المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 49
  • أنطوان شلحت

وفقاً لبيانات الناطق العسكري الإسرائيلي، صعّد الجيش الإسرائيلي منذ أكثر من أسبوع عملياته العسكرية في مناطق شمال الضفة الغربية ضمن ما توصف بأنها "حملة السور الحديدي" التي بدأت في يوم 21 كانون الثاني الماضي، حيث دخلت دبابات إلى ساحة القتال في الضفة الغربية لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً وتحديداً منذ عملية عملية "السور الواقي" العام 2002. وتشارك في هذه الحملة قوات من لواء "ناحال" ومن وحدة "دوفدفان" إلى جانب وحدة مدرعة تضم دبابات. وأتى هذا التصعيد العسكري في أعقاب محاولة تفجير استهدفت حافلات باص في منطقة تل أبيب الكبرى لم تسفر عن وقوع إصابات بشريّة.

في سياق متصل أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس توسيع العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية، وأن الجيش بدأ بتنفيذ عمليات في بلدة قباطية وذلك إلى جانب تعزيز القوات الإسرائيلية بوحدات مدرعة وقوات إضافية.

وبحسب كاتس أجبر الجيش الإسرائيلي 40 ألف فلسطيني على مغادرة مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين الفلسطينيين، "والتي أصبحت الآن خالية تماماً من السكان". وأشار كذلك إلى تعطيل عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) داخل هذه المخيمات. وذكر أنه أصدر أوامر إلى الجيش الإسرائيلي بالاستعداد للبقاء في هذه المناطق مدة عام وذلك بهدف منع عودة السكان إلى المخيمات، مشدداً على أن قوات الجيش لن تسمح بعودة السكان وعودة "الإرهاب" إلى النمو. كذلك شدّد كاتس على أن العمليات العسكرية ستتواصل لتشمل مخيمات ومراكز فلسطينية أخرى، ضمن استراتيجيا إسرائيلية عامة تهدف إلى تفكيك كتائب مسلحة وتدمير بنيتها العسكرية، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات تأتي ضمن ما وصفها بأنها حرب على "الإرهاب الإسلامي المتطرف" تهدف إلى تفكيك كتائبه وبنيته التحتية التي قام "محور الشر الإيراني" ببنائها وتسليحها وتمويلها وتدريبها. ولفت أكثر شيء إلى أن العمليات العسكرية في شمال الضفة الغربية سوف تستمر حتى "القضاء التام على الإرهاب". وسرعان ما قام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالتوجّه إلى طولكرم وبالوقوف خارج مخيم اللاجئين وصوّر فيديو تفاخر فيه قائلاً "إننا ندمر شوارع كاملة يستعملها ’الإرهابيون’"!.

واستناداً إلى ما تتداوله وسائل الإعلام الإسرائيلية على وجه التحديد، تشي آخر المستجدات المتعلقة بأراضي الضفة الغربية بما يلي:

أولاً، ثمة تلميحات إلى أنه مع استكمال المرحلة الأولى من صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، تم الإفراج عن أكثر من 400 أسير فلسطيني إلى أراضي الضفة الغربية. ولا بُدّ من قيام إسرائيل بمنعهم من بناء "بنى إرهابية" في مناطق مختلفة من الضفة ("يديعوت أحرونوت"، 26/2/2025). وفي موازاة ذلك، قامت قيادة المنطقة العسكرية الوسطى بتعزيز قوات الجيش الإسرائيلي بحجة تأمين محاور طرق ومستوطنات تحضيراً لشهر رمضان. وبحسب الناطق بلسان الجيش، تم تعزيز قوات تلك القيادة بثلاث كتائب وفرقة من الدبابات، فضلاً عن أن الجيش نشر مئات الحواجز العسكرية، بينها حواجز تهدف إلى الفصل بين محاور حركة مرور الفلسطينيين وبين الطرقات المشتركة لهم وللمستوطنين، بغية "تقليص خطر عمليات إطلاق النار من مركبات مسرعة". وقبل أسابيع "تم نقل ناقلات جند مدرعة إلى عدد من المستوطنات في منطقتي جنين ونابلس، كجزء من تقوية منظومة الدفاع وتعزيزها في مواجهة أحداث طارئة".

ثانياً، تزعم قيادة الجيش الإسرائيلي إلى أن شمال الضفة الغربية يُعدّ بمثابة "بؤرة إرهابية إيرانية" ينشط فيها نحو ألفي عنصر "إرهابي" مسلح في مخيمات اللاجئين وفي مدن جنين ونابلس وطولكرم. وقد أضحت هذه المنطقة هدفاً مركزياً لعمليات الجيش الإسرائيلي بسبب قربها من مراكز سكنية إسرائيلية كبيرة داخل "الخط الأخضر" ومن المستوطنات المحاذية لخطوط التماس ("يسرائيل هيوم"، 24/2/2025). 

