منذ بدايته، ارتهن نجاح المشروع الصهيوني بقدرته على التغلب على تنوع التواريخ والهويات اليهودية، ومصالح الجاليات اليهودية المتنوعة، كمواطنين في >بلادهم< وكمقيمين في الكون. التزمت التربية الصهيونية بتذويت عنفي لشخص جديد وهوية جمعية: اليهودي الجديد. إن على الصهيونية إسكات الاختلافات وبناء رواية موحدة، فريدة من نوعها، ومترابطة يمكنها تدمير أو ابتلاع التواريخ اليهودية والهويات والمعرفة والمصالح والمثل المحلية المتنوعة التي كانت غير مثمرة بالنسبة للمشروع الصهيوني، أو حتى تنفيه أو تهدده بشكل واضح.
بقلم: د. ايلان غور زئيف
كما هو الحال في أشكال أخرى من تطبيع التربية، المكرّس لبناء ذوات جمعية وإعادة انتاج عالمها الخاص بالبداهة، فإن تحطيم التنوع ونفي الآخر الخارجي والداخلي.. كان تقليدياً الهدف المركزي للتعليم الصهيوني. والآن، بعد أربعة أجيال، فقد تم الكشف عن جذور العنف الرمزي لتطبيع التعليم الصهيوني الذي كرّس الالتزام باسرائيل، والمعرفة، والادراك الناجح للمشروع الصهيوني العلماني على جبهتيه. على هاتين الجبهتين فإن تطبيع التربية الصهيوني التزم بكولونيالية >خارجية و>داخلية< ناجحة للروح اليهودية ولأرض فلسطين التي كان يتم تصويرها على أنها غير نقية ومنحرفة، أو على الأقل ميداناً يصعب الوصول إليه حيث أن طهارتها هي مسألة حياة أو موت الصهيونية.(1) بالطريقة ذاتها، رأى التعليم الصهيوني نفسه كقوة لا كولونيالية: صراع ثقافي لهدم الانحراف التاريخي. رأى نفسه كمصحح تاريخي (يعيد سيرة الأشياء إلى نظامها الطبيعي المقدس). ولأنه كذلك، كان لا بد أن يتضمن كل الاجراءات المطلوبة (المبرّرة) للعنف المضاد. في شكليها العلماني والديني، لا ترى الصهيونية نفسها عدوانية حتى حين تتورط حتى رأسها بمعارك ثقافية واجتماعية واقتصادية وعسكرية عنفية (2). إن تبرير العنف الصهيوني ضمن إطار الثيولوجيا السياسية المعلمنة سمح بنفي فعال لمجرد وجوده. إن عنف تطبيع التعليم وعنف أدواته في المحيط العام أصبح غير مرئي من خلال السيطرة الفعالة على أجهزة التمثيل (3). هكذا أصبح العنف الصهيوني إما غير معترف به، وغير مرئي، أو واضح، على أنه عنف مقدس وهو في حقيقة أمره يحافظ أو يناضل من أجل السلام الحقيقي.(4)
ورغم كل تنوعاتها، فإن الحركات الصهيونية العلمانية توصلت إلى مشاريع تربوية ضمن إطار الثيولوجيا السياسية المعلمنة (5). إن الغزو >غير الطبيعي< للغرائز اليهودية الحرة، والوعي، وامكانيات السيادة القومية من قبل القوى التأسيسية للمنفى تطلبت التطبيع المضاد: التطهير من خلال الصراع للروح الجمعية وتشكيل >اليهودي الجديد< بأي ثمن (6). ضمن الإطار نفسه وبقدر لا يقل إخلاصاً، فإن الاستيلاء على الأرض الأم من قبل الآخرين، تم تصويره على أنه فعل غير مبرر من العنف، كان من شأنه نقل آخر، غريب، غير أصيل لا هوية له على الأرض، مستبدلاً الأصيل، اليهودي. وحين تم ادراك بعض سمات الهوية الفلسطينية على الأرض بشكل ايجابي، كان ذلك على الدوام جزءاً من الاستشراق الرومانسي، وفي هذا الإطار تكون المصادر اليهودية والآباء هم أساس كل شيء أصيل ذي شأن لدى الفلسطينيين. هذا النوع من الاستشراق بعيد جداً عن الشكل الكولونيالي الذي يشير إليه إدوارد سعيد وأتباعه (7). بمواجهة هاتين الجبهتين بثيولوجيا سياسية معلمنة، كان التعليم الكولونيالي الصهيوني بعيداً عن المشروع الكولونيالي النموذجي بالمعنى الدارج لما بعد الكولونيالية. كان، على كل حال، كولونيالياً بمعنى أكثر عمقاً في جوهره: كان له طابع كولونيالي من حيث أنه يَسِمُ كل أشكال تطبيع التربية.
احتوى المشروع الصهيوني على مطالب متناقضة للثورة من جهة، وتحطيم انحراف تاريخي، من ناحية أخرى. على الجبهتين جوبهت التربية الصهيونية بمسألة الكولونيالية، وبالتحديد التغلب على التنوع، كمسألة حياة وموت (8).
فمنذ بدايتها، توقف نجاح المشروع الصهيوني على قدرته في التغلب على تنوع التواريخ والهويات اليهودية، ومصالح الجاليات اليهودية المتنوعة، كمواطنين في >بلادهم< وكمقيمين في الكون. التزمت التربية الصهيونية بتذويت عنفي لشخص جديد وهوية جمعية (9): اليهودي الجديد. إن على الصهيونية إسكات الاختلافات وبناء رواية موحدة، فريدة من نوعها، ومترابطة يمكنها تدمير أو ابتلاع التواريخ اليهودية والهويات والمعرفة والمصالح والمثل المحلية المتنوعة التي كانت غير مثمرة بالنسبة للمشروع الصهيوني، أو حتى تنفيه أو تهدده بشكل واضح (10). هكذا كانت مجموعات كثيرة وقوية من اليهود الاشتراكيين مثل البوند Bund (11)، ليبراليين من اليهود العلمانيين والمتدينين، ومعظم المؤسسة الأرثوذكسية المتدينة في أوروبا الشرقية (12). بالتأكيد، فإن المشروع الصهيوني لتطبيع التربية كان حيوياً وفعالاً، ومع ذلك ورغم العنف المنتج، فقد حقق نجاحا محدوداً فقط في تحطيم الهويات اليهودية المتنوعة والأيديولوجيات التي كانت تتنافس من أجل التأثير في العالم اليهودي ما قبل الحرب العالمية الثانية. على الجبهة النفسية - الثقافية، بقي الصهاينة أقلية حتى الهولوكست (13). إن ذلك يعود إلى الأحداث التاريخية والوضعية السياسية للمشروع. ولكن، من أين جاءت هذه الطاقة الكامنة لوضعية تطبيع التربية؟ لقد جاءت من منافسها الذي لم يتم التخلي عنه نهائياً ذات يوم، الروح الإنسانية، أو من اللانهائية في انفتاح الوجود (14). التي تجعل من التربية المضادة إمكانية مفتوحة متأصلة، بصرف النظر عن كفاءة التربية التطبيعية المهيمنة.
إن قوام الرواية التاريخية المهيمنة التي يمكن أن تخدم الأهداف الصهيونية تطلبت ترابطاً وفرادة في الرواية المهيمنة. تم تحقيق ذلك من خلال الأطر الثيولوجية لتدريس التاريخ، وحصلت على عناوين مثل >من الشتات إلى الخلاص< أو >الهولوكوست والتحرر< (15). وتم تأسيس التراتب التاريخي على أنقاض الذاكرة المحلية المتنوعة التي مثلت آخرية الآخر وسمحت بإعادة بناء هوياتها المتنوعة ورواياتها ومصالحها وتربيتها التطبيعية البديلة، وكذلك عنفها والتزامها باستعمار وتدمير آخرية الآخر.
إن بناء هذا التراتب ضمن رواية ثيولوجية أدرك علمانية الثيولوجيا السياسية اليهودية كهدم أساسي ومنهجي للواقع المتعدد ثقافياً. لقد تم توجيهها لتحمي من السلبي واليومي والهامشي، الحقيقة الأساسية هول الرسالة اليهودية الملحة والمخفية في التاريخ. هذا الموقف واضح تماماً بكلمات ديفيد بن غوريون حين بدأ قوله فيما يتعلق بفرادة هدف دولة إسرائيل:
>الشعب اليهودي ليس كياناً قومياً موحداً فقط. إنه يضم في داخله إرادة خاصة: إرادة روحية أخلاقية، وقد سكن رؤية تاريخية عبر كل وجود الشعب اليهودي< (16).
بقي التأريخ الصهيوني ضمن إطار الثيولوجيا، ومع ذلك فقد تمت علمنته. ولأنه كذلك فقد مثّل موقعاً لتفسير الواقع الكوني وسمح بفهم العودة اليهودية إلى التاريخ، مواجهاً لعبة النفوذ من ناحية، ومتفهماً متطلباته الخاصة كالتاريخ اليهودي من ناحية أخرى. وطبقاً للتيارات المسيطرة في التأريخ الصهيوني، فإن التاريخ اليهودي في الشتات يجب تمثيله على أنه أساساً تاريخ تراجيديات ومآسٍ وتمييز ودمار (17). المؤرخون الصهاينة من أمثال بن تصيون دينور أسرعوا في كتابة المناهج المناسبة حتى حين عرفوا أن الحياة اليهودية رغم أنها كانت مقموعة عملياً إلا أنها كانت محتملة نسبياً في البلاد المختلفة، أو حتى مزدهرة في سياق الزمن والمكان. مع ذلك، كان اليهود على الدوام تقريباً هم الآخر بالمقارنة مع المسيحيين، وإلى حد ما مع المسلمين أيضاً، طيلة معظم تاريخهم، وان الشر الذي وقع عليهم بنائياً ومنهجياً وبشكل واضح كان حقيقياً وتم تحمله عدة قرون. أثناء ذلك الوقت كان موقفهم إزاء أرض إسرائيل والرب لا ينفصل، وجزءاً لا يتجزأ من الهوية اليهودية والدين اليهودي. إن مقولة >العام القادم في القدس< كانت عنصراً تكوينياً في دستورهم كيهود حتى حين كانت الإشارة إلى قدس السماء.
التزمت التأريخية الصهيونية ذات الطابع التأسيسي بتمثيل الجوهري والمخفي والمصير المشترك والرسالة وسط وفوق الخلافات الظاهرة في التواريخ اليهودية المختلفة. كان المؤشر الأساسي، الجوهري، المشترك، والمخفي يُفترض أن يكون العنصر ذا العلاقة والمركزي (18). إن الأساسية الفلسفية، التي تُرجمت بنجاح إلى إثنية مركزية سياسية عدائية جعلت من الممكن خلق نهايات تربوية: >اليهودي الجديد<. بهذا المعنى، هناك خلفية مشتركة أساساً بين المشاريع الصهيونية المتنوعة كالمُثل الاشتراكية المتمثلة >بالريادي الصهيوني< وصابرا (اليهودي المولود في إسرائيل) والجندي الإسرائيلي، والرسالة التصحيحية لليمين السياسي لإعطاء حياة >لجنس >إسرائيلي< يفرض نفسه، كريم، وقاسٍ<. إن >وجود علم واحد<(19) حسب زئيف جابوتنسكي وأتباعه، و>بناء دولة< حسب بن غوريون(20)، رغم خلافاتها المهمة، توحدت في نهاية الأمر، في التزامها لسن العنف الفعال والفوري الذي سيعطي الولادة للجنس اليهودي الجديد على أنقاض التنوع الغني والتعددية والاختلافات اليهودية. فقط على تلك الأنقاض أو من خلال تلخيصها في رواية صهيونية موحدة كان الهدف اليهودي الأساسي والمخفي، والمفترض به أن يحقق بديلاً إسرائيلياً روحياً واجتماعياً وسياسياً للعقلية والوجود والأهداف اليهودية في الشتات.
