حذر محافظ بنك إسرائيل المركزي، البروفسور أمير يارون، من أنه في حال تدهورت الأوضاع الأمنية مجددا، ويقصد بذلك استئناف الحرب على قطاع غزة، فإن هذا سوف يقود إلى قلاقل اقتصادية إسرائيلية أشد، ما سيمنع البنك المركزي من خفض الفائدة في النصف الثاني من العام الجاري. وتأتي تصريحات يارون هذه في ظل معطيات اقتصادية جديدة تدل على الأزمة الاقتصادية، ومن أبرزها انكماش ضمني للنمو الاقتصادي، الذي ارتفع في العام الماضي بنسبة 1%، وهي نسبة تقل عن نسبة زيادة السكان في العام الماضي. كما أن التضخم المالي سجل ارتفاعَا كبيرَا في الشهر الأول من العام الجاري، إلا أن المحللين والخبراء يتوقعون أن هذا التضخم هو ارتفاع لمرة واحدة، بفعل إجراءات اقتصادية كانت مخططة ومعروفة سلفَا.
انكماش ضمني للاقتصاد الإسرائيلي
أعلن مكتب الإحصاء المركزي في نهايات الشهر الماضي، شباط، أن النمو في العام الماضي 2024، سجل ارتفاعا طفيفا بنسبة 1%، وهذه النسبة تُعد انكماشا ضمنيا للاقتصاد، لأنه يقل عن ارتفاع نسبة السكان، 1.3%، والتي هي أيضا منخفضة بفعل الحرب، إلا أنه حتى نسبة النمو هذه، كان من المفترض أن تكون أقل، لأن ما رفعها، بحسب التقارير، كان صرف الحكومة على الحرب، في الجانبين العسكري والمدني، إلى جانب عوامل أخرى، لا تدل فعلا على أن النمو ارتفع بهذه النسبة، وهذا بحسب ما يؤكده محللون وخبراء اقتصاد إسرائيليون.
وحسب ما هو معروف، فإن هذه النسبة المعلنة حتى الآن هي أولية، وفي الغالب يتم تعديلها إما لأقل أو أعلى، بعد استكمال احتساب كافة التقارير، وعادة يكون هذا بعد انتهاء الربع الأول من العام الجاري، بمعنى في شهر نيسان المقبل.
وبحسب تقرير مكتب الإحصاء، فإن ارتفاع النمو بنسبة 1%، يعني أن النمو بالنسبة للفرد قد انكمش بنسبة 0.3%، بمعنى أنه يتم احتساب كل جوانب النشاط الاقتصادي، بكافة فروعه التجارية والخدماتية وغيرها، ويتم قسمها على عدد السكان.
وفي سنوات الألفين، كان عدد السكان يرتفع سنويا بما بين 1.7% وحتى 2%، والنسبة الأخيرة كانت في كل واحد من العامين الأخيرين قبل الحرب، إلا أنه في زمن الحرب ارتفع عدد السكان بنسبة 1.3% في العام الماضي، و1.5% في العام 2023، وانخفاض النسبة يدل أساسا على أن عدد مغادري البلاد كان أكبر من عدد المهاجرين إليها، أو العائدين إليها، وهذا بفعل الحرب.
وبحسب ما نشر، فإن حجم الاقتصاد الإسرائيلي تجاوز في العام الماضي 2 تريليون شيكل (ألفا مليار شيكل)، وهذا يعادل 556 مليار دولار، وأن حصة الفرد من هذا 201 ألف شيكل، ما يعادل 56 ألف دولار. لكن هنا من الضروري الإشارة إلى أنه في حصة الفرد يدخل الصرف العسكري، الذي نسبته أعلى بكثير من النسبة ذاتها في الدول المتطورة في العالم.
ووفق أبحاث سابقة، فإن نسبة الصرف على العسكرة والاحتلال والاستيطان، في محيط 30% من حجم الاقتصاد ككل، ومن المؤكد أنها نسبة ارتفعت في زمن الحرب؛ ومن دون الصرف العسكري، فإن حجم النشاط الاقتصادي يكون أقل، وهذا ينعكس في المعدل للفرد.
ويُظهر تقرير مكتب الإحصاء تراجعا حادا في الصادرات الإسرائيلية بنسبة 4.6%، وتراجع الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 5.9%، والأخيرة تعني خروج استثمارات أجنبية وإسرائيلية من البلاد.
وبحسب التحليلات الاقتصادية، كما ذكر هنا، فإن نسبة النمو كان من شأنها أن تكون أقل من 1%، إلا أنه في الربع الأخير من العام الماضي، زاد الصرف الحكومي على القطاعين العسكري والمدني بفعل الحرب، كما أن السوق شهدت نشاطا اقتصاديا أعلى من الأشهر التسعة التي سبقت الربع الأخير، إذ أن الجمهور والقطاع الاستثماري أقدما على ابرام صفقات في نهاية العام، قبل دخول ضرائب جديدة حيز التنفيذ في مطلع العام الجاري 2025.
والنشاط الاقتصادي في الربع الأخير هو ما ساهم في ارتفاع الاستهلاك الفردي في العام الماضي بنسبة 3.9%، لكن هذه النسبة تأثرت أيضا من الصرف الحكومي على القطاع المدني، وخاصة المخصصات التي صرفت على من تم إخلاؤهم من بيوتهم في الشمال والجنوب.
الفائدة العالية عبء على الجمهور
وكان بنك إسرائيل المركزي قد قرر، الأسبوع الماضي، الإبقاء على الفائدة البنكية الأساسية، عند 6% بالمجمل، منها 1.5% ثابتة، بذريعة أن التضخم المالي (الغلاء) ما زال عاليا، مع توقعات بأن يستمر التضخم عاليا في الفترة القريبة المقبلة.
وحسب التوقعات، فإن بنك إسرائيل لن يخفض الفائدة أيضا في موعد قرار الفائدة التالي، أوائل شهر نيسان المقبل، وكذا على الأغلب في الإعلان الثالث عن الفائدة، في نهايات شهر أيار.
وتشكل الفائدة البنكية العالية عبئا آخر على الجمهور، إذ أنه حسب تقارير سابقة، فإن كل نسبة 1% للفائدة، تدر على البنوك التجارية سنويا مداخيل بقيمة تفوق 5.2 مليار شيكل (1.45 مليار دولار). وتشكل الفائدة البنكية العالية مصدرا رئيسا لأرباح البنوك، التي سجلت العام الماضي ذروة جديدة، إذ حسب التقديرات فإنها ستكون ما بين 29 مليار إلى 32 مليار شيكل ربحا صافيا للبنوك الخمسة الكبار، وهذا ارتفاع يفوق بنسبة 20% عن أرباح تلك البنوك في العام 2023.
وتفرض البنوك نسب فوائد أعلى من الفائدة الأساسية، وأحيانا تفوق ضعفها على الجمهور، فيما تمنح فوائد أقل من الفائدة الأساسية على الإيداعات، وبقدر جدي، كما أنها تمتنع عن منح فائدة على الأموال في الحسابات الجارية. وعلى ضوء هذا، يعالج الكنيست حاليا مشاريع قوانين بادر لها النواب، تفرض نوعا من القيود على البنوك، وأحد هذه القوانين هو قانون يفرض منح فائدة على الأموال في الحسابات الجارية، وقد دخل فعلا مسار التشريع الأولي.
ويعترض بنك إسرائيل المركزي على سن قوانين تتعلق بالبنوك، هي حاليا إجراءات يقرها البنك المركزي، ويسعى للجم مشاريع القوانين هذه، وحتى منعها. وفي الأسبوع الماضي، دعا البنك المركزي البنوك التجارية إلى تقديم 1.5 مليار شيكل للجمهور، في كل واحد من العامين الجاري 2025 والمقبل 2026، على أن يكون هذا من خلال تخفيف الفوائد على القروض والسحب الزائد، وأيضا منح فائدة على الأموال في الحسابات الجارية.
تحذيرات محافظ بنك إسرائيل
وقال محافظ بنك إسرائيل، البروفسور أمير يارون، في مقابلة مع صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "هآرتس"، إن بنك إسرائيل ينوي البدء بخفض الفائدة في النصف الثاني من العام 2025، استنادا إلى المؤشرات القائمة حاليا، لكن هذا قد يتوقف في حال تدهورت الأوضاع الأمنية، وتم استئناف الحرب.
ويقول يارون إنه من المتوقع عودة التضخم إلى النطاق الذي حدده بنك إسرائيل (1%- 3%) في النصف الثاني من العام تقريبا. وأوضح: "نعتقد أنه خلال هذه الفترة سنكون في وضع حيث سيكون المزيد من الناس مقتنعين بأن التضخم لا يدخل النطاق كحركة اقتصادية ميكانيكية، بل أن جميع ديناميكيات التضخم تسير في الاتجاه الصحيح، وعلى المستويات الصحيحة. وعندما يحدث هذا سنرى إن كان البنك سيخفض الفائدة في دفعة واحدة أو اثنتين".
ويحذر يارون من أنه في حالة وجود قلق في بنك إسرائيل بسبب عدم اليقين، أو في حالة ارتفاع التضخم، فإن تخفيضات أسعار الفائدة ستكون في وقت أبعد. وقال: "بالطبع، يمكن أن يكون لتفاقم الأحداث الجيوسياسية تأثير آخر. نحن ندرك أننا في بيئة تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين. ومن المحتمل بالتأكيد أن نجد أنفسنا في وضع مماثل لما هي عليه الحال في الولايات المتحدة، حيث التضخم أكثر صعوبة، وسوف تستغرق العملية بعض الوقت".
وكان التضخم قد بلغ عند نهاية كانون الثاني الماضي مستوى 3.8%، لكن، حسب التحليلات الرسمية والخاصة، فإن هذا الارتفاع كان يعود في الأساس إلى القرارات الحكومية، وزيادة ضريبة القيمة المضافة، التي كانت معروفة مسبقاً. وقال يارون إن "جزءا كبيرا من الزيادة البالغة 0.6% في مؤشر كانون الثاني الماضي، كان بالفعل بسبب القرارات الضريبية، ولكن لم تكن كل الزيادة بسبب ذلك. فهناك عناصر زادت لأسباب أخرى".
وبشأن النمو الاقتصادي الذي سجل في العام الماضي ارتفاعا بنسبة 1%، قال يارون: "لا يزال الاقتصاد ساخنا إلى حد كبير، وهذا يساهم في الضغوط التضخمية. فالاستهلاك المحلي قوي جدا، وسوق العمل ضيقة، وتشير الدراسات الاستقصائية أيضا إلى نقص الأيدي العاملة. لذلك، قد يؤدي انخفاض الفائدة في نهاية المطاف إلى زيادة التضخم. نحن نرى نموا أقل قليلا في الربع الأخير من العام الماضي، لكن هذا ليس بسبب تباطؤ نشاط الطلب، وإنما ربما يعبّر ببساطة عن قيود العرض، لأن الاستهلاك لا يزال مرتفعا. لذلك لا تزال هناك حاجة إلى سياسة حذرة. وإلى الحد الذي تبدو فيه العملية متقاربة وبطريقة سريعة، يمكننا العمل لصالح سياسة توسعية (بقصد خفض الفائدة) بشكل أسرع".