دخلت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة شهرها الثاني. وقد جرى شنّها في إثر الهجوم المباغت لحركة حماس على مواقع عسكرية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، وعلى ما يعرف باسم "بلدات غلاف غزة"، يوم 7 تشرين الأول الماضي. وبالرغم من انشغالنا في الوقت الحالي بعملية جمع المواد المتعلقة بالحرب وتوثيقها وأرشفتها، بما يُتيح لنا في المستقبل إمكان الوقوف التفصيليّ عندها، وفهم ما أدّى إليها وما وقف وراءها غير بعيد عن سياقها المُحدّد وعن السياق الأوسع، التاريخيّ، فإن هذا لا يمنع من القيام هنا بوقفة استبصار من أجل إجمال ما استجد منها حتى الآن، وتقديم ماهية قراءتها في تطوراتها وتداعياتها الآخذة بالتراكم، من وجهة نظر المحللين الإسرائيليين أنفسهم.
في تعقيبه على بدء العملية البرية في قطاع غزة، قال رئيس الولايات المتحدة جو بايدن: "يجب أن يكون هناك تصور لما سيأتي بعد الحرب... من وجهة نظرنا يجب أن يكون هناك حل على أساس دولتين". منذ بدء الانقسام الفلسطيني ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، تم وضع مسار "حل الدولتين" على الرف إلى حين توحد الفلسطينيين تحت قيادة واحدة. اليوم، وبعد أن وضعت إسرائيل لنفسها هدفا حربيا يكمن في "إسقاط حركة حماس عن السلطة في غزة"، تبرز ثلاثة أسئلة لا إجابات عليها حتى الآن: 1) هل هذا الهدف قابل للتطبيق؟ 2) في حال تم تطبيقه، ما هو المستقبل السياسي للقطاع؟ 3) هل هذا المستقبل السياسي، الذي ما يزال غير واضح المعالم، سوف ينقل ملف "حل الدولتين" من الرف ليضعه كاستحقاق أمام الحكومة الإسرائيلية من جديد؟
من الصعوبة بمكان إيجاد أجوبة إسرائيلية واضحة على هذه الأسئلة. ولكن هذه الورقة تجول فيما بين هذه الأسئلة وتهدف إلى شرح وتفكيك العقيدة التي نظمت علاقة إسرائيل مع قطاع غزة قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهي عقيدة تتأسس على عرقلة مسار حل الدولتين. وتحاول الورقة أن تنظر في الثابت والمتحول في هذه العقيدة.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، سلّطت العديد من التقارير والتحليلات الضوء على علاقة إسرائيل بالدول حول العالم. وعلى الرغم من أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الكبرى قد نالت الاهتمام الأكبر في هذه التقارير باعتبارها دولاً منحازة لإسرائيل بشكلٍ شبه مُطلق، إلّا أن هناك من التفت إلى ضرورة أن تركّز إسرائيل أيضاً على علاقتها مع الدول المقابلة للمعسكر الغربي الذي تقوده الصين وروسيا في محاولة لفهم موقفها من الحرب الدائرة للبناء على ذلك في المستقبل بما يضمن مصالح إسرائيل. في هذه المساهمة، نستعرض أبرز ما جاء في تقرير نشره "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" في جامعة تل أبيب بعنوان "الحرب الدائرة على قطاع غزة أضرّت بمكانة الصين في الشرق الأوسط"، أعدّته غاليا لافي، المختصة في العلاقات الإسرائيلية- الصينية.
تكاثرت في الأيام الأخيرة، التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، خاصة المتخصصة منها، وأخرى رسمية، والتي تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يغوص منذ الآن، في أزمة اقتصادية كتلك التي شهدها في مطلع سنوات الألفين، في فترة العدوان على الضفة والقطاع الذي جوبه بالانتفاضة الثانية، وبحسب أبرز التقارير فإن 19% من القوة العاملة، توقف عملها لأسباب متعددة، منها تجنيد الاحتياط (حوالي 8%)، في حين أن قطاعات اقتصادية باتت مشلولة وأخرى على وشك الشلل. في المقابل، وهذا ما يقلق إسرائيل، فإن معاهد التقديرات الاقتصادية العالمية باتت تطرح مستقبلا سوداويا للاقتصاد الإسرائيلي، وفي خضم كل هذا، تكاثرت الدعوات لاستقالة عاجلة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية فشله في الإدارة العامة للدولة، وبضمنها الاقتصاد.
الصفحة 87 من 876