بعد قرن من الصهيونية، وأكثر من نصف قرن على وجود دولة إسرائيل، بقيت قضية التعدد الثقافي مركزية بالنسبة للتربية في إسرائيل وفي نقد التربية التطبيقية الإسرائيلية. واليوم، فإن حيوية التربية الصهيونية قد تآكلت، وأن العنف الداخلي والخارجي لإسرائيل قد تأسس على مجموعة من الأساطير الجديدة مما يمثل واقعاً جديداً، وأهدافها مختلفة تماماً عن أهداف الآباء المؤسسين.
في إسرائيل اليوم فإن الخطاب بين الجاليات المختلفة وبين الثقافات المختلفة هو خطاب عنفي واضح (21). وتبعاً لذلك، فإن التوازن بين الاحتمالات المختلفة ومحدوديتها وطبيعتها يحدد من خلال مظاهر مرئية مباشرة ووحشية من القوة بين الأيديولوجيات المتنافسة والجمعيات. مع ذلك، فإن العنف ضمن كل جمعية منافسة ومشروع اجتماعي ثقافي يبقى غير مرئي وليس له اسم.
إن الميدان الاسرائيلي الحالي عالق بين توجهين يبدوان متناقضين. الأول هو العولمة وتكوين واقع أحادي البعد. هنا تظهر طبقة الأشكناز الوسطى واندماجها ضمن عالم رأسمالي، وتأقلم مع التكنولوجيا المتطورة، وتغيرات في موقف المعرفة التي تسمح بهذا التطور وتعكس إمكانيات تحقيقه. بين هذه التغيرات على المرء أن يذكر طرق النقل الحرة والتخزين والتوزيع واستهلاك المعلومات الإلكترونية التي لا توقفها حدود قومية أو رقابة أو بعد غير تجاري (22). ضمن هذه التطورات الكونية فإن أداتية المعرفة (23) لها أهمية هائلة للهويات والاحتمالات ومحدودية المستخدمين ووكلاء هذا النظام العالمي. إنهم وكلاؤه وضحاياه في الوقت ذاته، ولأنه كذلك يلعب دوراً حاسماً في التطور الرأسمالي الراهن. اليوم يبدو من غير العقلاني مجادلة المنطق الداخلي للإنترنت (24) أو قوانين السوق الرأسمالية، والحداثة، وما بعد الحداثة، والسابقين على الحداثة، كلهم محكومون بمصير الرأسمالية وتحقيق العقلانية الأداتية. هذه العملية تفتح امكانات جديدة (25) وواقع جديد من التنوع والتعددية والفردانية، ومع ذلك فإن كل هذه يجب ادراكه فقط ضمن الشروط التي يفرضها هذا اللاّمعنى.
هذا التوجه يلاقي بعداً قومياً ذا مركزية إثنية ومتطرفاً دينياً. في الواقع المحلي لما بعد الحداثة، نواجه تغذية متبادلة للانغلاق الروحي لعالم الأساطير، مثل الحاخام كدوري >عميد الكباليين< ورجل سِحْر، >الأبراكادايورا<، والاستغلال السياسي، والبعد الواحد الذي لا يحمل أي معنى لعالم تمثيل الإعلام للأساطير وأبطال الثقافة مثل البليونير (تاجر السلاح العالمي) شاؤول آيزنبرغ أو موديل جديد من سيارات مرسيدس بنز. مع بعضها، تعمل كل هذه كدعائم مركزية لصناعة الثقافة الاسرائيلية التي يستثنى منها العديد من الجماعات والثقافات. أي من هذه الميادين الثقافية ليس له مكان للموضوعات الاستقلالية أو التأمل، أو التسامي أو الديمقراطية. يتم استغلال الأسطورة بنجاح للسيطرة على >القدس< الحالية وتل أبيب: ما قبل الحداثة وما بعدها. بإمكان المرء أن يثبت الأرضية المشتركة وأوجه الشبه بين هذه الأعضاء المختلفة التي تسيطر على الرموز والأساطير وهويات الشعوب، والمعرفة، والمحدوديات السياسية. في بعض الحالات هناك شبه بنائي في الطقوس، واستعادة الأرواح، و>الأمور الغامضة< والمعجزات. ضمن صناعة الثقافة الاسرائىلية هناك شبه مهم بين أساليب التوزيع والاستهلاك الشبيه بالسلعة. إنها متحدة في هدمها للاستقلالية والفرادة المتمثلة في الفرد. في الميدانين، يتأسس النجاح الروحي على سيطرة خارجية، خارقة للعقل وغير إنسانية، وهي في حد ذاتها سلعة كأية سلعة في السوق الرأسمالية المتطورة.
إن الدمج بين ما قبل الحداثي (وما هو ضد الحداثي) مع ما بعد الحداثي فيما يتعلق بغيبائية الواقع هو جزء مهم ومثمر في صناعة إسرائيل للشر. يظهر ذلك في السيطرة على، وتمثيل، واستهلال المواقف للفلسطينيين ولتركيبة الواقع الأكثر سلاماً، أو في التوجه نحو الجماعات الاجتماعية الضعيفة التي تتطلع إلى التضامن والاعتراف والمساواة، والنفوذ الذاتي و>التجانس والانسجام والعدل والسلام<. في إسرائيل، المناداة التي يطلقها الهامشيون من أجل >العدل< أو >السلام< ليست أقل عنفاً من دعوة الجهة المسيطرة. إنه تنافس بين أنواع من العنف، ولأن تطبيع التربية فعال بما فيه الكفاية في كل الشبكات الانتاجية الجمعية. مسألة العدل أو إمكانية الصراع من أجل الخير بطريقة غير عنيفة أو كموقف إنساني نحو العالم، وهو ليس مجرد تمثيل لعلاقات نفوذ ليس لها معنى (فهو ينتج معاني وموضوعات وقيم وعصيّا ياردية، وعنفاً مضاداً) تبدو مركزية جداً هنا. يجب الإجابة عليها في سياق إمكانية التربية المضادة، التي هي ليست مجرد تمثيل للعنف المضاد. أثناء ذلك، يجب علينا تطوير وصف الأسباب التي دعت إلى التخلي عن اليهودية اللاّعنفية، الإنسانية - المسيحية كموقف تربوي مضاد وممكن في إسرائيل. أحد الأسباب هو أن مبدأ السيطرة هو الحاكم النهائي في الميدان الاجتماعي الاسرائيلي، حيث أدائية المعرفة، الرأسمالية، والسيطرة الواعية الخارجية على العنف العسكري والسياسي والرمزي هي الأداة المثالية والهدف.
تحت الظروف الراهنة هناك تحول تاريخي حيث انتاج وإعادة انتاج الأساطير والسيطرة على المعرفة، والهوية، والوعي، والمحدوديات السياسية تحركت من نطاق المؤسسات الأيديولوجية - السياسية إلى مجال النفوذ الأكثر تطوراً، وهذا المجال أقل شفافية إزاء النقد والمقاومة والبديل. إن مجرد احتمالية وأهمية نظرية نقدية للمجتمع يتم تحدّيها من قبل الإنسانيين والمفكرين التقدميين الذين تأثروا بـ الريك بِك وفكرة >الحداثة الثانية<(26) إلى جانب مفكري ما بعد الحداثة الذين تأثروا بـ هيدغر وجاك دريدا. التربية الحقيقية (بمعنى الانتاج والسيطرة للجهاز الإدراكي، المعرفة، الوعي، وإمكانيات الوظيفة الاجتماعية) تتحول ضمن مستوى أعلى من التعقيد. لا المعلم في المدرسة ولا العائلة هما العنصر الأهم في الوعي، أو التشكيل أو السيطرة (27). اليوم، عنف منطق قوانين النظام وأنماطه هي مكوّن تربوي ذو علاقة. الرأسمالية القديمة تستبدل التكوين المعرفي بتمثيل ايجابي يبرز اليوم إلى أداة بحد ذاتها (28). يصبح ضحايا النظام أكثر المعجبين به والأكثر انتاجية وولاءً. يظهر ذلك بوضوح في وسائل الإعلام: المرحلة السابقة لصناعة الثقافة أخذت على عاتقها وطلبت سلبية الرعية؛ المرحلة الحالية تطالب بالمشاركة الايجابية للرعية. نتيجة لذلك، وبدلاً من صناعة ثقافة مغروسة في المنطق الكلي للبث الإذاعي المركزي، جعلت التجارب الجمالية التي يمكن انتاجها مادية، وكذلك التقبل السلبي للقيم والاحتياجات المولودة في الإعلام؛ اللحظة التاريخية الراهنة تتطلب انتاجاً فردياً مهنياً (زائفاً)، ووسائل اتصال عبر الإنترنت، وتحرير أفلام فيديو من الصناعية الذاتية أو البيئية، وصناعات حقيقية تعطي الوهم بأن هناك اتصالاً إعلامياً غير مركزي، وتكويناً ذاتياً فردياً أو جماعياً (29). أن تنظيم الذات والديناميات ضمن الشبكات الإسرائيلية المتصارعة والمكملة بعضها بعض يتم تنظيمها من خلال لا - أسس ومن خلال >احتياجات السوق< دون مركز شفاف من الاهتمامات، الهدف، أو المعنى. ومن خلال مشاركة ضحاياها، فإنها تخترق عبر وسائل الإعلام وخطوط أخرى نفسية وعي الأفراد والجماعات وتحدد لهم الإمكانيات الاجتماعية والحدود والأهداف.
إن التوجه القومي - الديني المتمركز حول الإثنية يختلف أساساً عن التوجه الرأسمالي العولمي وعن غزو العقلانية الأدائية (ومظاهرها التكنولوجية والاقتصادية والثقافية) في كل مستويات وأبعاد الحياة. على أية حال، فإن القومية الدينية المتطرفة المتمركزة حول الإثنية تتحالف محلياً ومؤقتاً مع تيار الأدائية الكاملة للعالم الإنساني. إن الدمج الإسرائيلي الراهن بين التيارين يوازيه تكوين ثقافي واجتماعي كانتوني سريع التحلل السياسي، بينما تتم المحافظة على الأطر الدستورية الاسرائيلية، كي يتم ابتلاع ذلك اللوياثان (وحش بحري يرمز إلى الشر في الكتاب المقدس) من الداخل. ضمن هذا التيار، فإن مؤسسات تعليمية مستقلة مثل Hahinuch haatzmai و Maayan hahinukh hatorani والشبكات الدينية الحكومية تستغل الامكانيات الراهنة: وهي امكانيات فُتحت أمامها في عهد هدم الروح الصهيونية العلمانية من أجل إدخال قيم وروح(30) يهودية مروجة ذاتياً بكفاءة، وهذه سوق تضمن في نهاية الأمر التركيب السلامي للحكم الديني اليهودي (31). بعض التيارات داخل النهايات اليهودية هذه تعد/ وتنادي بالسيطرة الناجحة على العالم العربي أو حتى كل المحيط الأرضي، لأن ذلك سوف يطهّر بكفاءة العالم الداخلي اليهودي ويحميه من الروح الليبرالية الخارجية أو أية تهديدات غربية أخرى.
إن أزمة المعاصرة وتهديد الامكانيات الاقتصادية والتكنولوجية لنجاحات المعاصرة تعمل في الظرف الراهن، كوقود بالغ الفعالية بالنسبة للبناء القائم وتقوية التيارات ضد المعاصرة، ولتشكيل تربية سلطوية، ضد - ديمقراطية وضد - إنسانية تهدف إلى خلق بديل سياسي رائق، كلي، من الروحانية يحل محل النظام الحالي. وكجزء من أزمة المعاصرة، فإن الظروف ما بعد الحداثية الجديدة تعيد توزيع رأس المال وتساعد (بشكل عارض) المهمّشين (فيما تعمق اتكالهم) بموازاة تحلل الرفاه الذي تقدمه الدولة. إن الرؤية التربوية الثيوقراطية اليهودية يجب أن تجد معارضة في الواقع حيث يعيش مئات ألوف العمال الأجانب تحت المستويات الإنسانية للخدمات الاجتماعية الاسرائيلية، وحقوق الإنسان، والاحترام البشري، والجدل العام. هذا إذا لم تذكر مئات ألوف العمال الفلسطينيين الذين إما يتم السماح لهم بالعمل في إسرائيل تحت ظروف التمييز، وتتم إهانتهم وقمعهم منهجياً، أو لا يسمح لهم بالعمل حتى تحت تلك الشروط. إنهم يُتركون دون مصادر في مناطقهم التي منعت على مدى ثلاثة عقود من تطوير أية امكانيات اقتصادية مستقلة. كان ذلك من أجل تعزيز وظيفتهم كعمالة رخيصة وأسرى للسوق الإسرائيلية وكمكان للعيش للمستوطنين اليهود المؤمنين الذين يمثلون روّاد اليوم، يبنون ويحمون ما يعتقدون بحق أنه وطنهم كتحقيق للثيولوجيا السياسية الصهيونية. إنهم يصارعون ضد ما يرونه استعماراً فلسطينياً تحت ظروف وجودية وسياسية واقتصادية بالغة الصعوبة، ويظهرون نفوذ التربية التطبيعية بطريقة تتحدى التطبيق الساذج للنظرية الاستشراقية ضد-الغربية.
