وفي حال عدم دخول ممثلها للكنيست المقبل، فإن العديد من علامات الاستفهام قد تنتظر الشراكة بين الفئات الدينية الأشكنازية المشكلة لحزب "يهدوت هتوراه."
- الأحزاب العربية
هنالك العديد من التحديات التي ستجابه مستقبل الأحزاب العربية الفاعلة في إسرائيل. فبالإضافة إلى التحدي العام المتمثل بالحصول على أكبر قدر من أصوات الناخبين العرب، وعدم "حرق" أي من هذه الأصوات، فإن هنالك العديد من التحديات الخصوصية لهذه الأحزاب والقوائم.
أ) القائمة العربية الموحدة
السؤال الأكبر الذي سيناقشه البعض عند الحديث عن القائمة العربية الموحدة هو إلى أي مدى يسيطر الجناح "الجنوبي" للحركة الإسلامية في إسرائيل الذي يتزعمه الشيخ ابراهيم عبد الله صرصور (مقابل الجناح "الشمالي" الذي يتزعمه الشيخ رائد صلاح) على تركيبة هذه القائمة علما أن المرشحين الأول والثالث (عبد المالك دهامشة وسلمان أبو احمد) محسوبان على هذه الحركة، في حين أن الخلافات هي ما تميز العلاقات بين المرشح الثاني (طلب الصانع من الحزب الديمقراطي العربي) والمرشح الرابع (محمد حسن كنعان من الحزب القومي العربي الذي كان قد انشق عن الحزب الديمقراطي العربي).
كما أن قضية المقعد الرابع (محمد حسن كنعان) بشكل خاص وحصول هذه القائمة على عدد من المقاعد يفوق عدد المقاعد التي ستحصل عليها القوائم العربية الأخرى يشكل تحديا لها، لأنها تدعي الصدارة في قيادة الجماهير العربية في إسرائيل، خاصة بسبب فوزها في انتخابات الكنيست التي جرت في العام 1999 بخمسة مقاعد.
ب) الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة - الحركة العربية للتغيير
هنالك تحديان بارزان أمام قائمة الجبهة الديمقراطية - العربية للتغيير. فمن جهة، معظم الاستطلاعات تتحدث بأن هذه القائمة قد تحصل على ثلاثة مقاعد، مما يعني عدم دخول المرشح الرابع (اليهودي دوف حنين) إلى الكنيست، مما قد يشكل حالة من الصراع الداخلي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بالأساس بين التيار الشيوعي الذي عارض التحالف مع الحركة العربية للتغيير وبين التيار الذي يقوده عضو الكنيست محمد بركة.
أما التحدي الثاني فيكمن في السؤال: هل سيبقى التحالف بين الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير قائما لفترة طويلة، أم أنه قد يتعرض إلى الانفصال على غرار ما حدث بين رئيس العربية للتغيير، الدكتور أحمد طيبي الذي انشق عن القائمة التي جمعته والدكتور عزمي بشارة بُعيد انتخابات العام 1999. إن حدوث انفصال من هذا القبيل لن يكون فقط ضربة لمصداقية الدكتور طيبي، بل سيكون أيضا عبارة عن ضربة للموقع القيادي المتنفد لمحمد بركة في قيادة الجبهة الديمقراطية. الجدير بالذكر، أن معظم التقديرات تدل حاليا على أن هذا التحالف قد يعمر طويلا، بالأساس في حال نجح بالحصول على أربعة مقاعد، أما إذا حصل على أقل من ذلك، فإنه من المتوقع أن تعلو بعض الأصوات المنددة بالتحالف، بالذات من اتجاه الحزب الشيوعي، والتي ستدعي بأن التحالف مع قائمة الطيبي لم يجلب أصواتا للجبهة.
ج) التجمع الوطني الديمقراطي
إن التحدي الاساسي الذي سيواجهه هذا الحزب هو إلى أي مدى سينجح في مأسسة نفسه والعبور من مرحلة الزعيم الكاريزماتي (عزمي بشارة) إلى مرحلة حزب المؤسسات، بالذات بعد أن يحصل على مقعدين أو أكثر في الكنيست المقبل.
- "عام إحاد"
هذا الحزب، على رغم صغره النسبي (قد يحصل على 4-5 مقاعد) إلا أنه قد يلعب دورا حاسما بالأساس إذا ما حاول متسناع تشكيل كتلة مانعة لمواجهة شارون في الكنيست، لأن انضمامه لأي من المعسكرين قد يكون ذا تأثير مباشر على التشكيلة الحكومية المقبلة.
* الخاتمة
تدل معظم التقديرات على أن الحكومة المقبلة في إسرائيل ستكون برئاسة أرئيل شارون، زعيم حزب "الليكود"، وستكون – إلى حد كبير – شبيهة بالحكومة الحالية من حيث الأداء. أما تركيبة الحكومة المقبلة فستتعلق بالأساس على عدد المقاعد التي ستحصل عليها الأحزاب المشاركة في الانتخابات، وعلى التطورات في المواقف السياسية بالذات لزعماء "العمل" و "شينوي" و "عام إحاد". كما أن أي تطور دراماتيكي في الأزمة العراقية من شأنه التأثير تجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل.
لكن التطورات في العراق وتركيبة الحكومة المقبلة لن يؤديا بالضرورة إلى التوصل إلى حلول نهائية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني خاصة وللصراع الإسرائيلي - العربي عامة، لأن مثل هذه الحلول تتطلب موقف أمريكيا صارما وقيادة إسرائيلية مقدامة، وهذا ما لا نراه حاليا. لذلك، فإن التوقعات للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أن يستمر، بوتائر مختلفة صعودا وهبوطا، ما يبعد احتمالات حل دائم لهذا الصراع خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا إذا حدث تحول جذري في قيادات المنطقة، وعلى رأسها القيادتان الإسرائيلية والفلسطينية، إضافة إلى رئيس جديد في البيت الأبيض.
على الصعيد الداخلي، فإن الكراهية التي واصل العديد من ساسة إسرائيل زرعها خلال الحملة الانتخابية الأخيرة ستتأصل لدى الكثير من الإسرائيليين، مما قد يزيد حدة الخلافات داخل المجتمع الإسرائيلي بدلا من تقليلها. حيث من المتوقع أن تشهد العلاقات بين اليهود والعرب من جهة والعلاقات بين العلمانيين والمتدينين اليهود من الجهة الأخرى مزيدا من النفور، وإن كنا نرى أن التوتر في النوع الأول من العلاقات أقوى وأعقد منه في النوع الثاني.
ومن المتوقع أن تواصل مصداقية الساسة الإسرائيليين الانخفاض، ليس فقط بسبب فضائحهم المتتالية التي تنشر قصصها في وسائل الإعلام، بل بالأساس لقناعة الغالبية العظمى من المواطنين الإسرائيليين بأن جل هؤلاء يفضلون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة.
من هنا، يمكننا الحديث عن ثلاثة استنتاجات رئيسية:
1) من المستبعد أن تقدم الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بالذات إذا ما شكلها أرئيل شارون، على المضي قدما بالتوصل إلى حل دائم للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
2) الحكومة الإسرائيلية المقبلة ستواجه زعزعات عديدة، ومن المستصعب رؤيتها تصمد حتى موعد الانتخابات العامة المقبلة التي يجب أن تجري في العام 2007.
3) إن الحياة العامة في إسرائيل عامة والعلاقات فيما بين الفئات المختلفة من المواطنين وبين هذه الفئات وساستهم ستكون أسوء مما كانت عليه.