أنهت محاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بقضايا فساد، في الأسبوع الماضي، أحد فصولها المركزية، إلا أن خط النهاية في هذه المحاكمة يبدو أنه ما زال بعيدا سنوات، في قضايا حينما تفجرت في نهاية العام 2016، ظنّ المحللون والمراقبون والمختصون، أنها ستبعد نتنياهو عن الحلبة السياسية في غضون أشهر، أو في غضون عام على الأكثر، لكن المحكمة الفعلية بدأت بعد أكثر من 4 سنوات، وهي دائرة منذ عامين و5 أشهر، والتقديرات تقول إنه ينتظرها وقت أطول، وأن خيار التسوية ما زال معقدا، وزاد من تعقيداته تصريح مشترك للقضاة الثلاثة، غير مسبوق في قضايا حساسة كهذه، أكسب نتنياهو نقاطا، تبعده كما يبدو عن التهمة الأخطر في الملفات الثلاثة، وهي قضية الرشوة. ومن الضروري الإشارة، إلى أن كل هذه القضية ثبت أنها لا تؤثر على شعبية نتنياهو انتخابيا.
في حزيران 2023، نشر ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي ورقة بحثية قال فيها، بلكنة تُعدّ ناقدة وغير راضية، إن التاريخ قد أثبت أن محاولة هزيمة مجموعات مقاومة من خلال استخدام القوة العسكرية وحسب سيكون مصيرها الفشل الحتمي، خصوصا إذا كانت هذه المقاومة صاحبة تطلعات وطنية- قومية. وردت هذه العبارة في معرض انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية. فقد أوضحت الورقة بأن ممارسة القيادة الوسطى للجيش الإسرائيلي، باعتبارها القوة المكلفة بالسيادة على الأرض المحتلة، تتأثر حاليا بنزعتين متناقضتين: من جهة، هناك المعرفة العسكرية المتراكمة على مدار 56 عاما من عمر الاحتلال التي تقوم بالموازنة بين سياسة "العصا" (استخدام القوة العسكرية) وسياسة "الجزرة" (تسهيلات اقتصادية وتوفير أفق سياسي لتقويض مسببات الانتفاض الفلسطيني). من جهة ثانية، هناك صعود واضح لسياسات اليمين الجديد التي اعتبرها "صقرية"، ومحافظة، وتدعو إلى التقليل من سياسة "الجزرة" والارتكاز قدر المستطاع إلى مركب القوة العسكرية القامعة. على ما يبدو، فإن هذا التوجه الجديد هو الذي يكمن خلف الأسلوب الذي تحكم به إسرائيل الضفة الغربية منذ بضعة أعوام والمتمثل في سياسة استخدام القوة، ثم المزيد من القوة، بدون رفد هذا التصعيد العسكري بتسهيلات اقتصادية (مثلا، تحرير أموال المقاصة المحتجزة) أو تسهيلات سياسية (فتح قنوات اتصال رسمية مع السلطة الفلسطينية لـ "تنفيس" المناخ العام السياسي).
تناول تقرير جديد لرقابة الدولة السلطات المحلية في إسرائيل للعام 2023 "مجموعة من القضايا التي تقع في صميم عمل السلطات المحلية" كما عرّفها، متابعاً أن السلطات المحلية في إسرائيل تتولى "مسؤولية توفير الخدمات الحكومية والمحلية لسكانها، والاعتناء برفاهيتهم وتلبية احتياجاتهم اليومية. السلطات المحلية مسؤولة أيضا عن كل من البنية التحتية الفعلية - تعبيد الطرق المحلية، وبناء وتخطيط المدن، وأنظمة الصرف الصحي، وتصريف مياه المجاري، والبنية التحتية الاجتماعية - الخدمات الاجتماعية، والخدمات التعليمية، والثقافية والرياضية. تتمتع السلطة المحلية بقدر كبير من الاستقلالية في اتخاذ القرارات الواقعة ضمن نطاق مسؤولياتها، في كل ما يتعلق بطرق ووسائل ممارسة هذه المسؤوليات والموارد اللازمة لأجل ذلك وكذلك بتحديد أولويات الإجراءات في هذه المجالات. فضلاً عن ذلك تعمل السلطة المحلية كوصي عام في جميع أنشطتها، وبالتالي فهي ملزمة بممارسة صلاحيتها وفقاً لأحكام القانون".
لا يوجد خلاف كبير بين أغلب المحللين الإسرائيليين على أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لديه تحالف استراتيجي مع كتل الصهيونية الدينية واليهود الحريديم المتشددين دينياً والذين يوصفون عادة بأنهم شركاؤه الطبيعيون، وذلك منذ عودته إلى هذا المنصب في العام 2009، بعد أن تولاه بين الأعوام 1996- 1999، ولكن هناك خلاف فيما إذا كان هذا التحالف ما زال خاضعاً إلى سيطرته، ولا سيما في أعقاب تقديمه إلى المحاكمة على خلفية تهم جنائيّة، أم أنه يجعله عرضةً إلى الابتزاز المرة تلو الأخرى بما لا يتوافق مع مواقفه الأصلية. وسواء أكان هذا التحالف واقعاً تحت السيطرة من جانب نتنياهو أو العكس، فإن النتيجة تبدو واحدة في كل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والأراضي المحتلة منذ 1967. كذلك لا يجوز ألا نأخذ في الاعتبار أن زعماء التيّار الصهيونيّ الدينيّ في الوقت الحالي هم من الجماعات الأكثر تطرّفاً وأن منافسيهم من الأقلّ تطرّفاً لم يعد لهم أدنى تمثيل في الكنيست الحالي.
الصفحة 91 من 859