إن أزمة العصرنة تنعكس إلى جنب وضمن هذا المشروع. إنها موجودة في ردود فعل القطاع الديني ضد القطاع العلماني وهويته، حياته اليومية، وأهدافه، وتربيته. ضمن هذه العملية، فإن التربية الدينية، حتى الشبكة التربوية الدينية للدولة، تهاجم المُثل والمؤسسات >الغربية< للدولة، دون مواجهة مقاومة جدية. لذلك، فإن الهجوم ليس على التوجهات الإنسانية والفردية والتعددية، بل حتى المحاكم، خاصة محكمة العدل العليا الاسرائيلية. في الوقت ذاته، بعض هذه القوى تستخدم وسائل الاتصال ما بعد الحداثية، والأساليب التقليدية لمدح الطقوس الوثنية، وبالاسم، الممارسات السحرية لقتل الناس المكروهين، كتلك التي تم تنفيذها قبل القتل الحقيقي لرئيس الوزراء الأسبق اسحاق رابين. إن الشعوذة الدينية الشعبية الرابينيكية المستخدمة من أجل الخير الشخصي والثروة وللنجاح السياسي الجمعي، تنتشر بسرعة. إن ردود الفعل على أزمة العصرنة، كما أكدنا سابقاً، لا تنحصر في تلك القطاعات من المجتمع الاسرائيلي التي أُحضرت أو استغلت للهجرة بين عشية وضحاها من مجتمع ما قبل عصري إلى مجتمع عصري في عهد أزمة. على أية حال، فإن قطاعات كبيرة من هذه الجماعات تستغل من قبل نظام تربوي وسياسي للالتحاق ببديل لا زيف فيه، ضد - حداثي على شكل ثيوقراطية يهودية. هذا المشروع يتحقق سياسياً وتربوياً باستخدام الأدوات الاقتصادية والإدارية للدولة من أجل استبدالها بكيانية غير ديمقراطية، ضد إنسانية وروحية، وراء عالم السياسة وتتخطى التاريخ، وتدخل عالم الخلاص. رد الفعل اليهودي الأرثوذكسي هذا يضم رفضاً لئيماً لليهودية المحافظة والإصلاحية. إنها موازية لنهضة إسلامية متطرفة حول وداخل اسرائيل، تناضل من أجل تحقيق رفضها للإنسانية. ومن أجل تحقيق بديلها الروحي الكلي لأزمة العصرنة الخاص بها، فإنها تبحث عن بناء ثيوقراطية إسلامية لاستعادة فلسطين، وفي مرحلة نهائية كل العالم العربي والعالم بأسره. كلتا الحالتين من الثيوقراطية تتحدان في مركزيتهما الإثنية ونظرية التربية العنفية والتطبيق، من ناحية، ومن خلال قبولهما للرأسمالية والتكنولوجيا الغربية من ناحية أخرى. لذلك، نعتقد أن قضية الواقع المتعدد ثقافياً والخطاب المتعدد يجب تحديهما من خلال ادراك هذه التيارات ومواجهتها.
إن شبكة التربية الحكومية الإسرائيلية تنفي على الدوام الطبيعة المتعددة ثقافياً للميدان الاسرائيلي، حتى حين تتم مساءلة مجرد تبرير إسرائيلية هذا الميدان. اليوم، بمواجهة ذوبان الروح الصهيونية العلمانية، فإن ذلك يتم السماح به فقط من خلال عدم المبالاة والجهد والدوغماتية فيما يتعلق بالجديد والتوجهات الأدائية الوظيفية في معظم أبعاد ومستويات الحياة. إن شبكة التربية الحكومية المسيطرة تغذي البلاغة الأيديولوجية القائمة على >البوتقة< و >وحدة اسرائيل< فيما تمثل في حقيقة الأمر مصالح جديدة، مثل مصالح رابطة صناعيي اسرائيل، والموضات العالمية المنشورة عن طريق وسائل الإعلام.
وتعتبر التعددية الثقافية والتربية على درجة كبيرة من الأهمية حالياً في سياقين؛ الأول: أنهما تهديد لمجرد بقاء دنيا شعبية ومجتمع مدني أو لمجرد وجود دولة اسرائيل كمشروع صهيوني حديث. الثاني: هو التعددية الثقافية في الساحة الاسرائيلية الداخلية (32).
في هذا الفصل نشير بشكل أساسي للسياق الأول، أي.. امكانية تشكيل مجال حرّ وعقلاني ومفتوح للناس، حيث يسمح لكل شخص المشاركة في بناء قواعد الخطاب الشعبي في اتخاذ القرار فيما يتعلق باحتياجات الفرد والجماعات وطرق رعاية وتطوير وتغيير الهويات والمصالح والإمكانيات للتعايش ضمن وبين المجموعات المختلفة. إن التربية من أجل الخلق والمشاركة والتطوير وتغيير المناخ الشعبي وخطابه هي القضية المركزية هنا. في هذا السياق، فإن التربية في المجال الشعبي مهملة تماماً في اسرائيل. أهمية هذه المسألة ظاهرة من خلال الواقع العلماني الاسرائيلي حيث التقاليد الإنسانية قد تآكلت بعمق كثمن للنجاح الصهيوني من ناحية، وعن طريق التعددية التي تسارعت بسبب التكنولوجيا المتطورة والسريعة، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذهنية، من ناحية أخرى.
إن المجتمع الاسرائيلي اليهودي اليوم عرضة لكانتونية ثقافية وسياسية دينامية. ما يزيد من حدة الأمر نحو المركزية الإثنية، والانغلاق الثقافي والسياسي، والتخلي عن الالتزام بأي نوع من الخير العام أو أي مؤشر مشترك مثل الرواية العالية أو الدستور أو أنماط السلوك المدني التي يقبلها الجميع (33). هذا التوجه يعكس رفضاً متصلباً لبناء أو الاعتراف بأرضية مشتركة مع آخرين وآخريتهم، حتى لو كان ذلك جزئياً، ومؤقتاً، ومشروطاً. إن ذلك يوازي رفض معظم الجماعات للاعتراف بشرعية أية قوانين وأنظمة وأهداف للخطاب في المجال الشعبي، رغم أن ذلك يدمر مجرد وجود مجال شعبي يعكس ويبني التوافق والفهم وسط الخلافات والتنوع. هذا الواقع يختلف كثيراً عن ذلك المتخيل من قبل بعض المفكرين المتفائلين من تيار ما بعد الحداثة، الذين يؤمنون بالطاقات الراديكالية الديمقراطية للمصادفة، والاختلاف والمركزية الإثنية كبديل للنموذج الغربي الليبرالي (34).
ضمن شبكة حيث الديناميات تصبح أقوى، فإن الديمقراطية ليست قيمة، وقانون الدولة أو أية مسؤولية بين جمعية أو فوق جمعية لا يتم قبولها كشيء يستحق الدفاع عنه أو تطويره أو تحقيقه. وحتى القوانين العامة غير الرسمية للمجال الشعبي، أو ما يدعى أحياناً >لباقة<، أو تحقيق الأمور العملية للخطاب الديمقراطي، يتم إدراكها في أفضل الحالات كتكتيك مفيد، استغلال، أو استسلام مؤقت نكد لموقف تاريخي غير شرعي وكريه من أجل التغلب عليه. مثل هذا الموقف ليس غريباً على أية مجموعة في المجتمع الاسرائيلي المعاصر. على أية حال، بين مجموعات محددة تصبح أيديولوجية، ويتم الاعلان عنها بوضوح، على سبيل المثال، بين فلسطينيين متطرفين دينياً ويهود من قطاعات مختلفة. ومهما يكن من أمر، فإنها كواقع غير مشكّل أيديولوجياً، وتحديداً كعقلية جمعية، تعتبر أكثر السمات انتشاراً بين معظم الاسرائيليين. هذه العقلية المشتركة من عدم القانونية والتخلي عن المسؤولية الإنسانية نحو الآخر تظهر في المثال الاسرائيلي الذي يرفض كون المرء أخاً كهنوتياً (35). إن المجموعات الانفصالية الرئيسية، وهم الفلسطينيون واليهود الشرقيون، ومعظم اليهود المهاجرين من آسيا والمناطق الآسيوية في الاتحاد السوفييتي سابقاً، والعمال الأجانب، يعانون من ظروف مؤسفة مشتركة. هذه المجموعات تنمو ديمغرافيا، وتعيش جغرافيا على الحواف، بمستوى متدنٍ من الدخل، وفرص تعليمية فقيرة ومعدل بطالة مرتفعاً. لهذا، فإنها نسبياً مستغلة بسهولة من قبل النظام الاسرائيلي عموماً، وسياسياً من قبل المتطرفين دينياً واليمين المتطرف، كما تثبت نتائج الانتخابات العامة الأخيرة (36).
التربية المضادة، الملتزمة بالتكوين والتسامي لمناخ له توجه إنساني عام، يجب أن تتحدى هذا الواقع ليس على مستوى فكري من إثارة الوعي فقط، بل كقضية سياسية من الظروف الحقيقية للحياة. يجب أن يكون ذلك جزءاً من صراعها لخلق مناخ ديمقراطي عام لا يتم فيه تدمير الهويات والمصالح والآراء المتصارعة بعنف. بدلاً من ذلك، يجب التعبير عنها ومناقشتها أو إحداث تغيير ما (جزئياً على الأقل) لمصلحة كل شخص، وليس من أجل >المصلحة العامة< كما يقول الأقوى. هنا، تكون >الأنا< الأخلاقية والتزامها بالآخرية والانفتاح وإلى لانهائية من التسامي الإنساني متلاقية مع >هُمْ< المعنوية. إن حضور الهوّة بين >هم< المعنوية (أي التحقيق العقلاني للمسؤوليات نحو الآخريّة ضمن >الأنا<) وأخلاقية >الأنا< والآخرية كتهديد يعطي فسحة للأمل. إن الأمل يفتح لنا نور اليوتوبيا. ضمن إطار >الأنا< الأخلاقية، فإن هذه يوتوبيا حيث يتم ادراك حرية نسبية ومساواة وانفتاح كطريقة عقلانية وتضامنية في الحياة. على التربية المضادة أن تحقق هذا المشروع كيوتوبيا ملموسة، ولهذا فهي ليست فكرة تعديلية وحسب: إنها أيضاً جزء من التطبيق الحقيقي للنفي والتسامي عن النظام الراهن للأشياء (37).