ثالثاً، لدى متابعة تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس السالفة، وما ينشر على ألسنة أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أول ما يلفت النظر هو تأكيدهم أن ثمة استراتيجيا إسرائيلية جديدة حيال الضفة الغربية. وبموجب ما أكد عليه مثلاً الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، فإن تعليمات المستوى السياسي تقضي بزيادة العمليات العسكرية، واعتقال ناشطين، وتدمير بنى تحتية "إرهابية"، ومصادرة السلاح والقضاء على مصانع إنتاجه. وبرأيه فإن الخطوات المتخذة في شمال الضفة الغربية هي في الاتجاه الصحيح لا بل يجب أن تكون أكثر قوة لأن "مراكز ’الإرهاب’ في الضفة الغربية التي تتصرف مثلما تتصرف غزة، يجب أن تصبح مثل غزة"، في إشارة إلى ما آلت إليه الأمور في غزة من تهجير وتدمير شامل ("معاريف"، 24/2/2025). وفيما يتعلق بوسائل الردع، يشدّد بن شبات على أنه يجب عدم استخدامها بالتدريج، بل البدء بها بقوة، من خلال هدم المنازل والطرد، والتهجير، ومصادرة الأموال، ومعاقبة المشغّلين والمساعدين!

رابعاً، تنوّه تحليلات إسرائيلية متطابقة بأن وزير الدفاع كاتس أكد في تصريحاته بشأن شمال الضفة الغربية الشكوك في أن ما يجري ليس عبارة عن عمليات محدودة ضد تنظيمات "إرهابية" هناك، بل هو تنفيذ لخطة اليمين المتطرف بشأن تهجير سكان المخيمات لفترة طويلة من الوقت. ويحتفل اليمين المتطرف وممثلوه في الكنيست بهذا الأمر، فالوزير بتسلئيل سموتريتش نجح في اجتياز نسبة الحسم في استطلاعات الرأي العام. ويدّعي وزير الدفاع وقيادة الجيش أن هذه هي طريقة الدفاع عن الإسرائيليين في وجه "الإرهاب الإسلامي". وأكد المحامي إيتاي ماك، الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، أنه في ضوء عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وضعف منظومة القانون والنظام الدوليَّيْن، وحتى قبل ذلك، لا يبدو أنه توجد في هذه المرحلة أطراف دولية قادرة على وضع كوابح لسلوك الحكومة الإسرائيلية، وحتى على الصعيد الداخلي الإسرائيلي لا توجد عناصر مهمة في المعارضة تهمها حقوق الإنسان ومصير السكان المدنيين الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم في ظل عمليات الجيش الإسرائيلي في المخيمات، أو في أماكن أُخرى في الضفة، بسبب المجازر والهجمات الإرهابية للناشطين من المستوطنين واليمين الإسرائيلي ("هآرتس"، 25/2/2025).

خامساً، في ما يخص الإدارة الأميركية الجديدة والرئيس دونالد ترامب فإن الأوساط المقربة من نتنياهو تعتبر، حتى الآن، أن ترامب ليس وسيطاً حيادياً بأي حال من الأحوال. فهو، على ما يؤكد السفير الإسرائيلي المتقاعد يورام إتينغر، عضو جمعية "طاقم القادة الأمنيين"، مثلاً، يتحرّك وفق المصلحة الأميركية العليا، وعلى قناعة بأن إسرائيل تشكل قوة مضافة تدرّ دولارات إضافية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، اقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً. ويعتبر ترامب "الإرهاب الإسلامي" تهديداً للديمقراطيات الغربية، وبينها الولايات المتحدة، ويدرك ضُعف حلف شمال الأطلسي ("الناتو") وعدم استعداده للتحرك، عسكرياً وسياسياً، ضد "الإرهاب الإسلامي". كذلك هو يدرك أن سكين إيران والإخوان المسلمين موضوعة على رقاب كلّ نظام عربي لديه علاقات وثيقة مع الأميركيين. ومن هنا، كان الاستنتاج لدى ترامب بأن إسرائيل حليفة مفيدة وموثوق بها، ولديها خبرة أكثر من الولايات المتحدة في محاربة "الإرهاب الإسلامي"، وهو على ما يبدو الاستنتاج الذي يحكم سلوكه إلى الآن ("معاريف"، 26/2/2025).

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات