أنهى الكنيست الإسرائيلي الـ 25، في الثلاثين من تموز الماضي، دورته الصيفية، وبالتالي أنهى عامه البرلماني الأول، الذي يجمع الدورة الشتوية أيضاً. وبرغم الصخب الذي شهده الكنيست، وبقدر أشد بكثير حملة الاحتجاجات الشعبية على مدى 7 أشهر، وما تزال متواصلة، إلا أن الائتلاف الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يرتكز على 64 نائبا، يُظهر تماسكا غير مسبوق منذ سنوات طوال، على مستوى الحكومات السابقة؛ فالنقاش الذي ظهر في حزب الليكود في الأيام الأخيرة، باعتراض البعض على الاستمرار بتعديلات قانون جهاز القضاء، دون البحث عن توافق واسع، هو مجرد نقاش داخلي، لا يعكس تمردا على نتنياهو، أو تمهيدا لتصدع في كتلة الليكود، الخاضعة كليا لإملاءات نتنياهو.
بتاريخ 19 تموز الماضي، وفي الغرفة رقم 2750 في الطابق الثاني من مبنى الكنيست، عقدت لجنة الخارجية والأمن البرلمانية جلسة خاصة لوضع خطة لمواجهة ما سماه المجتمعون "سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، والرد الإسرائيلي على ذلك".
اقترح وزير المال بتسلئيل سموتريتش، رئيس "الصهيونية الدينية" والوزير الثاني في وزارة الدفاع، والذي طغى خطابه الاستيطاني على الجلسة، أن يتم إدراج أفعال السلطة الفلسطينية تحت بند "أعمال سياسية معادية"، وطالب ببلورة خطة وطنية صهيونية لضبط الأمور. تقدم هذه المقالة قراءة في مخرجات هذه الجلسة التي تعتبر، كما كتبنا مرارا وتكرارا في صفحات "المشهد الإسرائيلي"، خطوة أخرى في اتجاه إنهاء اتفاقيات أوسلو من قبل التيار الاستيطاني الحاكم في إسرائيل.
يرى البعض أن سبب الأزمة التي تواجهها إسرائيل حاليا محصور في سلوك زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الخاضع إلى ضغوط بعض أعضاء الحزب، كوزير العدل ياريف ليفين، ولشركاء نتنياهو من الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحكومي - إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وغيرهما- مستغلين حاجته لتعديل النظام القضائي بما يخدم مصلحته الشخصية في مواجهة محاكمته. وأحيانا يتم تحييد الجانب الفكري والقناعات والجذور السياسية لنتنياهو منذ بروزه في العمل الدبلوماسي في الثمانينيات وفي العمل السياسي أواخر ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي حتى فوزه بزعامة حزب الليكود العام 1993 بعد سلسلة من المناصب السياسية السابقة في العمل الدبلوماسي في واشنطن وفي الأمم المتحدة (1982 – 1988). وتحصر بعض التحليلات سلوك نتنياهو الحالي فقط بالتطورات المتعلقة بمحاكمته بدءا من الشروع بالتحقيق معه في نهاية عام 2016 وصولا إلى اتهامه والبدء بمحاكمته المتواصلة حتى الآن.
الأزمة الداخلية الحالية، بما في ذلك طريقة إدارتها، هي حدث تدميريّ متواصل وغير مسبوق في إسرائيل، لا من حيث حدته ولا من حيث نطاقه ولا من حيث إسقاطاته المستقبلية. من الصعب جداً تقدير كيفية تطور هذا الحدث ووجهات تطوره، إلا إن الفرضية المتفق عليها هو أنه قد نشأ في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة "ميزان رعب" غير مستقرّ ما بين الحكومة والحركة الاحتجاجية. ومن المشكوك فيه، جداً، إن كانا، كلاهما أو كل منهما على حدة، معنيين بالبحث عن إمكانيات التجسير على الفجوات العميقة بينهما، أو مدركين لضرورة هذا البحث أو قادرين عليه. ذلك أن القضية لا تنحصر في المواضيع العينية المتعلقة ببرنامج "الإصلاح" الحكومي في المجال القضائي، وإنما هي تطال، في العمق وبقوة كبيرة، الشرخ الاجتماعي العميق، السابق على الأزمة الحالية بكثير.
الصفحة 86 من 859