إن التربية المضادة تنفي المثالية، لكنها لا تنفي كل أشكال النظريات العامة، الكونية، والتسامي. في الوقت ذاته، فإنها تعترف بحيوية التنوع وشرعية الاختلاف، وأهمية التناقضات والخلافات. إن هذا جزء من فهمها للحوار(38)، واعترافها بالآخر، ومركزية التضامن، والقدرات الكامنة في الحب، وامكانيات العمل المشترك بين ووسط الاختلافات، أو على الأقل الذرائعيات الكونية. هذه أيضاً هواجس التربية من أجل السلام والتعددية الثقافية ذات العلاقة بالواقع الاسرائيلي - الفلسطيني والتطلعات نحو التسامي من الدائرة الدموية التي انجرّت إليها الحركة الوطنية التحررية الفلسطينية واليهودية. هذا الفهم، على أية حال، لا يجوز أن يُدرك كعلاج سحري. وبسبب أهميتها، وفي ضوء مشاكلها وتحدياتها الداخلية، فإن التربية من أجل التعددية الثقافية تستحق بعض الملاحظات النقدية. ولكن، أولاً، علينا أن نقوم بعمل تمهيدي يتعلق بمفاهيم التعددية الثقافية والتربية.
ندّعي أن على المرء أن يميز تربية الثقافة المتعددة عن التربية من أجل التعدد الثقافي. هذان مشروعان لهما افتراضات وأهداف وتحديات وممارسات مختلفة.
تربية الثقافة المتعددة تعني ضمناً الإمكانية والالتزام الأمري بقبول الآخريّة للثقافة المختلفة، واستخدام المختلف كدافع للتغير ضمن تلك التربية وخارجها للتطور الأفضل، ضمن تنوع لا ينضب من الكامن والممكن البشري. وليس من النادر أن تجد أن المعجبين بتربية الثقافة المتعددة، والذين يجادلون بحماس كل أشكال المركزية الإثنية الغربية والأساسية الفلسفية، ينجرّون إلى أساسية قريبة تماماً من تلك التي هاجموها. في بعض الأحيان، ينسحب هذا الموقف الفلسفي على صيغة متطورة من المركزية الإثنية. كثير من أنصار تربية الثقافة المتعددة يبدأون الهجوم على الغربي، الأوروبي، أو الاسرائيلي المتمركز حول الإثنية - الاشكنازي، وينتهون بالدفاع، ضمن إطار الأساسية، عن الفرادة، والأصالة أو >المصالح والسبل الخاصة< بثقافتهم المدركة على أنها متفوقة إلى درجة الإدعاء بعدم التساوي. وحتى حين لا يثار ادعاء عدم التساوي، فإنه يُفترض ضمنياً في ضوء غياب أي أساس مشترك، إطار، رواية - بَعديّة مشتركة، مُثل الخير العام، أو حتى اتفاقات حول القوانين التي تحكم الخلافات القائمة، واجراءات الوصول إلى اتفاقيات جزئية أو مؤقتة (39). طبقاً لهذا الادعاء، لا يوجد هناك نقطة لقاء بين الاختلافات، خاصة بين ثقافتهم الفريدة أو مجموعتهم مع الآخرين، الذين هم مختلفون بشكل أساسي أو أدنى مرتبة.
لهذا الادعاء تضمينات كثيرة. فهناك على سبيل المثال تراكيب مختلفة من الأخلاقية، وبالاسم >لنا< و>لهم<، دون ملاحظة - كما يفعل هومي بابا Homi -Bhabha أن أية محاولة لتأطير قضية الهوية تقود حتماً إلى التورط ضد الإطار، داخله وخارجه في آن (40). الفرق هنا مركزي في كل أشكال ما بعد الحداثة، لكنها تنتهي كالتزام بالتجانس بين المختارين، وكرفض تبريري للالتزام الأخلاقي بالآخرين وحجبهم وراء حدود الاختلاف. هذا الخط الفكري له مظهران متعارضان ظاهرياً في السياق الفرداني والجمعي. ونلاحظ أيضاً أن الاعتراف بمركزية الاختلاف حيوي أيضاً بين الأفراد وحتى ضمن الفرد ذاته. هناك تصل إلى مفهوم التغيير النهائي والمشروط للهوية. في ذروته ينتهي بالأنويّة، والتخلي عن الرعية كشخص، ويصبح شيئاً - ما، جزءاً من شيئيات عالم الموجودات. في كل الحالات، هذا الخط الفكري ملتزم بالتربية العنفية. في غياب الحوار من جهة، أو الرغبة في تجاهل أو قبول التربية العنفية للجماعة المهيمنة من ناحية أخرى، حين لا ترتكب العنف مباشرة ضد الآخر، فإنها تكون على وشك انتحار جماعي أو فردي. يمكن أن نرى ذلك في حالة عائلة مانسون وحالات أخرى. وحتى قبل دخول هذه المرحلة، كانت التربية الثقافية التعددية على حافة انتاج نوع من الاعتراف بمركزية التنوع والاختلاف الأساسي، التي تنتج وتشرِّع رفض النقد الذاتي لتغرق بسهولة في مركزية إثنية بديهية، فيما تبني جدراناً عالية ضد الغزو المحتمل لثقافات أخرى. ويتم اعتبار أي شخص آخر أو ثقافة أخرى كشيء عنفي ومهدّد وخطر لا يرضى إلا إذا حطّمنا أو ابتلعنا. الثقافة المحلية، لذلك، مدركة على أنها تعيش في معركة دائمة وعليها استغلال كل ثانية وكل وسيلة لتدمير أو رد أعدائها في الداخل والخارج. هذا هو الخطر التاريخي الذي مكّن بعض المفكرين الناشئين أن ينظروا إلى فلسفة نيتشه لتبرير مركزيتهم الإثنية العنفية. في سياق الاسرائىلي يمكن أن نذكر مفكرين مثل آبا اهيمير، يعقوب كلاتشكن، واوري تزفي غرينبرغ. تربية الثقافة المتعددة، على أية حال، لها العديد من الانجازات الحساسة المهمة. يتضمن ذلك هجومها على القومية، ونقدها للممارسات العنفية واستغلال المناهج القومية المفروضة على الثقافات والجماعات المهمّشة، والأهمية التي أسبغتها على مقاومة المظاهر اللا-حواريّة لتطبيع التربية.
اليوم، هناك الكثير من المعجبين بالأشكال المختلفة لتربية الثقافة المتعددة، الذين يكافحون فردياً أو جماعياً لتحقيقها. من بين الكثير من الأفراد والجماعات الشواذ جنسياً، الأميركيون - الأفارقة، الأميركيون اللاتينيون، والأميركيون الأصليون، يتم النظر إلى تربية الثقافة المتعددة على أنها بديل مطلوب للتربية الغربية التقليدية السائدة. يتم النظر إليها بديلاً عن التربية الغربية وتظاهرها بإدخال معرفة كونية حيوية وقيماً وتطور شخصي، هي في أساسها غربية وتخدم في نهاية المطاف مصالح الفئات المهيمنة ضمن هذا المشروع المتمركز حول الإثنية. ومع أهمية هذا النقد، الذي حقق الكثير من الإنجازات، فإننا نراه موقفاً إشكالياً. وكما سنرى، فإن أيديولوجيا تربية الثقافة المتعددة تعقّد الأمور أمام تربية مضادة للدفاع عن التوجه الإنساني ضمن إطار واقع التعدد الثقافي.
إن تربية الثقافة المتعددة تدّعي أنها تكشف العناصر الكابتة، والتناقضات، والظلم التي يقوم عليها التمركز الإثني للتربية الغربية التقليدية، كجزء من التزامها لهزيمة الثقافات والمجتمعات الأخرى. وبدعم من الكثيرين من نقاد ما بعد الحداثة وكثير من البلاغة السليمة - سياسياً، فإن أتباع تربية الثقافة المتعددة، رغم كل اختلافاتهم، لهم خلفية مشتركة. إنهم موحّدون في جهودهم لإزالة التقسيم التقليدي بين الثقافة العالية والثقافة العامة، بين ثقافة العلم العقلانية الغربية والثقافة اللاعقلانية، والمجردة من أي تاريخ مكتوب، والتي هي أقل تقدماً من وجهة نظر تكنولوجية. وضمن الصيغة الجمعية لتربية الثقافة المتعددة، فإن مشروعية الثقافات الهامشية، وفي كثير من الحالات، عدم تساوي الثقافات، يتم توكيدها. وفي بعض الأحيان، فإن قيمة التنوع يتم مدحها انطلاقاً من هذا الاعتراف. وفي بعض الحالات، من خلال مفاهيم مثل أولوية التنوع وعدم القدرة على جسر الاختلافات، فإن الثقافات الهامشية، الفلسفة المعيبة، والفن النخبوي، أو الممارسات الجنسية المنحرفة - كما تتم رؤيتها من المركز - يتم مدحها وتفضيلها على المهيمن، والمركزي، والمحترم، و>العادي<.
إن تربية التعدد الثقافي تقود إذاً إلى الأفعال السياسية والأخلاقية الملموسة. وضمنها، يتم ادراك التربية على أنها تعيد للمتميز ضدهم والمقموعين والمسيطر عليهم هويتهم، وتحاول إعطاء القوة للمهمشين والمُسكتين والمقموعين. إنها مدركة في الفعل الاجتماعي على أنها التغير. هذا النوع من التربية فعل سياسي. وبما أنها ترفض مباشرة أية نظرية عامة، أو أي أسس فلسفية، أو رواية بَعديّة (ما عدا النظرية العامة لمقاومة أية نظريات عامة) فإنها موجّهة فقط بالنجاح العملي والجدل البراغماتي دون مبررات فلسفية من فعلها أو بلاغتها. وهناك، على أية حال، إلزام أخلاقي مهم بالصراع إلى جانب المقهورين في هذا النوع من التربية، مصحوب بمشاكل فلسفية. وهذه، لأنها لم تعالج، يمكن أن تتطور إلى رعب فردي أو فلسفي جمعي أو تربوي أو سياسي، أو انتحار، وهذه ليست سوى اثنتين من المظاهر لذات الظاهرة التربوية كعنف.
لا يوجد لتربية الثقافة المتعددة تجليات جادة في اسرائىل. إننا نسمع صداها المتشظي هنا وهناك ضمن بلاغة المفكرين الذين يمثلون جماعات مقهورة أو مهمّشة أو مسيطر عليها، والتي تسعى للوصول إلى بديل للنظام الراهن. لكن لا يوجد في اسرائيل تمثيل واعٍ أو مباشر للصيغة الفردانية لتربية الثقافة المتعددة، التي تفضل >الثورة الدائمة< للجسد والنفس البشرية. ليس في اسرائيل إطار أيديولوجي للتعبير عن حقيقة الأفراد الذين يتحركون بسرعة من هوية لأخرى، ويتخلون عن طرق الحياة، الوعي، الموضات، البين - ذاتية، والأماكن دون نهايات أو اهتمام أو معنى.(41) في البلدان الغربية، حيث ثمة إطار فلسفي وأيديولوجي، فإن المفكرين هم الذين يقدمون هذه الأطر الإدراكية وليس الأفراد الذين يمارسون التعددية الثقافية الفردانية. في اسرائيل، الخطاب الفلسفي والأيديولوجي من هذا النوع ما يزال غائباً. على أية حال، هناك حضور في الساحة الاسرائيلية لتربية متعددة الثقافة ذات طابع جمعي في نموذجين أساسيين.
