لم تبقِ أطراف الائتلاف الحكومي الإسرائيلي زاوية واحدة هادئة في حياة الإسرائيليين على ما يبدو، فقادة حكومة بنيامين نتنياهو وأعضاء الكنيست من الائتلاف يظهرون كما لو أن كل واحد منهم يسحب "بندقيته الرشاشة" ويصوّبها إلى حيثما شاء. ففي أوج الهجوم على قادة الأجهزة الأكثر حساسية: الجيش والمخابرات والشرطة والقضاة والمستشارين القانونيين، يفتح المتدينون المتزمتون ملف مشروعهم القديم الجديد: فصل الرجال عن النساء في الحيّز العام، وبشكل خاص في التجمعات السكانية التي يتواجدون فيها، إذ أن الفصل في مستوطناتهم والأحياء الخاصة بهم قائم طوال الوقت. وفي الأيام الأخيرة تفجر هذا الملف في قضيتين، كانتا كافيتين لتصعيد الاحتجاجات ضد الحكومة، ليصل الأمر إلى مداولات المحكمة العليا، وأيضا إلى جلسة خاصة في الكنيست.
لا تُعدّ الفتوى القانونية الجديدة الصادرة عن منظمة "يش دين" ["يوجد قانون"] الإسرائيلية لحقوق الإنسان بشأن سياسة إسرائيل حيال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، والتي نقدّم قراءة لها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، الوثيقة الإسرائيلية الوحيدة التي تحوصل تلك السياسة، ولكن مع ذلك فهي تنطوي على أهمية خاصة بسبب تزامنها مع ما تقوم به الحكومة الحالية من ممارسات ميدانية في هذه الأراضي والتي سبق أن وصفتها جهات إسرائيلية بأنها تضمر استراتيجيا جديدة تسعى للقضاء على التطلعات الوطنية الفلسطينية، وعلى الخيار السياسي للتسوية، وتحضير الأوضاع لضم كل مناطق "ج" في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، ولاحقاً إنشاء وضع "دولة واحدة مع تفوّق يهودي"، على حدّ ما نوهنا في العدد السابق.
أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، بتركيبة قضاتها الـ 15 جميعاً، الأسبوع الماضي (9 آب الجاري)، أمراً احترازياً تأمر فيه الكنيست والحكومة الإسرائيليتين بتقديم مبرراتهما لعدم إلغاء التعديل الذي أجراه الكنيست مؤخراً على "قانون أساس: القضاء" والذي قضى، أساساً، بنزع صلاحية المحكمة العليا للنظر في ـ وبالتالي، إلغاء ـ قرارات صدرت عن الحكومة، رئيس الحكومة أو أي من وزرائها. ويأتي هذا الأمر الاحترازي في أعقاب الالتماسات التي قُدّمت إلى هذه المحكمة ضد التعديل المذكور. وقد حرص القضاة على التوضيح أن قرارهم إصدار هذا الأمر الاحترازي "تفرضه اعتبارات نجاعة العمل/ النظر في الالتماسات وليس ثمة فيه ما يمكن أن يشي بموقف المحكمة بشأن الالتماسات أو بالنتيجة القضائية التي ستنتهي إليها المحكمة".
"ربيع الحريديم" قد يكون الوصف الأنسب لجمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، فهم يتلقون ميزانيات مباشرة وغير مباشرة، غير مسبوقة بحجمها، دون ضغوط لدفع رجالهم نحو سوق العمل، وبالذات دون ضغوط لفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على شبانهم، في حين أنهم متحمسون لقوانين تقويض جهاز القضاء الإسرائيلي، والانتقاص من صلاحيات المحكمة العليا، وبموازاة ذلك فإنهم يستعدون لسن قوانين تخدمهم، وتزيد من أنظمة الإكراه الديني، القائمة منذ عشرات السنين.
الصفحة 84 من 859