الصيغة الأضعف هي تربية الثقافة المتعددة المتأثرة بالمفاهيم الليبرالية وخاصة ما بعد الحداثية. إحدى تجلياتها مجموعة مفكري مزراحي الملتزمون بتحدي المؤسسة الصهيونية الاشكنازية وأيديولوجيتها القائمة على >الاسرائيلية< و>البوتقة<(42)، والقمع الضروري والمبرّر للمجموعات المختلفة كالفلسطينيين، النساء، وخاصة اليهود الشرقيين. اليهود الشرقيون جيء بهم إلى البلاد، كما هو الادعاء، ليخدموا كعمال زهيدي الأجر وكحرّاس للمشروع الصهيوني حتى نجح الجهد الكولونيالي. وحتى لو لم يكن الأمر مخططاً عن نية، فقد خدموا كاحتياجات بنائية للنظام. إن شلومو فيشر على حق حين يقول بأن الاختلافات في الايقاع وفي طبيعة الالتقاء مع العصرنة وأزمتها تشكل العنصر الرئيسي في أزمة الثقافة المتعددة في إسرائىل حالياً.(43)
اليوم، ثمة تيار بين بعض مفكري المزراحي للاعتراف بالاختلافات بين التوجهات النسوية، والمحاور الإثنية والثقافية والجنسية الأخرى. هناك توكيد كبير، على سبيل المثال، على فرادة نشطاء الحركة النسوية من مزراحي، وأن هؤلاء يتم استغلالهم من قبل النشطاء الليبراليين الاشكناز في الحركة النسوية (44)، بموازاة في الموقف مع نشطاء الحركة النسوية الملوّنين والبيض الليبراليين من الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة. إحدى هذه المجموعات هي >الطيف الديمقراطي< وتأثيرها محدود جداً، خاصة بين يهود المزراحي الذي تدّعي أنها تمثلهم وتسعى إلى تحريرهم. مثال آخر موجود في الشبكة التعليمية وله توجّه مشابه هو كداما (في اتجاه الشرق). هنا، يفترض أن يكون تلاميذ المزراحي متحررين، وأن يعودوا إلى صوتهم الذي تم إسكاته على يد الأيديولوجيا المهيمنة، وأن يدرسوا تاريخهم المنسي، وإعادة تشكيل هويتهم في ظروف متحررة من الأيديولوجيا المهيمنة ومن معظم المناهج المفروضة من المؤسسة. في الواقع، هذا المشروع بعيد عن التحول إلى قصة ناجحة. إن الصيغة الأقوى للتربية متعددة الثقافة في اسرائيل الآن هي ذات توجه جمعي، لا تعارض الإثنية المركزية المهيمنة، بل هي نفسها واحدة من أهم تجلياتها العنفية.
هذا النوع من تربية التعددية الثقافية يرفض الحوار البين - ثقافي، ويراه مدخلاً خطراً بالضرورة لغزو ثقافي أجنبي. ومثل كل صيغ التطبيع التربوي، وبصفة مشتركة مع تربية التعدد الثقافي، فإن وجهات نظر المركزية الإثنية الخاصة بالتعدد الثقافي تعتبر الخطاب المفتوح والحر بين الثقافات وداخل الثقافات عنيفاً جوهرياً. هذه النظرة ليست خاطئة بالضرورة، ولا ينبغي أن تصبح رفضاً مبدئياً للحوار. ما يوقف إمكانية الحوار ضمن الصيغ الجمعية لتربية متعددة الثقافة هو تمحورها الواضح حول العنف الرمزي. إنها ترى نفسها عنيفة جوهراً. في داخلها لا يوجد رغبة للانفتاح إزاء دراسة ثقافية مقارنة من ذلك النوع الذي يجب أن يحل محل آفاقنا في الانصهار الناجم عن ذلك (45). وكصيغة قوية لتربية متعددة الثقافة فإنها تصمّ آذانها بازدراء لأية مناداة بالحوار (46).
يجب أن يكون الحوار حرّاً، ويدور بين (على الأقل من حيث القدرة الكامنة) شركاء يستحقون، ومع ذلك ليسوا متساوين، من الذين لا يستطيعون الوصول إلى أهدافهم دون شراكة صادقة مع الآخر في الرحلة المشتركة. عملياً، علينا أن نذكر أن الدعوة إلى الحوار تعلّق البداهة دائماً وتستوقف التاريخ من الخارج. إنه يدخل دائماً على غير توقع. في فكر والتر بنجامين فإن >وقت المسيحية< ينفجر في >الوقت الآن<.(47) إنه ليس بضاعة التربية التطبيعية أو بضاعة وسيطرة علاقات النفوذ المهيمن. إنه أثر >الآخر الكلي<. إنه يربط حاضرنا وطاقتنا في أن نكون أي شيء عدا كوننا موجّهين إلى الوجود الذي لم يحصل بعد، الذي يحدد البشري كرعية وليس مجرد موضوع (48). إنه يفتح الباب إلى إحساس غير دوغماتي من >الاختلاف< كما هو الحال لدى المركزية الإثنية الأساسية والتعددية الثقافية الفردانية، وهي أيضاً مميزة عن الصيغة التعددية الليبرالية، الموسومة بوحدة الهوية لمجموعة اجتماعية واحدة ضد الأخرى (49). هي تلك التي تنادي للحوار والتسامي عن البديهي، والعادية المنتجة عنفياً، وقد تتم الاستجابة لها أو التخلي عنها أو اختيارها. لكنها دائماً احتمالية ملموسة ضمن ظروف القمع والتمييز، ومحو الذاكرات الجماعية، والهويات والثقافات على يد قوى تغذي البديهي المهيمن. والحوار، على أية حال، قد يتم النضال من أجله، وقد يصبح جزئياً (وعلى الدوام مؤقتاً) بديلاً، أسلوب حياة لاعنفياً، حيث الحب والالتزام بالتحدي للظلم لا يمكن مقارنتها بالمنفى داخل منتج قيم وحقائق والتماسات المهيمن.
تربية التعدد الثقافي غير ملتزمة بالحوار، لكن، يجب أن نعي أن المطالبة بالحوار ليست آمنة من الانزلاق نحو خطاب عنفي، وإلى ممارسات التربية التطبيعية. ثمة خطر دائم ووشيك بأن يتطور نقد القمع الثقافي إلى مشروع متمركز حول الإثنية للمهمشين والمقموعين. ومن الشائع جداً ظاهرة المقاومة لإعادة انتاج البديهي المهيمن، الذي يصل ذروته في إعادة انتاج غير نقدي وحتى دوغماتي للبديهي المهمش لدى المقموعين (50). عادةً يتحرر المقموع من الطاغية ليحل مكانه البديهي المهيمن وعنفه التربوي الذي يهدف في نهاية الأمر أن يصبح بنفسه المهيمن، والطاغية (51). في عقلنا، لا يوجد فرق أساسي بين البديهي الخاص بالمقموع والبديهي الخاص بالطاغية. البداهة والعدالة هي ما يجعل الفرق بين الفروق وليس الفروق بحدّ ذاتها.
الجمعية والتمركز حول الإثنية هما الشريكان الأفضل والتابعان الأكثر إخلاصاً للبداهة. إنهما إضافة إلى عنفهما الداخلي والخارجي منافسا التربية المضادة. لكن تربية التعدد الثقافي تفشل في رؤية ذلك. وثمّة ضعف آخر لتربية التعددية الثقافية الجمعية هو موقفها ضد الفكرية بعنف. هنا ينتهي نقد الثقافة الغربية المهيمنة بالنفي الكلي للثقافة العالية، وللبحث عن التسامي عن المألوف والبديهي. يحدث هذا في خدمة المركزية الإثنية ويسبب الكراهية نحو أي تجلٍّ للروح الحرة. يحدث هذا باسم الكراهية التي تكونت بسبب عنف التربية التطبيعية. وهكذا يتم استعباد المجموعات المهمشة بقيود أكثر كفاءة من ذي قبل. هذه العملية تضمن عقمها أمام النقد الأصيل والحوار، محددة موقعها كبضاعة للاستغلال والسيطرة والقمع، حتى كأعضاء في المجموعة الحاكمة إذا كان عنفهم أكثر كفاءة من الشرور الواقعة عليهم على يد الطغاة الحاليين. هذه الكراهية للصراع الحقيقي من أجل التسامي عبر الطريق الصعب المتمثل بالتأمل والتغلب على مركزية الإثنية والبداهة، هو الأساس الحقيقي لمقدسات وقديسي أيامنا. لقد أصبح هؤلاء صناعة مزدهرة على صعيد لا يسبق له مثيل وسط مجتمع قبل عصري ومتقدم تكنولوجياً باسم الاحتفال بالتعددية الثقافية ومبررة بتجارب روحية مثبتة ونجاحات حقيقية، طبية واقتصادية وسياسية.
إن تربية التعدد الثقافي شيء صعب جداً. إنها تتطور حالياً ضمن أطر إدراكية مختلفة وحتى أطر اجتماعية أخرى أكثر من تربية التعدد الثقافي لدى كل من الصيغ الفردانية والجمعية. هذه التربية تتحول - كما أكدنا - أساساً ضمن الـ ما بعد حداثي والأطر المركزية الإثنية. أما التربية من أجل التعددية الثقافية، بالمقابل، فإنها تتطور أساساً ضمن الصيغ المختلفة للمعرفة النقدية، وفي التقاليد الليبرالية الديمقراطية. في الخطاب التربوي الحالي كلاهما متأثر إلى حد بعيد بما بعد الحداثة وكلاهما ملتزم للنقد المركزي لما بعد الحداثة حول التنوير ولقلب التقليد الذي أعطى الحياة للتربية من أجل التعددية الثقافية.
الصيغتان في التربية هذه تشتركان بنقد قاسٍ للتربية الحديثة، وبالمقارنة مع موقف تربية التعدد الثقافي، لا يوجد هنا مكان للنفي الكلي للتنوير والتوجه الإنساني، أو للمكانة الخاصة بين الثقافات المختلفة المشغولة بمثال تحرير الإنسانية.
الصيغة الليبرالية للتربية من أجل التعددية الثقافية تعطي لهذا النوع من التربية مهمة تصحيح النظام القائم وتحسينه، فيما تتماثل مع، أو حتى تبرر الرأسمالية والديمقراطية البرلمانية، والبرجوازية الحالية الضد-يوتوبيّة.(52) إن صيغة أساليب التربية النقدية في التربية من أجل التعددية الثقافية تنفي الرأسمالية كلياً(53)، وتنتقد النظام >الديمقراطي< الحالي(54)، وهي بكل وضوح ضد برجوازية. مع ذلك، فإن كلا الصيغتين ليستا ثوريتين صادقتين وتشتركان في التخلي عن المناداة >بالآخر الكلي<، والبحث عن التسامي والتغلب على البديهي كمدخل لبديل حواري عن كل الصيغ القمعية لتطبيع التربية.
ثمة مبدأ مركزي للتربية من أجل التعددية الثقافية يدّعي أن من الأهمية بمكان الاعتراف أن لا ثقافة أعلى من غيرها. طبقاً لذلك، لا توجد طريقة لتبرير الهرميات الاجتماعية والسياسية التي تقمع الجماعات والثقافات الأخرى، دافعة إياها إلى هوامش النشاط الاجتماعي والإمكانيات الثقافية والنفوذ السياسي. كلا الصيغتين لهذه التربية تؤكدان الحاجة للانفتاح على الثقافات الأخرى والنقد الذاتي كشرط مسبق لوضع أكثر حرية وديمقراطية (55). عملياً، إنهما موحّدتان في مناداتهما بالحوار بين متساوين كشرط مسبق لتحسين عالمنا. وهذه التربية أيضاً تضم في آن معاً مركزية إثنية معتدلة وضد المركزية الإثنية. في هذه القضية فإن موقف ريتشارد رورتي يعتبر نموذجياً. من ناحية، فإنه يرفض التخلي عن التقليد الغربي، الرفاه البرجوازي، الليبرالية، والديمقراطية. إنه على استعداد للقتال من أجل حقها في الوجود، ويعلن صراحة أن الديمقراطية الغربية متفوقة على كل بدائلها. بالطريقة ذاتها، فإن رورتي يتخلى عن الادعاء بإمكانية تكوين خطاب بين-ثقافي. كليبرالي فخور وديمقراطي يؤكد رورتي على التعددية والشك والسخرية والنقد.
وهذه الصيغة التربوية لا تخلو من المشاكل، كما يستطيع المرء أن يرى في أعمال المفكرين الذين وجّهوا جهدهم نحو مسرح المدرسة أكثر من رورتي. إن بيكو بارخ، على سبيل المثال، يعبّر عن خطط محددة ودقيقة جداً لمدارس التعددية الثقافية، وفي الولايات المتحدة وهولندا وأماكن أخرى حيث نواجه أمثلة على مدارس تمارس حقيقة التربية من أجل التعددية الثقافية. في برنامج بارخ تُعرض علينا خطط لطلبة من ثقافات مختلفة يدرسون بعضهم مع بعض. ضمن هذا الإطار لا يشجع الطلبة على اهمال هويتهم، معرفتهم، واهتماماتهم. إنهم يشجعون على الاهتمام بهويتهم ومعرفتهم واحتياجات الآخرين. إنه يشير هنا إلى أنواع مختلفة من الملابس، وجبات الطعام وتاريخ، وقيم، وسلوكيات ليس كمعرفة غريبة فقط، بل كطريقة لا تتجزأ من الحياة المألوفة لكل أعضاء المدرسة التي تعلم من أجل التعددية الثقافية. بالمقارنة مع تربية التعدد الثقافي، فإن هذه الصيغة في التربية لها التزام خاص بالمجتمعية الحقة واعتراف بشرعية الآخر وآخريته. شرعية الآخر والآخرية يتم فهمها على أنها نقطة البدء في الحوار والالتقاء بالذات.
على أية حال، علينا أن نتذكر أنه في النهاية هذه الصيغة في التربية من أجل التعددية الثقافية ليبرالية. ولأنها كذلك فإن حدود الليبرالية، أو ثقافة الغرب العالية، تكوّن أفق تحملّها. هذا مصدر الترابط والضعف البارز للصيغة الليبرالية في التربية من أجل التعددية الثقافية: كل من هو مختلف كثيراً عن متطلبات المستويات الليبرالية للتعايش سوف يفشل في الحصول على تذكرة الدخول. لذلك فإن مسألة العنف والعنف المضاد والقمع، وإعادة انتاج البداهة تعود من الباب الخلفي، فيما سيبقى رفاه النظام الرأسمالي والشكل الغربي للديمقراطية الحرس النهائي للباب.
كل من تربية التعدد الثقافي، والتربية من أجل التعددية الثقافية، لهما علاقة بالسياق الاسرائيلي، كواقع ثقافي متعدد حاد. وطبقاً للأيديولوجيا الاسرائيلية المسيطرة، من ناحية، فإن شبكة التربية الحكومية يتم تشجيعها في تكوين وعي جمعي وهوية قومية متمركزة حول الإثنية (لليهود، أو على الأقل لليهود العلمانيين). يهدف هذا المشروع إلى تغيير ناجح لهوية المنطقة، تطهير الأرض من هويتها الفلسطينية، وعقلية يهود الشتات المسيطرة عليهم. إن هذا واضح جداً حتى في قانون التربية الحكومية (1953) الذي تم التعبير عنه - ليس من قبيل الصدفة - من خلال وزير التربية نفسه (بن-تصيون دينور) كقانون إحياء ذكرى الهولوكوست. ويعترف القانون الاسرائيلي للتربية الحكومية (1953)، الموجّه نحو الدستور وإنتاج وإعادة إنتاج العالم الصهيوني في البداهة، بالآخرين وحقهم في الاختلاف، خاصة إذا كانوا يهوداً. إنه يتعامل مع الآخرين بشكل مختلف. وطبقاً لذلك، فإن اليهود المتدينين لا يملكون حق تكوين شبكات تربوية مستقلة، رغم أن من حقهم الحصول على موازنات من الحكومة لحماية آخريتهم. ويوجه الفلسطينيون نحو شبكة التربية الحكومية، مع سيطرة خاصة وموضوعات إجبارية في التاريخ والثقافة اليهودية، مما يمحو بشكل أساسي تجليات محتملة للهوية الفلسطينية القومية، وحقوقهم ومعاناتهم وتطلعاتهم. بإمكان الفلسطينيين تجنب شبكة التربية الحكومية فقط من خلال دخول عدد من المدارس المسيحية الطليعية الخاصة المتمركزة حول الثيولوجيا المسيحية، وحيث لا مجال يتسع كثيراً للهوية الثقافية أو القومية المستقلة أو التطلعات السياسية للفلسطينيين (56).
إن التناقض الاسرائيلي هنا هو أنه فيما النظام التربوي الحكومي العلماني ليس له متسع للتنوع الثقافي أو البدائل السياسية عن تلك الصهيونية المهيمنة، فإنه ملتزم بشرعية البدائل اليهودية، اللاصهيونية، اللاديمقراطية والضد-إنسانية في مجال التربية. في الوقت ذاته، وخارج حدود النظام التربوي الحكومي، حيث يتم ادراك تربية التعدد الثقافي الحقيقي، لا يوجد مجال للحوار أو الاعتراف بشرعية الاختلاف. كل صيغ الأنظمة التربوية اليهودية الاسرائيلية متحدة في رفضها للحوار مع الآخر، وتصل عموماً إلى مركزية إثنية أو قومية متطرفة في أكثر تجلياتها عجرفة. أما الآخرون فتتم رؤيتهم على أنهم أطفال كانوا ضائعين وتم إغراؤهم، أو إذا لم يكونوا يهوداً، يُنظر إليهم طبقاً لذلك، كأنهم ليسوا بشراً في الحقيقة، أو على الأقل على أنهم غير قادرين في نهاية المطاف على أي شيء سوى دعم أو مراقبة تحقيق النهايات اليهودية التي تتخطى قدراتهم، ذلك لأن اليهودي فقط هو الإنسان المتحقق كاملاً (57).
إننا لا نجزم أن هذا هو التفسير الوحيد الممكن لليهودية، وفي الحقيقة يجب أن نتكلم عن >يهوديات< أو تقاليد مختلفة في اليهودية وليس عن ديانة يهودية واحدة. كثير من التقاليد اليهودية تضم طاقات كونية وإنسانية مهمة، وهذه مصدر مهم للتربية المضادة وللصراع من أجل التحرر. لكن، في اسرائيل اليوم، فإن التيارات التربوية اليهودية الأرثوذكسية المهيمنة (التي تنطبق على أقلية من يهود العالم) هي دوغمائية، متمركزة إثنياً، لا ديمقراطية ولديها عنف كامن. ضمن هذا السياق لا توجد فسحة للتربية من أجل التعددية الثقافية، وإنما لإنكار الآخر، للتدمير، وللانتصار على حقائق الآخرين وذاكرتهم وقيمهم واهتماماتهم حتى لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة ومسالمة، أي عنف تربوي تطبيعي غير مرئي.
قد تبدو التربية من أجل التعددية الثقافية من قبل بعض الليبراليين والإنسانيين نظرية تربوية وممارسة يكون تحقيقها إنجازاً كبيراً لإسرائيل، طالما توجد الدولة وتعيد انتاج علاقاتها الخاصة بالنفوذ المركزي، حتى قبل تحولها إلى سبارطة متطرفة. قد يرى البعض ذلك كحل سليم لضمير الليبراليين بسبب الأثر الثقافي الواقع على اليهود الشرقيين، والنساء، والفلسطينيين، والعمال الأجانب، وآخرين. في الجانب الإيجابي، فإن عدداً أقل من الليبراليين يستطيعون حتى الوقوف إلى جانب رورتي، ويقدّمون أنفسهم كليبراليين فخورين. إن العدد الأكبر منهم قد انجرّ وراء الصيغ المتصلبة لما بعد الحداثة. إنهم يتخلون عن المُثل الكونية لعصر التنوير والتزامه بالتربية ضمن إطار غربي للتحرر من أجل حياة أكثر عدة وحرية وعقلانية إنسانية. هذه الأيام، كثير من المفكرين الليبراليين السابقين، ومن التربويين يفضلون التربية من أجل التعددية الثقافية كبديل إنساني وكتجلٍّ لليبرالية معتدلة، يمكن اعتناقها وتبريرها. هذه هي طريقتهم في الدفاع عن المكانة الخاصة للثقافة الغربية وامبرياليتها الثقافية الأخيرة، التي تجذب العديد من أكثر المفكرين بروزاً في دول العالم الثالث. إننا نجادل، على أية حال، أن التربية من أجل التعددية الثقافية في صيغها الليبرالية والنقدية بعيدة جداً عن كونها غير إشكالية.
إن السياق الاسرائيلي قد يقدم كحالة فحص قيّمة لبعض نقاط الضعف الأساسية للصيغة الليبرالية في التربية من أجل التعددية الثقافية. إن الفهم الليبرالي للتعددية الثقافية يتضمن تغيير مظهر الخطاب إلى حوار بين وضمن الثقافات المختلفة، والروايات، والعواطف، والاهتمامات. هذا الافتراض معروف لدى كل ممثليه من هبرماس وحتى رورتي وهم ليسوا ناقدين حقيقيين لهذا الفهم. المفكرون الأكثر نقداً للتعددية الثقافية أمثال فوكو يرفضون يوتوبيا التواصل اللاعنفي الذي يرتكز عليه هذا الفهم. إن فهم المتفائلين يتضمن شرطاً مسبقاً للتربية من أجل التعددية الثقافية هو قبول الأطراف المعنية لبعض القواعد العامة، وعلى الأقل هدف مشترك واحد. القوانين المشتركة المقبولة على كل المشتركين هي تلك المطلوبة لعرض وإدارة الإصرار على الحق، أو الخلافات، أو الحركة نحو إجماع لاعنفي حول كل من تلك الأمور. واشتراط مسبق آخر يجب أن يكون التوكيدات المشتركة والممارسات المتعلقة بشرعية مشاركة الآخرين. كل ما بقي قد تتم بلورته وتطويره والاتفاق بشأنه أو يُختلف عليه ضمن براغماتيات هذا النوع من التواصل التي يدّعي هبرماس أنها كونية؛ في نهاية المطاف يشارك رورتي هذه اليوتوبيا الليبرالية الإيجابية. ثمة ادعاءات هنا. طبقاً للأول كانت هذه اليوتوبيا الإيجابية ليس لها أرضية. إنها خاسرة منطقياً وتاريخياً. منطقياً، فإن فريقاً ما يجب أن يكون شريكاً نشيطاً في خطاب متعدد الثقافة كهذا فيما يقبل الحد الأدنى من الأنظمة المدركة أو المتفق عليها دون أن يشارك حتى في هدف مشترك واحد مع الفرقاء الآخرين. حتى مجرد وجود أو تقدم الخطاب يجب أن يكون مقبولاً من كافة الفرقاء. قد يشارك فريق ما في هذا الخطاب من أجل تدميره مع هدفه المشترك الواضح. تاريخياً، ليس هذا موقفاً شاذاً، كما تثبت ذلك الأمثلة الاسرائيلية.
في السياق الاسرائيلي، لا توجد أرضية مشتركة لمناخ عام غير عنفي، أي لا يوجد مناخ عام حقيقي في مجتمع مدني حقيقي، وبالتأكيد لا وجود لتقليد ليبرالي والتزام بالتعددية. ثمة درجات متفاوتة من التمركز الإثني العدواني الذي يسم معظم الجمعيات والأنظمة والشبكات المتبارزة. كذلك، لا يوجد اعتراف عام بشرعية الآخر أو اتفاق يتعلق بأحكام وشروط دخول الحوار المتعدد ثقافياً والتطور المشترك ضمن الإطار الحواري. من الممكن معارضة هذا الادعاء من خلال التوكيد على أنه باطل عبر العملية الديمقراطية الحقيقية ضمن النظام الاسرائيلي. قد يوافق آخرون، على الأقل جزئياً، على إعادتنا للبناء، ومع ذلك يدّعون أن من المبرر بذل الجهود الضرورية وتطبيق التربية من أجل تعددية ثقافية مُسالمة، على الأقل في ميدان تربوي واحد، لا يزال هو الأكبر: في الجزء العلماني لشبكة التربية الحكومية. وطبقاً لهذا الادعاء، ضمن هذا الإطار تسيطر المبادئ والممارسات الليبرالية والإنسانية، حتى على المستويات الأسلوبية في التعليم والإرشاد. هنا، من الممكن التربية من أجل الاندماج في، واحترام للآخرين وقيمهم الثقافية ومعرفتهم كجزء من العملية التربوية التي سوف تغير التربية ذاتها في نهاية المطاف وتحسن المناخ الاسرائيلي العام وتطور إمكانيات مجتمع مدني. المتفائلون الديمقراطيون الاسرائيليون سيؤكدون أن هذه هي الطريقة الفضلى، وربما الطريقة الوحيدة، لضمان مستقبل حقيقي للديمقراطية في المجتمع الاسرائيلي. هذا التفاؤل قد هُزم على يد تاريخ التربية الاسرائيلية ومن قبل الواقع الحالي للمجتمع الاسرائيلي، حتى في شقها العلماني. إن التمركز الإثني يسم أكثر الصيغ تقدمية، كما يتجلى في تطوير شبكة تربوية جديدة، علمانية، وإنسانية، هي صهيونية بوضوح، وضمنياً أشكنازية الطبقة الوسطى، تبحث عن المحافظة على ثقافة ميتة لطائفة طليعية صغيرة في محتجز خاص (58). من هناك، من قلعتها الطليعية المعزولة، فإنها ملتزمة بتحقيق التربية من أجل التعددية، الإنسانية، والديمقراطية.
الأقل احتمالاً أن نتوقع تربية من أجل التعددية الثقافية في ميادين اسرائيلية أخرى. لا بد من توسيع هذا الادعاء: إن التعددية الثقافية، الديمقراطية، والمناخ العقلاني العام الحرّ والمفتوح أمور مستحيلة في اسرائيل الحالية. إن هذا يعود إلى أنها لا تنسجم مع التوجهات الأساسية الأربعة في هذا الميدان. إن التربية من أجل التعددية الثقافية لا يمكن قبولها ضمن الثيولوجيا السياسية العلمانية التي تستخدم كل السبل لقمع وإحباط وتحطيم أو محو الآخر. وهذه التربية لا تقبل الاندماج في مشروع يناضل من أجل بناء ثيوقراطية يهودية أو إسلامية. مثل هذا المشروع لا يستطيع إلا أن يصبح شمولياً، ينفي التعدد والحياة العامة غير المتجانسة، ويحصل على شرعية مباشرة من الله أو الكتب المقدسة. وكما يتجلى في المثال الاسرائيلي من حيث المبدأ، فإنه يمكن تحمل التربية من أجل التعددية الثقافية أيضاً من قبل التيارات الرئيسية الحديثة في اسرائيل: العقلانية الأدائية وتجلياتها التكنولوجية - الاقتصادية - الاجتماعية من ناحية، والبديل الما-بعد حداثي من ناحية أخرى. في نهاية المطاف، فإن كلاهما يعترفان بالآخر كمنتج / ومستهلك فقط. إنهما متحدتان في نظرتهما المتحفظة التي ترفض أو لا تستطيع تحوّل النظام الحالي. ولأنهما كذلك، لا يستطيعان تطوير تربية حقيقية من أجل التعددية الثقافية كنظام جديد أكثر إنسانية. هذا استنتاج مختصر لدحض تاريخي معقد للتفاؤل حول التربية من أجل التعددية الثقافية. يمكن دحض هذه التربية، على أية حال، على مستوى أساسي، ونعتقد أن هذه هي القضية الجوهرية التي يهملها المتفائلون أصحاب النوايا الطيبة، الذين يكرّسون أنفسهم للسحر الجديد. وهنا نشير إلى جوهر التربية نفسها كعائق أساسي أمام التربية الناجحة من أجل التعددية الثقافية (59).
ما هو جوهر التربية وإلى أي نوع من البحث تستجيب؟ إن أساس التربية هو العنف. إن التخلي عن الدعوة للتغلب على ذلك تمكن من الانغماس في السعي من أجل تشكيل وضبط وإعادة انتاج الجهاز الإدراكي، النفسية، والوعي، إمكانيات ومحاذير الموضوعات البشرية والجمعيات كجزء من تطبيعها، وتأطيرها ضمن مقاسات معينة وإغلاقها. إن التشكيل العنفي >الخارجي< للموضوع (الرعية) وتحوّله إلى مجال للعناية والسيطرة والتحرر يحسِّن تذويت الموضوع. بالتحديد، فإنه يدعم انتاج وتعزيز الذاتية المكونة من >الأنا< وهكذا تُظهر >اللاّ-أنا< التي تضمن التأقلم غير المحدود للرعية مع قواه التطبيعية غير المرئية. وهكذا يتوقع من الرعية أن تعمل كعنصر في إعادة انتاج النظام القائم، وكشخص يسهم في جهد بناء جدار النار. ويعني ذلك، إغلاق امكانيات تغير أساسي في العالم المسيطر من البداهة في كل تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية (60).
على أن التربية المضادة تُدخل بديلاً إنسانياً لتطبيع التربية. إنها دائماً >تخلق المشاكل<، وغير منتجة، وتصارع من أجل التغلب ليس على العنف المهيمن فقط، وإنما فكرة العنف. لا يمكن مأسستُها أو الإفصاح عنها على أنها دوغما فعّالة. إن هذا يفسر كيف أن التربية التطبيعية استمرت عبر التاريخ حتى لو كان عليها على الدوام انتاج عنف فعال يدمر كل بدائل الحياة الخارجية والداخلية. طبقاً لذلك، فإن التربية لا يمكن إلا أن تكون قامعة، وأن المثال التحرري المستثمر في التربية من أجل التعددية الثقافية يمكن، إذا حدث ذلك فعلاً، معالجته جدياً فقط من خلال التربية المضادة. إن الجوهر التطبيعي للتربية يمكن التعبير عنه خاصة ضمن تربية التعدد الثقافي. وإلى درجة ما، فإن هذا النوع من التربية يمارس في اسرائيل، حتى بكثافة شديدة.
في اسرائيل اليوم، تتمتع الكثير من المجموعات والطوائف اليهودية بدرجات متعددة من الاستقلالية السياسية والاجتماعية والأيديولوجية. وهذه المجموعات الدينية متحدة في رفضها للقيم الغريبة المسيطرة والتقليدية، وكذلك في القيم، والمثل والعواطف والمعرفة، وهي كلها ملتزمة بتجنب ناجح للأهداف السياسية للمجموعات المهيمنة. بالنسبة لمجموعات من أمثال ناطوري كارتا، وغيرها، التي تقوم بالتربية ضمن أطر مثل "معيان هحينوخ هتوراني" وأشباهها، فإن المعرفة الهامشية لا تقف فقط في مركز المشروع التربوي، بل هي في الحقيقة المعرفة الوحيدة ذات العلاقة المدركة على أنها معرفة حقيقية. في الوقت ذاته فإنها ترى باقي المعرفة والنظم التربوية منافساً خطراً يجب التعامل معها على أنها آثمة، تجهل الحقيقة، والقيم العالية، أو كلاهما. إنها ترى صورها عن المعرفة وأدوات قياسها هي الأدوات الصادقة الوحيدة، وترى نفسها مسؤولة عن مصير كل المجموعات اليهودية والأفراد الآخرين. هناك مجموعات أخرى لها مواقف مشابهة نحو الآخرين. هذا هو السبب في أن مشاريع التربية التطبيعية المنافسة في اسرائيل لا تستطيع تجنب صراع موت أو حياة بعضها مع البعض.
من خلال عنفها وعدائها، فإن هذه المجموعات تعترف وتعطي القوة كلٌ للأخرى. على أية حال، فإنها متحدة ضد شبكة التربية الحكومية المهيمنة وأيديولوجيتها، وضد علاقات النفوذ الحالية، من أجل تشكيل واقع حيث لا يكون هناك تبعية: لا مجال للبدائل الثقافية، للاختلاف أو الحوار بين وضمن الثقافات. هذا هو قلب الصراع التربوي - السياسي الذي يحدد الأجندة الاسرائيلية، فيما الأغلبية العلمانية ليست متعقلة إزاء قضية التربية والتعددية الثقافية. فقط مؤخراً اتخذنا الخطوات الأولى للاعتراف بواقع التعدد الثقافي الذي لم تناقش اسرائيليته على الإطلاق حتى عهد قريب. إن إمكانية بديل التربية الإنسانية لا تثار بأي شكل من الأشكال على أنها استعادة لمشروع التحرر الكوني. إنها بعيدة تماماً عن كونها محاولة لاستعادة وإعادة تشكيل المركز، بحيث تصبح التربية من أجل التعددية الثقافية معروضة كخيار عام. إنها أقرب إلى صيغة متشظية إضافية انفصالية لتربية التعددية الثقافية كصراع الكل ضد الكل.
إن غياب (حتى مجموعة في الحد الأدنى) من القوانين المتفق عليها من أجل إجماع ضد العنف، حتى لو كان ذلك مؤقتاً وهامشياً، لا يسم نظرية تربية التعددية الثقافية وحسب؛ إنه في الوقت نفسه عنصر أساسي من الواقع المتعدد الثقافي الإسرائيلي. هذا الواقع، وغياب المناخ العام الحقيقي يقصد به تبرير الالتزام بالمؤسسات والتيارات المهيمنة كي تبني نفسها أساساً على العنف المباشر (الجيش، الشرطة، السيطرة الاقتصادية الاستراتيجية القائمة على الإثنية، المصالح الثقافية، وهكذا) وعلى البلاغة المستغلة الهادفة إلى تطبيق برنامج عام في ظروف التشظي والاختلاف. إن هذا الواقع يجعل من النظام الراهن هشّاً إلى درجة بعيدة، خاصة أنه يعمل باتجاه تصادم عنفي واضح مع سكانه الفلسطينيين داخل وخارج دولة اسرائيل. على أي حال، فإن هذا الواقع بالضبط هو الذي يفتح الطريق أمام بديل تربوي إنساني. مثل هذا البديل، إذا أراد الصراع لتحقيق طاقاته، يجب أن يعترف بحقيقته ما بعد الحداثية، حيث ينمو البديل ما قبل الحديث والضد-حديث بشكل أقوى ويكون على وشك أن تكون له اليد الطولى وأن يهزم المركز من هوامشه. إن عليه أن يقدم أجندة واضحة من التربية لواقع متعدد ثقافياً ل ا- سلمي أو لحياة ضمن أزمة تعددية نقاطية مزمنة. إن التربية المضادة التي نقترحها تتخطى المشاريع التقليدية الإنسانية، ولا يجوز فصلها عن تقليد عصر التنوير والفلسفة النقدية. إن مكاناً مثل اسرائيل هو مكان تبدو فيه أهمية التربية المضادة بوضوح خاص. على أية حال، وطبقاً لجوهرها، فإن التربية المضادة لا تستطيع أن تقدم عنفاً مضاداً وتوقف انتصار تربية التعددية الثقافية في اسرائيل. هذه التربية تدمر حيوية وطاقات التربية العامة وتفتح المجال أمام هزيمة مراكز النفوذ التي تضمن أنه لن يكون هناك خطورة في نجاح التربية من أجل التعددية الثقافية ولواقع التعدد الثقافي. هذه هي الطريقة التي تنجز فيها تربية التعددية الثقافية نهاياتها البارزة بشكل مترابط وكيف تحقق جوهر عنفها. لكن تربية التعددية الثقافية في اسرائيل هي مشروع يهزم ذاته.
إن تربية التعددية الثقافية التي تحقق ذاتها وتهزم مراكز النفوذ للميادين الثقافية الاسرائيلية، وشبكات التربية والديناميات الوفيّة لجوهرها لا تستطيع إلا أن تمضي في استعمار الميادين المجاورة على المستويات القومية، الإثنية، الجنسوية، الدينية، الطبقية، الثقافية والنفسية. ليس لهذا المشرع حدود، وعليه أن ينمي ويوسع حدوده حتى النصر النهائي أو الخلاص. في الوقت ذاته، فإنه يهرم ويروَّض ويصبح أدائياً، ويحدد دماره أو استبداله ببديل أكثر حيوية؛ بديل تربوي وسياسي موجّه مثالياً. وحتى لو عزل هذا النوع من التربية نفسه كثيولوجيا يهودية، بانتظار قدوم المسيح، فإنه يمتنع عن الهجوم العسكري والاقتصادي والثقافي ضد جيرانه، وهو جاهز للخطاب المفتوح مع جيرانه، وسوف يهاجمه جيرانه، الذين ينسجمون مع تربيتهم التطبيقية الخاصة بهم وهدفها الاستعماري. ذلك لأنها كثيولوجيا يهودية، لا تستطيع إلا أن تكون متمركزة إثنياً، وتستطيع تحقيق ذاتها فقط من خلال الاستعمار الداخلي، بما في ذلك التمييز ضد الآخرين بالنسبة لها، مثل اليهود الليبراليين، الوطنيين الفلسطينيين، أو الحركات النسوية الموجهة سياسياً. ليس من المستحيل التنبؤ أنه في حالة صعود الثيوقراطيا اليهودية، أو حتى في إصدار اللاتماثل ضمن الدولة اليهودية، فإن الفلسطينيين سوف يواجهون هذا العنف البنائي بعنف واضح. في هذه الحالة، فإن الصراع الكلي مع العرب في الشرق الأوسط هو سيناريو محتمل. إلى جانب التزام هذا التوجه الاستعماري الخارجي بالعقلانية الأدائية والفردية الغربية، فإنه ربما يضمن سقوط دولة اسرائيل.
إن التاريخ، على كل حال، ليس قدريّاً، وحتى في عهد ما بعد الحداثة فإن للإنسان طاقة استقلالية ومسؤولية نحو الآخر. من ناحية، لا يستطيع شيء أو أحد أن يجرّد الإنسان نهائياً من كل شيء. من ناحية ثانية، لا يستطيع الكائن البشري تحرير نفسه. الالتزام من أجل الحرية ليس من تجلي الإرادة الحرة، بل يتحدد بفضل شيء آخر تماماً. بمعنى ما، فإن الحرية هي التي تختار الإنسان الذي يُلزم نفسه بالتربية المضادة بطرق كثيرة غير متوقعة، وخطرة أحياناً. إن التيار الراهن والمسيطر في اسرائيل قد يتحول أو يتغير أو ينقطع فجأة بفضل شيء يختلف تماماً عن الواقع الحالي. إن الإمكانيات الجديدة سوف تُفتح. ولكن، حتى قبل أن تأتي تلك اللحظة، فإن قضايا التربية والتعددية الثقافية تطرق الباب، ونعرف على أية جهة من المتراس سوف نكون. إن ذلك يعني، بين أشياء أخرى، إن علينا أن نكون مستعدين لتحقيق التربية المضادة لواقع غير سلاميّ متعدد الثقافات، وكأسلوب ملموس للحياة.
الهوامش:
1- لكن حتى في العشرينيات أثناء فترة الهجرة الثانية، كان ثمة توجه أكثر اعتدالاً، أو توجه أداتي ايجابي انظر:
Yoram Bar-Gal, Moledet and Geography in Hundred Years of Zionist Education, Tel Aviv: Am Oved 1993, pp. 55-57
2.Uri Ben-Eliezer, The Emergence of Israeli Miliarism 1936-1956, Tel Aviv: Dvier 1995, pp. 137-140 (in Hebrew)
3.Stuart Hall, Introduction, in Stuart Hall (ed.), Representation: Cultural Representations and Signifying practices, London: Sage Publications 1997, p. 1-11.
4.Ilan Gur-Zeeve, Philosophy of peace education in a post-modern era, a keynote address at the August 2000 INPE Sidney conference.
5.Amnon Raz-Krakotzkin, The National Narration of Exile, Zionist Historiography and Medieval Jewry, doctoral dissertation 1996, p. 70 (in Hebrew).
6.Oz. Almog, The Sabra: A profile, Tel Aviv: Am Oved 1997, pp. 127-128
7. Edward Said, Orientalism, New York: Pantheon Books 1978
8.Zeev Jabotinsky, Shir Beitar, in: Beitar Israel, Department of Education, Main Chapters in the History of the Revolt, Tel Aviv 1963, p 7.
9.Ernesto Laclau, New Reflections on the Revolution of Our Time, London: Verso p. 33.
10.Uri Ram, Zionist historiography and the invention of modern Jewish nationhood: The case of Ben Zion Dinur, History and Memory 7:1 (1995).
11.Levi Kantor, 100 Years of Struggle 1865-1965: Jewish Workers in Czarist and Soviet Rassia, Tel Aviv: Yahard 1969, p. 73 (in Hebrew).
12.Shalom Razabi, Anti messianic anxiety, Zionism 20, Tel-Aviv 1996, p. 80 (in Hebrew).
13.Benjamin Beit-Hallahmi, Original Sins: Reflections on the History of Zionism and Israel, New York: Olive Branch Press 1993, p. 180
14.Emmanuel Levinas, Philosophy and infinity in Collected Philosophical papers, translated by Alphonso Lingis, Lancaster: Martinus Nijhoff Publishers 1987, pp. 47- 60.
15.Ruth Firer, Agents of Holocaust Lesson, Tel Aviv: Hakibutz Amehuhad 1989 (in Hebrew).
16.David Ben- Gurion, The Restored State of Israel, Tel Aviv: Am Oved 1993 (in Hebrew).
17.Yoram Bar-Gal, Homeland and Geography in a Century of Zionist Education, Tel Aviv: Am Oved 1993 (in Hebrew).
18.Dan Diner, Cumulative contingency: Historical legitimacy in Israel discourse, History and Memory 7:1 (Spring/ Summer 1995), 152. Moshe Bella (ed), The World of Jabotinsky, Tel Aviv: Defusim 1972, p 233.
19- قبل كل شيء - مبدأ الغائية الواحدة الصهيونية.. وأنا أبحث عن شباب يملك قناعة واحدة لا أكثر، الشباب الذين لا يريدون أكثر، وسيكونون فخورين (بالصهيونية) ويمدحونها أكثر من أية قناعة أخرى. خلق الله الأمة أولاً، وكل ما يساعد على احيائها مقدس، وكل ما يزعجها آثم، كل من يتدخل أسود، أسود في قناعته وفي راياته<.
20.David Ben- Gurion, The eternity of Israel, Stars and Earth, p. 130
21.Even if normally it is not a direct military use of force. On the nature of symbolic and non-mediated power see: Ilan Gure-Zeev, Total Quality Management and power/Knowledge Dialectics in the Israeli Army, Journal of Thought (spring 1997), pp. 911.
22.Juergen Habermas, Der Philosophische Diskures der Moderne, Frankfurt a. Main: Suhrkamp 1988, 136
23.Zigmunt Bauman, Postmodern Ethics, Oxford: Black well 1993, p. 232.
24.نحن هنا لا نقبل تفاؤلية تيموثي لوك، الذي يعتقد أن النظرية التقليدية لعلم ضباط الفضاء، يمكن أن تقوم بالخدعة، انظر:
Timothy W. Luke, Screens of Power: ideology, Domination, and Resistance in informational Society, Chicago: University of Illinois, Press 1989, p. 46.
25.كما سيتضح، هذا الادعاء لا يشارك الاطار النظري للنقديين التفاؤليين أمثال هنري جيروه، بيتر ماكلارين، وكاثرين فيلر، الذين يقبلون ما بعد الحداثة في نهاية المطاف، حول دمقرطة المعرفة الراهنة والطاقة التحررية للفن الشعبي. انظر:
Peter McLaren, Critical Pedagogy and Predatory Culture: Oppositional Politics in a Postmodern Era. London and New York: Rutledge. Henry Giroux, Teachers as Intellectuals: Towards a Critical Pedagogy of Learning, New York and London: Bergin & Garvey 1988, pp. 74-85.
26.Nathan Shneider, زThe Feature of loosing direction, Israeli Sociology 1 (2), (1999), pp. 451-459.
27.We do not mean that traditionally they were not also part of the system and its agents. Our assertion refers to the historical shift where teachers and parents are smoothly integrated to the system and are primarily its agents, and even as such they lose their traditional special place and become agents of lesser importance.
28.Ben Agger, A Crillical Theory of public life: knowledge, Discourse and politics in an Age of Decline, London and New York: The Falmer Press 1991, p. 77.
29.Timothy W. Luke, Social Theory and Modernily, London and New Delhi: Sage Publications 1990, p. 175.
30.On a sccular humanist critique on the current states education of Jewish values and on the Administration for value education see: Joseph Goel, The administration for education for values- the next bttlefield, Free judaism 10 (December 1996), p. 10.
31.On the religious parties commitments to constitute a Jewish theocracy see: Cershon Weiler, Jewish Theocracy, Tel Aviv: Am Oved 1976, p. 212.
32.Arnon Soffer, Israel Arabs in readiness for autonomy: The case of the Galilee Studies in the Geogrphy of Israel 13 (1992), pp. 198-209 (in Hebrew).
33.Arnon Soffer, The implications of geographic-demographic analyes paper for the conference on Multiculturalism in Israel, Gordon College, Haifa 23 December 1997.
34.Ernesto Laclu, Introduction, in Ernesto Laclau (ed), The making of Political Identities, London and New York: Verso, p. 5
35.Luis Runiger and Michael Fage, The Freier Culture and Israeli Identity, Alpayim 7 (1993), p. 136 (in Hebrew).
36.كغير اليهود، يتم التمييز ضد العمال الأجانب، ويعاملون تحت ظروف تمنعهم من المشاركة في الصراع على النفوذ، ذلك لأنه لا يُعترف بهم كهوية سياسية. ثقافياً، لا يعترف بهم وهم مهملون تماماً.
37.ilan Gur -Zeev, زIntroduction, in Ilan Gur-Zeev (ed), Conflicting philosophies of Education in Israel/Palestine, dordrecht: Kluwer, 2000, pp. 1-6.
38.Ilan Gur -Zeev, Toward a non-repressive critical pedagogy, Educational Theory, 48 (4), pp. 463-486.
39.Yael Tamir, Liberal Nationalism, Princeton: New Jersey 1993.
40.Homi Bhabha, Interrogating identity, Document 6 (1987), p 5.
41.homi Bhabha, Cultures in - between, in Stuart Hall and Paul Du Gay (eds), Questions of Cultural Identity, London,: Sage Publications 1996, p. 59.
42.Zvi Zameret, The Days of the Melting Pot, Sde Boker 1993, p. 2 (in Hebrew).
43.Shlomo Fisher, Two models of modernization: On analyzing the edot (ethnic groups) in Israel Theory and Criticism 1 (Summer 1991), pp. 1-22 (in Hebrew).
44.Viki Shiran, Oriental woman and others, Mizad Sheni 5-6 (October 1996), pp. 26- 28 (in Hebrew).
45.Charles Taylor, Multiculturalism and the politics of Recognition, Princeton, New Jersey: Princeton University press 1992, p. 73.
46.Walter Benjamin, Ueber den Begiriff der Geschichte:, Gesammelte Schriften, Frankfurt a. Main: Suhrkamp 1980, 1. 2, s. 703.
47.Ibid, s. 701 48.Ilan Gur-Zeev, Jan Mascheelein and Nigel Blake, .Reflection, a paper presented at the Oxford conference, 2-5 April 1998, Oxford.
49.Teresa Ebert, Political semiosis in/of American cultural studies, The American Journal of Semiotics 8: 1-2 (1991), p. 117
50.Ilan Gur-Zeev, Toward a non - repressive critical pedagogy Ibid.
51.Max Horkheimer, Kritische Theorie gestern und heute, Gesammelte Schriften 8 Frankfurt a. Main: Suhrkamp 1985, s. 346
52.Miche Walzer, Education, democratic citizenship and multiculturalism, Journal of philosophy of Education 29:2 (1995), p. 188.
53.Peter McLaren, Revolutionary Multiculturalism: Pedagogles of Dissent for the New Millenium, Oxford 1997, p. 209.
54.Ibid, p. 295
55.For the critical attitude of this trend see Peter Mclaren, ibid., p. 297. For a representation of a liberal attitude see Walter Feinberg, Liberalism and the aims of multicultural education, Jorunal of Philosophy of Education 29:2 (1995), pp. 203- 216.
56.Richard Rorty, Philosophy and the Mirror of Nature, Princetion University Press 1979, p. 189.
57.
Pesahim 58.Ilan Gur-Zeev, A well- fortified secular reservation, Haaretz (26 November 1996), p. 26 (in Hebrew).
59.Nimrod Aloni, زEducation for the defense of democracy, Hed Hachimach (June 1997), pp. 6-7 (in Hebrew).
60.Ilan Gur-Ze ev, Ibid